اللوحة للفنان العراقي جبر علوان


I

كَوْمضةٍ

تُهَدْهِدُ رَغْبةَ الماءِ،

كيمامةٍ تُبَادِهُ شجرةً في أَعالي صمتها...!

تُوقظُ، التي من صَدَى الينابيع، من سَرِّ السَّرابِ، تُشْعِلُ السّردَ في نهدِ الأبد...!


II

أنا التي تضيئكَ بندائي،

أنا عازفةُ النَّاي، أَحْلُمُ بليالي منهوبة بأَثر أَصَابعكِ،

أيُّها العَاشقُ؛ افتحِ لي بابَ الليل لكي أتورّدَ كالنّسيان بين أصابعك...!

وأنت القادمُ في غيابكَ، أيّ سماءٍ ستبتكر أغنيةً في عينيكَ؟ وأنتَ الغائبُ في قدومكَ، أيّ قمر سيوقظ انتباهَكَ إلى أثري...!


III

أنا العاكفُ، 

المثابرُ، الدَّائبُ، أنا المواظبُ على زنبقةِ الحبّ، أَمتدحُ تلكَ الغمّازةَ التي تتألقُ كنيزكٍ شاردٍ على مماسِ وجهكٍ، يا لثراء الجمال، يا لرفاهته الفريدة، يا لهذه الومضة المباغتة التي تتوهّج على سفّح الزَّمن، الغمازةُ التي تنتهكُ موجة السَّأم اليوميّ في اجتياحها لتضاريس هذه المدينةِ الغريبةِ عن ظِلالي.

كأنّني أُطاردُ إيجازاً أشدّ كثافة:

حينما تأتلق الغمازة تتفتح وردة شاردة عن إشراقة الصباح!

وأيضاً:

 

أنّى تشتبكُ أصابعُكِ،

أصابعُكِ المصقولةُ بلهفةِ الآلهةِ، مع أصابعي؛ حينما ألتقي بكِ على ضفّةِ هذا الأفق،

بمحاذاةِ كتفيكِ، يا لحقولِ اللاڤندر الشّاسعة التي تنمو في جِوار المدينة!


وكذلك بما هو أكثر من أيضاً: 

صوتُكِ؛

شغبُ الظِّلال، لكنتُكِ الكوجريةُ الموروثةُ عن نداوة الينابيع، عن زرقة السّموات، قاب لمستين أو أدنى من أصابعكِ، رموش القصب... نداؤكِ يفيض، يسيل عسلاً جبلياً على غُصن تلك الشّجرة العملاقة...شغبُ الظِّلال، أنينكُ في الهبوب، حقلُ القمح، ذلك المنحدر الهابط يحاصرُني، لأغدو مجرّد ظلٍّ له...

أيتها الكوجريةُ، يالندائكِ ــ الغمام: أَشْتَاقُكَ... [1]Min bê(r)îye te ki(r)ye.

نداؤك أسرابُ سنونو تغطّي سماء روحي!


IV

أنا التي تَسْكُنُ أَصَابعَكَ وأتفاقمُ في دمكَ؛

تَجتاحُنِي أعشابُ الحلم إليكَ وأنتَ في انهماكِ الضَّوءِ تبحثُ عنّي في ظلالك...!

أيها الشّبحُ المريعُ، بقرنيكَ وأَجَمَةِ شعركَ، تقودُني في ممرات الحلم، ظلُّ شجرةٍ وتنهارُ فيّ حالماً بالقبضِ عَلَى "أصل العالم"َ...!

ثمّة... عشبةٌ تتلألأ بمطر الرّغبة في صحراءَ من رخام.


V

كنتُ أنتظرُكَ لغزاً،

أنتظرُ البِدَائيَّ فيكَ، وأستعيدُ الغاباتِ المندثرةَ في صوتِكَ،

يا سادنَ الرِّيح ...!

إلى أينَ سيقودُ خُطايَ هذا الحبرُ المتدفّقُ من جِرَارِ الليلِ، كنتُ أَرْمِيْكَ بسؤالي وأنتَ تهمهم للنُّجومِ بلغةٍ غريبةٍ. امضِ بلسانِ المجهولِ نحو الظمأ الأشدّ دكنةً، أنا العطش العاصف الذي يسحقُكَ، يسحقُ حقول الرُّوح فيك.

يا سادنَ الرّيح...!

يا لأُوار الرَّغبة المندلع كفجرٍ في أسرّةِ الأرض..

شجرتا سرو، نخلتان، طيرا حجل، والليلُ يبتكر موجةً على ضفاف الجسدين...

***

يا لهذا الأَبد المضرّج بدماءِ الصِّمت...!

يا لهذا الحبِّ الملطّخ بشهقةِ الموت...!



[1] ـــ من المعروف أن الكرد ــ الكوجر يتميزون بلكنةٍ خاصةٍ في تلفُّظ الكلام ...الجملة تعني (أشتاقكَ)..

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية