روان جيبسون خبير بريطاني وأحد أبرز قادة الفكر في حقل الابتكار، وصفته وسائل الإعلام بـ "سيّد الابتكار"، و"معلم الابتكار الكبير"، و"أحد المرشدين".

حققت كتبه أعلى المبيعات على مستوى العالم، خاصة كتابان له في استراتيجية الأعمال والابتكار، وهما: "إعادة النظر في المستقبل"  (1996)، و"في صميم الابتكار" (2008)، وترجما حتى الآن إلى 25 لغة، كما حظي كتابه الأخير "عدسات الابتكار الأربع" بإقبال كبير من القراء والشركات التي تعزز الابتكار لديها.

 ويعد جيبسون واحداً من المتحدثين البارزين على المستوى العالمي، ففي غضون السنوات الماضية وحدها، ألقى محاضرات عن الابتكار في 60 بلداً من أنحاء العالم. كما قدم محاضرات في عدد من المؤسسات والشركات العالمية الكبرى.

يؤمن جيبسون أن الابتكار هو القوة الدافعة للتحول والنمو الاقتصادي، ويجد أن السبيل الوحيد للحفاظ على النجاح على المدى الطويل هو السير في درب الابتكار.

 طرحنا عليه عدداً من الأسئلة المتعلقة بأفكاره وكتبه، وأعماله الاستشارية في الابتكار وخططه المستقبلية، فكان معه الحوار التالي:

· في كتابك "عدسات الابتكار الأربع" تقول أن الحواجز النفسية تشكل عائقاً أمام الابتكار. كيف يمكن إزالتها؟

في الواقع، عادة ما يكون هناك الكثير من المقاومة للأفكار الجديدة داخل المؤسسات. قال مكيافيلي أن هذا يرجع إلى "الشكوكية البشرية، التي لن تعترف أبداً بجدارة أي شيء جديد، إلا بعد أن يثبت فعاليته بعد التجربة".

 بالتالي، علينا التغلب على هذا العائق الأساسي إذا أردنا الابتكار والمضي قدماً فيه.

إحدى الطرق للقيام بذلك، بحسب تجربتي، هو دفع الابتكار من أعلى سلطة في المؤسسة وجعل القادة مسؤوليين عن محاولة أشياء جديدة داخل نطاق مسؤوليتهم.

كما يتوجّب علينا أيضاً أن نبقي الناس باستمرار على علم بأن سرعة التغير الشديدة اليوم تجعل النجاح شيئاً عابراً جداً. ونماذج الأعمال تتعرّض للكسر بشكل أسرع بكثير من أي وقت مضى.

السبيل الوحيد للحفاظ على النجاح على المدى الطويل هو إعادة ابتكاره باستمرار.

· في الكتاب نفسه أيضاً تؤكد أن الابتكار هو السباق إلى المستقبل، كما تحدثت في عملك الثاني "إعادة التفكير في المستقبل" عن الحاجة إلى مفاهيم جديدة في عالم الأعمال. ماذا ينبغي على الحكومات أن تفعل لدفع الابتكار نحو الأمام؟ وما هي أنواع العقبات التي يمكن أن تواجهها؟

هناك مدرستان فكريتان هنا. واحدة تدعو إلى ضرورة أن تبذل الحكومة المزيد من الجهود في تحفيز الابتكار.

والأخرى ترى أن الحكومة ينبغي أن تفسح المجال وتترك الأمور تمشي من تلقاء نفسها.

بحسب تجربتي، أجد أن الخيار الأول هو الأفضل. دعونا نتذكر، أولاً وقبل كل شيء، أن الكثير من الابتكارات المهمة، بما فيها شبكة الإنترنت نفسها، قد خرجت لنا بفضل الأبحاث التي كانت في الأصل ممولة من الحكومة.

 وأعتقد أيضاً أن الحكومة يمكن بالتأكيد أن تلعب دوراً في تحفيز الريادة في مجتمع الأعمال ودعم الشركات الناشئة مع هيكل حضانة لأعمالهم. هذه هي الأنشطة المهمة. وإذا نظرنا في جميع أنحاء العالم، يمكننا أن نرى أن السياسات الاقتصادية التي تركز على الابتكار مثمرة.

لذا فإن القضية المهمة للجميع اليوم هي كيفية صياغة سياسة اقتصادية وطنية تعزز نمو القطاع الخاص والإنتاجية من خلال المعرفة الجديدة والتعليم والبحث التكنولوجي وريادة الأعمال، والابتكار.

وعند محاولة القيام بذلك، تجد أن هناك قوى اجتماعية دائماً تمنع التقدم التكنولوجي، وتحاول الحفاظ على الوضع الراهن عن طريق مقاومة الأفكار الجديدة.

نحن بحاجة إلى العمل باستمرار للتغلب على هذه القوى، وهذه العقبات، من أجل دفع مجتمعاتنا ومؤسساتنا إلى الأمام.

ويتمثل التحدي في كيفية بناء نظام ابتكار فعال وبيئة ثقافية من شأنها تعزيز ودعم الإبداع البشري والتقدم التكنولوجي.

· في كتابك "في صميم الابتكار"، حاولت وضع استراتيجيات للشركات والمؤسسات لدعم النمو المستمر والنجاح المتواصل. هل واجهت أية تحديات حيال هذه الاستراتيجيات في أعمالك الاستشارية؟

هناك تحديات دائماً. عادة ما يكون أكبر تحدّ هو المقاومة السياسية للتغيير الذي نواجهه في هذه المؤسسات.

علينا أن نتذكر، أنه خلال السنوات المائة الماضية أو نحو ذلك، كان التركيز الغالب داخل الشركات الكبيرة على إدخال تحسينات على الكفاءة التشغيلية، والجودة، وإدارة سلسلة التوريد، وخدمة العملاء، وغيرها.

 وبعبارة أخرى، فقد كان معلقاً بالحصول على أفضل ما فعلته بالفعل.

ولكن في الاقتصاد القائم على الابتكار اليوم، يتوجب على الشركات معرفة كيفية الجمع بين الكفاءة العالية من ناحية، مع خلق قيمة عالية من ناحية أخرى.

 وإلا فإنها سوف تجد في نهاية المطاف أنها أصبحت فعالة بشكل لا يصدق في إنتاج ما لا يريده الزبائن.

للأسف، هناك الكثير من القادة لا يريدون أن يكون لهم أهداف في الابتكار، ولا يرغبون في استثمار نسبة كبيرة من رأسمالهم في فرص النمو الجديدة، ويرفضون تخصيص وقت في جداول أعمالهم الخاصة لتوجيه ودعم فرق الابتكار.

هذا هو السبب الذي يوجب علينا أن نأخذ الشركات في رحلة تحويلية ونساعد القادة على تبني مفهوم "التميز والابتكار".

· في مقالاتك، خاصة "انتصار اقتصاد الابتكار" تتحدث عن القصص التاريخية والإبداع. هل تعتقد أن التاريخ يخفي أسراراً ينبغي علينا أن نستفيد منها في عالم الأعمال والاقتصاد اليوم؟

كما سبق وقلت، الابتكار ليس ظاهرة جديدة. وليس مجرد موضة في الإدارة أو آخر كلمة طنانة في عالم الأعمال.

الحقيقة أن الابتكار هو - وكان دائماً - الدافع الأساسي للتقدم البشري.

ظهر لدينا لأول مرة مع فكرة تحويل الصخور إلى أدوات، أو مع اكتشاف كيفية صنع النار، أو اختراع العجلات وغيرها. إنه جزء مما يجعل منا بشراً. وكل تاريخ العالم هو تاريخ من الإبداع والاختراع، والابتكار.

بالنسبة لي، هذه ليست أسراراً مخفية. فكتب التاريخ متاحة، ويمكن الاطلاع على كل ما نحتاج إلى معرفته عن تاريخ البشرية.

تكمن المشكلة في أن معظم المدراء الحداثيين لا يخصصون وقتاً للنظر إلى دروس التاريخ. إنهم يشعرون بالقلق فقط من المستقبل.

ولكن،على خلاف المتوقع، مفتاح التقدم في المستقبل فقط يصبح واضحاً حقاً عندما نهتم بما حصل من تقدم في الماضي.

· ما هي التحديات التي يمكن أن يواجهها رواد الأعمال في السنوات المقبلة برأيك؟

أعتقد فعلاً أنه لم يكن هناك وقت أفضل من الآن لتكون فيه رائد أعمال. فالأمر أسهل بكثير مما كان، مثلاً، في خمسينات وستينات القرن الماضي، أو حتى في السبعينات والثمانينات منه. وذلك لأن الحواجز أقل.

فاليوم، التكنولوجيات باتت رخيصة وفي متناول أي شخص في العالم يود أن يجازف  بالعمل على فكرة جديدة أو نوع مختلف من نماذج الأعمال.

وهذا يعني بالطبع أننا لا نحتاج بالضرورة إلى مبالغ ضخمة من المال لنبدأ العمل على شيء ما بشكل ناجح. إن المشروعات الناشئة لديها الآن الكثير من الأمور لصالحها.

· كثيرون يقرؤون لك ويتأثرون بأفكارك. ما هي مصادر إلهامك؟ ومن ترك تأثيراً كبيراً عليك في عالم الابتكار؟

قبل خمس أو ست سنوات، شاركت في تأسيس منصة إلكترونية تسمى (InnovationExcellence.com) كوسيلة لتأسيس مصادر الابتكار، وأفضل الممارسات في هذا الحقل.

اليوم أصبح من أكثر المواقع  الإلكترونية الشعبية في الابتكار على مستوى العالم.  يجد فيه قادة الفكر مكاناً يمكن تبادل المعرفة بكل ما يتعلق بالابتكار، وقد وجدته مصدرا كبيراً للإلهام، عندما قرأت العديد من المقالات التي تم نشرها في الموقع كل أسبوع.

وأوصي القراء بمتابعته. وبخلاف ذلك، بالطبع تعلمت من العديد من المفكرين والمؤلفين في مجال الأعمال والابتكار، وكذلك من تجربتي الخاصة مع العملاء على مدى عقدين من الزمن، حيث عملت معهم لتحقيق الابتكار.

وأكثر من أثر فيني هو غاري هامل، أستاذ الأعمال والخبير المعروف في الاستراتيجيات، فقد تعاونت معه بشكل وثيق جداً. وأعتقد أنه كان صاحب رؤية حقيقية في مجال الابتكار، خاصة في سنوات التسعينات من القرن الماضي.

· ما هي مشاريعك وخططك المستقبلية المتعلقة بالابتكار؟

أنوي الاستمرار في مساعدة المؤسسات في القطاعين العام والخاص لتحقيق التميز في الابتكار.

أشعر بالرضى جداً عندما أشاهد شركة تنتقل من مستوى الصفر إلى مستوى تكسب فيه مئات الملايين من الدولارات في السنة بفضل الناتج الابتكاري، أو أن أشاهد حكومة تبدأ حقاً في الحصول على نتائج من جهودها في الابتكار.

هناك شعور بأننا نحقق شيئاً مفيداً حقاً معاً. وبإلقاء نظرة عامة في جميع أنحاء العالم، من الواضح أنه لا يزال هناك قدر هائل من العمل يتوجب علينا القيام به في هذا الصدد. وهذا ما يدفعني إلى الاستمرار في دفع حركة الابتكار إلى الأمام.



مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية