تعلن مبدعة “وادي قنديل” عن أنّ الشكل المهيمن على النقد في العالم العربي اليوم هو نقد الكتاب الصحافيين في المجلات والمواقع الأدبية، وهو برأيها ليس نقدا بقدر ما هو إضاءات على الأعمال، له أهميته بالطبع، ولكنه عالم موازٍ للنقد الاحترافي المتواري.

تتحدّث الروائية نسرين أكرم خوري في هذا الحوار عن جانب من آرائها في مسائل أدبية وحياتية..

– كيف تقيّمين تجربتك مع القراء؟

تجربتي عمرها قصير مع القراء القلّة الذين وصلهم عملي الروائي الأول والوحيد حتى الآن، لا أستطيع تقييمها كتجربة لها ملامح واضحة، ولكن أستطيع القول إن تلك القراءات، أو بشكل أدقّ ما وصلني منها، أضافت الكثير لي وللعمل، هنالك عبارة كليشيه تقول إن أي قراءة هي كتابة جديدة للرواية، رغم نمطية وتكرار هذا الكلام فإنه برأيي حقيقيّ ومؤثّر فعلا، على الأقلّ بالنسبة لي. سواء كنّا نتحدث عن القارئ العادي أو القارئ الفذّ أو القارئ الكاتب أو القارئ الناقد.. إلخ

عدا عن الآراء التي تصلني عبر موقع الغود ريدز أو منصات وسائل التواصل أو الرسائل الخاصة، فقد أتيحت لي فرصة أن أكون ضيفة على نادي قراءة يناقش روايتي، كانت تجربة فريدة ومدهشة، أن تراقب مجموعة من الشباب والصبايا يتناولون كتابك ويشرّحونه، ويختلفون في ما بينهم على نقاطٍ فيه، وبالتأكيد كلُّ واحدٍ منهم يختلف في قراءته عن آلية التفكير التي كتبت بها الرواية. وكأنّ الرواية امرأة أعطتها الحياة فرصة أن تلتقي لساعة من الزمن بأبناءٍ يشبهونها ولا يشبهونها، أبناء لم تعرف أنها أنجبتهم يومًا.


– ما هي أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟

في الحقيقة ليست فقط الأعمال الروائية التي قرأتها، الهامة منها والعادية، ما أثّر في كتابتي، أو في رؤيتي الفنية إن صحّ التعبير، بل كلّ ما وقعت عليه عيني أو أذني من فنون مختلفة، ولكن يظلّ التأثير الأكبر في الكتابة الروائية للحياة وناسها وتجاربها الذاتية والعامة. هذه الإجابة ربما تبدو بعيدة نوعًا ما عن مضمون السؤال، لكن الخوض في ما أثر بالتجربة الإبداعية أصلًا مربك، لأن هذه التأثيرات مثل ندف ثلجٍ هطلت في مكانٍ قصيّ في الذاكرة ثم صارت كرةً تتدحرج وتكبر يومًا بعد يوم.

– ما الرواية التي تتمنين لو كنت مؤلفتها؟

روايات كثيرة أتمنى لو كنت مؤلفتها، لكن إن كان عليّ الاختيار الآن فأختار: عالميًّا قصة موت معلن لغابرييل غارسيا ماركيز، عربيًّا معراج الموت لممدوح عزّام. اخترت هذين العملين لأنهما يتقاطعان في أمور عدّة، أهمها بالنسبة لي الشكل الّذي أتمنى أن أصله في الكتابة: الإيقاع المشدود حتى لتخال أنه إذا نقرته سيصدر رنينًا، والأثر الذي يبقى داخل المرء بعد القراءة.

– هل من رواية تندم على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

لم أندم على كتابة الرواية. فكرة نشر الكتاب بالنسبة لي وحدها كفيلة بإثارة الندم، دائما يحضر السؤال: لماذا؟ ودائما لا يكون لديّ جواب مقنع. لكن بالنسبة لروايتي وادي قنديل، لا بالطبع لم أندم، بل على العكس، من أجمل التجارب التي عشتها في حياتي هي كتابة الرواية، بكل ما فيها من تعب وآلاف الكلمات التي كان مصيرها سلة المهملات وبما بقي في النهاية وخرج للناس.

تسرعت؟ نعم، ولكن بالنسبة لي لو بقيت كل حياتي أكتب في الرواية، سوف أجيب أيضا أنني تسرّعت في النشر، في رأيي أي عمل فني قابل للتعديل طالما أنه لم يرسل إلى المطبعة أو يخرج إلى المشاهد، لذا لا أعرف كيف أتت اللحظة التي وضعت فيها نقطة النهاية، وإن كنت محقّةً وقتها، ولن أعرف أبدًا.


– كيف ترين مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

لا أرى تأثيرا سلبيًّا لثقافة الصورة على عالم الرواية، بالعكس الروائي أصلا مصوّر محترف، بل هو على درجة عالية من الاحتراف لا يمكن أن يصلها أي فوتوغرافي يومًا، الدرجة التي تتيح لخيال المتلقّي المشاركة في التقاط الصورة. أجد أن قرّاء الرواية في تزايد. فلننتظر ونرَ.

– كيف تنظرين إلى واقع النقد في العالم العربي؟

الشكل المهيمن على النقد في العالم العربي اليوم هو نقد الكتاب الصحافيين في المجلات والمواقع الأدبية، هو برأيي ليس نقدا بقدر ما هو إضاءات على الأعمال، له أهميته بالطبع، ولكنه عالم موازٍ للنقد الاحترافي المتواري.

– إلى أيّ حدّ تعتبرين أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟

لا أعتبر أنها أخذت حقها، ليس لأهميتها أو عدمها، لكنه عمل وصدر وبالتأكيد من المهم للكاتب ولتجربة الكتابة أن ينال العمل حظًّا من النقد، في حالتي لا أشعر بالرضى، وأعتقد أنها حالة مشتركة بين الكتّاب العرب الجدد، أو غير المعروفين، أقصد ألا تنال إصداراتهم الاهتمام الكافي. بكل أسف طبعا.

– كيف تجدين فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

تسويق الأعمال الروائية العربية يعتمد أولا على اسم الكاتب، ثم على نشاط دار النشر، وأيضًا على الجوائز والترشيحات، وفي مراحل متأخرة تأتي جودة العمل. توجد سوق عربية للرواية بالطبع، وأجد أنها تتبلور يومًا بعد يوم.

– هل تحدّثيننا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

خيط بداية رواية وادي قنديل بدأ من إحدى زياراتي إلى شاطئ وادي قنديل في سوريا، من شخصيّة ليست بطلة في الرواية، شخصية حنان النعمة، أطلت التأمل في تلك الزيارة بفتاة في أوائل المراهقة شديدة الشبه بحنان، وظلّت تروح وتجيء داخل رأسي لاحقًا، رغم أن بنائي للشخصية أتى مختلفًا عن تلك الفتاة، ولكن إن كانت هنالك شرارة للرواية فحنان النعمة تلك الشرارة، أدين لها بحمل الأحداث على كتفيها النحيلين.

– إلى أيّ حدّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

في سؤال سابق ربما أكون أجبت عن هذا، أجل لا مجال لإنكار المبيعات الكبيرة للروايات التي تصدرها الجوائز، سواء أعجبنا هذا أم لم يعجبنا، سواء أكانت الروايات مستحقّة أم لا، بكلّ الأحوال سوف تبقى روايات في الظلّ ينفض عنها قارئ ما الغبار بين فينة وأخرى، قارئ ينتمي إلى فئة لا توجهها لجان التحكيم.

– كيف تجدين واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

واقع الترجمة كواقع التسويق يدوران في الفلك نفسه من الأسباب والنتائج، وهو واقع غير مرضٍ.

– يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟ وهل تحدّ من إيصال رسالتك الإبداعية، وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

لا أستطيع القول إنني تحررت من السلطة الرقابية وأنا أكتب، أستطيع القول إنني حاولت، بل حاولت كثيرا، وأتمنى يومًا ما أن أجيب عن سؤالك هذا بـ “نعم تحررت” نعم مجلجلة، لا يشوبها شيء.

بالتأكيد مع نسف كلّ هذه السلطات، بشكل خاص من داخل الكاتب.

– ما هي رسالتك لقرّائك؟  

أفضل أن تكون رسالتي إلى الصدفة التي ساقت روايتي لتستقر بين يدي قارئ: شكرا.

أمّا القارئ فلا أظنّه ينتظر منّي رسالةً، سوف أكون محظوظةً إن انتظر منّي كتابةً جديدة، لكن كيف لي أن أعرف؟

المصدر: الرواية نت

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).