في أغسطس/ آب 2021، عندما استعادت قوات طالبان العاصمة الأفغانية، أحدث سقوط كابول صدمة عالمية وانصب الاهتمام على فشل الإدارة الأمريكية للرئيس جو بايدن وعدم قدرتها على تحمل المسؤولية، فانتهزت الصين الفرصة لانتقاد السبب الأصلي الذي برّرت به الولايات المتحدة استخدامها للقوة في أفغانستان، ألا وهو الدفاع عن حقوق الإنسان وفرض ديمقراطية على النمط الأمريكي في جميع أنحاء العالم.

قامت هوا تشونينغ، من إدارة المعلومات بوزارة الخارجية الصينية، بتشبيه الديمقراطية على النمط الأمريكي بـ ”الحليب المبرد“، وهو شيء مقيت بالنسبة للشعب الصيني وأدانت إكراه الولايات المتحدة البلدان الأخرى على تبني أنظمتها الديمقراطية. لقد أكدت بكين مرارًا وتكرارًا على سياستها الخاصة بأفغانستان ”من الأفغان وإلى الأفغان“، في إشارة إلى أن الولايات المتحدة تفتقر تمامًا إلى احترام سيادة أفغانستان.

كل هذا جعل الأمر يبدو كما لو أن قضية أفغانستان قد أضيفت إلى قائمة الخلافات الصينية الأمريكية، في الواقع كانت الصين تطور علاقات قوية مع الحكومة الأفغانية، حتى عندما كانت الأخيرة تحت سيطرة الولايات المتحدة. يعود التدخل الأمريكي في أفغانستان، بالطبع، إلى الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على الولايات المتحدة. في ذلك الوقت، أظهرت الصين دعمها ”للحرب على الإرهاب“ التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان، ولكن هذا الدعم كان مقابل تصنيف الولايات المتحدة لحركة تركستان الشرقية الإسلامية كمنظمة إرهابية أجنبية.

ETIM هو الاسم العام المستخدم لوصف منظمة تشكلت من نشطاء الأويغور المنتمين إلى الحزب الإسلامي التركستاني الذي نصّب نفسه بنفسه وكانوا قد فرّوا في التسعينيات من منطقة شينجيانغ الأويغورية التي تتمتع بـالحكم الذاتي في الصين إلى البلدان المجاورة. بالطبع لا يستخدم أفراد الحركة هذا المصطلح لوصف أنفسهم، لكنه كان التصنيف الذي تبنته الولايات المتحدة عندما صنفت الجماعة رسميًا على أنها منظمة إرهابية. بشكل أساسي، نالت معركة الصين ضد القوات الانفصالية في شينجيانغ اعترافاً دوليًا باعتبارها حرباً على الإرهاب كما أشادت الصين بموقف الولايات المتحدة ودعمت موقفها المناهض للإرهاب بل وقدمت مساعدات لإعادة إعمار أفغانستان.

تعزيز العلاقات مع مبادرة الحزام والطريق

وبينما كان هذا الدعم المتبادل بين الولايات المتحدة والصين يتشكل، كانت الصين تبذل جهودها الخاصة لإقامة علاقات مع الإدارة الأفغانية المؤقتة التي شكّلتها الولايات المتحدة. وبحسب الموقع الإلكتروني للسفارة الصينية في أفغانستان، أرسلت الصين فريق عمل مصغر إلى البلاد في ديسمبر/ كانون الأول 2001. وفي يناير/ كانون الثاني 2002 قام حامد كرزاي، رئيس الإدارة الأفغانية المؤقتة AIA المدعوم من الولايات المتحدة، بزيارة للصين. وهناك التقى بالرئيس الصيني جيانغ زيمين ورئيس مجلس الدولة زهو رونغجي، وتعهد جيانغ بتقديم 150 مليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة لدعم إعادة إعمار أفغانستان، وأخيراً اكتمل بناء السفارة الصينية في كابول في 6 فبراير/ شباط.

في العقدين التاليين، وخلال سنوات النفوذ الأمريكي، واصلت الصين تطوير علاقاتها مع الحكومة الأفغانية. على الرغم من ندرة الزيارات التي قام بها مسؤولون رفيعو المستوى خلال تلك الفترة، إلا أنه كان هناك تفاعل كبير بين قادة البلدين تجلّى في حضور الرئيس كرزاي حفل افتتاح أولمبياد بكين في أغسطس/ آب 2008 واجتماعه مع هو جينتاو رئيس دولة الصين آنذاك. وفي أبريل/ نيسان 2010 حضر نائب الرئيس الأفغاني كريم خليلي منتدى بواو الآسيوي الذي تقوده الصين حيث التقى مع شي جين بينغ، نائب الرئيس الصيني آنذاك.

في وقت لاحق، وبالتزامن مع تنصيب إدارة شي جين بينغ، تسارعت وتيرة تحسن العلاقات بين الصين وأفغانستان. ففي يونيو/ حزيران 2012 سافر الرئيس كرزاي إلى بكين لحضور قمة منظمة شنغهاي للتعاون، وأصدر البلدان إعلانًا مشتركًا لتأسيس الشراكة الاستراتيجية والتعاونية بين الصين وأفغانستان، وفي سبتمبر/ أيلول 2013 عاد كرزاي إلى بكين لإجراء مزيد من المحادثات وأعلن الشريكان تعميق شراكتهما الاستراتيجية. كما زار أشرف غني، خليفة كرزاي، الصين في أكتوبر/ تشرين الثاني 2014 وتم حينها إصدار إعلان مماثل.

بعد ذلك، واصلت الصين وأفغانستان تطوير علاقاتهما، ويعود الفضل جزئيًا في ذلك إلى اقتراح الصين بشأن مبادرة الحزام والطريق (المعروفة سابقًا باسم حزام واحد، طريق واحد). في عامي 2014 و2016، تم تبادل المذكرات حول التعاون في المجال الاقتصادي ومجالات أخرى شملت الاتصالات والتجارة. واصل أشرف غني وشي جين بينغ عقد مناقشات رفيعة المستوى واجتمعا بشكل منتظم في قمم منظمة شنغهاي للتعاون كل صيف من 2015 إلى 2019.

كلمة السر في العلاقات الصينية الأفغانية: استقرار إقليم شينجيانغ

ومع ذلك، فإن جهود الصين المستمرة لتعزيز العلاقات مع حكومة أفغانستان برعاية الولايات المتحدة لم تكن مدفوعة بالحاجات الاقتصادية للأمة، ولكن بالأحرى بدافع الحاجة إلى ضمان الأمن داخل حدودها. لقد كانت الصين دائماً يقظة للغاية بشأن ما تسميه حركة تركستان الشرقية الإسلامية، ولطالما ربطت بين الاستقرار في أفغانستان والاستقرار في إقليم شينجيانغ.

بالتالي فإن الصين، وحتى الوقت الذي نجحت فيه قوات طالبان في استعادة السلطة، كانت تحث كابول على توخي الحذر من المنظمات الإرهابية. في 28 يوليو/ تموز 2021، انتشرت أنباء عن قيام وزير الخارجية الصيني وانغ يي بإجراء محادثات مع الزعيم الديني عبد الغني بارادار من حركة طالبان. ولكن قبل أسبوعين فقط، تحديداً في 14 يوليو/ تموز، التقى وانغ مع وزير الخارجية الأفغاني محمد حنيف أتمار في دوشنبه عاصمة طاجيكستان وشدّد على أن أفغانستان يجب ألا تصبح مرة أخرى معقلاً للإرهابيين.

ولكن حدثت تغييرات جذرية في غضون أسابيع فقط، عندما نجحت طالبان في استعادة كابول على نحو أسرع بكثير مما كان أي شخص يتوقعه. بعد ذلك أجرى وانغ محادثاته مع بارادار وطالب حركة طالبان بقطع العلاقات بشكل حاسم مع المنظمات الإرهابية، بما في ذلك حركة تركستان الشرقية الإسلامية ETIM. يُزعم أن بارادار قد تعهد بعدم السماح بإلحاق أي ضرر بمصالح الصين من الأراضي الأفغانية. لكن على الرغم من أن بارادار قد أدلى بمثل هذا التصريح، يبقى السؤال حول مدى قدرة طالبان على الوفاء بهذا الالتزام.

التعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب

رداً على التطورات السريعة في أفغانستان، أكدت الصين بشكل لا لبس فيه موقفها المناهض للإرهاب بالتوافق مع روسيا وطاجيكستان. في أوائل أغسطس/ آب، أجرت الصين وروسيا تدريبات عسكرية مشتركة تسمى Zapad/Interaction-2021 في منطقة نينغشيا المتمعة بحكم ذاتي لقومية هوي بشمال غرب الصين. مثّلت الصين قيادة مسرح العمليات الغربي التابعة لجيش التحرير الشعبي الذي يشمل شينجيانغ ضمن نطاق سلطاته، ووصفت وزارة الدفاع الوطني الصينية التدريبات بأنها ”دليل على تصميمها وقدراتها على مهاجمة القوات الإرهابية والحفاظ بشكل مشترك على السلام والاستقرار في المنطقة“. في 18 و19 أغسطس/ آب، أي بعد سقوط كابول مباشرة، أجرت وزارة الأمن العام الصينية مناورة لمكافحة الإرهاب مع وزارة الشؤون الداخلية في طاجيكستان خارج العاصمة دوشنبه مباشرة.

وقد أعربت الصين لاحقًا عن نيتها لعب دور بنّاء في أفغانستان، لكن تفاصيل خططها لا تزال غير واضحة. على الرغم من انتقاداتها السابقة للتدخل الأمريكي في أفغانستان، يعتقد البعض أن أحدث المؤشرات القادمة من الصين والمتعلقة بخططها للتعاون مع جارتها تشير إلى نية التدخل السريع في أعقاب الانسحاب الأمريكي. إذا كان هذا ”الدور البنّاء“ سيتخذ شكل المساعدات الاقتصادية، فإنه لن يختلف عن المساعدة التي قدمتها الصين عندما كانت أفغانستان تحت سيطرة الولايات المتحدة. على أية حال، فإن درجة مشاركة الصين في الشأن الأفغاني لا تزال غير واضحة في الوقت الحالي.

لكن الظروف في أفغانستان لم تستقر بعد بما يكفي لتحديد تفاصيل ”الدور البنّاء“ للصين، ويشاع أن بارادار، الذي التقى مع وانغ، قد فقد منصبه ولا تزال الأوضاع متقلبة. في الوقت الحالي، ستكتفي كل من الصين وروسيا بمراقبة تصرفات الحكومة الأفغانية الجديدة عن كثب.

يبدو من المرجح أن الصين ستتعاون مع أفغانستان اقتصاديًا وفي نواحي الأمن العسكري ومكافحة الإرهاب، وذلك بحجة التدخل البنّاء، لكن من غير المرجح أن تقوم بعمل عسكري على غرار ما فعلته الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقاً. ربما لا تكون الصين من الحماقة بحيث تورط نفسها في البلد الذي يطلق عليه ”مقبرة الإمبراطوريات“، كما أنها لن تتدخل ببساطة لملء الفراغ الذي خلفه خروج القوات الأمريكية.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي يتبادل التحية بالكوع مع أمير خان متقي، القائم بأعمال وزير الخارجية في الحكومة الأفغانية المؤقتة، في الدوحة، قطر، 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2021. وكالة شينخوا/ وكالة كيودو)

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية