اعتبرت بعض الثقافات ثمرة الرمان دلالة على السعادة والحب والبركة، وارتبط بالكثير من الأساطير والرموز، توقف الإنسان القديم بدهشة أمام عصيره الشبيه بالدم، وحائراً، أما البقعة التي يتركها على الملابس وتتم إزالتها بصعوبة بالغة. يتفرد الرمان بطعمه الذي يمزج بين المذاق الحلو والحامض والمر، ويقال إن بعض الحضارات استخدمته في صناعة الحبر، فضلاً عن استخداماته في علاج أمراض عديدة.

شجرة أساسية

ورد ذكر الرمان في القرآن في أكثر من موضع «فيهما فاكهة ونخل ورمان» (الرحمن-55)، ولذلك اعتبر البعض أن الرمان لا ينتمي إلى الفاكهة، حيث عطف عليها في الآية الكريمة وبالتالي هو ليس من جنسها، وكذلك «وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نباتَ كلِّ شيء فأخرجنا منه خَضِراً نخرج منه حباً متراكباً ومن النخل من طلعها قِنوَانٌ دانيةٌ وجناتٍ من أعنابٍ والزَيتونَ والرمانَ مشتبهاً وغيرَ متشابِه انظروا إلى ثمرِهِ إذا أثْمرَ ويَنعِه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون» ( الأنعام -99)، وكانت شجرة الرمان من الأشجار الأساسية في الحدائق في مختلف أرجاء العالم الإسلامي إلى جوار التين والزيتون والنخيل، أما الشكل المنتظم لحبوبه، فرأى فيه بعض المتصوفة انعكاساً مباشرة لقدرة الخالق في إبداع وهندسة الكون، فضلاً عما توحي به من لانهائية.

يعرف الكثيرون كذلك أن شجرة الخطيئة التي أخرجت آدم من الجنة وفق التصور المسيحي كانت شجرة التفاح، إلا أن البعض يؤكد أنها شجرة رمان، في كتابه «الرمان..تاريخ وحكايات من حول العالم»، يؤكد الكاتب الألماني بيرند برونر، أن الكتاب المقدس لم ينص صراحة على أن تلك الثمرة هي التفاح، وبعد ذلك يتطرق إلى سرد طويل حول علاقة وثيقة بين الرمان والعائلة المقدسة تجلت في عدة أعمال تشكيلية، فهناك لوحة «العذراء وثمرة الرمان»، لساندرو بوتيتشيلي مرسومة في عام 1487، ولوحة «العذراء تقدم للطفل ثمرة رمان»، لهانز هولباين حوالي عام 1510، ولوحات مماثلة لرافاييل ولورينزو دي كريدي. ولكن لماذا استبدال التفاح بالرمان...إن تعاضد حبات الرمان داخل الثمرة يشير إلى قوة التعاون بين جماعة المؤمنين..الحواريين وأتباع المسيح والكنيسة، أما ثمرة الرمان نفسها فكانت رمزاً للخصوبة في الحضارات الشرقية القديمة، ويعتبر الرمان في البوذية ثمرة مباركة.

رحيق العشق

يرتبط الرمان بالحب ووصفوا عصيره الأحمر ب«رحيق العشق»، وحسم «باريس» الخلاف بين الربات الثلاث «هيرا» و«أثينا» و«أفروديت» بأن منح الأخيرة ثمرة رمان، في دلالة أكيدة على أنها الأكثر جمالاً، وفي أسطورة أخرى خلقت «أفروديت» أول ثمرة رمان من دماء حبيبها الوسيم «أدونيس» وفي ملحمة الأوديسة ظهر الرمان بوصفه إحدى ثمار الفردوس، واعتادت الشعوب القديمة على وضع مجسمات من البرونز والنحاس والذهب على شكل ثمرة رمان بجوار الميت كهدية تصحبه في الحياة الآخرة، وتعددت رسوم الرمان على حوائط المعابد المصرية القديمة، وفي ثقافات قديمة كان الزواج لا يكتمل إلا بنثر بذور الرمان على عتبة المنزل الجديد الذي سيقطن فيه الزوجان، وهناك اعتقاد بأن إكثار المرأة الحامل من أكل الرمان سيؤدي بها إلى إنجاب طفل ذكر، كل هذا بالإضافة إلى حكايات حول استخدام أغصان شجرة الرمان في البحث عن المياه الجوفية، وأساطير أخرى حول استخدامها في التنقيب عن الذهب.

هدية للضيوف

في العام 1891 يستوحي الروائي الإنجليزي أوسكار وايلد الرمان في عنوان مجموعته القصصية «بيت الرمان» ليرمز إلى أفكار وعواطف مختلفة يجمعها عنصر واحد، وفي عام 1969 أخرج سيرجي باراجانوف فيلمه «لون ثمار الرمان»، وفي أحد المشاهد يظهر أربعة عشر من رجال الدين يأكلون ثمار الرمان، في إشارة واضحة على قدرة تلك الثمرة على توحيد الشعوب القوقازية؟

نعود إلى بيرند برونر المفتون بالرمان، حيث يخبرنا مثلاً أنه الفاكهة القومية في أرمينيا، وفي ذلك البلد تقدم هدية للضيوف الأجانب تسمى «تاروسيك»، وهي عبارة عن ثمار رمان مجففة يفترض أن تجلب الحظ لهم، ليس هذا وحسب فثمار الرمان محفورة في المباني العامة وعلى واجهات الكنائس والأديرة، وهناك حكاية شعبية يتداولها الناس تقول: «لقد سقطت ثلاث ثمرات رمان من السماء، واحدة لراوي الحكاية، وواحدة لمن يستمع إليها، وواحدة للعالم بأسره».

وحش آدمي

هناك شخصية شهيرة كرهها المصريون عاشت خلال القرن الثامن عشر، كان يدعى بارثمليو يني، أو «برطلمين» أو فرط الرمان بحسب النطق الشعبي، وهو يوناني التحق بخدمة محمد بك الألفي، وبحسب الجبرتي استخدمه الألفي في جمع الضرائب، وبعد دخول نابليون إلى القاهرة تحول ولاؤه إلى الغازي الفرنسي، وساعده في القضاء على المقاومة وتعذيب الوطنيين، ووصفه بعض المؤرخين بالوحش الآدمي، حتى كان المتظاهرون يرددون «الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان» أما سبب تسميته، فربما يعود إلى تخفيف اسمه اللاتيني ليتوافق مع اللهجة المحكية أو إلى شدة احمرار وجهه الشبيه بالرمان.

المصدر: الخليج

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية