راوية رضوان ذياب

يروي أحمد زويل حادثةً وهو في أحد الفنادق في الكويت، عن متسلّل غافل أمن الفندق وأراد رؤيته وفيما سمح له البقاء، كان مؤلِّفاً يكتب كتاباً عن عظماء العرب ويريد أن يكتب له مقدّمة الكتاب، وفيما أوضح زويل: "كيف أكتب مقدمة لكتاب لا أعرف مضمونه، قال المؤلف المجهول إنّه لم يكتب الكتاب بعد لكنّ المقدمة تساعده على إيجاد ناشر للكتاب".

وباتّجاه آخر تؤكّد كل الدراسات الإعلامية أهمية المقدمة في المقال أو التقرير أو الرأي الشخصي، حتّى إنَّ الخبر الصحفي هو في النهاية مقدّمة لتحليلات ستأتي فيما بعد، ومن هنا أتت تصنيفات المقدمة إلى أنواع صحفية عديدة والبناء على أساسها.

ومن دون مقدّمة، تفصحُ أزياؤنا وما نرتديه عنّا، حيث أنَّ الطقم الرسمي يلقي مقدمة رسمية عن شخصية مسؤولة، وأن لباس الرياضة يبعث في مقدمة حيوية، وأنّ اللباس الموحد يقتل كل المقدمات ليبقي على وحدة الالتزام ووحدة التشابه التي رفضت في التشكيلة الربانية باختلاف البشر عن بعضهم.

وفي اتّجاه المقدّمة الحديث في عالم تكنولوجيا المعلومات وضمن مواقع التواصل الاجتماعي وظلال جائحة كورونا تقصُّ سيدةٌ دمشقية تدعى لاميا الجراح رحلة العناء للوصول إلى إيطاليا، وثم انطباق كل العناوين كانطباق كل الأبواب في فترة الحجر الصحي في تضخم جائحة كورونا في إيطاليا مع قدوم لاميا المحمّلة برائحة الياسمين من بلاد عبقت فيها رائحة البارود باحثةً عن عبوة أوكسجين.

تنفّست لاميا الصعداء عند وصولها إلى المكان الذي لم تمسسه جائحة كوفيد_19 بأي ضرر بل ساعدت من نموه وازدهاره، إنه عالم الإنترنت، فمن تصفّحات لها علاقة بالتهاني والتعازي إلى تصفّحات لها علاقة بإيجاد فرص العمل التي أصبحت بعيدة المنال ضمن المرض الفتّاك، وفي بحثٍ جادٍّ وجدت لاميا ضالتها في الشيء الذي عرفه العرب منذ القدم وكانوا الأكثر خبرة فيه وهو المقدّمات.

حطّت لاميا الجراح رحال رحلتها في عالم مواقع التواصل الاجتماعي كمن حطّ على سطح القمر لتنشئ وكالة متخصصة في التسويق الاجتماعي لصنع مقدمة عن كلِّ شخص توصله إلى مبتغاه، في قول: "مقدمات صحيحة تعطي نتائج صحيحة".

وفي مداوة إلكترونية كان من أركان الوكالة هو علم NPL المتخصص بالتحفيز النفسي مع مجموعة من المتخصصين اجتمعوا في هذه الوكالة عبر الموجات الصوتية أو الصورية ومع كثير من المقدمات والخبرات وصولاً إلى العملات الرقمية، تتبعها أقوال إيلون ماسك بتأكيد موجة العملات الرقمية وإنّنا نستطيع شراء سيارات تسلا الخاصة به من خلالها.

زويل نفسه لم يستطع اللحاق بالتطورات المتلاحقة لاكتشافه، وكأن التطورات أسرع من التفاعل الكيماوي الذي اكتشفه، وفي عالم اليوم المستجدات أسرع من تحديث صفحتنا الشخصية، لنصبح أدق من الصناعات الإلكترونية المجهرية في أصغر شرائح تضع نفسها في زمن العبودية من جديد، عبودية الأجهزة المحمولة، فهو مقدمة عن الشخص وسيرته الذاتية وإنجازاته البطولية عبر صفحة.

هل نوثّق و نؤرّخ كلٌّ في مكانه، كلٌّ عن نفسه، تحرّرنا مِمَن يصنع التاريخ لنا، لتدوس على كثير من الأزرار وتعطي العديد من الأخبار، وتتفتح مجالات العمل الجديدة بكثير من أنواع العطور عبر البلدان مثل كاتب محتوى، ومنشئ فيديو، ومحرر وغرافيك وغيرها من ملفات تتناقل من بلد إلى آخر.

في يوم الرابع من أكتوبر من عام 2021 كانت ست ساعات كفيلة لتعطل هذه الوثيقة، حيث ارتبك الناس ولم يعرفوا من هم وأين هم؟، دون واتساب وفيس بوك وإنستاغرام، فهل كل ما نوثّقه وكل ما نحفظه "هشٌّ" أو أن مارك زوكربيرغ يتلاعب في تفاعلات اكتشافه الأزرق.

رحلة اكتشاف المقدمة هي ذاتك هي الأهم عبر أزرار تدوسنا وندوسها ضمن عالم معقّد، لتأتي مقدمة أحمد زويل عن وصف العلم: "جمال العلم في بساطته، قبل أن نكتشف تكون الصورة معقّدة ولا نفهم فيها شيئاً، لكن بعد أن نكتشف تصبح الصورة بسيطة جداً يمكن أن تشرحها لطفلك، هذا هو جمال العلم".

ولعلّ جمال المقدّمات يكون في سؤال فيسبوك: بماذا تفكر؟

تدقُّ ساعة سندريلا، نترك كل التجوال والتفكير ونذهب إلى السرير، نرتدي قميص النوم المزخرف مثل عادات العرب، ونطفئ الضوء الغربي فوق رأسنا، مدّثرين ببطانية صوفية تعود لعصر الأندلس لتطرق الرأس الأفكار والصور حتى النوم.

سأستيقظ وأنشر تلك الصورة الصباحية، أو سأستيقظ وأرسل ملف الوورد، أو ربما أستيقظ في بث مباشر لأبدو أكثر حيوية.


مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).