لوحة تشكيلية للفنان سرور علواني

1

المنسيُّ

 

لِنُذَكِّر بحال ذاك المنسي، المتواري خلف شقق المدينة وأزقة العمران والدور المسلحة

هناك حيث التلال والبيوت الطينية الخفيضة والبقر والماعز المشاغب.

هناك لا هدير ولا زحام، أو معارض وحفلات،

لا غير رفقة الطيون والخزامى ورعي النجوم. والقمر قنديل!

لا يكترث لم يحدث في دهاليز السياسة ولا الأوبئة، ولا الاقتراع، ولا راغب أو علامة وشاخصة.

أدار بظهره ومعوله ووسادته وثمل لوحده مع أناشيد الرعاة، وتمائم المطر ونباح كلب؛

يقابل ألف جوقة وكونشيرتو..


2

القلب

‏يقول سركون بولص القلب: كوة تحت الضلع الثاني ‏غير صالحة إلا للكسر.

هكذا يبدو لطالما رُشق.

والمفروض من حيث هشاشته، وفرط إحساسه ونبل قوامه؛ هذا لو (صفا)

أن يُصَنَّف ضمن تلك القطع التي تُذَيّل بـِ: قابل للكسر

القلب: يناصف الزجاج سلوكًا

بل ويتعداه!

رفقًا بهذا الرضيع وتحنانا؛ فَوَاللَّهِ لهو أرق من أن يتلقى نسمة، أو يتعرض للمسة.

درءاً للأذى خصَّه الله بقضبان وهو العصفور المستكين

والطائر المغرد أبداً لكل حانٍ وجميل


3

المكتبة

ولأن الحديث عن المكتبة، يستأثر بقلبي، عودة أخرى لهذا (العالم) الذي انتُزعت

أضلاعه من الزان وغيره من الأشجار التي أزهرت على هيئة رفوف وأدراج

يا بختها من بين الموجودات... ويا سعد طالعها وقد استقرت عليها أرواح الكتب!

لا غَرْوَ وهي اللصيقة بالحكمة ودرر القول والحكايا والفن والعِبَر...

وكل أمر من شأنه أن يقتلع

المرء من طين الجهل والجلف، والوحشة

إلى مناط الأنس والثُّرَيَّا...

أتذكر والحديث عن هذه الغادة؛ بالمناسبة ذُكر في المعاجم أن (الغادة) إلى جانب كونها

الناعمة اللينة هي من الأَشجار: الغضَّةُ الرَّيَّا؛

إذن يأخذني الحديث إلى أحوال الوالد رحمه الله

مع مكتبته وكتبه التي أوشكت أن تستوطن حتى غرفة المعيشة، بل وتجاوزتها

بحكم قربي منه وحبي لعالمه الأثير كنت أتعهد مكتبته بالعناية والترتيب وكثيراً ما كنت أنساني بين دفتي كتاب لا أنتبه إلا وقد انتصف النهار ونداءات الوالدة تقرع نزوحي المتكرر

ما سبق مقدمة لِمَ أنا بغرض الوصول إليه:

يقال بأن الفيلسوف كانت أو كانط كان يقول لخادمه: لا تُفسد عدم نظام مكتبتي!

سمعتها من الوالد مراراً؛ ياسمين:

لا تقلقي فوضى الأوراق والكتب المتناثرة ودعي المكتبة، فلكل كتاب جغرافية

أستدل عليه وأنا مُغمض!

4

محبّ الكتب والكتابة

‏"أمي وقورة وخاشعة في حضرة الكتب، في طفولتي كنت أظن الجرائد مقدسة"

‏"أمي دودة كتب، لقد عشتُ يتيمًا" ‏"أمي مكتبة تخلو من كتب الطبخ كبرتُ وأنا جائع"؛

كافكا متحدثًا عن أمه.

على النهج ذاته سار والدي، كم حالت الكتب وأمور أخرى دون أن نتذوق فاكهة الأبوة

وعلى الوجه الأكمل في ظل هوسي أيضاً. لا أعلم إن كان على الوالد ثمة مأخذ؟!

هوس محمود هذا الذي يلقي بالمرء في أتًون أسنى وأجمل حالة!

القرّاءة؛ فلنتورط بها دون أي عتب أو حسّ بالملامة والندم!!

يبدو على محبّ الكتب والكتابة أن يفكر ملياً قبل أن يَتَوَرَّط أو (يُوَرِّط)!


5

المعرفة والحدّ

(الإنسان مُلزم بالمعرفة،

الإنسان مسؤول عن جهله؛

الجهل خطيئة.)"م. كونديرا"

ـــ بالرغم من ادعائها ولدى الأغلب لا أجدها تنتصر على الهوى وما لها من سطوة..

ــ المعرفة كيف بها يُملى عليها ولا تملي هي؟!

ــ المعرفة أئلى هذا الحد تشكل على النفوس؛ بحيث أضحت شكوكًا ومزاعمَ وريبة...؟

ـــ المعرفة في واد والذين يدعونها في واد آخر.

ــ المعرفة لا تحتاج لقنديل ولا إلى صراخ.

ــ المعرفة وبعيدًا عن جانبها الفلسفي والتنظيري.. هي تلك التي تدرأ عن المرء:

العنت، والغلظة، والقبح، والعمى..

ــ المعرفة أن تنتصر للجمال للخير وللحق..

ــ المعرفة أن تقتل السوء في نفسك.. وتجهز على شوائب قد تمنع عنك

رؤية الحقيقة..

ــ المعرفة أن تلزم حدود معارفك.. ولاتجدك منزهاً، عصيّاً عن الخطأ!

المعرفة كل ذلك وأكثر

ــ المعرفة باختصار: أن تلزم حدك!


6

عندما تُهزم الكتابة

تساءل المنظر الفرنسي بلانشو: هل الكتابة هي محاولة كتابة ما يتعذَّر كتابته؟

بعيداً عن الحيرة وهذا التساؤل، ثمة أحداث تقف (الكتابة) أمامها عاجزةً، حتى لو استعانت بمردة الجن ولديها من المكنة ما لديها. فلا هي بالقدرة لتَحْمِل ولا الحدث بمنأى ليُترك.

وهكذا تظل الحالة ماثلة دون أن تطول. لا غير الخيبة.

وللهزيمة أذيال تجرها الكتابة!

دائمًا هناك ما يخرس اللَسِن ويُلجِم الكلمات، ويسكت التعبير!

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).