I

برغبةٍ متوحشة،

بعينين يجتاحهما بنفسجُ الاشتهاءُ؛

كنتُ أترصّدكَ، أنا حُوْريةُ الكهفِ، أترصّدُ قطيعكَ...، أُبْصِرُ هامتكَ الصّاعدة وهي تهذّبُ غطرسةِ الضّبابِ في الأعالي، حورية الكهف أنا، أُراقصُ الغيمَ على رنينِ أجراس كباشِكَ البيضاء...مَنْ لي بغدائركَ التي تغازلها إناثُ الرّيح، مَنْ لي بهذا النَّاي بين أصابعك، مَنْ لي بهذهِ الكِنانةِ على كتفِكَ، مَنْ لي بكلُّكَ يا أليفَ السُّفوح، يا أنيسَ الليلِ والنُّجوم؟ 

 

II

أناديكَ "كُوْجَرُو"... لأُؤْنِسَ الجلاميدَ في عزلتها، وأُرَوّضَ هذه السّفوحَ بقرونِ كِبَاشك، حينما رميتُ ندائي تفاحةً بين يديكَ؛ كنتَ تُلقّنُ الذئبَ أن يكون ذئباً، وأن يكونَ نديماً لظلّكَ، هناك... في تلك الفِجَاج كنتُ أتخفّى كجناح الرّيح عن يديكَ، فأرمي بروحي في أَنينِ النَّاي لأغدوَ فراشةً تحطُّ على رموشكَ...وأتلو جسدي أقماراً على شرفة لَيْلكْ. 

 

III 

لكِ المدائحُ؛

لكِ الأسَاطيرُ في نداوتها الأُولى، 

لكِ وحدَكِ طراوةُ الصَّباح، تُوقظُ أَنَاشيدَ الحجر...! 

ولكِ حبرُ الليل وفتنةُ العشب، ألقُ الماء بين أصابع النَّهار. 

(أيّتها) الظّمأُ، (أيّتها) الظّمأُ الوحشيُّ، حيثُ الجسدُ منهوبٌ بأعشاب اللهاث، وحيث الرُّوح مكلّلة بعوسج الحبّ، أيتها الشَّاسعة كهيبةِ نهرٍ، يا هبةَ المواسم، يا نعمةَ الأرضِ، من يجرؤ أنْ يطأَ مرافئكِ، سماواتِكِ، حقولَكِ التي لا تُحدُّ؟ يا لهذا الليل، هذا الليل الذي يركنُ إلى أقواس حواجِبَكِ كغنيمةٍ ...! 

دعيني أيّتها الجبالُ أَمْضي في البهاءِ صرخةً أبعد:

 قامتُها العاليةُ التي تَفْتَتِنُ الرّيحُ بها على هذه الجروف الظّالمةِ في حدّتها، قامتُها المحروسةُ من ليوثٍ محكومةٍ بالشراسة، يا إله الغيم الجسور اُنظرْ: قامتُها الفاتنةُ تقطفُني بلا أثرٍ. 

كذلك هاتان العينان سحراً عواصفُ تجتثُّني، تَعْبُرُ بي إلى سَماءِ الصّرخة انسحاقاً. كيف لي، وأنا أرتعشُ في هبوبِ رياحك النَّاقمة، أن أجتاحَ مضاربَ أرضِكِ المنيعة...؟ 

أيُّها البُداة، أيّها الكوجر مَنْ لي بالغزالة الشّقراء؟ 

أما من عزاءٍ لروحي المبدّدة كمِزَعِ العِهْنِ بما تلوذُ به...؟

 

IV

كما لو أنّ الأمر لم يكُ أكثر من غيمةٍ حلم...! 

كما لو أنّ الحلم لم يكُ سوى حرير الحقيقة بهاءً...!

أيها الغافلون عن الحكايةِ؛ 

أيُّ سردٍ هذا؛ 

أيُّ سردٍ لَهُ من المروءة، من بسالةِ القول لِأَصِفَ حلمي ملحمةً، نشيداً لا ينتهي...

أيتها الأعشابُ الحوشيةُ، أيتها الوعولُ، أيتها القممُ، يا مضاربَ الكوجر العالية هَاكموها سنابلَ الحكاية: 

لَأُقْسِمَنّ 

بالبروقِ في كمائنها، والرّياحِ في هديرها؛ 

ما من حكايةٍ تندفع سرداً على أَسَلَةِ اللسان، لا حكاية سوى هذا الأمير الكوجريّ بروحه المشتّتة وقد شَكْمْتُها بقلبي، لا حكاية، لا تنتظروا أيّ سردٍ بثرائه مؤونة لليالي الشتاء المرصوصة بالثلوج في هذه الأقاصي. 

وإنه لكذلك؛ 

أميرٌ تتقدّمُهُ كباشٌ بقرونٍ مفتولةٍ تخبُّ الأرض الحجرية خبّاً صوب ظلالي، أنا حورية الكهف. هنيهةٌ، رميةُ اشتياقٍ وتمتزج بكً الكباشُ أيها الأمير، أمير ــ كبشٌ، كبشٌ ــ أميرٌ، يلتبسُ الطّيفُ عليَّ، أَحْتضنكَ، فتلفُّ شعري الأُفعواني على قرونِكَ الهائلةِ مواسمَ رغبةٍ تفورُ، أحتضنكَ فتجتاحُ نهديّ دون رحمةٍ. 

أيُّها العاشقُ؛ التفتْ إلى العَسَلِ في شَفتيَّ، إلى مَرْمَرِ النَّحر، إلى خُضْرةِ الزَّيْتُونِ في عَيْنيَّ، إلى نهديَّ المشْرَئِبْينْ. وَاطْعَنِ الجَسَدَ بالجَسَدِ؛ وَلْتَكُنِ الطَّعْنَةُ طَعْنَةً، لِتَشْهَقْ الوَرْدَةُ بَالعَاصِفَةْ!

ألا ... 

لأُقْسِمَنَّ بالصُّخور في إطراقها، وبالأمواهِ في فيضانها؛

ما من حكايةٍ أيها العابرون، خلا امرأةٍ تدشّن جسدَها على ضفافِ الليل! 

خلا جسدين ينهاران في منحدر الرّغبةِ كشلالين في هاوية! 

فحسبُ؛ ليس سوى فاتكٍ يغوصُ في جسدِ الأرض حتّى اللهاثِ الأخير بلسانٍ معضوض!

 

 

 

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية