وليد عثمان

كان إسماعيل، حجماً وسلوكاً، أقرب إلى عمدة قادم من قريته أسطال في سمالوط بالمنيا، حيث ولد المشير عبدالحكيم عامر ودفن.
غرفته التي يشاركه فيها المنياوي أيضاً محمد موهوب، أقرب إلى "دوّار" يقصده الجميع حيث تنحل الخلافات الطارئة بين الزملاء، ببركة قلب إسماعيل الطيب، أو تتحول فجأة إلى ساحة رقص على أنغام أغنيات حكيم وعادل الخضري.
في كل وقت، كان مقبل، شقيق إسماعيل الأصغر وخليفته في إدارة شؤون الأسرة، حاضراً بيننا في كل الحكايات بأكثر من زملاء لا يقيمون في المدينة ويتركون غرفهم مغلقة.
كان إسماعيل، كمعظم الصعايدة، يشرب الشاي المرّ، وكانت غرفته مقهى صغيراً يتسع لنا كلنا، لكنه يتفرد بحبه المثير للاهتمام للحلبة ويوصي والدته، أو مقبل، بإرسالها إليه باستمرار.
وكان سبب ذلك الذي عرفناه لاحقاً، أكثر إدهاشاً من مداومة شاب صعيدي على شرب الحلبة.


***
كانت المحاضرات الموزعة بين الدور الرابع في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، قبل أن يكون لنا مبنى خاص، ومعهد الإحصاء في أول شارع مراد ، تدفعنا إلى حمل الملاعق في جيوبنا ؛ لنتوجه مباشرة إلى مطعم المدينة الجامعية في موعد الغداء بدلاً من ذهابنا إلى الغرف لإحضارها.
في إحدى المحاضرات، طلب زميل من إسماعيل قلماً، وبغير وعي، أخرج المعلقة من جيبه ورفعها ليتناولها الزميل الجالس خلفه.
فوجيء دكتور المادة، ربما كان د. محمد أبوزهرة، أستاذ الجغرافيا السياسية، بقاعة تضج بالضحك، والوحيد الذي لا يعرف السبب هو إسماعيل قبل أن ينتبه للمعلقة في يده.
***


لحظهما العاثر، سكن بيننا في الممر نفسه زميلان من كلية دار العلوم. كانا ملتحيين، لكن أحمد كان أطيب من عبدالعزيز ، والأول هو إمام المسجد الصغير الذي يقصده سكان المبنى المواظبين على الصلاة.
كانت وظيفة المسجد تتعدى كونه مكاناً للصلاة، ففي محرابه يمكن أن تترك ورقة مكتوباً فيها "أيقظوني لصلاة الفجر" فيطرق أحمد ، باعتباره الإمام، باب غرفتك المدون في الورقة لإيقاظك.
لا أعرف من فكر أولاً في استهداف إسماعيل، وأعتقد أن موهوب كان ضالعاً في المؤامرة، فترك،لأكثر من مرة، ورقة في المحراب مكتوباً فيها عبارة "أيقظوني لصلاة الفجر" متبوعة برقم غرفته.
في البداية، كان إسماعيل يستقبل الإمام بلطف ويعده بأن به، ولما تكرر الأمر بحث عن مهرب، فاقترحنا عليه أن ينام في غرفة أحدنا فلا يعرف أحمد طريقه.
وبعد أن رحب بالاقتراح ونام، تركنا ورقة في المحراب برقم الغرفة التي ينام فيها وانتظرنا لنرى النتيجة.
استجاب إسماعيل لطرقات الباب ففوجيء بالإمام يدعوه لصلاة الفجر، فانفجر فيه بكلمات لا ينساها كل من سمعها.
***


بعدها استهدفنا حنفي بطيخ، فتركنا ورقة في مدخل المبنى تشير إلى وجود حلاّق في غرفته التي سجلنا رقمها.
قضى حنفي أياماً يستقبل، مندهشاً، الراغبين في الحلاقة ويعتذر لهم بأدبه المعهود نافياً وجود حلاق.
لعل أحدهم أشفق عليه وكشف له سر الورقة فسارع بإزالتها لاعناً الأبالسة الذين فعلوا به ذلك.



مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).