ليس هناك شك أن التنوع الثقافي يقدم إحدى الفرص الكبرى في سبيل تعزيز الابتكار العالمي من خلال ما يقدمه من الإمكانات الهائلة. لكن الأمر في النهاية علاقة تبادلية، وأي مؤسسة تدرك كيفية الاستفادة من وجهات النظر المختلفة عبر الفرق متعددة الثقافات تكون لديها فرصاً هائلة للتوصل إلى حلول أفضل. وفي الواقع عند استخدام التنوع على صعيد استراتيجي، فإنه سيكون من أعظم المصادر التي تقدم حلولاً ابتكارية، والتي بالمقابل تقود إلى فوائد اقتصادية.

يقول ديفيد أ. ليفرمور مؤلف الكتاب في مقدمته: "مكتبتي مليئة بالكتب عن الابتكار، وتقريباً كل مجلة أقرأها تحتوي مقالاً حول هذا الموضوع. هل حقاً نحتاج كتاباً آخر عن هذا الموضوع؟ نعم، إننا نحتاج لأن العديد من المصادر الحالية تغفل عن القضايا والفرص التي تكون مرتبطة بالابتكار في سياق متنوع عالمي أكثر". ويؤكد أن تعلم الخطوات الإدارية لأجل ترجمة التنوع إلى ابتكار هو الهدف الأساسي من هذا الكتاب.

سؤالان أساسيان في هذا الكتاب يحاول الكاتب معالجتهما وهما: "كيف يمكن أن تستفيد من وجهات النظر المختلفة للوصول إلى حلول أفضل؟ وفي أي جزء من عملية الابتكار تجد أن هناك حاجة للتعديل لتصبح داعمة للتنوع؟

يشير الكاتب إلى أن التنوع من تلقاء نفسه لا يضمن الابتكار، إلا أن التنوع الذي يكون مستنداً على تنوع ثقافي عال يقوم بذلك. ويقول: "إن الذكاء الثقافي هو القدرة على العمل بشكل مؤثر في حلول متنوعة بشكل ثقافي، وهي متجذرة في الأبحاث الأكاديمية الدقيقة التي قام بها الباحثون والعلماء من حول العالم".

وتطرق الكاتب بشكل مفصل إلى القدرات الأربع المطلوبة للعمل وقيادتها مع الذكاء الثقافي، وهي "القيادة وتعني التحفيز، وأن يكون لدى المدراء وقادة الأعمال الاهتمام والثقة والعزيمة للتكيف مع الاختلاف الثقافي، ثانياً: المعرفة أو الإدراك والتي تشير إلى فهم الاختلافات والأنماط الثقافية المتداخلة، وثالثاً الاستراتيجية وهي فهم التجارب المتنوعة والتخطيط وفقاً لها، والعمل فيما يتعلق بالذكاء الثقافي، إلا أنه في هذا الكتاب يستعرض المرحلة التالية من البحث حول الذكاء الثقافي، ويجد أن الأهم هي الاستراتيجة بهدف خلق مناخ لأجل الابتكار الذكي بطريقة ثقافية، وإن دفع الفرق المتنوعة للعمل على أعلى مستوى من الإنتاجية يتطلب قائداً وأعضاء فريق يتمتعون بدرجات عالية من الذكاء الثقافي، وخطة لأجل الابتكار الذكي على نحو ثقافي.

مبادئ أساسية

يأتي الكتاب في قسمين، في الأول منه يتناول المناخ المطلوب من أجل الابتكار الذكي على نحو ثقافي، على صعيد الأفراد وفيما يتعلق بالمنظمات ككل.. ويقدم في الفصل الأول منه المبادئ الأساسية لفهم نهج ذكي يقوم على أساس ثقافي، يقود إلى التنوع والابتكار، ويعرض العديد من نتائج مخططات التنوع الموجودة. ويقول فيه: "يستخدم التنوع في بعض الأحيان لتضمين أي نوع من الاختلاف على صعيد واسع، مثل الاختلافات في الشخصية، والمهارات، وأنماط العمل، وفترة العمل، والتفكير. لكن إذا ما تضمن التنوع كل شيء، ينتهي به الأمر إلى أنه لا يعني شيئاً. على الجانب الآخر، لا يعد التنوع مجرد وجود شخص ببشرة بيضاء مقابل شخص ذو بشرة سمراء أو سوداء أو داكنة أو أن نضع شخصاً ألمانياً مقابل شخص صيني. فكل منا يعتبر جزءاً من مجموعات اجتماعية مختلفة للغاية، وهناك تنوع لا يمكن أن يصدق في أغلب البلدان".

أي شكل من التنوع يهم أكثر؟

هناك نوعان من التنوع عادة ما يؤثران على سلوك مكان العمل: التنوع الواضح والفئات المهمشة، ويشير الأول وهو التنوع الواضح إلى تلك الاختلافات التي يمكن ملاحظتها بشكل فوري عند النظر إلى شخص ما. وهذا يتضمن الاختلافات التي تنبثق من الإثنية، والجندر، والعمر، وحالات العجز الجسدي، وبعض الأحيان الدين. ولا يمكن بأي شكل تمويهها، إذ أن الآخرون يحكمون على الشخص بشكل مباشر.

أما الشكل الثاني من التنوع الذي يكون مرتبطاً في أكثر الأحيان بسياقات مكان العمل هو أي شخص من ثقافة مهمشة في مجموعة ما، ويكون وجودها رمزياً أكثر مما هو حقيقي كما تسميها روزابيث موس كانتر الأستاذة في كلية هارفاد للأعمال، فهناك بعض المهن مثل الهندسة نسبة النساء أقل مقارنة مع الرجال، بالتالي تصبح النساء من الفئة المهمشة هنا، وأغلب خبراء الموارد البشرية هم من النساء، والرجال يعتبرون قلة، ويمكن قياس ذلك على كل مؤسسة، إذا أن هناك ما يمكن اعتبارها فئة مهمشة، إلا أن الكاتب في مجمل العمل يركز على هؤلاء المختلفين بشكل واضح والمهمشين في الوقت عينه، إذا أنه يجد أن اجتماع هاتين الخصلتين من شأنه خلق الصراع والفرص جنباً إلى جنب، وتكون النتيجة ظهور حلول ابتكارية متطورة للغاية.

يقول مؤلف الكتاب: "ما يهم في النهاية ليس مصدر التنوع، بل القيم المختلفة ووجهات النظر التي تخرج منها. كلما كان لديك المزيد من التنوع في مؤسستك، كلما كان لديك الكثير من الأفكار لكيفية سير الأشياء. هناك العديد من البرامج التدريبية التي تركز على الإيضاحات السطحية للاختلافات الثقافية مثل كيفية تبادل الـ"بزنس كارد" أو تقديم الهدية المناسبة. إلا أن الاختلافات التي تؤثر بشكل قوي في الابتكار هي المقاربات المتنوعة للاتصال، والتخطيط، وتنفيذ المهام".

 ويتساءل: "كيف تنظم القيم، والتوقعات، وأنماط العمل لأربعة أجيال، ومجموعة من الجنسيات، وثقافات لا تنتهي نحو رؤية عالمية واستراتيجية لأجل المؤسسة؟"

يعتبر أن الجواب على هذا السؤال هو جوهر هذا العمل عن الذكاء الثقافي الذي يسعى إلى تحسين التأثير الذي يعمل عبر الاختلافات الثقافية، والكتاب يقوم أساساً على استخدام وجهات النظر الثقافية المختلفة للدفع نحو الابتكار. يعلق الكاتب على هذه النقطة: "يسمح الذكاء الثقافي للأفراد بتبني دوافعهم، وأخلاقيات العمل، وأنماط التواصل، في حين يكون هناك تعلم من وجهات النظر القيمية المختلفة لخلق حلول أفضل".

يطرح الكاتب أسئلة أخرى: "كيف تضمن أن التنوع يقود إلى الابتكار والحلول الأفضل بدلاً من الطريق المسدود والنتائج الضعيفة؟ وكيف ينبغي أن تعالج هذا الأمر عندما سبق وأن كان هناك مستوى مهم من الإجهاد في التنوع من ناحية العديد من القوى العاملة؟"

ويشير إلى أن الفرق المتنوعة يمكن أن تبلغ حلولاً ابتكارية أكثر من الفرق المتماثلة، لكنها ليست تلقائية. ويتركز المفتاح في تقليص حجم الصراعات الناجمة عن العلاقات الشخصية من المجموعات المتنوعة، وزيادة حجم التنوع المعلوماتي الذي يتواجد في وجهات النظر والقيم المتنوعة.

التنوع كنز دفين

يصف ديفيد أ. ليفرمور في القسم الثاني من الكتاب عملية الابتكار الذكي بشكل ثقافي، ويبني مادته على نتائج أبحاث أجراها مع زملاء له حول الإبداع والابتكار والسيكولوجيا، وقد توصلوا لهذه النتائج بعد جهد شاق بالاستطلاعات والحوارات وورش العمل من الصناعات الكبرى في 98 بلداً من حول العالم، ومن 50 ألف محترف دولي.

والعديد من الأفكار المؤثرة التي يتحدث عنها مثل قوة أخذ وجهة النظر، والحرية والإلهاء، وأهمية الثقة، التي تكون مرتبطة بأي فرد أو فريق يحاول أن يبتكر. لكن كلما كان هناك تنوع، كلما كانت هذه الممارسات أكثر أهمية. ويصف نية تبني مناخ يدفع إلى توليد وتنفيذ حلول أفضل لأجل المجموعات المتنوعة. وكل فصل ينتهي بـ "تقييم مناخ" مختصر، حيث يعطيك فرصة لتقييم مناخك الراهن لأجل الابتكار الذكي على نحو ثقافي.

في عملية الابتكار التي يتحدث عنها في القسم الثاني يعاين كيف أن عملية الابتكار المستخدمة حالياً من قبل العديد من الشركات الرائدة ينبغي تبنيها لأوضاع متنوعة على نحو ثقافي. ويتناول الفصل الأول من هذا القسم كيفية التعامل مع التوقعات المتنوعة والعراقيل التي تقف في وجه السعي إلى مشروع جديد، ثم يتناول الفرص والتحديات المحددة لتوليد الأفكار من مجموعة متنوعة، ويتعمق في الفصل الذي يليه باختيار والتقاط فكرة في ضوء الاختلافات الثقافية، وعلى نتائج التصميم والنماذج الأولية، وفي الفصل الأخير يقف عند طريقة الذكاء الثقافي لتنفيذ الحلول الأفضل في قطاع العمل، ويتضمن كل فصل من هذه الفصول دراسات حالات، ويصف الطرق المحددة لمقاربة عملية الابتكار في ضوء الاختلافات الثقافية.

ويقول: "إنني لا أرى التنوع على نحو أساسي مشكلة يجب القيام بحلها، بل بدلاً من ذلك أراها كنزاً دفيناً مليئاً بالحلول الابتكارية بانتظار من يخرجها. عندما تنظر إلى الأمور بعيون مختلفة، تتشكل لديك الفرصة لرؤية الإمكانات التي يمكن أن تفقدها. فإمكانية التنوع الابتكارية موجودة في كل مكان، لكنها ليست أوتوماتيكية. إنها تتطلب عملية ذكية ثقافياً مدروسة".

وفي الختام، يشير الكاتب إلى أن تقارب تنوع المستهلكين مع تنوع مكان العمل هو محور التحديات والفرص الكبيرة المرتبطة بالابتكار. فالفرق المتجانسة تتفوق على المتنوعة عندما يكون مستوى الذكاء الثقافي منخفضاً. لكن عندما يمتلك أعضاء الفريق مستويات عالية من الذكاء الثقافي، فإن الفرق المتنوعة تكون أكثر ابتكاراً وإنتاجاً من المتجانسة. ويضيف: "إن إدارة التنوع لعبة طويلة المدى". ويستشهد بما تقوله نانسي لي، رئيسة التنوع في شركة غوغل: "من أجل النجاح في أعمال اليوم، تحتاج إلى الأفكار من كل رأي وخلفية ثقافية".

نبذة عن الكاتب  

ديفيد ليفرمور كاتب ومتحدث ومفكر في الذكاء الثقافي والقيادة العالمية. له العديد من المؤلفات في هذا المجال. بلغ كتابه "القيادة بالذكاء الثقافي" قائمة أكثر الكتب مبيعاً في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية. وهو رئيس وشريك في "مركز الذكاء الثقافي" في ايست لانسينغ، ميشيغان الأمريكية، وباحث زائر في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة. عمل مع شركات وحكومات في الاستشارات في أكثر من 100 بلد من أنحاء الأمريكتين وأفريقيا وآسيا وأستراليا وأوروبا، وحاز على عدد من الجوائز على أعماله، وله مساهمات في العديد من المنشورات والصحف الصادرة بالإنجليزية في العالم.


مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).