إيفا راسك كنودسن وأولا راهبيك

* إيفا راسك كنودسن أستاذة مشاركة في قسم دراسات اللغة الإنجليزية والجرمانية والرومانسية في جامعة كوبنهاغن( الدنمارك).  لها عدد من المؤلفات.
** أولا راهبيك مؤلفة وأستاذة مشاركة في قسم دراسات اللغة الإنجليزية والجرمانية والرومانسية في جامعة كوبنهاغن (الدنمارك).

 ماذا يعني أن تكون لاجئاً؟ ما هي الأسئلة السياسية التي يثيرها اللاجئون في أوساط الشعوب المستضيفة؟ عبر أي خطاب سياسي تحلل تجاربهم؟ لقد أثارت أزمة اللاجئين في أوروبا هذه الأسئلة وغيرها. يعاين الكتاب تجارب اللاجئين والاستجابة الثقافية لهم في لحظات الأزمة، كما يدعو إلى إعادة النظر في الاتفاقيات الدولية تجاه اللاجئين ومفهوم اللجوء. 

على الرغم من أن اللاجئين الذين يعبرون الحدود يتم تسجيلهم واحتجازهم بشكل روتيني، إلا أن القصص الفردية التي يحملونها لا تلقى الاهتمام. فعندما تصبح اللغة نفسها حدوداً أخرى تستبعد اللاجئين، فإن هناك حاجة إلى مفردات جديدة تبطل تجريم تجربة اللاجئين وتعيد إضفاء الطابع الإنساني عليهم.

يتناول الكتاب - الصادر عن دار «بلوتو برس» يوليو(تموز) 2022 ضمن أربعة فصول ممتدة على 240 صفحة باللغة الإنجليزية - الحديث المتداول عن اللاجئين. تتعامل المؤلفتان فيه مع العديد من المفكرين والأكاديميين والنشطاء والصحفيين والفنانين والكتّاب اللاجئين، وتستكشفان الاستجابات الثقافية لأزمة اللاجئين المستمرة. 

 كما تتطرقان إلى الحقيقة الكامنة وراء المناقشات المشحونة الجارية اليوم، بالنظر إلى الأسئلة الأخلاقية والخطاب السياسي المحيط بتجربة اللاجئين. تصرّ المؤلفتان على الحاجة إلى نهج مختلف جذرياً، وتدعوان إلى مفردات جديدة عن اللاجئين كنقطة انطلاق للتدخلات في المناقشات المستقطبة.

 رحلة البحث عن ملاذ

 وصلت أزمة اللاجئين فعلياً إلى أعتاب أوروبا في عام 2015. في أواخر صيف ذلك العام، عندما سارت أرتال طويلة من الأشخاص في رحلة على طول الطرق السريعة من الجنوب إلى الشمال بحثاً عن ملاذ آمن، تقول المؤلفتان: «كنا في طريق العودة إلى الدنمارك من مؤتمر في ألمانيا. في محطة قطار قريبة من فرانكفورت، دخلت مجموعة من رجال الشرق الأوسط إلى المقصورة المزدحمة، بدت عليهم الحيرة، لكنهم شقوا طريقهم بسرعة إلى أجزاء أخرى من القطار. لكن أحدهم توقف للإشارة إلى خريطة على هاتفه المحمول وطلب بلغة إنجليزية ركيكة تأكيد الاتجاه الشمالي، وأثناء قيامه بذلك، انفتحت حقيبته المتداعية لتكشف عن عدم وجود شيء بداخلها. تظاهر الشاب بأنه مسافر طبيعي، لكن حقائبه الفارغة خانته. تبادلنا نظرات قصيرة، وسرعان ما أغلق الحقيبة وواصل السير.

 كانت لحظة الصدفة هذه ذات مغزى. لقد كان ببساطة شاباً يحتاج إلى المساعدة على أرضنا. ومع ذلك، فإن كل شيء عن سلوكه يشير إلى أنه غير متأكد مما إذا كان سيحصل على المساعدة. بدا وكأنه فقد مكانته في العالم. لقد كان لقاء خالياً من الكلمات تقريباً بسبب وجود حقيبة فارغة وقصة لن نسمعها أبداً. بالنظر إلى الماضي، كانت هذه اللحظة التي بدأ فيها هذا الكتاب».

 تضيف المؤلفتان: «حتى لو لم يصبح مصطلح «أزمة اللاجئين» لغة شائعة في أوروبا حتى عام 2015 عندما طلب رقم قياسي بلغ 1.3 مليون شخص اللجوء داخل الاتحاد الأوروبي وهو ما يعد أكبر حركة سكانية منذ الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك فمن الحقائق التي تم التغاضي عنها وهي أن الأزمة الأوروبية جزء من أزمة عالمية أكبر بكثير. يوجد حالياً 83 مليون شخص في جميع أنحاء العالم مهجرين قسرياً، ومن بينهم أكثر من 26 مليون لاجئ يسعون للحصول على الحماية الدولية بسبب ظروف تهدد حياتهم. وحقيقة أن 80 في المئة من هؤلاء اللاجئين تستضيفهم الدول الأفقر في العالم، تضع الأزمة الأوروبية في منظورها الصحيح، وتطرح السؤال عن سبب فشل أوروبا - بالأرقام العالمية - في الاستجابة للأزمة المحلية بطريقة مناسبة.

 «يقترب عدد طلبات اللجوء المعلقة في الاتحاد الأوروبي من المليون، حيث يتم حجز العديد من طالبي اللجوء في المعسكرات أو مراكز الاستقبال أو الترحيل ويُجبرون على الانتظار حتى يصبحوا في طي النسيان. مع معدلات الرفض في بعض دول الاتحاد الأوروبي بين 60 و 80 في المئة، فإن احتمالات بدء الحياة مرة أخرى تبدو في صورة قاتمة لهم. علاوة على ذلك، وكما هو معروف، فقد مات آلاف اللاجئين في رحلاتهم إلى قارة تخضع حدودها الخارجية لدوريات صارمة بغية منعهم من الدخول».

 تشير الكاتبتان إلى أنه «كثيراً ما تُنتهك حقوق الإنسان عندما يتم إبعاد طالبي اللجوء غير المرغوب فيهم، وتحديداً الآن بقوة أكبر من أي وقت مضى. لاحظ العالمان السياسيان ألكساندر بيتس وبول كوليير في عام 2018 أن اتفاقية جنيف لعام 1951«صامتة بشأن من أين وبأي موارد يجب توفير ملاذ»، والنتيجة أن«السياسة، وبشكل أكثر تحديداً السلطة، بدلاً من قانون أو مبدأ، تحدد بشكل أساسي من يتحمل مسؤولية اللاجئين وعلى أي أساس». لا يزال هذا هو الحال. حتى لو أعلن الاتحاد الأوروبي رسمياً في عام 2019 أن الأزمة قد انتهت، فهذه، في ملاحظة الكاتب البريطاني دانيال تريلينغ المقتضبة، مجرد علامة على أن «الكاميرات قد اختفت - لكن المعاناة مستمرة». لا تزال الأعداد قاتمة، ولا تزال أوضاع المخيمات مدمرة وآفاق إعادة التوطين محدودة. لا تزال أزمة اللاجئين مستمرة».

 أزمة اللاجئين في أوروبا

 جاء هذا الكتاب على خلفية أزمة اللاجئين الحالية في أوروبا، ولكنه يعتمد أيضاً بشكل عام على تجارب تنبثق من كونهم لاجئين أو الاستجابة لهم في لحظات الأزمة. تقول المؤلفتان: «في هذا الكتاب، ندرك تماماً أن كلمة «أزمة» تحتاج إلى تفكيك بشكل صحيح في النقاش العام، ذلك أنه يدفع إلى النقطة التي مفادها أن اللاجئين قد أدخلوا أوروبا في حالة أزمة مع تركيز أقل على الأزمة التي يمر بها اللاجئون في مواجهتهم مع قارة لا ترحب بهم. في الواقع، كلمة «أزمة» غامضة للغاية. بدلاً من المضي قدماً من خلال وضع مصطلح أزمة اللاجئين باستمرار في اقتباسات مخيفة، فإننا نستكشف الغموض الكامن فيها. لذلك من المناسب أن نبدأ بالاعتراف بأن ما يسمى بأزمة اللاجئين هي أيضاً أزمة في التمثيل والكلمات ومعانيها. عندما يكون هناك حديث عن أزمة، يجب أن نسأل على الفور: أزمة لمن؟ « من خلال التشوهات الكلامية يتم وضع بعض أشكال الحياة البشرية خارج نطاق التعاطف في المجتمع. إضافة إلى ذلك، فإن وجهة نظر عالم الاجتماع الفرنسي ديدييه فاسين هي أن (الاختلاف بين طالب اللجوء واللاجئ ليس مجرد مصطلح أو حتى حالة؛ إنه اختلاف جوهري في الاعتراف)».

 ينظر الكتاب في تعريفات «اللاجئ» وتحديد استخدامه للمصطلح. فوفقاً لاتفاقية جنيف لعام 1951، اللاجئ هو شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معينة، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أو لا يريد أن يستظل / تستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد».

 صممت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الاتفاقية لحماية ملايين الأوروبيين الذين نزحوا خلال الحرب العالمية الثانية أو في بداية الحرب الباردة في أواخر الأربعينات، وقد أثبتت الاتفاقية، حتى مع تعديل بروتوكول عام 1967، منذ ذلك الحين أنها غير كافية. وهي على حد تعبير بيتس وكوليير، «أقل ملاءمة للاحتياجات الحديثة من أي وقت مضى». ليس فقط «الخوف الذي له ما يبرره من التعرض للاضطهاد»، ولكنه أيضاً مرهون بالوثائق التي على حد تعبير ويليام مالي، قد يكون من الصعب توفيرها للاجئين الذين«يضطرون غالباً إلى الفرار من منازلهم». مع تسليط الضوء على أزمة اللاجئين في أوروبا، فإن هذا يعني أن حقوق الإنسان لطالبي اللجوء غالباً ما تتعرض للخطر. لذلك يحذر مالي من أن «التهديد الأعمق لاتفاقية عام 1951 هو أن الدول ستعلن الولاء لأحكامها، ولكن من الناحية العملية إما أن تنتهكها أو تفسرها بطريقة صارمة أو ضيقة بشكل متعمد».

 تضيف الكاتبتان: «في عالم اليوم قد تكون هناك حاجة إلى أنواع أخرى من التعريفات لتحديد فئات الأشخاص الذين قد تكون المسؤولية الأخلاقية مستحقة لهم. يهتم ألكسندر بيتس ب«هجرة لأجل البقاء على قيد الحياة»، وهو مصطلح يسلط الضوء على حالة الأشخاص الذين لا تستطيع بلدانهم أو لا ترغب في ضمان حقوق الإنسان الأساسية الخاصة بهم والذين يقعون خارج إطار نظام اللاجئين. مع الإشارة الواضحة إلى أوجه القصور في اتفاقية جنيف، يقترح بيتس استبدال«الاضطهاد»بالمفهوم الأكثر شمولاً وهو«التهديد الوجودي» بحجة أن«ما يهم ليس تفضيل أسباب معينة للحركة بل تحديد عتبة للحقوق الأساسية بوضوح. في حالة عدم توفرها في بلدانهم الأصل، يتطلب أن يسمح المجتمع الدولي للأشخاص بعبور حدود دولية والحصول على ملاذ مؤقت أو دائم. واقترح أندرو شكنوف أنه في حين أن الاضطهاد معيار أساسي للجوء، إلا أنه مجرد «مظهر واحد من مظاهر غياب الأمن المادي و الحاجات الأساسية للمواطن».

 تعلق الكاتبتان: «بالنسبة لشكنوف، إذن اللاجئون هم، في جوهرهم، أشخاص لا توفر لهم بلدانهم الأصلية احتياجاتهم الأساسية، والذين بالتالي لم يتبق لهم سوى السعي لاسترداد احتياجاتهم على المستوى الدولي. شكنوف لم يحدّد «الاحتياجات الأساسية» بشكل كافٍ في صياغته، إلا أنها تتوقف على«الحد الأدنى من العلاقة التعاقدية بين الدولة والمواطن فيما يتعلق ب«الحقوق والواجبات... التي يؤدي إبطالها إلى توليد اللاجئين». وفقاً لبيتس وكوليير، حقيقة أن«نظام» اللاجئين الحالي لم يعد مناسباً، ومن الواضح أنه «فشل في التعامل بشكل مناسب مع التحديات المعاصرة، و قد طال انتظار لحظة إعادة التفكير».

 وتضيفان:«تظل إعادة التفكير هذه مسألة من دون حل في انتظار الاعتراف الدولي بالحاجة إلى الإصلاح والإجماع السياسي الواسع النطاق للتغلب على الجمود والمصلحة الذاتية والسخرية التي تم من خلالها الحفاظ على الوضع الراهن».

 استجابات ثقافية تجاه اللجوء

 لا يتعلق هذا الكتاب بالأرقام والإحصاءات ومعدلات الرفض وسياسة الاتحاد الأوروبي أو الدولة، بل على نحو أدق بالاستجابات الثقافية المتنوعة للأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية. تستكشف المؤلفتان في الكتاب كيف تتفاعل الاستجابات الثقافية لأزمة اللاجئين مع الآخر الذي يستحضر شخصية اللاجئ بالتزامن مع الحيرة في كيفية استكشاف مثل هذه الاستجابات، سواء كانت تأخذهما إلى ساحة الفلسفة، والتمثيلات الإعلامية، الفن أو الروايات الأدبية.

 تجد الكاتبتان أن عملهما جزء من محادثة أخلاقية أكبر، وتعلقان على ذلك بالقول:«لا نفترض أن اللاجئين هم مجموعة متجانسة من البشر في نفس الحالة من عدم الاستقرار. كما أننا لا نتحدث نيابة عن اللاجئين، بل عنهم ومعهم. لقد خرجنا عمداً من منطقة الراحة الخاصة بنا في كتابة هذا العمل، حيث نتواصل خارج نطاق انضباطنا في حديثنا مع أكاديميين وفنانين ونشطاء ومراسلين وكتّاب يعملون في قضايا اللاجئين أو لديهم تجارب مع اللاجئين. دمجنا عينات من أحاديثنا المكثفة في الفصول كشبكة محادثة، تكمل وتتحدى مقترحاتنا، أي اقتراحاتنا وأفكارنا التي يتم صياغتها عادةً كحجج في فصول الكتاب حول مفاهيم الإنسانية والمسؤولية والتضامن والاعتراف والأمل في الواقع. تتعقب شبكة الأحاديث هذه عملية تفكير بصوت عالٍ لا تهدف إلى أن تكون قاطعة، بل مؤقتة ومثيرة للتفكير».

 وتضيفان:«التفكير شكل من أشكال المحادثة الصوتية، بيننا وبين الآخرين، إيماناً منا بأن حصاد الأفكار التي ستأتي من هذا سوف يضيء على محتوى العمل. يمكن أن يؤدي التفكير بصوت عالٍ إلى إلغاء تجميد المفاهيم المجمدة. إذن هذا العمل هو محادثة غير حاسمة حول أزمة اللاجئين المستمرة. والتفكير في الأوقات المظلمة يعني اكتشاف أشكال جديدة من الإنسانية في حوارنا مع الآخرين».


مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية