قد يكون النرجسي شخصاً تحبه وتفهمه، شخصاً يسكن قلبك في تلك اللحظات القليلة التي تكسر فيه حالة الضعف والطبيعة البشرية جدار الأنانية في داخله وتظهر على شكل دفء واهتمام، حتى ولو كانت لمحة. دائماً ما تكون مسألة وقت فقط قبل أن يشعر بالملل واللامبالاة، ويغيب بنفس سرعة ظهوره، وعندها، قد تتساءل: هل يفكر دائماً بك؟ هل ما يبديه يوازي ما يخفيه؟ هل يعلم ماهيتك واحتياجاتك وشعوره لو كان في محلك؟

يطوّر كتاب “تعرية النرجسي: التعايش والديمومة مع المستغرق بذاته” الصادر عن دار المدى العراقية في أواخر 2020، للأخصائية الاجتماعية السريرية الأمريكية ويندي بيهاري، وترجمة السوري المقيم في الإمارات محمد السعدي، مفاهيم العلاج التخطيطي للعمل مع النرجسية، ويتضمن أفكاراً ووجهات نظر جديدة، حيث قدمت الكاتبة توضيحاً لكيفية تأثير الخلل والحرمان العاطفي على حياتنا بطرق دراماتيكية، وتقدم مساهماتها الفريدة في العلاج التخطيطي بفهم أعمق للنرجسيين في حياتنا، ناهيك عن تعليمنا كيفية التغلب على "شياطيننا" التي تمنعنا من التعامل كما ينبغي مع النرجسيين سواء كانوا أحبائنا أو آباءنا أو أصدقاءنا أو زملاءنا.

تركز ويندي في العمل على فكرة أنه ينبغي علينا التعامل مع النرجسي ومن يسكن معه بنوع من الإشفاق، لأن معظم النرجسيين ليسوا "أشراراً" أو "سيئين" في أعماقهم، بصرف النظر عن كيفية تعاملهم معنا. وتقول: "إن تعلمت كيفية فرض حقوقك مع العمل في الوقت ذاته للوصول إلى الجوهر الوحيد وسريع التأثر لدى النرجسي في حياتك، فقد حظيت بفرصة كبيرة لإخراج الجانب المحب والمتفهم في شريك حياتك".

تعلّق ويندي على مرحلة النمو في طفولة الأشخاص النرجسيين قائلة: "غالباً ما ينغمس النرجسيون في حب ذواتهم وينشغلون بالحاجة إلى الوصول للصورة المثالية (التقدير أو المنزلة الرفيعة أو إثارة حسد الآخرين) ويضيق صدرهم من الإصغاء للآخرين أو إظهار الاهتمام بهم أو تفهم احتياجاتهم أو يعجزون تماماً عن ذلك. ويمكن لهذا الاستغراق في الذات أن يحرمهم من أي صلات حقيقية أو ودّية مع الآخرين، كتلك الصلات التي تمنحنا إحساساً بتفهمهم لنا أو شعوراً باحتلال مكانة عالية في قلوبهم وعقولهم، في حين تفتح لنا المجال لمعرفة الفارق بين حب النفس وحب الآخر، وتعلمنا كيفية الموازنة بين الاهتمام بالنفس والاهتمام بالآخرين، بوصفها جزءاً مهماً من نمونا في مرحلة الطفولة، ناهيك عن كونها درساً حياتياً أساسياً يعزز تطور شعورنا بالمسؤولية والتعاطف مع الآخرين ومعاملتهم بالمثل، إلا أن هذه الأمور تغيب لسوء الحظ عن نمو النرجسي في مرحلة الطفولة".

تلجأ ويندي إلى مجالين من العلم والعلاج لمساعدة القارئ على فهم النرجسية والتعامل معها بصورة أفضل وهما العلاج التخطيطي وعلم البيولوجيا العصبية الشخصية. العلاج التخطيطي هو طريقة طورتها مع زملائها طوال عشرين سنة لمساعدة المعالجين والمرضى وسواهم على فهم المواضيع أو المخططات العاطفية العميقة بصورة أفضل، والتي تبدأ منذ الطفولة وتقود معظمنا في نهاية المطاف إلى الانخراط في أنماط حياتية متكررة ومدمرة للنفس، وقد عرضت المؤلفة هذه الأفكار في كتاب آخر لها بعنوان "إعادة اختراع الحياة".

يزخر هذا العمل بالعديد من النصائح المفيدة المبنية على فرعين علميين هما نظرة العلم الإدراكي إلى كيفية تنظيم الدماغ حول المخططات، وعلم البيولوجيا العصبية الشخصية الذي يعاين الروابط بين العلاقات والعقل والدماغ، حيث درست البروفسورة ويندي بيهاري المتخصصة في كيفية التعامل مع النرجسي هذا المجال لسنوات طويلة، وطبقتها بإتقان على مجال خبرتها في التعامل مع هؤلاء الأشخاص الذين يفتقرون إلى موهبة التعاطف.

يساعدنا هذا الكتاب على معرفة التحديات التي تواجهنا أثناء وجودنا في علاقة مع شخص لديه القليل ليعطيه، ولكن يأخذ الكثير بالمقابل، ويساعدنا على أقل تقدير على فهم آليات العقل والدماغ خلال العلاقة، لكنها تؤكد على أنه "قد يخوض النرجسي رحلة الحياة متسلحاً بصوته المرتفع وأنانيته المفرطة الواضحة، إلا أنه يظلّ تواقاً دون سابق معرفة منه، شأننا جميعاً، إلى ملاذ آمن وهادئ يجده في حضن دافئ".

يقدّم كتاب “تعرية النرجسي” منهجية فريدة للتعامل مع هذه المشكلة الصعبة، ويقدم شرحاً وافياً حول النرجسية، بالإضافة إلى أدوات إرشادية، مع الاعتراف المستمر بأن احتمالية التغيير محدودة في أحسن الأحوال بالنظر إلى هذا النوع المعقد من الشخصية.


الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).