نوح سميث 

يعتقد بعض الاقتصاديين أن مفتاح النمو هو تخفيض الضرائب وتحرير النظام المالي، ويزعمون أن تعميق التفاوت الطبقي بسبب هذه السياسات يقلص القدرة على تحسين الكفاءة.

يعتبر موت ألبرتو أليسينا، أستاذ علم الاقتصاد السياسي في جامعة هارفارد، الذي قضى بنوبة قلبية قبل أيام، أكبر خسارة لعلم الاقتصاد المعاصر، باعتباره الشخصية التي أحدثت ثورة في علم الاقتصاد السياسي المعاصر.

وغالباً ما يغفل العالم خبراء الاقتصاد بتجاهل الجوانب السياسية في نظرياتهم. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على الأقل، كان الاقتصاديون ينظرون عموماً إلى دورهم على أنه تقديم الخبرة والمشورة للقادة التكنوقراطيين، أو «الهمس في آذان الأمراء». ولكن في عالم الواقع، نادراً ما تجد القادة الذين لديهم حكمة الإصغاء إلى الخبراء الأكاديميين والقدرة على تنفيذ جميع توصياتهم. وفي الأغلب الأعم يتكون عالم الساسة من خليط متشابك من مجموعات المصالح، والتناقضات الثقافية، والتشاحن الحزبي والنفعية الانتخابية.

ينفض بعض الاقتصاديين أيديهم من هذه الفوضى، ويخلصون إلى أنه إذا لم يستمع القادة إلى صوت العقل، فليكن ما يكون. لكن أليسينا خاض غمار تلك الفوضى المتشابكة مباشرة، بالجمع بين النظرية والبيانات، في محاولة لإثارة التفاعل المعقد بين السياسة والاقتصاد. أحد الأسئلة الكبيرة التي عالجها أليسينا هو لماذا لا تتمتع الولايات المتحدة بمزايا الرعاية السخية التي تتاح للبلدان المتقدمة في أوروبا؟. أجاب عن هذا التساؤل في ورقة بحث شارك فيها كل من إدوارد جلاسر وبروس ساكروت، تضمنت شقين. أولاً، تم تصميم المؤسسات الأمريكية - مجلس الشيوخ والنظام الانتخابي والنظام القانوني - في وقت أبكر بكثير من نظيراتها الأوروبية الحديثة، وبالتالي فهي أكثر توجهاً نحو حماية الملكية الخاصة قبل كل شيء. ولكن بالإضافة إلى ذلك، وجد الثلاثة دليلاً على أن العداء العنصري أهم ميزات الاستثناء الأمريكي.

استمرأ معارضو إعادة توزيع الثروات في الولايات المتحدة بشكل منتظم الخطاب العنصري لمواجهة السياسات اليسارية. والتمييز على أساس العرق داخل الولايات المتحدة، هو العامل المعتمد في دعم الرفاهية. ومن الواضح أن العلاقات العرقية المضطربة هي سبب رئيسي لتلاشي دولة الرفاهية الأمريكية.

اعتقد أليسينا أيضاً أن الانقسامات العرقية والعنصرية يمكن أن تعطل النمو الاقتصادي. وقال في بحث آخر إن المدن الأمريكية ذات التباين العرقي أكثر فاعلية في بناء الطرق وتنظيف الشوارع وإنفاق الأموال على التعليم، وكلها تُسهم في النمو الاقتصادي. وكشف البحث أن دول ما بعد الاستعمار ذات الحدود التي رسمت على أسس عرقية أسوأ اقتصادياً من الدول ذات الحدود الطبيعية مثل الأنهار والجبال.

قد يرى البعض في هذا المنطق تأكيداً للأفكار اليمينية التي تقول إن التنوع السكاني يضر بالدول. ولكن على الرغم من أنه قد يساعد في تفسير نجاح البلدان المتجانسة مثل السويد وكوريا الجنوبية، فإن نظرية أليسينا أكثر دقة مما قد تبدو. فقد أوضح في بحث أعده عام 2003، أن تشابه سكان دولة ما على الورق ليس بالضرورة وراء ازدهارها، وإنما في قناعاتهم بأنهم شعب موحد. فالتجزئة قناعات في الأذهان، وليست موروثات في الجينات. وهذا يعني أن تعزيز الهوية المشتركة والوحدة الوطنية هو الطريق المضمون للولايات المتحدة وغيرها من الدول ذات التنوع السكاني لتحقيق الازدهار والرفاهية.

وتناول أليسينا في أبحاثه قضايا أخرى ذات صلة بالرفاهية والنمو. ويعتقد بعض الاقتصاديين أن مفتاح النمو هو تخفيض الضرائب وتحرير النظام المالي. ويزعمون أن تعميق التفاوت الطبقي بسبب هذه السياسات يقلص القدرة على تحسين الكفاءة. لكن أليسينا اعتقد أن اللامساواة تؤدي إلى السخط الاجتماعي، الأمر الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي، مما يحد من النمو الاقتصادي. وقد تنبأ بتعرض عدد من الدول التي تعاني تفاوتاً طبقياً لاضطرابات سياسية وتدهور اقتصادي.

بعد الأزمة المالية لعام 2008، قال أليسينا إنه من الممكن أن تكون برامج تخفيض الإنفاق سبباً في تعميق الركود. كانت الفكرة الرئيسية هي أن تخفيضات الإنفاق تقنع الجمهور بأن الحكومة ستكون مسؤولة مالياً في المستقبل، وتجعل المستهلكين أكثر ثقة في الإنفاق في الوقت الحاضر. وفي حالة التحفيز المالي والاقتصادي، ترجح كفة القوى الاقتصادية المهيمنة على كفة القوى السياسية.

صحيح أن العالم لا تحكمه النظريات السياسية والاقتصادية فحسب، بل مواقف الجماهير وعواطفهم ومصالحهم، لكن خبراء الاقتصاد السياسي المبدعين يجدون من يتحسر على أفكارهم ونظرياتهم فقط بعد أن يرحلوا.

المصدر:  بلومبيرغ

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).