كان القرن الثامن عشر نقطة تحول في تاريخ البشرية؛ ففيه انطلقت الثورة الصناعية (1750 – 1850) التي غيرت وجه مسيرة العالم، وبدءاً من هذا القرن راحت تتابع الاكتشافات الحديثة، التي كانت منها الاختراعات التكنولوجية بوجهيها، الجميل منها والقبيح، هذه التكنولوجيا التي غيرت آليات الصناعة، والزراعة والحروب، وأيضاً الفنون التي منها الموسيقى والغناء.

أوجدت الثورة الصناعية اختراعات عديدة أسهمت في نشر الغناء والموسيقى وتطورها، من أهمها: المذياع عام 1895، التلفاز ما بين عامي 1923 و1924، والكمبيوتر الذي تم اختراعه في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، والأقمار الصناعية، التي كان اختراعها خلال النصف الأول من القرن العشرين، والتي بفضلها عرف العالم الهواتف المحمولة والشبكات العنكبوتية، التي جعلت من العالم قرية صغيرة، يتواصل أفراده وهم في بلاد مختلفة تفصل بينهم آلاف الأميال، لنصبح بذلك في زمن يعرف بزمن العولمة، جميع أدواته تسهم في نشر الغناء والموسيقى بأنواعها المختلفة.

ترى د. ياسمين فراج في كتابها «دراسات في النقد الموسيقي» أن مفهوم العولمة في مجال الموسيقى والغناء، وهما أداتان من أدوات الثقافة التي تحدد توجهات الأنظمة السياسية في أي مجتمع، لا يختلف كثيراً عن المفاهيم العالمية التي فسرت العولمة، حيث إنه من المنطقي أن يتم فتح أسواق جديدة لمجموعة الدول الصناعية السبع أو الشركات متعددة الجنسيات، من خلال تسويق برامج الصوتيات التكنولوجية، التي تستخدم في صناعة الأغنيات الحديثة والمعاصرة، باستخدام أجهزة الحاسوب والبرامج التكنولوجية الموسيقية والصوتية، يتم تصنيعها في شركات غربية عابرة للقارات، تهدف إلى الربح المادي وفرض هيمنتها الثقافية على الدول الأفقر أو الأقل تقدماً، وبذلك يصبح صناع الموسيقى في هذه الدول مجرد مستهلكين فقط لما ينتجه وتقدمه دول العالم القوية المسلحة بالعلم والقوة الاقتصادية، من برامج وأدوات تكنولوجية تكون هي النواة في صناعة الموسيقى والغناء في الدول الأفقر والأقل تقدماً.

  • تأثير

يقول الباحث البريطاني «سيمون ماندي» عن علاقة الموسيقى بالعولمة إن الموسيقى من الفنون القليلة التي تأثرت بالعولمة، فالتكنولوجيا تقدم للفنون البصرية بعض الإمكانات المثيرة عن طريق الكمبيوتر، وبعض الأساليب المفيدة للعرض والبيع، لكنها لا تسمح باستبدال التجربة الحية للفنون، وقال إن العولمة سيكون لها تأثيرها في كل جوانب الصناعة الموسيقية سواء بالسلب أم بالإيجاب، ليس فقط على هؤلاء الذين تمثل كفاءتهم أهمية خاصة في الحفاظ على التقاليد الموسيقية ونشرها.

تشير الكاتبة إلى أنه عندما نتحدث عن علاقة الموسيقى والغناء بوسائل الإعلام التي هي في أصلها وسائل تكنولوجية تتجلى لنا جدلية العلاقة بين المنتج الفني بمفهومه الجمالي الذي يدعو للحق والخير والجمال، وبين المنتج الفني بمفهومه السياسي وتحديداً الديمقراطي منه، الذي يدعو إلى أن الفن حق يجب أن يمارسه من يشاء، وفي هذا الشأن يقول عالم الفلسفة الأمريكي توماس مونرو «والحق أن التكنولوجيا الجمالية أو علم الجمال التطبيقي، تستطيع أن تزيد كثيراً من قدرة الفن على إحراز الغايات التي هي موجهة إليها، فإن استخدمت هذه القدرة بحكمة، أمكن أن تعود نتائج ذلك بالنفع على الفن والحياة، لكن هناك فارقاً أساسياً، ذلك أن التطور ليس بالضرورة هو التقدم».

يتضمن هذا الكتاب خمس دراسات موسيقية هي على الترتيب: الموسيقى المكارونية، الأغنية عند التنظيمات الإرهابية، وتوظيف الصوت البشري في الموسيقى الآلية لدراما الشاشات في الفترة من 2001 إلى 2016، الموسيقى الأمازيغية بين مصر والمغرب العربي، الماسونية وتأثيرها على الحركة الموسيقية العالمية، حيث استخدم في هذه الدراسات طرق تحاليل مختلفة محاولين من خلالها كسر أنماط التحليل الموسيقي التقليدي المتعارف عليه، ومقتربين من حقول معرفية أخرى كاللغة وعلم الاجتماع، في محاولة لتقديم دراسات بينية بين النقد والموسيقى وعلوم أخرى.

  • جدل

من اللافت أن المؤلفة تشير إلى أن «الناي السحري» لأماديوس موتسارت التي عرضت لأول مرة في فيينا عام 1791 وهي آخر ما لحّن موتسارت، قبل وفاته بشهرين تقريباً، وقد أثارت جدلاً واسعاً عند وبعد عرضها، لما تتضمنه من إشارات وعلامات تتعلق بحركة الماسونية العالمية، التي انضم إليها موتسارت، حيث قرر تقديم عمل فني يعتمد على علامات الماسونية ويبرز رموزها للتبشير بها، ونشر أفكارها.

وترى المؤلفة أن موسيقى «الميتال» من أبرز أنواع الموسيقى، التي ارتبط اسمها في الربع الأخير من القرن العشرين بالماسونية، ثم ظهرت موسيقى «الهيفي ميتال» في الستينيات من القرن الماضي كتطور لموسيقى «الروك» و«البلوز» والموسيقى المخدرة، وتميزت هذه الموسيقى بالسرعة والغناء الصاخب، الذي لا يتطلب حلاوة الصوت، وأكد بعض علماء النفس في تقرير نشر بإحدى الإذاعات الألمانية أن موسيقى «الميتال» تثير في نفس المتلقي بعض الإيحاءات، حتى وإن كانت بلغة مختلفة عن لغة المتلقي، بما يؤثر سلباً في سلوكه وتصرفاته، ويجعله أكثر عنفاً وعدوانية.

المصدر: الخليج

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).