الصورة على اليمين لأشجار من القرية التي انطلق منها الشاعر

 

 حِكْمَةُ الكَلام

 

«حيث أتيتُكِ عشباً،

سآتيكِ مُثخناً بالدهشة.»


لا تُغلقي المساءَ؛ دَعِي يديكِ تُسرِّحانِ حنينَ النَّهار، دَعِينِي فاكهةً للتريُّثِ.

كَمْ أَشْتهي حديثَ يديكِ، وكَمْ أَشتهي نافذةً على الكَلامْ.

لِمَنْ أَبكي سرورَ أَصابِعي؟

لِمَنْ أَقْطِفُ وردةً من غِناءِ الرِّيح؟

لِمَنْ أَضْحَكُ ثلجاً يَندلقُ مِنَ النَّافذة؟

لِمَنْ؟

منذُ البارحة جدرانُ الغُرفةِ أيضاً، مَضَتْ مُسافرةً دونَ وداع. وَهَا أنا بلادٌ أَنتظرُكِ، مليونُ بابٍ انبثقَ من بينِ أَصابعي، وأعشابُ النَّافذةِ ألفُ قيثارةٍ تدعوكِ للرَّقصِ والغِناءْ.

والحديقةُ

الغامضةُ مَدَّتْ ظلالَهَا منذُ يمامْ. أَمَّا فنجانُ القهوةِ فلا تسألي؛ حيثُ منٍ غيابٍ يُمْسِكُ بأصابعي ...........ويسألني عن شفتيكِ الغائبتين.

ها نحنُ نَمْشِي في المطر، هَكذا بكلِّ جنونٍ كُنَّا نَمْشِي...

ذاتَ غيمة: المطرُ يُغنِّي غموضَ الأقاليم البعيدةْ، ذاتَ شارعٍ: أَيْقظَنَا السُّرورُ من أَعْشَابِ

الدَّهشةْ، ذاتَ خطوةٍ: قرأتُ المدينةَ غابةً محترقة: «عَشيّة، اخْطِفْنِي أيُها الفارسُ الصِّغيرُ»،

هَكَذَا غنتْ، هي، المطر.

نَمْشِي بكلِّ جدارةٍ نَمْشِي، دون أَنْ نُعيرَ يَأْسَ الجُدرانِ، ولا غَبْطةَ الرِّيح المُسْتنفرة أبواقَ النَّفيرِ انتباهاً يُذْكَر.......... كانتْ تَضْحَكُ حضورَ العَصافير، وكغجريةٍ أصيلةٍ تقرؤني دهشةً مفترسة؛ «يالتلاشي المدينةِ الهائجِ»، قُلْتُ، وَلَمْ نَلْتَقِ مطراً آخر.

كان من المفترض أن نلتقيَ اليوم كظلّين لقمرٍ راكض؛ أن نلتقيَ كوعليْنِ شارديْن.

أنتِ بعينيكِ الخضراوين وأنا بفرحٍ يجرُّني من يدي. وذاتَ شجرةٍ كم كنتُ أعدُّ نجومَ الخيبةِ

المشتعلةِ في خطاي.

لا تُغلقي المساءَ.........................

دعي شعرَكِ يفسِّرُ طيشَ الهواء....

دعيني أَتشبَّثُ بخاصرةِ النَّهار.

قبلَ خطوةٍ: جِدارٌ يَقتاتُ أَعشابَ القَلقِ من انتظارِنا. على حينِ تواطؤٍ يَنْحَتُ للرِّيح خَصْراً من عويل. بعدَ خطوةٍ من قهوة: قُلْتُ لك: أسمعيني يديكِ فصوتُكِ رخاوةُ المساء.

وأنا سأُوقدُ الجرأةَ في فَنَار الكلام، رميتِ الكلامَ على أدراج الصَّمت...، لكني كشرودٍ يقودُ المساءَ أقودُني إليكِ، أَشربُ يديكِ حينَ دهشة وأَفرشُ طراوةَ الليلِ لكِ.....

وها أنت تجرحين لحمَ الصّمتِ ثانيةً: سأعلّمُ المكانَ حكمةَ الجسد، سأعلّمُ الظلالَ حكمةَ الكلام؛ لكنِّي على حينِ نهرٍ مزجتُكِ بالماءِ؛ هكذا العشبُ مضاءٌ بقدميكِ.

قليلاً: سيُغْلِقُ القمرُ نوافذَهُ. هَكَذَا الأَشجارُ تَأسرُني و........ يفترسُكِ الغيابُ. أودُّ التحَدُثَ إليكِ، أبداً «كم يشدُّني إليكِ الكلامُ»

ج.........................

....................سدُكِ

يتفاقمُ نضجاً بينَ يديَّ وحينَ أقتفي أثرَ الغامضِ في عتمتِهِ تتشرَّدُ الأشياءُ بين َ أصابعي

اُنظري... ريحٌ تتكِىء على غنائي؛ لأَجلكِ سأَمجِّدُ أقصى الصَّدى بالبابونج والقرنفل لا تُغلقي المساءَ دعي يديكِ تُسَرِّحان حنينَ النهارِ، دعيني فاكهةً للانتظار.

كم أَشت...........ـهـيكِ

وكَمْ أَشتهي نافذةً على الكلامْ.


أَغاني الفَراغ الدَّاكن

I

ليلةٌ متعَبة في هَذِهِ العَتمةِ البعيدة، انْكِسارُ العَويلِ............أنا وأَنتِ آخرُ سنبلة.

مَنْ يَفتحُ لي قَصيدةً على أَقْصَى القُبلة؟ مَنْ يُزيحُ اللَّيلَ عن وردةِ الحُلُم؟ مَنْ سيبكي إيايَ في هذا اللَّيلِ العَمِيق. مَنْ سيَفتحُ يديه قليلاً لأضعَ وصايا المتَاهاتِ؟

ثُمَّ

أَمْضي

إلى غُموضِ الطَّريق.


II

ثمّة مدينةٌ

تَنزلقُ إلى دمي وينكسرُ الحُلُمُ تحتَ وطأةِ الغياب

ها أنا أَبكي: الكلامَ الأخير، العُصْفورَ المغمورَ بالنَّشيدِ، بَقايا وردةٍ، بَقايا عطركِ اللَّذيذِ

عَلَى قَمِيصِي، أَبكي ما ينساه الآخرون في المتنزَّهات.

أَبكيكِ حِينَ وداعٍ ولوَهْلةٍ لا أَجِدُ سوى البُّكاء في في يَديَّ؛

فأَبكي عَليهِ يَديكِ، وآخرَ المنام.


III

هَا هُـنَا

لا أَجِدُ سوى رائحةِ الغِيابِ؛ تضُمُّكِ أَوراقُ الصَّمتِ، تضُمُّكِ الأَسرارُ الخَضراء

وَيَبْطِشُكِ القَلقُ حينَ حديقةٍ. هَا هـُنَا يَسْتَبْسِلُ الغِيابُ برائحتِهِ الحَامضة؛ غيابٌ بأَوراقٍ مُحْتَرقة وأَصَابعَ حَيْرى؛ غِيابٌ يَبْكِي طُيورَ قميصِكِ ونافذةً مفتوحةً عَلَى

قَمَرٍ يَنْصَهِرُ................

هـَا هـُنَا

غيابٌ يَشْتَعِلُ بالغِياب!


تخومُ الغِياب

I

لنجمةٍ

تنفضُ يَأْسَهَا في خُطوط يديَّ، لِعَاشِقَيْنِ يُسَافِرَانِ في مِشْوَارِ القُبلةِ،

لأشجارٍ سَافرتْ في البَعِيدِ، غنِّي يَا مِيَاه،

غنّي.....


II


أَيُّهَا المُسَافِرُ

منذُ سَمَاءٍ لَمْ يَبْقَ للوقتِ أيُّ اكتراث ٍ لصهيلِ الأمكنةِ، وانْهَارتْ الرِّيحُ... كالعادةِ

على انهيارِنَا البَهِيِّ... وَكَانَ صوتُنا يَسْتَنْفِرُ سنابلَهُ مُهَيْئاً لِلْغُبَارِ عَلَى تُخُومِ المَطَرِ

موائَدَ الحَصَاد.


III


ما تَبَقَّى لَنـَا

منْ هَذِهِ الأَشْجَار المُطْليَّة بِالكَلامِ والأَغَاني، هَـذَا السَّرَابُ، هَـذَا النَّهرُ الذي غَفَا عَلَى الأُفقِ فجأةً؛ فما كان منا أيَّتها المُسافرة في الغَيْمِ، إلا أنْ ابتهلنا إليكِ:

اخلطي جِهَاتِنـَا بالرِّياح

وَمُرِي الآلهةَ: أَنَ اسْجدي للنَّشيدِ وأَرْسلي بهاءَك المدمِّرَ، وأَفْسَحِي لِلْطُرقِ أَنْ تَرْسُمَ موتَها عَلَى المياهِ لِتَسْلِكْ الطُّرقُ أَقصرَ الطُّرُق وَيَأْخذُ الأُفُقُ شكَل َ يَدَيكِ

وَتُلقّنُ الأَشْجَارُ الوقتَ بَهَاءَ الخَاصِرة.


هامش: 

هَكَذَا يبتكرُ وصَايا النَّارِ في شَهيقكِ؛ هَكَذَا تُضيْئَان المدينةَ بِوردةِ الرَّماد...!!!


(نصوص ــ 1992): تَرْبَسْپيه ــ دمشق

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية