"بي جيز"... ثلاثة إخوة أصابوا العالم بحمى الموسيقى
الشهرة والثروة والجوائز لم تفلح في صد الأحزان العميقة عن أعضاء الفرقة
كانت البداية في 1957، عندما شكل الإخوة غيبس Gibbs، وهم: باري والتوأمان روبن وموريس، فرقة "منزلية" للروك أند رول، ضموا إليها شقيقتهم ليزلي واثنين من أصدقائهم وسموها Rattlesnakes (ثعابين الخشخيشة). وفي العام نفسه دخلت الفرقة مسابقة محلية للغناء الصامت lip-sync (أغنية مسجلة مسبقا ويحرك المغني شفتيه فقط للإيهام بصدور الصوت منه). وفي عجلتهم للوصول إلى دار العرض، سقطت أسطوانتهم وتهشمت. فاضطروا لأداء أغنيتهم حية على خشبة المسرح وأدهشوا الجمهور بقدرتهم على الغناء الهارموني ونالوا الجائزة الأولى. وفي العام نفسه أيضاً دفع الفقر الأسرة إلى الهجرة من الجزيرة البريطانية الصغيرة مسقط رؤوسهم إلى استراليا، حيث استقرت بمدينة ريدكليف في كوينزلاند أولاً، ثم كريب آيلاند في ضواحي بريسبين عاصمة الولاية. وهنا صار الصبية من "فناني الشوارع" يؤدون عروضهم الغنائية أينما وجدوا جوقة من المستمعين مقابل ما يلقى إليهم من مال، لكن شقيقتهم ليزلي هجرت الفرقة قائلة إنها لا تطيق الشهرة (وإن كانت تظهر معهم بين فينة وأخرى).
سر التسمية
بسبب عذوبة أغاني الإخوة غيبس التقطهم بيل غودج، وهو مدير أحد سباقات السيارات فصاروا يقدمون عروضهم في سباقاته تلك. ثم قدمهم إلى بيل غيتس وهو أحد مقدمي البرامج الغنائية في راديو بريسبين. فتولاهم برعايته وصار بمثابة مدير أعمالهم وسمى فرقتهم "BGs" المؤلفة من الأحرف الأولى لاسمه هو وبيل غودج وباري غيبس (وليس للإخوة الثلاثة كما يُشاع). وفي وقت لاحق غير كتابة "BGs" إلى "Bee Gees"، وهي نفس اللفظ الأول، ولكن في كلمتين بدلاً عن ثلاثة أحرف. وهكذا ولدت الفرقة التي قد يعرفها العالم العربي بإحدى أنجح أغانيها وهي Stayin’ Alive. شاهد الفيديو هنا:
بدءاً بالعام 1960 وبفضل غيتس توسعت الرقعة التي يحتلها البي جيز على الساحة الفنية الاسترالية بظهورهم على شاشات التلفزيون وإحيائهم حفلات في منتجعات علية القوم بطول ساحل كوينزلاند. وقاد هذا الذيوع إلى صفقة مع استديو "ليدون ريكوردس" أنجزوا فيها أكثر من 10 أسطوانات متأرجحة النجاح التجاري. فدفعهم الضيق بهذه الحال للعودة في 1967 إلى بريطانيا، كونها المركز الثقافي الأكبر بالقياس إلى استراليا... ولِم لا وهي أرض "البيتلز"؟
إلى العالم عبر لندن
في لندن قادهم الطريق إلى مدير أعمالهم الجديد، روبرت ستيغوود (ستيغ)، الذي رأى فيهم من الموهبة الموسيقية ما يكفي لتقديمهم إلى العالم بأكمله. فحصل لهم على عقدين لخمس سنوات مع استديو "بوليدور ريكوردز" في لندن و"آتكو ريكوردز" في أميركا، وبدأ حملة ترويجية واسعة النطاق لتعريف الجمهور بموسيقاهم. ومع إطلاق أغنيتهم To Love Somebody (من ألبومهم الأول Bee Gees 1st) فُتح لهم باب الشهرة عريضاً في الغرب. ويتضح هذا جلياً في أن هذه الأغنية أصبحت إحدى أكثر مؤلفاتهم التي شدا بها مغنون آخرون من نينا سيمون وجانيس جوبلين وتينا تيرنر إلى رود ستيوارت ومايكل بوبليه ومئات غيرهم. ويذكر أن البي جيز ألفوا هذه الأغنية أصلاً هدية للمغني الأسود أوتيس ريدينغ، ملك موسيقى السول وقتها وأحد أبرز النجوم الذين تركوا أثراً واضحاً على مزاج البي جيز الموسيقي. لكن ريدينغ قُتل في سقوط طائرته بعيد ذلك قبل أن يتمكن من تسجيلها، فعادت لهم. شاهدهم يؤدونها هنا:
ثمن السعي للشهرة
إذا كانت بريطانيا (وقتها) هي الربوع الثقافية التي يسعى إليها الفنانون من العالم الناطق بالإنجليزية مثل استراليا، فقد كانت (وتظل) الولايات المتحدة هي تلك التي يسعى إليها الفنانون البريطانيون أنفسهم. ولذا سعى ستيغ، مدير أعمال البي جيز، إلى إسماع الأميركيين هذا الصوت الجديد. فظهروا على شاشات التلفزيون بين نيويورك ولوس أنجليس في أكثر البرامج شعبية على غرار The Ed Sullivan Show، وأيضاً This Is Tom Jones المسجل في لندن لشبكة "ABC" الأميركية.
ومع ضغوط السعي إلى الشهرة وتباين وجهات النظر حول المسار الذي يجب أن تتبعه الفرقة، تفككت ثلاث مرات بين 1969 و1971، فهجرها باري مرتين قبل أن يعود. وكان روبن أول من انشق بعدما شعر بأن ستيغ لا يعامله على قدم المساواة مع باري، مع أنه أثبت قدرة عظيمة على الغناء المرهف. شاهده هنا وهو يؤدي Massachusetts إحدى أعذب أغانيهم:
الفالسيتو وحمى ليلة السبت
بحلول 1975 كانت الفرقة قد التأمت مجدداً، وبناء على نصيحة المغني البريطاني إريك كلابتون دخلت في عقد خاص مع Criteria Studios للإنتاج الموسيقي في ميامي، فلوريدا لتسجيل ألبومهم Main Course. وخلال بروفات أغنيتهم Nights on Broadway اقترح عليهم مدير الاستوديو الفني التركي الأصل، عارف مرضين، أن يغني أحدهم الأشعار في الخلفية بصوت رفيع أقرب إلى الصراخ، فقط لإضافة "شيء من البهار" إلى الأغنية. فتولى باري هذه المهمة، وفي تلك اللحظة وُلدت "علامة البي جيز التجارية" وهي الفالسيتو (أو غناء الرجل بصوت نسائي).
ويعود لإدخال عنصر الفالسيتو هذا في أغانيهم قدر كبير من الفضل في فوزهم بالتعاقد لتأليف أغاني فيلم Saturday Night Fever (حمى ليلة السبت - 1977)، لأنه خلق صوتاً جديداً في موسيقى الديسكو. فغناء الفالسيتو نفسه لم يكن جديداً في حد ذاته إذ اشتهر به نجوم مثل سموكي روبنسون وكيرتس مايفيلد وفرانكي فالي. لكن هؤلاء كانوا أفراداً بينما البي جيز فرقة من ثلاثة أصوات تتيح أبعاداً متعددة عبر الهارموني. وبينما كان أولئك يغنون لتحريك الروح وحدها، كان البي جيز يغنون لتحريك الجسد أيضاً.
ولأن ذلك الفيلم ضرب على وتر حساس مع قطاع هائل من شباب المعمورة، فقد عاد لبطله جون ترافولتا ولفرقة البي جيز بقدر من الشهرة لا مثيل له في سرعته، وقذف بكل منهما إلى مراتب أسطع النجوم على هذا الكوكب.
شاهد الممثل جون ترافولتا يؤدي رقصته الشهيرة على وقع أغنيتهم You Should Be Dancing في الفيلم Saturday Night Fever هنا:
ثم شاهدهم يؤدون أغنيتهم Alone كمثال على محاكاة الصوت النسائي:
حياة بعد موت
على الرغم من أن البي جيز امتداد لصنوف من الموسيقى الغربية البيضاء والسوداء (السول والبوب والآر أند بي) فإن إنجازهم الأكبر يتمثل في أنهم عبر الفيلم Saturday Night Fever، نفخوا الروح في موسيقى الديسكو التي كانت ترقد على فراش الموت في منتصف السبعينيات، وربما صح القول أكثر، إن موسيقى الديسكو استردت عافيتها بفضل أضلاع مثلث، هي الفيلم (عن مراهق إيطالي أميركي يهرب من حياة الفقر في بروكلين إلى الرقص في ديسكو محلي)، وأغاني البي جيز، وموهبة الممثل جون ترافولتا كراقص من الطراز الأول. ومن يدري أي وجهة كانت ستنتهي إليها فرقة البي جيز لولا ذلك الفيلم، لكننا نعلم الآن أن من السهل تصنيف إسهامها مهمةً في خزانة التراث الموسيقي الإنساني.
ويتميز البي جيز عن البقية بأنهم يتمتعمون أيضاً بموهبة العذوبة المفرطة في التأليف الموسيقي. ولهذا هرع إليهم سيل من نجوم الغناء الساطعة. وخذ على سبيل المثال وليس الحصر دايانا روس، وباربرا سترايساند، ودولي بارتون وكييني رودجر، وديون واريك، وديستيني تشايلد (بيونسيه).
شاهدهم هنا مع سيلين ديون في بروفة أغنية Immortality التي ألفوها لهذه المغنية الكندية الشهيرة:
أحزان
الشهرة والثروة ومبيعات تجاوزت ربع المليون ألبوم وعدد من الجوائز والتشريفات الدولية يكاد لا يُحصى، كلها لم تفلح في صد الأحزان العميقة التي عصفت بالبي جيز. ففي يناير (كانون الثاني) 2003 نُقل موريس من منزله في منتجع ميامي بيتش، فلوريدا، إلى المستشفى بعد شكواه من آلام مبرحة في بطنه. واتضح أنه يعاني من التواء في الأمعاء الدقيقة وتقررت له عملية جراحية تصحيحية، لكنه أصيب بسكتة قلبية وتوفي في اليوم التالي عن 53 سنة.
ومع ذلك صمم شقيقه الأكبر باري وتوأمه روبن على أن تظل راية البي جيز عالية، فأمضيا تسع سنوات على هذا الطريق، ظل روبن في الأخيرة منها يصارع سرطان القولون. وفي أوائل أبريل (نيسان) 2012 أصيب بالتهاب رئوي أدخله في غيبوبة أفاق منها آخر الشهر. لكن جسده النحيل استنفد طاقته فتوفي بالفشل الكلوي في 20 مايو (أيار) من العام نفسه في منزله الريفي في مقاطعة أوكسفوردشاير بإنجلترا، وبوفاته وصلت رحلة البي جيز إلى ختام حزين بعد خمسة عقود من إشاعة الفرح في القلوب.
وعلى ذكر الأحزان فحدث عن آندي غيبس، شقيق الإخوة الأصغر، الذي اختار أن يمضي في مشواره الفني منفرداً وأصاب نجاحاً لا بأس به وإن لم يرق لمرتبة البي جيز. وربما كان له أن يصيب النجاح نفسه، لكنه وقع فريسة لإدمان المخدرات الذي أرهق قلبه فوق طاقته فتوقف عن النبض في مايو 1988 عن 30 عاماً لا أكثر.
واليوم لا يزال باري غيبس نشطاً على مستوى الموسيقى والأعمال الخيرية، يؤلف الأغاني لنفسه ولغيره. والعام الماضي فقط أصدر ألبوماً باسم Greenfields عبارة عن إعادة لصياغة عدد من أغاني البي جيز وأغانيه المنفردة في قالب موسيقى الكنتري. وقد اختار عدداً من نجوم هذا الفن في ثنائيات معه من بينهم دولي بارتون وإليسون كراوس. شاهد بروفة Words مع بارتون هنا:
المصدر: إندبندنت عربية
0 تعليقات