I

لا سبيل سوى الكتابة للإحاطة بكِ،

الكتابةُ في تأملٍ هادىءٍ هي مصدرُ النَّظرلأراكِ بل هي يدي لألمسَ كتفيكِ، بها يُفتضحُ أمرُ الآلهة ونزقُهُم، أسرارُهم في إبداع سحر قوامكِ وألعابِ أخيلتهم في وهبِ عينيكِ الأخاذتين على قوس الإغواء، في صياغةِ أصابعكِ، قامتكِ، أمشاط قدميكِ وخلخالكِ الفريد الذي يمنحُ عُريكِ أبهةَ غابةٍ تحتَ وطأةِ شمسِ صباحٍ باذخة...لكن مع ذلك لاسبيلَ للإحاطةِ بكِ في هذا الليل الضاجّ بلمعةِ شفتيك...ثمة شرٌّ يندلعُ اللحظةَ في أوصال الزّمن...!

II

رموشكِ،

حاجباكِ، عيناكِ،

شفتاكِ اللتان من عَسلٍ بريٍّ

قامتكِ التي تضاهي الرِّيحَ

أيتها السَّاحرة حتى مدينةِ المَنّ والسّلوى...!

III

حينما يقودُني الصَّباح إلى عينيكِ، حينما أنظر في هاتين البحيرتين حيث الحيرةُ مطعونةٌ باخضرار غريبٍ، وحيث ملامحكِ الكوجرية تطعنني إغواءً...تناديني سهولٌ غامضةٌ، نائية عن أصابعي...

أيها البعيد...!

شعرُكِ الهابطُ على كتفيكِ كـَ"ليلةٍ عميقةِ"...الحيرة ذاتها وهي تُبدعُ فجاءاتٍ على شفتيكِ لحظةَ يضجُّ العنبُ شبقاً...

يالغوايةِ "البعيد" على مشارف هذا "الصباح" وأنا أتلفّظُ باسمك!...


IV

في هَذَا الصَّباح المُحْتَفي بالحديقةِ هُنا؛

بُحَيْرةُ صَفَاءٍ روحُكِ، يداك ضِفَافُها وشعرُكِ الضاربُ إلى ذهبٍ فِسْحَةُ طيورٍ غافية تُحيطُ بكتفيكِ، شفتاكِ قَصِيٍدةٌ تنتظرُ الكتابة حيثُ عيناكِ مسبلتانِ في حَنَانٍ أخّاذ وأنا أمسكُ بأصابعكِ الطّويلةِ ينبعثُ صَوْتُ نَاي من بعيد...!!

***

على الشُّرفةِ أنا وأنتِ فريسةُ نومٍ برموشٍ سَاحرة، الشجرةُ تتلألأ في أشعةِ شمسٍ فتيةٍ وبغبطةٍ يقعُ طيرٌ صَغيرٌ في قَبضةِ الغِنَاء!!

***

كغابةٍ شَاسعةٍ أحتارُ كيف أُحيطُ بكِ!

كدربٍ يمضي غامضاً أُطاردُ فيكِ ظليِّ، لا نجاةَ لي، لا نجاةَ لي في هذا الصّباح من خصركِ ـ داليةِ العنب!

***

لا امرأة تضاهي الأفق سواك...!

كتبتُ لكِ: عناقُكِ إشراقٌ للرُّوح؛ في هذا العناق كان العالم يموسق إيقاعه على هديل عاشقين. يا لمفاجآتك أيها الإله الوسيم: غزالة حتى حافة العالم...!

***

لا الغزالةُ

تروّضُ الجنونَ الماكثَ على أطرافِ أَصَابِعِه ولا العاشقُ يُحيطُ بعواصفها التي تندلعُ نحو الجهاتِ كلِّها...!

هكذا يهبطُ صقيعٌ ثقيلٌ على المدينةْ...!




V

الحلم ــ الحكاية؛

عليَّ أنْ أتذكرَ الحُلمَ؛ كأنَّ الحدثَ مَطْعُونٌ بالغَرابة، سَفَحٌ مُدهشٌ كأنَّني في أَقْصَى "شرق الجَزيرة" أتقصَّى شؤونَ "النبع" هُنَاك. وأيُّ نبعٍ أنتِ يا "أناهيتا"...!

من ابتكرَ هذه العَلامةَ ــ الوسمَ لكَ أيُّها النبعُ الضّليلُ؟!

تساءلتُ بفجاجةٍ: ولماذا ليس"أناهيتا ـ النبع"...؟ كلَّما هَمَمّتُ بالنّبعِ ـ المنحدر الزّلق؛ لأروي ظمئي القاتلَ تغورُ المياهُ عميقاً، كأنَّ قحلاً شرساً استيقظ هناك...إنَّها يدُ أمي القوية تشدّني خلفاً، ظلُّها يحرسُني كالعادة من السُّقوط.

تفورُ الأمواهُ ثانيةً، يثجُّ الماء ثجّاً، يا لهذه السَّماء التي تحاذيني! يأتي الدِّهقانُ بقامته القصيرة ويغرفُ ما طابَ له من أكسير الحياة؛

يأتي عيّارٌ فينهبُ الماء نَهْبَاً، يأتي صَعلوكٌ ويرمي بكلامٍ، شعرٍ ركيكٍ على حافَّة النَّبعِ، فينالُ الماءَ ــ الأكسيرَ! ما أن تستبدُّ بي الجسارةُ لأغرف قليلَ الماءِ حتَى يينهضَ سَرابٌ، سَرابٌ، سـ...را بـــ...!!


VI

 

أَعَاليكِ؛ أَيتّها المضرَّجة بِارتِبَاكَاتِ المَوج


أيُّ احتفاءٍ يَقُوْدُنِي إِليهِ هَذَا الَمسَاءُ وأيُّ نخيلْ؟
شَفَتَاكِ وَرْدَتَا مَـاءٍ والكلامُ نَبيذْ. وَمَاذَا عَنْ حَدائِق ضوءٍ تَنْكَشِفُ عَنْ مَطَرٍ بَعِيدْ؛ وَمَاذَا عَنْ مَكانٍ يَلمُّ مَا يُبَعْثِرُهُ الانتظارِ مِنْ خَزَفِ الشَّوق؛ وماذا........؟

II

لكِ مَهَارةُ الموجِ، وَلَهُ شَهْوَةُ الماءِ؛ غَيْرَ أَنَّكِ لا تَتْركِيْنَ سِوَى طَيْشِ ضَوْءٍ في يَدَيْهِ؛ هُوَ مَا تَبَقَّى مِنْ حُطَامِ اللَّمْسةِ الأُوْلَى، يَا مَوَاسِم يَدَيْكِ؛ غَيْرَ أَنَّهُ سَيرْفَعُ عَالياً نَشِيْدَكِ المَطْعُوْنَ بِهَزِيعِ اللُّهَاثِ: اِبْتَكِرْنِي يَا شَقِيُّ مِنْ وَصَايَا الغَيْمِ، دِسَّنِي في هَجِيْجِ الشَّهْقَةِ؛ وأضِىءْ عَرَائي طعنةً إثرَ طعنةٍ.

III

يَا لِلْفُصُولِ؛ يَا لِلْتُّخُومِ الزَّرقاء في أَعَالي هَذَا الغَمَامِ، سَيَقْطَعُ النَّشيدَ؛ لِيَسْرُدَ أَصَابِعَكِ لِلْرِّيحِ: ِللْعَاشِقِ كَيْفَ أَنْ يَصْعَدَ قِبِابَكِ...أَيَّتهَا المَضرَّجَةُ بِارتِبَاكَاتِ المَوج. نداؤكِ يَا امْرأةِ الغِابَاتِ البَعِيْدةْ، أَعَاليكِ حينَ مساءٌ يَهَبُكِ لِمَساءِ الغُمُوضِ؛ لكن إلى أَيّةِ أَقاصٍ تَهَبُنِي وَرْدَةَ الغِيَابْ...؟!


دمشق/1997







مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية