بدأت شركة شيفرون النفطية الأمريكية العملاقة بالعمل في غابات الامازون المطيرة بالاكوادور في عام 1964. وعلى مدى ثلاثين عاماً، أصبحت هذه المعجزة البيئية العظيمة ضحية جشع وانتهاك الشركة غير المنظم. وفي الوقت الذي أخلت فيه الشركة المنطقة عام 1992، كان تأثيرها السام ضاراً على البيئة بأكثر من 1700 مرة من تسرب إكسون فالديز النفطي في الولايات المتحدة.

لمعاينة هذا الأمر عن قرب، قامت الصحفية الأمريكية آبي مارتن، التي تقدم برنامج "ملفات الإمبراطورية" على قناة "تيليسور" الناطقة بالإسبانية، وتبث من كراكاس عاصمة فنزويلا، بزيارة مسرح الجريمة، لتصوير هذا الفيلم الوثائقي، الذي كشفت فيه مدى الأفعال الإجرامية التي خلفتها هذه الصناعة النفطية بشكل عشوائي، وكيف أنها أفسدت ثروات فردوس استوائي بكر.

تتواجد غابات الأمازون في أغلب دول أمريكا الجنوبية، وإن بدرجات متفاوتة، إذ أن البرازيل تضم أكبر امتداد لها ثم بيرو، ثم كولومبيا، وبدرجات أقل في فنزويلا والأكوادور وغيرها من دول أمريكا الجنوبية، ويجري الاعتداء عليها بشكل سافر في أغلب هذه الدول، وهي تعتبر الرئة التي تتنفس عبرها هذه القارة. تستضيف غابات الأمازون مئات الآلاف من الأنواع الفريدة من النباتات والحشرات والحيوانات، فضلاً عن أقوام بشرية متنوعة. كل هذا أصبح تحت التهديد،عندما أنشأت شركة شيفرون عملياتها التنقيبية في المنطقة منذ أكثر من 50 عاماً.

في بداية الفيلم، تقدم المخرجة آبي مارتن سلسلة من الإحصاءات الواقعية. فخلال سنوات عملها، ألقت الشركة 17 مليار غالون من النفط الخام في تربتها، و19 مليار غالون من مياه الصرف الصحي الملوثة في المنطقة. وقبل عملية الإخلاء، حاولت إخفاء انتهاكاتها البيئية من خلال تغطية هذه البقع بالأوساخ أو إشعال النيران فيها. مجمل هذه الجرائم ببساطة لا يمكن إنكارها، إذا أن هذه الأرض وشعبها عانوا من الآثار المدمرة على مدى عقود.

يقدم العديد من الخبراء البيئيين في الفيلم لمحة عن الضرر الحاصل في هذه الرقعة المبهرة من العالم. فالحياة النباتية المزدهرة باتت مشبعة في داخلها بالنفط الخام، والمواد السامة لوّثت الأنهار. وفي الوقت نفسه، عانى المواطنون الأكوادوريون من المحن والأزمات الخاصة بهم في أعقاب غزو شركة شيفرون، فقد تم تخريب الانسجام المشترك بينهم، وحالة الاعتزاز، وباتوا يعانون من زيادة في الأمراض والموت المبكر.

تضع مخرجة الفيلم ما عانى منه سكان الأمازون جراء ممارسات شيفرون العشوائية في سياق الآلة الصناعية التي تعمل دون رقابة أو إشراف. وتشير إلى أنه من دون أدنى شك، حصلت شيفرون على حرية التحكم في المنطقة لسنوات عديدة، وهذا يعني أنها ملأت جيوب صناع القرار بالأموال من أجل الحصول على حرية العمل. وتتحدث كذلك عن سلسلة الدعاوى القضائية التي يعمل السكان عليها حالياً من خلال نظام المحاكم.

ومن بين من التقهم المخرجة، الرئيس الأكوادوري رافاييل كوريا الذي تظهر له لقطة تلفزيونية وهو في غابات الأمازون، إذ يغمس يده في التربة، فيخرج منها النفط الخام، مؤكداً أن مساحات هائلة بهذا الشكل. ويتحدث عن محاولات شركة شيفرون في تأخير الدعوات القضائية التي رفعت ضدها، متهماً إياها بالفساد، وأصر أن النظام القضائي في بلاده يتمتع بالنزاهة والاستقلالية، ولا يمكن لقاض فاسد تلقى الرشى أن يكون نموذجاً لجميع القضاة، وتحدث أيضاً عن معاهدات الاستثمار المتبادل بين بلاده والولايات المتحدة، إذ يجد أنها في ظل الحكومات الفاسدة في بلاده في فترة التسعينات، لم يكن الاستثمار في خدمة سكان هذه المنطقة بل ضدهم. كما التقت المخرجة وزير خارجية الأكوادور غويلام لونغ الذي أكد أن الدعاوى لابد أن ترفع، وأن يتم تعويض المتضررين من السكان الأصليين لهذه المنطقة، وأن يتم النظر في الآثار التي خلفتها شيفرون. وكان قد سبق أن أقر أحد القضاة في الأكوادور أن على شركة شيفرون أن تدفع ما يقارب تسعة مليارات دولار لقاء تنظيف الفوضى والدمار البيئي الذي خلفته.

الفيلم يوجّه انتقادات لاذعة للعديد من التكتيكات التي تتبعها شركة شيفرون، وتدعو الرأي العام العالمي إلى اتخاذ إجراءات صارمة حيال تحركات الشركة، وأي شركة تعمل بعشوائية، ولا تكترث بالطبيعة والبيئة وحياة الكائنات الحية. وفي صيغة أوسع، يعدّ هذا الفيلم الوثائقي نداء مؤثراً للاضطلاع بأكبر قدر من المسؤولية والمساءلة والرقابة، عندما يتعلق الأمر بحماية صحتنا، وبقاء الحياة بأفضل شكل على كوكبنا الجميل.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).