لوحة للفنانة سمر دريعي


 

I

 

صباحٌ عميقٌ!

تطلُّ العاشقةُ على عاشقِهَا، تتفتّح وردةٌ في أقصى الحديقة! 

مستلقية على سريرها، يضيءُ وجهها ما تبقَّى من عتمةِ الليل. تفترُّ شفتاها: أشتهيكَ أيُّها الوعلُ، أشتهيكِ أيتها الغَزالةُ. يرسمُ على الشَّفتين أغنيةً، تَسْبلُ العاشقةُ عينيها على إيقاعِ القَصِيْدَةِ، صباحٌ عميقٌ مثل نشيدِ الحَجر يخطفُ العَاشِقيَن إلى فجاَجِ بَعِيْدة...! 

 

II

 

سَمَاءٌ 

مَفْتُوْحَةٌ على غموضِ الحجر...! 

وأنا أَصوغُكِ لُغْزاً للمياهِ العَمِيْقَةِ،

ربما هي صُدْفَةٌ حين هَوَى القَلبُ كَحَجرٍ في ماءِ يديكِ؛ فَطَارَ بكِ فَرَاشَةً...! 

ربما صُدْفَةٌ كانت حين انفتحَ التِّيهُ أمامي؛ فتلقّفتني ظِلالُكِ كطائرٍ غريبْ...! 

سماءٌ 

مُشْرَعةٌ على سرِّ عينيكِ...!

وأنتِ النجمةُ البعيدةُ في ليلِ اللغةِ حينَ أَهمُّ باصطيادِ أثرِ الغَزالةِ بينَ أصابعَ الوقت، فيأخذني الوله ...! 

وأنتِ القصيدةُ في عَتْمةِ العشق؛ بكِ أرى العَالم ونفسي، ألمسُ أوراقَ الكينونة في حضورِهَا وأُمسِكُ غيابَهَا حسرةً عميقةْ. 

أنتِ اليقينُ والمحالُ، أتقصّى ظلالكِ وأضيعُ فيكِ كنقطةِ ماءٍ حائرة.

سَمَاءٌ

تنهارُ حريراً على خَصرِكِ...!

لا أجملَ من صَبَاحٍ حينَ يبدأُ بصوتكِ ـ ثنيّةِ حريرٍ: إليكَ أتورّدُ اشتياقاً...!

 

III

ابتسامتُكِ

العميقةُ؛ حيث تتشكّل أقمارٌ صغيرةٌ ...!

 كم أهرقَ الإلُه وقتاً في رسمهما، في نقشِ شفتيكِ على هسيسِ شهوةٍ عارمة؟! ابتسامتُكِ هذه توقظُ الشجرةَ القريبة التي تغفو على كتفيكِ، كأنّ نكبةَ تجتاحني على وقع مسافةٍ مهزومة، وعلى غير العادة ينحدرُ الصباحُ الهادىءُ إلى عربدةٍ مثيرة!

يا للمكان المغمورٌ بجسدكِ ــ النَّشيد!

 

IV

جَمَالُكِ قَاطِعٌ! 

لا مِراءَ في هذهِ الحقيقةِ؛ 

سحرُكِ يقتحمُني كَهَسِيْسِ الفُجاءَةِ وأنا غائصٌ في بحيرةِ شرودٍ لا ترحم. 

هنا؛ يمكنني بإعجابٍ أنْ أصطادَ حضورَكِ في مشهد الشَّارع وأنتِ بثقةٍ تعبرينَ إلى شؤونكِ الكثيرة. أصطادُ حضورَكِ الثريَّ وهو يتخثّرُ حقلَ بنفسجٍ في عيون المارّة: 

شعرُكِ الطَّويلُ الضاجُّ بعتمةٍ رعناء، يتكثّفُ متموجاً، متناثراً على كتفيكِ كحقلٍ من ليلٍ مسعورٍ! وبخفقةٍ ريحٍ يتطاير شعرُكِ نحو اليَسَار، فيلمعُ رخامُ العُنق منكِ بلمسةِ الإله الأخيرة!

 أخبريني:

 أيُّ إلاهٍ وسيمٍ ارتكبَ هذه المعصيةَ في نحت الغرابةِ؟ لكنها شمسُ أيلول الشَّبقة تتناهبُ فخذيكِ بلذةٍ كما لو أنها تثيرُ غيرتي المستفحلة.. 

ما يثيرُ اهتمامي شيءٌ "ما"، حدثٌ مختلفٌ تماماً؛ أقصدُ تلك الثنايا القاتلة، ثنايا الفستان المدهشة وهي تتشكّلُ أعلى الهضبةِ المترجرجةِ على إيقاعِ موسيقى خطواتكِ الواثقةِ، حيثُ المسافةُ تستيقظُ من صمتها. 

تنبثقينَ من ضلعِ شجرةٍ...!

تَعْبُريْنَ إلى مَشَاغِلكَ الجمّة وأنا أَستيقظُ في صرخةِ العَدم يتناهبُني أفقٌ غامضٌ...! 

 

V

 

أيَّتها العَاتيةُ

عشاقُكِ يتنكَّبون على بعضهم سَرَاباً، يَلْهَثُوْنَ خَلْفَكِ ككلابٍ طَعَنَها ظمأٌ قاتلٌ! 

لكنّكِ ماضيةٌ في عتوّكِ بشغفِ ريحٍ هَوْجَاء؛ تُلْمْلمِيْنَهُم من أزقةٍ مدينةٍ غريبةٍ. وحيثُ تبطشُ بكِ القَهْقَهَةُ ترميْنَ أشلاءَهُم الزَّنِخَةَ كَقُشُوْرِ المَوْزِ عَلَى الطَّريق الأسفلتي بجسارةٍ غَرِيْبَة.! 

أيَّتُهَا العَاتيةُ؛ الطَّاعنةُ في الطُّغيان، المتجبّرةُ! 

لِحَاظُكِ لا رادّ لها...! 

بيد أنّني لنْ أَهبَكِ هَذِهِ المتعةَ...! 

 

VI

 

كَزُجَاجٍ 

هَشٍّ...؛

يتَشَظَّى الحُبُّ،

ليس سِوَى ظِلَالٍ مُتَكَسِّرة يَدَعُ آهاتِه تُوْمِضُ في الكَلام! 

ألتفتُ إلى الخَلْفِ مني؛ فأراني كما لو كنتُ أقبضُ زرقةَ السَّماءِ بطيش الطفولةِ: 

يتدفَّقُ الليلُ حِبراً فحبراً وأنا هناك أكمْنُ لحقل الرُّمان كلصٍّ يقامرُ على آخر جمرةٍ من الجرأة في دمه. آهٍ من تلكَ الصَّبيّة وهي تُطلُّ من الشُّباك في غَفْلةٍ من نجمةٍ تفضحُ أسرارها...! ربما باحَ الصبيُّ هذا لنفسهِ بحَسرةٍ وغابَ في الزّمن مُدُنَاً وغاباتٍ وكُتُبَ شِعْرٍ ونِسَاءً شَبِقَاتٍ كَابدْنَ الجنونَ كرزاً، قَايَضْنَ بالموت آهةً عميقة...! 

يَعُودُ الصَّبيُّ من تَضَاريْسِ الزَّمنِ فائضاً بالانْكِسَارِ؛ مُغَمْغَماً لنَفْسهِ: 

الحُبُّ أنْ تَنَهبَ سَمَاواتٍ مُسْتحيلةً كأنكَّ تَغْرِفُ من الغَمَام بِرُوْحِكَ؛ الحُبُّ هَشٌّ كالزُّجاج يتشظّى...! 

 

VII

 

أَبْعدَ من الصَّبَاح قَليْلاً؛ 

حينَ شَبَّ العِنَاقُ على رائحةِ القهوة ورائحةُ الهَيْلِ فاحتْ عَمِيْقَاً على انْهيار جَسَدَيْن في نَشوةٍ، في صَرخةٍ، في موتٍ لمّا يأتِ...، يندفع الجَسَدان في نشيدٍ إلى الأعلى هابطين نحو الهاوية ... بالكاد تهمسُ رموشُ العاشِقَيْن في أغنيةٍ: 

يَتَراَمَى الحُبُّ كالحَريْر... 


VIII

 

الإيغالُ 

في وَصْفِكِ، أيضاً، ضَرْبٌ من الانهمام: 

الأمر لا يقتضي سوى نظرةٍ فاتكةٍ من عينيكِ؛ لتبطشَ بهؤلاءِ المتهافتين/المهرّجين المركومين وهم يتقيّفون أثرَك بلذةٍ...! غير أنَّني في الحقيقةِ مولعٌ بتلك اللمْعَةِ التي تَسْكُنُ شفتيكِ عِلاوةً على هذا المنحدر الصَّاخبِ الذي يمنحُ أُبهةً للنّهدين اليقظين، مُنْحَدرُ سَاحقٌ، لا يكادُ المهرّجون بعيونهم الزائغة يَسْتَجْرِئُوْنَ على اقتناص النَّظر إليه. وفي الوقت ذاته؛ ليس بوسعي أن أقف على الحياد حين تستفزنُّي شفتاكِ، شفتاك أيّتها العاشقة تستميلانني إلى جنونٍ فادحٍ. لكنَّ المعضلة ليست هنا وإنما حين يمسُّ الوصفُ عُنْقِكِ الملائكيِّ، حيث أُكابدُ عجزَ اللغةِ؛ فما من علاماتٍ جديدةٍ ترتقي إلى الإحاطةِ بكِ...! 

فيما مضى وصفتُكِ بشظيةِ كلامٍ مبهمٍ: 

حُضُوْرُكِ اختلافٌ لا يتكرَّر!!

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية