الترجمة والتحرير من الفرنسية إلى الإنجليزية: باسكال ــ آن برول ومايكل ناسّ 

الترجمة من الإنجليزية إلى العربية: د.خالد حسين

----------- 

إلى أصدقائي المترجمين:

راڇ آل محمد، عزيز توما، إبراهيم محمود

 

إضاءة من المترجم:

تشكّل هذه المجادلة بين الفلاسفة الثلاثة الفصل الثاني من كتابٍ صغيرٍ لجاك دريدا بعنوان: من أجل ستراسبورغ: حوارات عن الصّداقة والفلسفة For Strasbourg: conversations of friendship and philosophy. يُذكر أنه في حزيران 2004، قبيل وفاة دريدا بأربعة أشهر، قام برلمان الفلاسفة وقسم الفلسفة في جامعة مارك بلوخ، حيث كلٌّ من جان ــ لوك نانسي وفيليب لاكوـــ لابارت يعملان بالتدريس آنئذٍ، بدعوة جاك دريدا إلى مدينة ستراسبورغ التي أحبّها جاك دريدا لمدة ثلاثة أيام لعقد (لقاءات ومحادثات) حول عمله. والمجادلة بين الفلاسفة الثلاثة هنا جاءت بُعيد مناقشة دريدا لعروض بعض طلبة الدكتوراه في جامعة مارك بلوخ؛ ليتطرّق الفلاسفة في هذه الجلسة إلى فلسفة هايدغر وموضوعات الموت، الحِدَاد، الخلود، الإرث، الإرشيف والرسائل المتبادلة ومن ثمَّ يظهر انهمام غريب لدى الفلاسفة الثلاثة بكلّ ما يتعلّق بعوالمهم ثم الندم العميق لفقدان رسالةٍ أو تمزيقها أو التخلُّص من بعض الأشياء. ينفتحُ هذا الحوار في الوقت ذاته على ثقل الغياب الذي سيتدفّق برحيل جاك دريدا نفسه في 2004، وهو العام الذي صدر فيه الكتاب بالأصل الفرنسي. 

 نص الحوار: 

جاك دريدا: لابدَّ من كلمةٍ شخصيةٍ للتعريف قُبيل افتتاح مناقشتنا. أولاً، عليّ أنْ أخبركم باسمي الخاصّ: إلى أي حدٍّ تبقى تجربةٌ مثل تجربةِ اليوم ثمينةٌ وفريدةٌ وتأسيسيةٌ. في بعض الأحيان، يسهم طالبٌ أو اثنان في المؤتمرات، ولكنَّ القاعة عادةً ما يجري حجزها لكبار السّن، أي الأساتذة... واليوم، قد جرى تسليمُ مؤتمرنا بشكل تامّ للطلبة، الذين يؤدّون جميعهم عملاً لافتاً للنظر، ويعرضون، كلٌّ بطريقتهـ/ا الخاصة، حزمةً من الأفكار الاستفزازية. وإنه أمرٌ [أي المؤتمر] لم يَسْمعْ به أحدٌ. وأخيراً، لن يُنسى. إنّها فرصةٌ فريدةٌ بصدقٍ، بل شيءٌ نادر إلى أقصى الحدود.

ثانياً، ولدى العودة إلى التفكير بجلسةِ أمس في متجر الكتب كليبرKléber إذ سأل أحدهم سؤالاً عن الغياب والحضور، وأتذكّر أنّني قلتُ: "في بعض الأحيان أولئك الغائبون هم أكثر حضوراً من الحاضرين"، أَيْ إنَّ العيش أحياناً بجانب أشخاص ما يشكّل أفضلَ طريقةً أو أسوأها في عدم الانتباه إليهم وعدم ملاحظة حضورهم. والآن في البرهة التي نحن الثلاثة نظهر معاً على الطاولة ذاتها ــ فهذا أيضاً قلّما يحدث، وربما لا ــ كنتُ أفكّر مع نفسي: هذه الصّداقة التي أعتز بها، مثل إنسان عيني ([2])، فلو كنتُ قد عشتُ في ستراسبورغ، وكنت أشاهدهما كلَّ يوم، لا أعرف ما إذا كنتُ سأكون هنا... أظنُّ أنَّ مسافةً محددةً، "المسافة المعتبرة" التي تكلّمنا عنها أمسِ، "المسافة التي تكون مطلوبةً [la Distance bonne]،" هي التي حافظت علينا وأبقت صداقتنا حيةً. وأخشى ما سوف يحدث الآن. حسناً، هكذا دعوني أن أَخْلي القاعة على الفور، لأنني لا أرغبُ أن أكونَ أول مَنْ يُعرّضَ نفسَهُ للخطر...

فيليب لاكو ــ لابارت: أولاً، إذا أدركتُ على نحو صحيح، فمن الأفضل أن تظلَّ غائباً قليلاً، شارداً نوعاً ما. لقد اتفقنا على أن نتوصّلَ إلى نتيجةٍ في هذه الأيام الثلاثة وما جرى هنا اليوم:

إنَّ العروضَ الأربعة التي استمعنا إليها للتو ثم العروض الأخرى التي جرى توزيعها لن نتمكن، لسوء الحظ، من مداولتها لأنها لم تُقدَّمْ [أصلاً]. وبناء على ذلك اتفقنا على أن نبدأ من ثمّة مع بعض الأسئلة العالقة. وعلى وجه التحديد ـــ فقد تحدّثتُ عن هذا بإيجاز شديد مع جان ــ لوك نانسي على نحو خاصٍّ ـــ فيما يتعلق بالعرض النهائي وبالمأزق المحدد في الكينونة والزمن، كنتيجةٍ، لدى هايدغر، وبكلا الأمرين: القرارية السياسية([3]) political decisionism (وهي أمر عسير ومعقد آنذاك، لأن كلمة ([4])Entscheidung تعني فعلاً القرار decision باللغة الألمانية ــ ولاسيما في ألمانيةِ تلك الأوقات، ألمانية Kantorowicz([5]) وJünger([6])، ألمانية اليمين المتطرف، إذ يجدها المرء في كل مكان لدى كارل شميت، على سبيل المثال) وبمأزقٍ محدّدٍ، متعلقٍ بموضوع الشَّعب. وذاك لأنه إذا كان ثمة موت، إذا كانت ثمة تضحية، إذا كان ثمة "موت مختار"، أي، موت لم يجر قبوله فحسب، بل يُزعم أنه، كما يصرّح كانتوروفيتش بكونه حسناً للغاية، فهو "موت المرء من أجل وطنه". ومن ثمَّ، تساءلنا عما إذا كنا سنلتقط الأشياء هناك من أجل التكلُّم قليلاً عن موضوع جامعٍ بين جاك دريدا وجان ــ لوك نانسي، أي التناهي اللانهائي. وهكذا يمكنني أن أطرح هذين السؤالين فحسب لنرى ما المعنى الذي يمكننا بناءه من كلّ هذا.

جان ــ لوك نانسي: وينبغي أن أقفز هنا حالاً لأنكَ قلتَ للتوّ بأنّ موضوع التناهي اللانهائي الجامع بين جاك دريدا وجان لوك ــ نانسي لكنك تدع نفسك خارجاً. . .

فيليب لاكو ــ بارت: لا، لا. . .

جان ــ لوك نانسي: نعم، ولكن معك فإنّ الأمرَ لامتناهٍ محدودٍ finite infinitude.

جاك دريدا: حسناً، ها نحن نذهب. . .

فيليب لاكو ــ بارت: نعم، إذا كنت تريد. . .

جان ــ لوك نانسي: نعم، بالطبع فهذا أمرٌ صائب!

فيليب لاكو ــ بارت: لا، لم أقصد ذلك. . . إنما أقصد أنّني لم أستعرضه بهذه الطريقة، ومن ناحية أُخرى، لم أكن البتة متقبِّلاً له كثيراً...

جان ــ لوك نانسي: أعتقد أنّ ثمة شيئاً ما هنا، تصنيف محدد، بيننا نحن الثلاثة. التصنيف الذي تكون فيه أنت، فيليب، إلى جهةِ المأساوي tragic، وجاك دريدا إلى جهةِ غيرِ القابلِ للحسم undecidable، وأنا. . . لا أعرف، ربما إلى جهة قيامة المسيح ([7])anastasis... والطريقةُ التي يؤثّرُ بها كلٌّ من هذه المواقف الثلاثة على ما يُدعى بالمحدود اللانهائيّ تمّثلُ بلا شَكٍّ سُؤالاً حقيقياً. لكن قبل الخوض في هذا الأمر، أود الإشارة إلى أن العرض الأخير الذي استمعنا إليه، كان مثيراً للاهتمام وذا ارتباطٍ بمنهجه، وقد خَلُصَ إلى الحديث عن الوقائعGeschehen([8])ومن خلال الانتهاء من الوقائع، اختتم هذا العرضُ تفسيرَهُ للقسم 65 من كتاب [هايدغر] الكينونة والزمان من خلال جعل الأمر، سواء أكانت هذه هي قصديته أم لا، كما لو لم تكن ثمة إحالة للأقسام العشرة اللاحقة لهذا الموت القرباني sacrificial death لأجل الناس([9]). هذا الموت الذي يملك في الحقيقة خاصية لافتة للنظر للغاية، لكونه الموت الوحيد الذي يتعهّد بوصول الدَّازاين Dasein([10]) [الكائن الإنساني] إلى المصير Geschick، إلى الوقائع التي تغدو مصيراً والمصير ــ مع الآخر Mitgeschick، بينما ـــ فيما أراه بطريقة مدهشة جداً ــ وقبل الانضمام إلى المصير، نكتشف بأن الدَّازاين الذي قد تعرّض لموته الانفرادي يكون وحده "فقط" ـــ وآمل ألا أكون ذاك الشخص الذي يُدخلُ هذه الـ "فقط" في النص. على أيّة حال، لديَّ انطباع بأنه على الأقلّ ثمة "فقط" ضمنية في كتابة هايدغر ـــ "فقط" حتمية القدر Schicksalhaftigkeit، أي القدرة على. . .، كونه [أي الدازاين] قابلاً لتلقي ضربات القدر التي يُعَدُّ موته جزءاً منها. بيد أنّه في تلك اللحظة، نتعلم كذلك أنّ حتمية القدر هذه ليست بالمصير Geschicklichkeit([11]) بعدُ، وهو التي يمكن أن يحدث فقط في الموت بمعركةٍ من أجل الشّعب، والمعركة ذاتها من أجل قضية الشَّعب، وما شابه ذلك.

وفضلاً عن ذلك، نجد هذا الموت القرباني لاحقاً، في تعليق هايدغر على [قصيدة] جرمانيا لهولدرلين. إذ ثمة هنا، ما ينبغي أن يقال، وهو شيء يجب أن يُدرّسَ ويُفَكّرَ فيه. وعلى أيّ حال، لا يمكن إجراء ذلك من خلال تعليق القضية برمتها التي تأتي أو تعود لاحقاً. ولا أرغب أنْ أقولَ هذا مثل معلّم مدرسيٍّ. وفيما يخصُّ ميراث هايدغر لدى دريدا، فإنه من الواضح أنَّ الاختلاف بين الدّازاين المنعزل والدّازاين من الشعب لا يمكن إلا أنّ يؤدّي مهمّةً عظيمةً. وهذا لأنه، بالنِّسبة لك، لا يوجد شعبVolk. ليس فقط ثمة لا شيء يماثلُ مشكلة الشعب people هذه، لكنك لا ترغب حتى باستعمال كلمة people شعب. وهي إحدى الكلمات التي أستعملها، لكنّكَ ــ وقد أخبرتني بذلك أكثر من مرة ـــ لا ترغب حتى باستعمالها. تماماً مثل كلمة المجتمعcommunity. والشيء ذاته صائب بخصوص فيليب، في الحقيقة. ومن وجهة النظر هذه على الأقل فأنتما في الجهة ذاتها.

ولكنْ ما أرغبُ بإضافته بعدئذٍ إلى كلِّ هذا هو ما يلي: إهمال السياسي جانباً بالمعنى الدقيق للكلمة ــ على الرغم من أنه ثمة قدرٌ كثيرٌ من السياسة على نحو واضح، ليس السياسة النازية، في عام 1927، ولكنْ السياسة اليمينية المتطرفة، لا سيما حول موضوعة الشعب و"الموت المُضَحّي من أجل الشَّعب" ـــ وتمكن المجادلة بأن ما أرشدَ هايدغر إلى هذه النقطة في تفكيره (وبافتراض، مرة أخرى، أننا نستطيع فصل العرف السياسي غير الخاضع للسيطرة ill-controlled، أي، كما قال فيليب سابقاً، ذاك الذي يظلُّ في موقف سلبي، ولا يتخذ قراراً واقعياً، وهذا مجرّد قناعة لمتابعة التيار السائد) يتمثّل بالطريقة الوحيدة التي يمكن أن يراها لاستنتاج "موت الدَّازاين [الكائن الإنساني] '' من هذه الإمكانية أيضاً أو الاستحالة المؤكدة للغاية، بينما لا يزال غير قادر على الإحساس به أو تركه يتردد صدىً في أيّ شيء آخر ما خلا الطريقة السلبية المحضة.. ما أقصده يتمثّل بهذا الأمر: الإحساس بأنـ[ـه] إذا مكث ببساطةٍ مع دازاين منعزل في كينونته صوب الموت، فإن البعد التام للتاريخ، والجماعة، ومن ثمّ للأحداث والمصير، سوف يتلاشى، وهو ما كان سيقود هايدغر، المحاصَر بإحساس ما من خلال طريقة تفكّره، إلى التفكير في الإمكانية الوحيدة القادرة على إخراج الدَّازاين من عزلته الوجودية، أي، الموت الافتدائي من أجل الشَّعب، بالنسبة لهيدغر في عام 1927. وسيكون ضرورةً، على نحوٍ واضحٍ، إعادةُ التفكير في كل هذا بإمعانٍ شديدٍ. لكن ما أقصده هنا هو أنكَ إذن، يا جاك، ومن خلال الإصرار على الموت كما تفعل، وذلك برفضٍ مطلقٍ للتفكير فيه بأية مفاهيم قد تماثل "الموت الافتدائي" ومن ثمَّ عبر عدم تدوينه في أيّ نوع من [أشكال] المصير الجماعي، أتساءل ما إذا كنتَ، في القيام بذلك، لا تترك مع ذلك المجال مفتوحاً لإمكانية إجراء عملية أخرى، لقلقٍ آخر، لـ"ترسيخ معدَّل" modified taking hold، كما يقول هايدغر، "ترسيخ معدَّل" من اللاأصالة Uneigentlichkeit [inauthenticity] التي من شأنها أن تخلق أصالةَ Eigentlichkeit [authenticity] هذا الموت نفسه. أقصد أنك تعالج الأمر دائمًا بالطريقة ذاتها، كما أسلفتَ سابقاً، أَعْنِي، إذ ينبغي على المرء ألا يقول شيئاً، المرء الذي لا يمكن أن يقول شيئاً... ولا يسع المرء إلا أن يتفق معك كلياً على ذلك. لكن، في الوقت ذاته، فإنه لا يتفق معك على ما تدعوه بالاختلاف([12])différance في اللحظة والاختلافdifférance في العموم، ومن ثمّ فإن السمة المحددة للامتناهي (وهذا يعيدنا إلى سؤال فيليب) يجعل من الضروري التفكير فيما لا يمكن تصوره، والتفكير على وجه التحديد هناك إذ لا يمكن للمرء أن يفكّر، أي، هل ثمة شيءٌ ما قيد النظر يجب تمييزه عن النفي الديالكتيكي؟ شيء ما ينبغي تمييزُهُ عن كلِّ نوعٍ من الانبعاث ــ لذلك، كما ترى، عند هذه النقطة، فإنني على أتمّ الاستعداد للتضحية بأي قيامةٍanastasis. وهذا الشيء يجب تمييزه عن أيّ إمكانية مأساوية، وهي من غير ريبٍ إمكانية استمرار قول شيءٍ ما على أساس ... الاستمرار في القيام بشيء ما به. . . إنِّها إمكانية انتقال الفلسفة إلى الشِّعر، كما يقول فيليب. وهكذا، يا جاك، هل ثمة شيء ما بالنسبة لك، في هذه اللحظة، إمكانية ما، أم لا يوجد شيء؟

جاك دريدا: أنا لا أعرفُ. وأجد صعوبةً في الإجابة على سؤالكَ بهذا الشَّكل. لكن دعني أقول أمرين يمضيان ربما في اتجاه ما تسألني ...الملاحظة الأولى هي أنَّ الدَّازاين، بالنسبة لهايدغر، دعونا لا ننسى ذلك، هو ما لا يمكن فصله عن الكينونة مع الآخر Mitdasein، عن الكينونة مع([13])Mitsein . غير قابل للانفصال: إنه المرء والتنفس ذاته؛ إنه تنفسان لا يمكن فصلهما. والسُّؤال الذي ينهضُ بعد ذلك هو الآتي: كيف ينفصل المرء عن الموت sterben، احتضار الدَّازاين، الذي يكون وحده في قدرته على أن يكون وجوداً أصيلاً، وهو، من ثمَّ، وبشكل ضمني، الفرد، الدّازاين الفرد، مما قد يدعوه مونتين التَّشارُك في الموت comourance [co-dying]؟ المشاركون في الحِدَاد هم أولئك الذين يموتون في آن واحدٍ، عشاق يرغبون أن يموتوا معاً. أولئك الذين يموتون معاً وأولئك الذين يموتون بصورةٍ جماعية لسببٍ ما أو آخر. ولا أعرف كيف أُعالج خطابَ هايدغر عن الكينونة صوب الموت، بتوصيفه الكامل، ومن ثمَّ عدم انفصال الدازاين عن الكينونة مع الآخر، ولذلك فموت الآخر، سواء أكان متزامناً أم لا، مع معضلة الحداد... لا أعرف تماماً. ما الموت لأجل الكينونة مع...، ناهيك عن الشَّعب؟

جان ــ لوك نانسي: لكنَّ هذا كلُّ ما في الأمر. يبدو لي أنَّ ما يقوله هايدغر عن "الموت الافتدائي من أجل الشَّعب" يجيبُ به على هذا السؤال دون المساس بعزلة الكائن الإنساني الدازاين. . . لأنه تماماً ليس بحدادٍ مشتركٍ، كما صغته، وكما صاغه مونتين، لأن الـبادئةco - [معاً، الشريك، المشارك]، بمعنى ما، قد جرى إذابتها واستيعابها في Volk الشّعب. أَيْ أنَّ الشعب هو مجتمع، بيد أنَّ ثمّةَ جزءاً منه يكون عامّاً ومشتركاً...

جاك دريدا: لكن لماذا إذن ـــ وهذا سؤالٌ عميقٌ وسياسيٌّ بصورةٍ بارزةٍ ــ تحدّدُ الكينونة مع Mitsein بوصفها شعباًVolk؟

فيليب لاكو ــ بارت: في الواقع، ليس ثمّة شعب تماماً. سأمضي لقول شيءٍ بسيطٍ للغاية يعرفه قراء هايدغر العارفون: ليس هناك شعب فحسب، بل هناك أيضاً، لتحديد الكينونة مع ، كلمة جيلgeneration. الجيل ذاته. . . جيلُ جان لوك وأنا وجيلُ جاك، حسناً، ثمة اختلاف. وهذا يمثِّلُ بالنسبة لي أُحجيّةً، حيث يمكن لهايدغر أن يفكّر فيه بمفاهيم الجيل. . . وإلا وبطريقةٍ فظةٍ للغاية، إذ ينبغي على المرء أن يطبّق هذا المفهوم على الفئات العمرية أو الطبقات ـــ المسوّدات ـــ على الأغلب بمعنى"التكتيك العسكري" للمفهوم: طراز عام 1960، طراز عام 1970. وهذا الجيل قد يكون مرتبطاً عندئذ بالكلمة التي كانت مستخدمةً في الحملات العسكرية، الألمانية فضلاً عن الفرنسية، وذلك للإشارة إلى الأشخاص من "الجيل" ذاته: "المجنّدين". وهذه الكلمة مُجَنّد اُسْتعملت للإشارة إلى"التجنيد الإلزامي''، أي، لأشخاص من العمر ذاته...

جان لوك ــ نانسي: . . . و"التجنيد" هو "النقش المشترك"...

فيليب لاكو ــ لابارت: إنه "نقش مشترك،" نعم، هذا ما عنيته...

جاك دريدا: لكن وبصورة واضحة لن نكون قادرين على التفكير في هذه المعضلة على أساس التعبئة العسكرية العامة. ولاسيما أنّ كلمة جيل هي إحدى الكلمات التي قد ظهرت دائماً لي غير مقبولة: فنحن لا نعرف ما الجيل. مَنْ هو من الجيل نفسه؟ دعني أُخبركَ طُرفةً. مؤخراً استطلعت صحيفة La Quinzaine Littéraire عدداً من الأشخاص، بمن فيهم أنا، للإجابة على سؤال "من تظن تكون [pour qui vous prenez-vous]"؟ وامتلكت الجرأة في محاولة الاستجابة. وقد أجبت بعنوان "Survivre، Sursaut ، Sursis" ("بقاء، مباغتة، إرجاء").

وفي لحظة محددة من هذا النَّص، قد قلتُ إننا باقون كافةً في حالة إرجاء [en sursis]. ربما البعض أكثر بقليل من البعض الآخر ـــ أنا، على سبيل المثال، بسبب ما يُدعى بالعمر والمرض وما شابه ذلك. وهكذا أَقْبَلُ أنْ أُدْعى أحد الناجين ـــ كما يكتبون غالباً في الصُّحف. لكن ما لا أرضى به هو كوني أن أُدْعَى "آخر ناجٍ" من "جيل" الفلاسفة والمفكّرين والكتَّاب الذين ماتوا كافةً: بارت، دولوز، فوكو، وما إلى ذلك. كما لو كنتُ أَنْتمي إلى "الجيل" ذاته أو كما لو كنا ننتمي إلى الفئة العمرية ذاتها. أجد هذا مقزّزاً، ليس بسبب مسألة العمر فحسب ــ حيث إنني، ينبغي أن يقال، الأصغر في هذا "الجيل" ـــ ولكن كذلك ولاسيما لكونه ليس "جيلاً". فعلى نحو جليٍّ لدينا قواسم مشتركة، ولكن ليس ثمة "جيل". لذلك أكره ذلك عندما يقول أحد ما إنني "المتبقي من جيل مفكري" 68 ". والأمر نفسه يجري بيني وبين فيليب وجان لوك؛ هناك اختلاف في العمر، وسط أمور أخرى، التي تَحُوْلُ من أن نكونَ من"الجيل" ذاته. ونحن لسنا من "الجيل" ذاته. إذ يمكن لهما أن يكونا من طلبتي. فلدي طلبة الآن يبلغون الستين من العمر...

جاك ــ لوك نانسي: كنتَ محاضراً [مساعداً] في جامعة السُّوربون عندما كنتُ طالباً. لكني لم يكن لديّ أي اتصالٍ معك مطلقاً، ولا أعرف السَّبب...

جاك دريدا: أمرٌ جيدٌ، كذلك! على أيّة حال، فإن مفهوم "الجيل" ليس له معنىً فلسفي[sens]. يمكن أن يكون له نوع من المعنى الديموغرافي أو الاجتماعي، لكن ليس له معنًى فلسفي. إنّ الملاحظة الثانية التي أودُّ التصريح عنها ــ هنا مرة أخرى، دون معرفة ما إذا كنتُ أجيبُ على السُّؤال ـــ هل لديَّ نظرية حول الاستجابات. حسناً، إن لم تكن ثمة نظرية، فهذا تهكُّم. إلى ذلك، عند الرَّدِّ على شخصٍ ما، كلما أجاب المرء بشكل جيدٍ وبطريقةٍ عادلةٍ على السُّؤال المطروح، فليس له أيُّ فائدةٍ على الإطلاق؛ إنها استجابة مخططة، استجابة متوقَّعَة. باختصار. وللردّ بأسلوبٍ منصفٍ، يتوجّب على المرء أن يُجيب قليلاً خارج الموضوع، قليلاً على هذا الجانب، ليس فحسب لأيّ جانب، وإنما فقط هذا الجانب. وهكذا من أجل الردّ فحسب على هذا الجانب، أودُّ القول، لسوءِ الحظ بالنسبة لي، ما قلتُهُ عن الحِدَاد، عن الموت، أمر فظيع. هذه أفكار يائسة كلياً، لكن، في نهاية الأمر، ينبغي التفكير فيها؛ لكون الموت يُجبرنا على التفكير. وفي مواجهة الموت، فنحن مرغمون على التفكير بهذا [ça]([14]). ويمكننا الذهاب إلى المقبرة، والوقوف إزاء نعش شخص ما نحبه، ونبكي... لكننا نعلم أنه لا شيء ثمّة، ولا شيء يعود أو ينفع الآخر، وفي نهاية الأمر، فإنّ كلَّ ما يمكننا القيام به هو التزام الصّمت... ولكن بعدئذٍ، وبخلاف ذلك، وفي حدسي بالموت، في علاقتي بالموت المرتقب، الموت الذي أُدركُ أنه سيمحِقُني، ويمحوني بصورة كلية، ثمة، في العمق، رغبة وَصَائية [من الوصية]، أي الرّغبة في بقاء شيءٍ ما، على أن يُترك، أو يُنقل ـــ ميراثٌ أو شيءٌ ما، الشيء الذي أنا نفسي لا أطمحُ إليه، الشيء الذي لن يعود إليّ، الذي لن أحصلَ عليه، لكنَّ هذا الشيءَ، ربّما، سيبقى... و هذا [ça] هو شعور ينتابني ليس فقط بسبب ما يُدعى بالأعمال والكتب، ولكن بالنسبة لكل إيماءة يومية وكل [شيءٍ] مبتذلٍ الذي سيكون شاهداً على هذا، الذي سوف يحفظ بذكرى هذا عندما لن أكون هناك... الآن قلتُ إنَّ هذا لم يكن قِسطاً من الموت، من تجربة الموت المستحيلة، ولكن من حدسي بالموت. وهكذا، بالنسبة لي، فقد اتخذ هذا بصورةٍ دائمةٍ صفةً مهووسةً، ذاك الذي لا يتعلّقُ فحسب، مرة أخرى، بالأشياء الكائنة في المجال العام، الكتابة، ولكن حتّى بالأمور الخاصة. وباستمرارٍ أسأل نفسي كلّما أترك قطعةً من الورق في المنزل أو أكتب شيئاً ما على هوامش كتاب ــ علامة تعجب، مثلاًــ مَنْ يا ترى سيقرأ هذا؟ وماذا سيكسب أطفالي من هذا، إذا قرؤوا هذا من قبل؟ أو مرة أخرى، قبل حوالي خمسين عاماً، عندما استعرتُ من المكتبة في مدرسة إيكول نورمال سوبريور Ecole Normale Supérieure كتابَ هايدغر: كانط ومشكلة الميتافيزيقيا، فإنني ــ وهذه عادةٌ سيئةٌ بالنسبة لي ترهب أبنائي ــ خربشتُ بعض الأشياء في هوامش ذلك الكتاب . . . وعثرتُ على هذا الكتاب مرةً أخرى ذات يومٍ عندما عدتُ إلى مدرسة إيكول. ويا للمفاجأة فقد رأيت الأشياء التي كتبتها قبل خمسين عاماً على هوامش كتاب كانط Kantbuch. وبذلك سيأتي الناس يوما ما ويتساءلون: ما هذا؟ من فعل هذا؟ هذا هو ما...؟ تلك الأصناف من الأفكار، ما أسميها الأفكار الوَصَائية، التي حاولت ربطها ببنية الأثر trace ـــ فكل الآثار هي من جوهر وَصَائي([15]) ــ لطالما كانت باستمرار تطاردني. حتى لو لم يحدث هذا، حتى لو لم يجر استقباله، فهناك رغبة وصائية تشكل قسطاً من تجربة الموت ... لكني لا أًدرك ما إذا كنتُ قد أجبتُ على سؤالك.

جان ــ لوك نانسي: لقد أجبتَ بصورة مثالية. ومع ذلك، أودُّ أن أضيف جانباً آخر إلى السُّؤال. أعني، في كلمة تجريد الملكية exappropriation، فإنني كثيراً، وفي أغلب الأحيان، لديَّ انطباع بأن ما يسمعه المرء إذ يجري إبرازه هو فقط البادئة ex-، كما لو أنها مجرد مضاعفة مصادرة الملكيةexpropriation. ولكن، منذ أن ابتكرتَ كلمة تجريد الملكيةexappropriation ، فمن الواضح أنك لا تفكّر في المصادرة فحسب، ولكن أيضاً الملكيةpropriation. . .. لذلك فإنَّ ما قلتُهُ منذ قليلٍ، وفق ما أعتقد، يتسق مع هذه الملكية. وذلك، في نهاية الأمر، هو كلُّ ما يهمُّني. لأني أظنُّ أنه، بالنسبة لكَ، ثمة ملكية ملائمة، مدفونة أكثر وغائرة أكثر، ومستحيلة أكثر من أيِّ وقت مضى، وفي الوقت ذاته، فهي محتملة في هذه الاستحالة. إنها ليست مجرد مصادرة نشاط. . .

جاك دريدا: ما أردتُ أقوله بتجريد الملكية هو أنه في إيماءة استملاك المرء لشيء ما لذاته، ومن ثمّ القدرة على الاحتفاظ به باسم المرء، ووضع علامة له باسمه، وتركه باسمه، بوصفه وصيةً أو ميراثاً، ينبغي على المرء أن يصادر هذا الشَّيء، ويفصلَ ذاتَهُ عنهوهذا ما يقوم به المرء عندما يكتب، حينما ينشر، وعندما يطلق أحدهم شيئاً ما في المجال العام. فالمرء يفصلُ ذاتَهُ عن الشَّيءِ، الذي يحيا، إذا جاز التعبير، بدوننا. وهكذا ومن أجل القدرة للمطالبة بعملٍ، كتابٍ، عملٍ فنيٍّ، أيّ شيء آخر، فعل سياسي، نموذج تشريع أو أي مبادرة أخرى، وذلك من أجل تخصيصه لنفسه والتنازل عنه لشخصٍ ما، فعلى المرء أن يفقده، ويتخلّى عنه وأن يصادره. هذا هو وضع هذه الخدعة الرهيبة: إذ ينبغي علينا أن نفقد ما نريد الاحتفاظ به ولا يمكننا الاحتفاظ به إلا بالفقدان شرطاً. إنه أمر مؤلم جداً، فحقيقة النشر مؤلمة للغاية. وبتركه، فالمرء لا يعرف إلى أين، فهو [الشيء المنشور] يحمل اسم المرء وــ إنه أمرٌ مروّع ــ ألا يكون المرء قادراً حتى على إعادة تشكيله لنفسه بعدُ، ولا حتى بقراءته. فهذا تجريد من الملكية، ولا يخصُّ فقط الأشياء التي نتكلم عنها بسهولةٍ نسبيةٍ، أعني، الأعمال الأدبية أو الفلسفية، ولكن يخصُّ كلَّ شيءٍ، رأس المال والاقتصاد بصورة عامة.

فيليب ــ لاكو لابارت: وأنا مُطَارَدٌ بهذا الشَّيءِ نفسه، فلديّ الشيء ذاته ـــ لستُ واثقاً ما يمكن تسميته بعد ـــ أي شبح الوصية أو الشهادة. ولمدةٍ طويلة للغايةِ الآن، من خلال الأشياء التي جرى قراءتها قبل زمن طويل، حصل تسجيل شعور قوي جداً، إذا جاز التعبير، فيَّ: وذلك بترك شيء ما، أثر ما، وفي نهاية الأمر، لِنَقَلِ ... إنه شيء ما قد أدهشني في التصريح عن شخص ما أحبه كثيراً، وإنه يُعْتَبر أمراً مخزياً من خلال. . . وبصورة محددة ليس من خلال أحدكما. إنه إعلان عن [أندريه] مالرو. قال: " غايتي كانت أن أترك أثراً في مكان ما." ولم يُفْصِحْ ما نوع الأثر. أُدركُ، مع ذلكَ، أنَّ هناك صلةً قوية للغاية هنا مع حدس الموت، كونه مطارداً بالموت. لذلك أَعِي جيداً ما تعنيه. وأنا على إدراكٍ بأن شيئاً ما فيما تقوله، كما هي الحال في أغلب الأحيان. ولكن في الوقت نفسه، فإن هذه المطاردة ـــ وهذا للردّ على جان لوك ـــ يمكن أن يكون لها مظهر الحفظ. إنّ المرء يحتفظُ بشيءٍ ما ــ وأنا في الحالّ بصدد عملية الانتقال، وأُدركُ ما يعنيه الاحتفاظ بالكثير من الأشياء. إذ أقتني، أقتني، وفي حوزتي كلّ أنواع الأشياء في الخزائن، بأسفل الأدراج... يمكن أن يكون شيئاً ما متواضعاً بكلِّ معنى الكلمة، لكن لا يمكنني الامتناع عن الاحتفاظ به، أو الحفاظ عليه، وليس من أجل أن يكون مخصَّصاً لنفسي. قطعاً لا. إنَّني أَعِي ذلكَ بطريقةٍ نموذجيةٍ: هذا [الشيءُ] لا ينتمي لي، هذا لم يعد ينتمي لي. إنَّهُ هناك، لقد جَرَى وضعه في حالةِ احتياطٍ، ولا أَعرفُ حتَّى لِمَنْ قد يكون مصيره. إنه، إذا تكلَّمنا، بدون غاية telos مناسبة.

جان ــ لوك نانسي: أولاً، دعني أقول، فقط لتأكيد ما تقوله: لقد رميتُ مرة كلّ الرسائل التي كنتُ أحتفظ بها...

جاك دريدا: حقّاً...

جان ــ لوك نانسي: . . . لكنّكَ سوف ترى، فقد ندمتُ على ذلك. حصلَ هذا حينما كان عمري حوالي الثلاثين، ربما خمسة وثلاثين عاماً. كان [ركام الرسائل] يتكدّسُ، كان رهيباً، وعندئذٍ حاولتُ أرشفةَ الأشياءِ، ترقيمها وتصنيفها. . . كان هذا قبل معرفتك، وربما قبيل ذلك تماماً. وهكذا ذاتَ يومٍ أَزَلْتُ كلَّ شيءٍ، وأخبرتُ نفسي أنَّهُ عَدِيْمُ الجَدوى، وأنه لم يخدمْ أيَّ هدفٍ... ولكن سرعان ما ندمتُ بصورةٍ عميقةٍ لذلك. والآن، مثلك، لا أرمي أي شيء أيضاً. لا شيء، أعني لا شيء. قصاصات عديمة الفائدة من الورق والبطاريات والشوكولاتة ... وأنا لا أدركُ ماذا أفعلَ بهذا كله! . . . الآن، إذا كانَ هذا "عرضاً حواريّاً تلفزيونياً"، أود أن أسألكما: كيف تفهمان عبارة سبينوزا "نشعر من خلال التجربة وندرك أننا خالدون"؟

جاك دريدا: بالنسبة لي، سبينوزا هو الشَّخص الذي لم أفهمه مطلقاً. لقد درّسته، أعرف شيئاً عنه، يمكنني إعطاء دورة دراسية عن سبينوزا. ولكن ـــ على الرّغم من أنه كان يهودياً أندلسياً Portuguese Marrano([16]) مثلي، إلا أنه مُفكِّر حيث مشروعه الفلسفي هو الأكثر غرابة بالنسبة لي. وهكذا، لأدركَ من خلال التّجربة أنّني خالد، هذا. . . أتذكر أنني تكلّمتُ عن هذا الأمر مرة مع صديق، شخص معروف لثلاثتنا، في الحقيقة. قلت له، في نهاية الأمر، بطبيعة الحال، أنا لا أعتقد بالخلود. لكنني أعرفُ أنّ ثمّة I [ضمير المتكلم رفعاً أنا]، me [ضمير المتكلم نصباً وجراً ـــي]، ثمّة كائن حي مَنْ يكون مرتبطاً بذاته عن طريق العاطفة التلقائية، وهو قد يكون طائراً، وسوف يشعرُ بأنه حيٌّ مثلي، وبذلكَ قد يقول، في صمتٍ، إنــ"ــي"me، ومَنْ سوف يكون أَنـّـ"ــي" me! سيكون هناك بعض الكائنات الحية، سيستمر في القول لي وهذا سوف يكونُ أنّـ"ـي" a me، هذا سيكونُنـ"ـــِي"me! يمكنني إعطاء أمثلة أخرى. بيد أنّني لا آخذ الكثير من الراحة في هذا([17]).

جان ــ لوك نانسي: خلود سبينوزا..

جاك دريدا: ربما. عندما أكون ميتاً، سيكون هناك طائر، نملة، يـ/تقول إنـــ"ـي"me لأجلي، وعندما يقول أحدٌ ما إنـ"ـي"me لأجلي، فهذا يكوننـ"ـي"me. ولكن لالتقاط ما يقوله كلاكما عن أوراقكما، ذات مرة أتلفتُ رسالةً.بعزم عاتٍ: حاولت سحقها إلى مِزَقٍ ـــ ذلك لم ينجح؛ لقد أحرقتها ـــ وذلك لم ينجح أيضاً. . . أَتْلَفْتُ رسالةً لم يكن ينبغي عليّ إتلافها وسأندمُ على ذلك ما تبقّى حياتي. أما بالنسبة لما تبقّى ـــ وهنا نتكلّمُ عن مشكلةِ الأرشيف ـــ لم أفقد أو أتلفَ أيَّ شيءٍ البتة. وصولاً إلى الملاحظاتِ الصَّغيرةِ ــ التي تركها بورديو أو بالبيار([18]) على باب بيتي عندما كنت طالباً ـــ تقول: "أنا سآتي متأخراً"...أو من بورديو، "سوف أتصل بك،" وأنا ما زلتُ أملكُ هذه الأشياء ــ لديّ كلّ شيءٍ. الأشياء الأكثر أهمية وكذلك على ما يبدو الأشياء عديمة الأهمية. أتمنى دائمًا، بطبيعة الحال، يوماً ما ـــ حيث الفضل يعود إلى طول العمر وليس إلى الخلود ــ ربما أكون قادراً على إعادة القراءة والاسترداد، معاودة النظر، وبطريقة ما، استعادة كل هذا لنفسي. وبعد ذلك عشتُ بتجربة صعبة ومُرّة ــ الآن بعد أن جرى أرشفة كل هذه المراسلات وحفظها بعيداً، الجزء الأكبر منها خارج منزلي ــ لكن يا للأسف لن أُعيدَ قراءة هذه الأشياء البتة... وأحياناً [هم] يرسلون لي رسالة من عائلتي عندما يجري تحديد الموقع، ولذلك أُعيد قراءة هذه الرّسالة، لكن هذه رسالة واحدة فحسب من بين مئة أو ألف! ولهذا فأنا أعلمُ أن ما احتفظتُ به هو، بالنسبة لي، مفقودٌ بشكلٍ مطلقٍ، فعلى الرغم من أنني لم أحتفظْ بهذا للآخرين وإنما لنفسي، من أجل التذكّر، ومن ثمّ الحفاظ على تجربتي وذاكرتي وماضيّ... هذا تجريد من الملكية: إذ أردت الاحتفاظ بكلّ شيء من أجل استملاكه لنفسي، ولكن من أجل الاحتفاظ به واستملاكه، كان من الضروري قبل كلّ شيء وضعه في مكان آمنsafe [آمن باللغة الإنجليزية في الأصل]. وعندما يضع المرء شيئاً ما في مكانٍ آمن، ينبغي أن يكون في مكان آخر، مكان آخر غير المكان ذاتهelsewhere than on oneself. والمكان الآمن هو باستمرار المكان الأقل أمناً؛ وهو على الدوام المكان الذي يُوضع فيه شيء ما أو يُحفظ خارجاً، وبذلك لا يكون في نهاية الأمر آمناً أو محميّاً من أيّ شيء على الإطلاق. وعلى سبيل المثال، ثمة قسمٌ من سجلّاتي في مكانٍ مَا في الولايات المتحدة حيث تحصلُ الزّلازل كلّ عشر سنواتٍ وقسمٌ آخر في كوخٍ تعيسٍ إذ يمكن أن يكون هناك حريق. وبذلك لا يوجد مأوى، وأنا محرومٌ من الشّيء الذي رغبتُ الاحتفاظ به. [لابدّ من] كلمة إضافية حول الوصايا والأجيال والنّسب: في اليوم الذي قررت فيه أن أُوْدِعَ هذه المحفوظات في الخارج، لم يكن ذلك فقط لكونه قد طُلب مني القيام بذلك (السجلات تتضمّن ندواتي ومحاضراتي كافةً وما إلى ذلك)، ولكن كذلك لأنني أدركتُ أن أطفالي ليس بمقدورهم نشر هذه المحفوظات، أو الاهتمام بها بأنفسهم، أو تحمُّل مسؤوليتها.

وتوصلت إلى إدراك أنه، في المنزل ـــ كيف يمكنني أن أقول هذا دون اتهام أيّ شخص؟ ـــ ربما يجري الحفاظ على كل شيء بصورةٍ حسنةٍ على صعيد أمن المادة، ولكن لن يكون ثمة، إذا جاز القول، أيُّ قراء. [وفي] مكانٍ آخر، مع ذلك، قد يكون هناك قرّاء لمناقشات[سيمنارات] معينة، لبعض من مراسلاتي ــ ثمة الكثير من الرسائل المتبادلة عديمة الأهمية، وهناك بعض الرسائل التي ربما تهمُّ بعض الناس. . . ولكن عندما أدركتُ ـــ للأسباب التي أقبل بها وتلك المفهومة ــ أنّ أولادي لن يكون بمستطاعهم تحسين الاهتمام بهاته الأشياء كلها، قلتُ في نفسي لحظتئذٍ أنه من المستحسن التخلي عنها كاملاً.

فيليب ــ لاكو لابارت: دعني أَردَّ فقط على السّؤال المطروح من قبل جان ــ لوك ـــ لأنَّ هذا قد تحوّل إلى عرضٍ حواريٍّ تلفزيونيّ: "ما رأيك بشذرة سبينوزا؟" حسناً، أنا لدي أيضاً علاقة معقدة للغاية مع سبينوزا، وكذلك مع أولئك الذين يزعمون أنهم يسيرون على طريقه. وهذه الشَّذرة وباستمرار قد لامستني بعمقٍ شديدٍ، على الرّغم من أنَّ العبارة الفلسفية الوحيدة التي تغيظني حقاً تتمثّل بتلك التي قد ورثناها، كما تعلمون، من العصور القديمة، العبارة الخاصة بخلود الرّوح. وحتّى أكون فظاً للغاية هنا، إنه عبء من الهراء الميتافيزيقي. لا يعني شيئاً. ومع ذلك، " نحن نشعر من خلال التجربة وندرك أننا خالدون" ـــ يمكن أن يحدث ذلك، إنه يحدث. وأنا أقول هذا من دون الرّغبة بتفسير ذلك؛ أقول ذلك لأنه حصل لي. إنه قد حدثَ لي ـــ الآن بعد أن كشفنا الأسرار ـــ في تجربة الحبِّ، وبطريقةٍ لامعةٍ. بيد أنّني مقتنعٌ بأنّ ذلك يمكن أن يحدثَ بطرائق أخرى. وعلى أيّ حالٍ شعرتُ بهذه الصدمة حينما تلقيت آخر كتابةٍ لبلانشو، لحظة موتي The Instant of My Death، فقد كان لأنني، فجأة، أدركتُ هذا الأمر في هذا العنوان وفي ذاك النص، حتى لو ظلَّ مبهماً جداً ـــ وجاك يدرك هذا أفضل مني. فهمتُ فيما يسميه بلانشو لحظة موتي تجربةَ الخلود هذه. وسوف أكون مهتماً اليوم ليس بإعادة سرد هذا وإنما بصياغته.

جاك دريدا: كلمة فحسب، جان ــ لوك، نظراً لتعقيد ما قلته قليلاً حول الخلود immortality. فإنَّه من الصَّواب أنني، بالمعنى السبينوزي، ألا أشعر بالخلود البتة. ولكونه يقال، بالمعنى الذي يقول به فرويد أنه لا أحد يعتقد بموته أو موتها، حتى حينما يكون المرء مهووساً بوصفه مطارداً في كل لحظة بالفناء mortality، فثمة شيء لا يمكنني تصديقه هنا. بهذا المعنى، أشعر بالخلود، في إيماني السَّاذج واللاواعي ـــ اللاوعي لا يدرك الموت ـــ ولذا أقول، نعم، بهذا المعنى، أشعر بشيء من مثيل: "لا أستطيع أن أموت!" لكن هذا لا يتناقض مع اليقين بأنني، يوماً ماً، سأمضي إلى الموت.

جان ــ لوك نانسي: لا، ليس ثمة أيّ تناقض، ولاسيما أنَّ فرويد يتحدّث على وجه التحديد عن اعتقاد ما. وأنا على هذا النحو لا أستطيع أنْ أعتقد لأنني لا أستطيع الإسهام بمعرفةٍ ضمنيةٍ أو مفترضةٍ، [المعرفة] التي أعرفها في الوقت ذاته حيث لا يمكن أن تغدو معرفةً النسبة لي. بهذا المعنى، فإن التَّصريح: "أعتقد أنني لن أمضي إلى الموت!" يعني أنني أسهم بصورة مباشرة، وبشكل عفوي، وإلى الأبد في الشعور الأساسي لوجودي الخاصّ. وطالما أنني على قيد الحياة، لا تسعني إلا الموافقة على هذا الشعور، وحتى قبل الموت مرة أخرى، فأنا لا أزال أوافق عليه. تلك هي الطريقة التي أفهم بها فرويد. لكن يبدو لي أن سبينوزا يتكلّم عن شيء آخر. فهو يتحدث عن شعور وعن معرفة من خلال التجربة. وأنا لا أعرف ما إذا كنتَ تسمعه بهذه الطريقة، لكنني أَودُّ القول: أشعر به وأختبره بوصفه شعوراً واختباراً لحدود كل شعورٍ وكل تجربةٍ. وبناءً على ذلك، فهذا ليس اعتقاداً ولا عدمَ اعتقاد ـــ إنه كذلك متموقع في مكان آخر. وربما هذا يتواصل مع شيء آخر لم يعد من الممكن تسميته إيماناً. ولكن، على أية حال، ثمة شيء ما سيكون أولاً من درجة التأثير، من التأثير عند حدود كل عاطفة ممكنة، في الحد الأقصى لكونه ــ متأثراً being-affected. وأود أن أقول لك هذا المساء أن لدي انطباعاً قوياً بأنّكَ متموقعٌ على وجه التحديد عند هذا الحد وأنكَ، في الوقت نفسه، تدفعه بعيداً. وبذلك تبدأ أيضاً في الإلحاح على مصادرة الملكية expropriation في جوابك، أصررتَ على الفقدان. "إذ للاحتفاظ، ينبغي على المرء أن يفقد". هنا، أود القول، إنه سؤال النغمة، اللهجة. فأنت، بالطبع، تؤكد "ينبغي على المرء أن يفقد". وهنا لا أطلب منك تأكيد "الاحتفاظto keep". ولا أحاول إقناعك بأنك، في نهاية الأمر، تعيد استملاك كل شيء لذاتك. بيد أنّ الأمر ببساطة هو الآتي: نحن نقترب من شيءٍ أراد هايدغر تسميته من خلال الثلاثي([19]): Er-eignis،Ent-eignis ،Zu-eignis . وهذا يعني الحدث الاستيلائيappropriating، وهو حدث إلغاء الملكية de-propriating event، وهو كذلك ــ ربما نقول ــ الحدث المنحرف deviant أو الفاسد. أود أن أطرح عليك سؤالاً آخر، إن كنت لا تمانع. وهو سؤال يمكنك الإجابة عليه بسرعة للغاية. إنه شيء آخر بصورة تامة، ولكن بما أنك تحدثتَ عن الطائر الذي ستصبح عليه، أود مع ذلك أن أعرف...

جاك دريدا: أي نوع؟

جان ــ لوك نانسي: حسناً، لم تعيّن [النوع]. إن كنتَ ترغب، يمكننا أن نقرر. ماذا بشأن الطائر الطنّان([20])humming bird؟ ينبغي على المرء أن يكون لطيفاً. لا، فيما مضى، تحدّثتَ مراتٍ كثيرةً بمحاباةٍ عن الحيوانات وبمواجهة "حيوان بلا عالم"([21]). وهنا تلحُّ على واقعة أنَّ ثمة حيوانات حزينة/ مفجوعة، وما شابه ذلك. وفي وقت أبكر قدمتَ لنا قائمةً مثيرةً للإعجاب. إذ تحدّثتَ عن كلِّ شيءٍ: الحبّ، العمل، الكلام. لكن في غضون القيام بذلك، كما يبدو لي، فإنّكَ مع ذلك تعيد بناء مقياس، من حيث إنكَ أوضحتَ ذلك تماماً أن النملة، على سبيل المثال، ليست الشيء نفسه كالشمبانزي...

جاك دريدا: إنه ليس بمقياس، إنه اختلاف..

جان ــ لوك نانسي: اختلافٌ ما. لكن ما رغبتُ بسؤالك عنه في نهاية الأمر يتمثّل، من خلال تطميس الاختلاف بين البشر والكائنات الحية الأخرى كافةً، وما إذا انتهى الأمر بك إلى إعادة تأسيسِ اختلافٍ؟

جاك دريدا: لم أرد البتة تطميس الاختلاف بين ما يُسمّى بالإنسان والحيوان. أردت مساءلة الحدود المشتركة والمتعارضة بين الإنسان والحيوان لأجل، وبخلاف ذلك، تقديم ممايزة أعظم. لستُ بهيمةً بلهاءَ إلى حَدّ أنّني أعتقد أنَّ الكلب هو فيلسوف مثله مثل هايدغر. لا، أعلم أنَّ هناك اختلافاً، وأنَّ ثمّةَ اختلافاتٍ عديدةً، بين البشر والبشر [من جهةٍ] والحيوانات [من جهة أخرى]. إن خطابي، من ثمَّ، ليس بمواجهة الاختلاف. إنه بالضدِّ من الحدود المتعارضة التي من شأنها أن ترسم، على جهةٍ واحدةٍ من الحدود، إمكانية الكلام، الضحك، الاقتصاد، الملابس، الدموع، الحداد، والموت ـــ فالحيوان لا يموت لأجل هايدغر ــ و، على الجهة الأخرى، لا "بهذه الصفة" as such، لا حِداد، لا مَغْزى ولا استجابة... هذه الكلمة الاستجابة response هي المصطلح الفعّال هنا من ديكارت إلى لاكان. إذا يمكن للحيوان أن يدلَّ علىsignify، لكن دلالاته significations هي ردود أفعال وليست استجابات البتة. فكلاهما ديكارت ولاكان يقول ما يلي: لا يمكن للحيوان أن يمتلك قدرة الوصول إلى العلامة الدّالةsignifier لأنه لا يستطيع أن يستجيب. يمكن له أن يتفاعل فحسب. وبخصوص هذه النقطة، فــ لاكان ديكارتي بعمق. هذا ما أطعن فيه. أنا لا أطعن في هذا لكي أقول إن الحيوان يمكنه كذلك الاستجابة مثلما يمكن للإنسان... أنا أطعن في اليقين بأن الإنسان يمكن أن يستجيب دون رد فعل، أو أن استجابة الإنسان هي استجابة محضة دون ردّ فعل. ثمة بعض رد الفعل في كل استجابة. . . وهكذا، كما ترى، أجد أنَّ هذا المفهوم لم يعد قائماً، ولم يعد صامداً([22]). . .

 


([1]) ـــ تمثل هذه المحاورة الفصل الثاني من كتاب:

For Strasbourg: conversations of friendship and philosophy / Jacques Derrida; edited and translated by Pascale-Anne Brault and Michael Naas. fordham university press New York 2014.

جان ــ لوك نانسي1940) Jean-Luc ـــ 2020) فيلسوف فرنسي، غزيز الإنتاج من أعماله المنقولة إلى العربية: حقيقة الديمقراطية، ترجمة: عبد الكبير الخطابي، الدار البيضاء: دار توبقال، ط1، 2020.

فيليب لاكو ــ لابارت ) Philippe Lacoue-Labarthe1940ــ 2007) فيلسوف وناقد أدبي ومترجم فرنسي له العديد من الأعمال مع صديقه جان ــ لوك نانسي ومنها: The Literary Absolute: The Theory of Literature in German Romanticism, 1988.

تجدر الإشارة أنَّ هوامش المترجمين وضعتها بين معقوفين [...] أما ما تبّقّى فهي من وضع المترجم.


([2]) ـــ العبارة الإنكليزية: "apple of my eye"[تفاحة عيني] أي بؤبؤ أو إنسان العين في العربية، كناية عن شخص عزيز يفوق مَعزّته الآخرين.

([3]) ــ المقصود بهذا المصطلح في الفلسفة السياسية وفق قاموس Merriam-Webster:" نظام فلسفة قانونية يقوم على الاعتقاد بأن الحقَّ هو ما حدّده المشرع". شبكة الإنترنت

([4]) ـــ Entscheidung = قرار، حُكم، عزم، حسم ...إلخ

([5]) ـــ كان إرنست هارتويج كانتوروفيتش Ernst Hartwig Kantorowicz (3 مايو 1895-9 سبتمبر 1963) مؤرخاً ألمانياً أمريكياً للتاريخ السياسي والفكري والفن في العصور الوسطى، اشتهر بكتابيه عام 1927 Kaiser Friedrich der Zweite عن الإمبراطور الروماني المقدس فريدريك الثاني وجسدا الملك King's Two Bodies (1957) حول إيديولوجيات العصور الوسطى وأوائل الأيديولوجيات الحديثة للملكية والدولة(ويكيبديا).

([6]) ــ إ رنست يونگر (1895-1998) هو كاتب وروائي ألماني. ولد بمدينة هايدلبرغ جنوب ألمانيا. وهو أحد أكثر كتّاب ألمانيا غزارة في إنتاجه وغرابة في أطواره)ويكيبيديا)

([7])ـــ Anastasis (Greek: ανάσταση), resurrection, most commonly the resurrection of Jesus.

أناستيس (باليونانية: ανάσταση) تعني القيامة، قيامة المسيح الأكثر شيوعاُ..(ويكبيبديا الإنكليزية).

([8]) ـــ Geschehen كلمة ألمانية تعني الأحداث، الوقائع.

([9]) ـــ [ينظر القسم 74 من الكينونة والزمن. المترجمان].

([10]) ــــ المقصود بهذا المصطلح على وجه التقريب، نظراً لتعقّد وتشابك دلالاتها هو الإشارة في مصنفات هايدغر إلى شكل كينونة الكائن الإنساني تحديداً: (...وذلك أن عبارة " Dasein " قد أوقفها هيدغر بشكل صارم على الإشارة بها إلى نمط كينونة الكائن الإنساني وحده (...) إنّ الدازين هو نمط كينونة الكائن الذي هو كل منا نحن أنفسنا في كل مرة." ص 778، 779: مارتن هيدغر: الكينونة والزمان، ترجمة: فتحي المسكيني، مراجعة: إسماعيل المصدق، بيروت: دار الكتاب الجديدة المتحدة، ط1، 2012.

([11]) ـــ Geschicklichkeit تمنح المعجمية الألمانية، فضلاً عن معنى "المصير" دلالات أخرى من قبيل: المهارة، الحذاقة، الإتقان... فهل على الدّازاين أن يمتاز بالمهارة المطلوبة للوصول إلى لحظة المصير النهائي المتمثل بالموت الافتدائي من أجل الشعب...؟ لابدّ من الإشارة أن فلسفة هايدغر لاتزال غريبة على "اللغة العربية" اصطلاحياً على الرغم من الاحتفاء بها في الوقت الراهن.

([12]) ــــ différance من المفاهيم/ اللا ـ مفاهيم التي ابتكرها جاك دريدا للإشارة إلى حدثين في وقتٍ واحدٍ: الإخلاف الزماني (التأجيل، الإرجاء) والاختلاف المكاني وقد جمعهما المترجم العراقي كاظم جهاد في رسم واحدٍ في العربية: اخـ(ـتــ)ـلاف لأداء المعنى المراد كما في الفرنسية. ينظر بتوسع: جاك دريدا: الكتابة والاختلاف، ترجمة: كاظم جهاد (مقدمة المترجم)، الدار البيضاء: دار توبقال، ط2، 2000. وكذلك جوزيف أدامسون موسوعة النظرية الأدبية المعاصرة (مداخل، نقاد، مفاهيم): 3مفاهيم، تحرير: إيرينار ر. مكاريك، ترجمة: حسن البنا عز الدين، القاهرة: المركز القومي للترجمة، ط1، 2017، ص 102، 103.

([13])ـــ Mitdasein و Mitsein من المفاهيم الهيدغرية التي ترجمها معجم هايدغر التاريخي باللغة الإنكليزية على التوالي إلى: being-with (others) أي الكينونة/ الوجود مع (الآخرين) وbeing-with أي الكينونة / الوجود مع ...ينظر:

Historical Dictionary of Heidegger’s Philosophy, 2nd ed., by Frank Schalow and Alfred Denker, The Scarecrow Press, Inc. Lanham. Toronto. Plymouth, UK 2010 2010. P 71, 72.

([14]) ــــ من الضمائر الإشارية في اللغة الفرنسية: الذي، التي، ذلك..إلخ.

([15]) ـــ [كتب دريدا في كتابه علم الكتابة Of Grammatology، ترجمة. غاياتري شاكرافورتي سبيفاك (بالتيمور: مطبعة جامعة جونز هوبكنز، 1976)، 9، "كل وحدات الكتابة لها جوهر وصائي." all graphemes are of a testamentary essence. المترجمان]. تجب الإشارة أنّ الـ graphem يمثّل أصغر وحدة كتابية ذات معنى أو مغزى على غرار "المورفيم" [مثل ياء المتكلم مثلاً] في اللسانيات.

([16]) ـــ المارانوس هم يهود إسبان وبرتغاليون عاشوا في شبه الجزيرة الأيبيرية [الأندلس] ممن تحوّلوا ـــ أو أُجبروا على التحوّل ـــ إلى المسيحية خلال العصور الوسطى، ومع ذلك استمروا في ممارسة اليهودية في سريةٍ حيث جاك دريدا نفسه ينتمي إليهم كما يشير هنا. (ويكبيديا الإنكليزية).

([17]) ـــ كما لو أنَّ دريدا وردّاً على قولة سبينوزا عن "الخلود" لا يرى في الأمر سوى صدىً لصوت ضمير المتكلم رفعاً ونصباً على ضفة التاريخ...! ولابد من الاعتراف بأنّ كلام دريدا هنا مربكٌ على صعيد الصياغة.

([18]) ـــييير بورديو/ Pierre Bourdieu‏ (1930 ـــ (2002 عالم اجتماع فرنسي، أحد الفاعلين الأساسيين بالحياة الثقافية والفكرية بفرنسا، وأحد أبرز المراجع العالمية في علم الاجتماع المعاصر.وغنيٌّ عن التعريف. أما إتيان بالبيار Étienne Balibar فهو من مواليد 23 أبريل 1942 وهو فيلسوف فرنسي. قام بالتدريس في جامعة باريس X-Nanterre، وجامعة كاليفورنيا (إيرفين)، ويشغل حالياً منصب أستاذ كرسي في مركز أبحاث الفلسفة الأوربية الحديثة (CRMEP) بجامعة كينغستون وأستاذ زائر في قسم اللغة الفرنسية وفقه اللغة الرومانسية بجامعة كولومبيا. (ويكيبديا الإنكليزية).

([19]) ـــ هذه المصفوفة الهيدغرية من الصعب ترجمتها، فكلُّ كلمة منها لا يمكن الحسم بشأنها ومع ذلك يمكن المجازفة اعتماداً على معجم هايدغر التاريخي في الإنكليزية (مرجع مذكور سابقاً) بصورةٍ رئيسيةٍ ومعرفتي البسيطة بالألمانية إلى حدّ ما: Er-eignis = enowning, appropriation = حدث التملُّك، Ent-eignis = dis-enowning =حدث نزع التملُّك، Zu-eignis = assign = حدث التخلّي (أو نقل) التملُّك لشخض...

([20]) ـــ طائر أمريكي استوائي صغير يتغذى بالرحيق وقادر على التحليق والطيران للخلف، وعادة ما يكون له ريش قزحي ملون. (غوغل)

([21]) ــــ [يحيل جان لوك نانسي هنا إلى التعليقات التي أدلى بها دريدا بعد كل عروض الطلبة خلال يوم دراسات الدكتوراه التي نظمها قسم الفلسفة في جامعة مارك بلوخ. - المترجمان.]

([22]) ـــ [فيما يخصُّ مسألة الحيوان، يُنظر كتاب جاك دريدا "الحيوان الذي أنا عليه " The Animal That Therefore I Am ترجمة. ديفيد ويلز (نيويورك: مطبعة جامعة فوردهام، 2008)، بالإضافة إلى مجلدي ندوات دريدا الأخيرة، البهيمة وصاحب السيادة The Beast and the Sovereign، 1 و2، ترجمة: جيفري بينينغتون (شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو، 2009، 2011). المترجمان].

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية