شجرة الكينا 

I

هكذا يمكن ترتيبُ السّرد:

كما لو كنتُ ظلالاً تتلهّى بها كائناتُ اليَقْظةِ، أيُّ يقظةٍ، وأيُّ حلمٍ يختطفُكِ إليَّ، المشهدُ ساحرٌ برمّته! الدبكةُ الكرديةُ في أوارها، دفوفٌ ومزاميرُ وكمنجاتٌ، حباتُ العرق تنهمرُ صوبَ الأرض في صعود النُّهود وهبوطها. إنها القيامةُ: تقول العجوز، يا لها من قيامةٍ! أردُّ عليها...! تفاجئني ثانيةً: لاشأن لأحدٍ بأحدٍ، لا ترتيبَ في هذا المشهد لكنه محكوم بفوضى الشكيمة في صون الأعراف. وإنه لكذلك، أرمي الكلام كحصى تحتفي بمدارجها...

II

مأهولٌ بالذُّهول...، مذهولٌ بأوار الرّغبةِ في منابتها إذ تنقشعُ جهةُ المكان عنك، عن وجهكِ ــ الورديّ، عن قفطانك الكرديِّ المقصّب في شبق الأنوار الكاشفة، عن خلجاتٍ، اضطرابٍ تتناهب عازفي الدُّفوف والطُّبول والمزامير إذ تفترسهم ابتسامةٌ خَفِرَةٌ منكِ لِتُخْرِجَ قانونَ العزف عن طوره.

III

الدبكةُ في أوراها والأكتاف في حَركةٍ مارقةٍ تنخفضُ وترتفعُ، العجاجُ اللذيذُ يتمرّنُ على الصُّعود مع صوت المزمار والدفِّ. الدّوح الهائلة هنا والعتمةُ على بُعد شهقةٍ، القريةُ كلّها هنا:

المشهدُ برمّته يمضي على عواهنهِ سدىً

العالمُ بأسره يمضي في طريقهِ عبثاً

الموسيقى بكلّ عنفوانها تمضي هباءً

لا يقينَ سوى هذه الابتسامة التي تتوطّن شفتيك، سوى أصابعكِ وهي تنمو بين يديّ ظلاً لقصب بريٍّ، لايقينَ ليقينكِ سوى شجرةِ الكينا هذه؛ كقصيدةٍ تمكثُ على لسان اللغةِ انتظاراً...!


رائحة الخزامى

 

I

أيّتُها السِّحْرُ البَعَيْدُ...

لا حيلةَ لي سوى أن أحفنَ الرُّوحَ ببهائكِ، أطاردَ رائحةَ الخزامى والحرمل في تضاريسكِ، يأخذني بعيدُكِ إلى حيثُ تشتهى حقولُ الرَّغبة، لا حيلةَ لي إزاءَ منعطفاتِ القول الفاتكةِ في هسيسِ خطابكِ!

II

 سِحْرُكِ البعيدُ يأسرُني، يُراوغُ وَقَارَ الزَّمنِ، يدحرجني صوبَ مصيدةِ الكتابةِ حيث تُزْهِرُ كلماتُكِ على سُفوحِ سماواتٍ شاردةٍ. أيُّ دهشةٍ، أيُّ حيرةٍ تُرَافقُنِي في هذا التِّرْحَالِ إلى مجهولِ اللغةِ؟!

III

ما يجمعُني بكَ، أبعد من اللغةِ، أعمق من الكلام...ضربٌ مارقٌ من الصمت...!

على ضفافِ لغتنا تسرقُنا لغةٌ أخرى؛ نَصُبُّ فيها عتمةَ الليلِ، لتومضَ بأغنيةٍ من الأبد.

أنتِ السّحْرُ البعيدُ، أنتِ التي تكثّفين جمال الورد والمساء والليل والعطر والماء وألق الصباح كلَّهُ في اسمك.

لاحيلة لي .... سأُغلقُ النافذةَ على ألغازِكِ...


مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية