تتجلى أصالة الشعوب وعراقتها في فلكلورها وثقافتها وآدابها، وأيضاً حكمها وأمثالها. فليس هناك من شعب ثري بثقافته إلا وفي حياته اليومية أمثال تتحرك على ألسنته.

وفي هذا السياق، يأتي كتاب (Pîr û Pendî) للسياسي السابق والكاتب بلال حسن من عفرين والمقيم في ألمانيا، ليقدم أمثلة وأقوال شعبية كردية قيلت على مدى آلاف السنوات بشكل شفاهي.

يجمع الباحث في هذا الكتاب ما يزيد عن 20 ألف مثل شعبي باللغة الكردية، بعضها مع مثال أو شرح بسيط بين قوسين لتقديم توضيح أكثر. كما ألحق الباحث بالكتاب قاموساً صغيراً يشرح فيه الكلمات الصعبة.

قدّم لهذا العمل البحثي الدكتور محمد زينو، ومما يقوله (ترجمها باختصار من الكردية الشاعر لاوين شيخو): الأمثلة الشعبية هي أحد أنواع الثقافات أو يمكن اعتبارها من فولكلور الشعوب، وهي تعبر عن الأحداث التي عاشها المجتمع. إنها مرآة فكر الشعوب، ولتتعرف على فكر أي شعب كان، عليك قراءة أمثاله لتتعرف على ثقافته في كل مناحي الحياة. ولذلك ترى الكثيرين من مفكري ومثقفي الأمم قد اجتهدوا في جمع هذه الأمثلة في كتب ومجلدات للحفاظ عليها، وتقديمها للأجيال المقبلة. وهذه الأعمال كانت موضع اعتزاز لديهم على الدوام".

ويضيف الدكتور زينو: "هذه الأمثال متعددة تحتوي أحياناً أسماء لمناطق ومدن، وغير ذلك لتكون دليلاً على المكان الذي نشأ فيه المثل. مثال: (سافر فلان ولكنه عاد الحمار نفسه) هذا المثال يوحي إلى من لا يتعظ من العبر في حياته. والكثير من أمثلة الشعوب تحكى بطريقة لتعني وتحمل مغزى بعيداً عما تحمله الجملة نفسها. لا أريد في هذه المقدمة سرد عديد الأمثلة كي يستمتع القارئ بها من الكتاب نفسه، ومن الواضح أن المئات إن لم نقل الآلاف من أمثلة الشعب الكردي قد فقدت وتم نسيانها لأنها لم تحفظ في كتب ومجلدات لذلك بقينا نحتفظ بهذه العلوم شفهياً فقط، ومن المعلوم أن الحفظ الشفاهي يتلاشى مع مرور الزمن، ولهذا من الواجب توثيق مثل هذا الموروث العظيم كما فعل ذلك الأستاذ المجتهد والمناضل بلال حسن الذي أفنى سنين طويلة في كفاحه هذا وهو يجمع الآلاف من الأمثال ليوثقها ويحميها من الضياع".

وفي نهاية العمل يقول الباحث بلال حسن (ترجمها لاوين شيخو): "الأمثال والحكم هي جزء من تراث وثقافة الشعوب، ورغم أن أي موروث من هذا النوع يبقى مهماً، لأنه يحتفظ بجزءٍ من ثقافة وأطباع المعيشة في تاريخ الشعوب، إلا أنّ هذا الجزء من الموروث الثقافي هو الأكثر تميزاً وأهمية على الإطلاق. فالامثال والحكم تعد مرآة تعكس بدقة كل مناحي الحياة لدى الشعوب".

ويضيف: "وبحسب رؤيتي اذا أراد أحد ما أن يقيّم شعباً، فعليه الالتفات بالدرجة الأولى إلى الأمثال والحكم المتداولة لدى هذا الشعب أكثر من أي نوع آخر لموروثه الثقافي. والسبب هو أن هذا الجزء من الموروث مرتبط بالتفاصيل الدقيقة التي مر بها في كل محنة أو هجرة حدثت عبر التاريخ، وكل مناسبة احتفظت في سيرتها بمثل يحكي ذاك الواقع أو الواقعة".

ويرى أن "كثرة الأمثال لدى أي شعب تعكس مدى فعاليته وتفاعله مع واقعه ومع جيرانه وأعدائه، مدى تعلقه بالسلم والسلام والقتال، تعلقه بزراعة الحقول، غرس الأشجار وتربية المواشي، معرفته بالفلك والنجوم، وحسب رؤيتي أجد أن الشعب الكردي ثريٌ بفلكلوره. كان قراري شخصياً في كتابة هذه الأمثال والحكم، واستغرف تجميع ما وضعته في هذا الكتاب الكثير من الوقت مني، ليكون ركناً صغيراً لأجيال قادمة يمكنها الاستناد عليه حين قراءته.أتمنى أن يعود الكرد إلى قراءة هذه الأمثال والحكم ويعيدوا استخدامها من جديد".

ويختم كلمته بالقول: "كتابي هذا هو تتمة لكتابي الأول الذي طبع في لبنان عام 1995، لكني أضفت عليه العديد من الأمثلة الجديدة التي دونتها لاحقاً، وقد أعدت صياغتها بلغة علمية، ولم أغير في الأحرف الصوتية لتبقى كما هي تماماً حسب الأصول، دونما أي تحريف للغة المحكية. ولا أود الخوض في هذا السياق العلمي كثيراً وأترك للقراء الأعزاء الخوض في غمار هذه الأمثال والحكم وأرجو أن يترك أثراً حسناً لدى كل من يقرأ الكتاب".

الكتاب يتألف من 795 صفحة من القطع الكبير وهو صادر في 2012 في ألمانيا، كما أنه متوفر كتطبيق إلكتروني باسم (Pîr û Pendî (Ji wêjeya gelêrî



الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).