لقد كان دائما ما يتم الاحتفاء بالأمير الراحل الأمير فيليب دوق ادنبرة وزوج الملكة (أو السخرية منه) بسبب شخصيته المميزة وقبل وفاته بتاريخ 9 ابريل عن عمر يناهز 99 عاما كان ينظر اليه في المملكة المتحدة على انه العم العظيم والمتذمر والغريب الاطوار – أي رجل لا يتماشى مطلقا مع العصر الحديث. 

ان من الأمثلة الشهيرة المثيرة للجدل على أسلوب فيليب هو انه لم يفهم لماذا العسكريون اليوم بحاجة لعلاج نفسي حيث أشار الى تجربته خلال الحرب العالمية الثانية قائلا: " لم يكن لدينا معالجين نفسيين يهرعون الينا في كل مرة يطلق شخص النار قائلين "هل أنتم بخير؟ هل أنتم متأكدين انه لا يوجد لديكم مشكلة عويصة؟ فلقد كنا نقوم بما يتوجب علينا عمله ".

لو ان وفاة فيليب تعني انها أيضا نهاية رمز الرزانة البريطانية فهل يتوجب علينا ان نحزن على هذه الخسارة أيضا علما انه في الماضي كان هناك اعجاب على نطاق واسع بهذه العزيمة الرزينة والتي تتميز بها الشخصية البريطانية. عندما كانت المملكة المتحدة القوة التي تقود العالم، كان يبدو انها وصلت لهذه المكانة بسبب نهج "عدم التذمر " في مواجهة الحياة وبالطبع تجلى هذا السلوك بشكل واضح عندما قاومت بريطانيا الهجوم النازي والذي كان قد اجتاح بالفعل جاراتها الاوروبيات.

لقد انضم المستكشف البريطاني لورنس اوتس في مارس 1912الى بعثة بريطانية في القطب الجنوبي ولقد فشلت البعثة حيث توسّل اوتس والذي كان يعاني من الغرغرينا وقضمة الصقيع أصحابه ان يتركوه وينجوا بأنفسهم وعندما رفضوا، قال لهم بشكل عرضي " سوف اخرج للتو وربما لبعض الوقت" ولكنه لم يعد مطلقا لخيمة المجموعة ولكن كلماته الأخيرة ما تزال باقية مما عزز من الرزانة البريطانية في طول المملكة المتحدة وعرضها.

ان من المستحيل تصور ان جيل اوتس كان سيلجأ للتنفيس عن كل ما يدور في اذهانهم في لقاء مع اوبرا وينفري ولكن حفيد فيليب الأمير هاري قام مؤخرا بعمل ذلك على وجه التحديد فهل فقدت المملكة المتحدة شخصيتها القوية والصامتة؟

لقد توصل علماء النفس الى حقيقة مفادها ان الثقافات الوطنية المختلفة عادة ما تعكس وتغرس في الذهن أساليب وطرق حياة مميزة فمعظم بلدان أوروبا الشمالية وتلك الناطقة باللغة الإنجليزية وامريكا اللاتينية هي عبارة عن ثقافات تميل بشكل كبير الى العيش الرغيد (أي تفضل الترفيه ونوعية حياة أفضل) في حين تميل دول شرق اسيا الى عدم الاهتمام كثيرا بالترفيه والاهتمام بشكل أكبر بإن يكون لدى المرء ثقافة العمل القوية.

في مقارنات جرت مؤخرا وشملت بلدان عديدة ومبنية على أساس اختبارات نفسية، وجد ان الفيتناميين والسنغافوريين واليابانيين والكوريين الجنوبيين يظهرون نزعة قوية لممارسة ضبط النفس مقارنة بالبريطانيين والامريكيين ويمكن للمرء ان يستخلص من تلك النتائج ان البلدان الأولى التي قامت بالتصنيع وتوفير الثراء والراحة لسكانها قد تكون الأولى كذلك في الاستسلام للانحطاط متخلية عن الاخلاق التي كانت الدافع وراء نموهم في بداية الأمر.

في الماضي كان التحمل الجسدي والتصميم والشجاعة هي الخصائص المميزة لأولئك الذين تمكنوا من تحقيق النجاح في هذا العالم ولكن اليوم النجاح هو حليف أولئك الذين يستطيعون الترويج لعلامتهم التجارية او استرضاء أحد الرأسماليين لتمويل المشاريع. لم يعد هناك أي تبجيل للأساليب "الذكورية "التقليدية بل غالبا ما يتم احتقارها (وأحيانا لأسباب جيدة جدا). ان تكون محبوبا – وهو أمر من المؤكد ان فيليب لم يطمح اليه ابدا- أصبح شرطا لا غنى عنه للنجاح الوظيفي وعلى النقيض من ذلك كان اوتس يُعرف قبل وفاته المبكرة بأنه كان يتجادل مع قائد الحملة الكابتن روبرت فالكون سكوت وهو أمر كان سيكون بمثابة انتحار وظيفي ومهني اليوم.

حتى لو كانت التوترات والصراعات الاجتماعية مختلفة عما كانت عليه في الماضي، فهل لا يزال لدى شخصية فيليب الهادئة والصلبة ما توصي به؟ في اللغة النفسية كانت شخصية فيليب هي الشخصية " القامعة " فلقد كان جيدا في قمع أي مشاعر سلبية داخله وإقناع الأخرين انه في أفضل حال. ان الشخصية المعاكسة غالبا ما تكون مرتبطة بسمة رائجة جدا وهي " الذكاء العاطفي" وهي القدرة على تمييز كيف يشعر الآخرون حقا.

ولكن على الرغم من ذلك فلقد وجدت الأبحاث التي جرت مؤخرا ان القامعين عادة ما يحصلون على اعلى الدرجات في الذكاء العاطفي في الاختبارات النفسية الاكاديمية مما يوحي ان أولئك الذين لا يظهرون مشاعر قد يكون لديهم مهارات أكثر او يبذلون جهدا نفسيا أكبر مما هو متعارف عليه علما انه تحت حواجبهم الهادئة يكمن التفكير العميق المستمر بما إذا كان من المناسب التنفيس عن المشاعر ومتى يكون ذلك مناسبا.

بالطبع بينما إخفاء الحالة العقلية الحقيقية عن الاخرين قد يؤدي الى المزيد من التفاعلات الاجتماعية الناجحة، الا ان الجهد المبذول من اجل عدم تحميل الاخرين عبء المشاعر العاطفية التي تثقل الكاهل يمكن بالطبع ان تتجاوز الحدود. ان الخطر بالنسبة للقامعين انه من الممكن ان يخدعوا أنفسهم بالنسبة لمشاعرهم الحقيقية وبينما " العاطفيون " يسعون في الغالب للمساعدة النفسية من الاخرين مبكرا، فإن القامعين عادة ما يتأخروا في طلب المساعدة أو لا يطلبونها مطلقا.

وبالتالي، في حين ان كوريا الجنوبية تحتل مرتبة أعلى من المملكة المتحدة في ضبط النفس، الا انها تسجل معدلات أعلى بكثير في حالات الانتحار مقارنة بعدد سكانها وعلى الرغم من تفوقها في التعامل مع الجائحة، فإن زيادة حالات الانتحار وايذاء النفس بسبب الجائحة كانت اعلى بكثير من الدول الغربية التي فشلت في السيطرة على الفيروس.

ان المفتاح كما هو الحال في معظم الأمور هو إيجاد التوازن الصحيح. ان اظهار فيليب وببراعة للاعتدال العاطفي يعني انه ربما كان لديه شيئا ليعلمنا إياه فعندما علق في مصعد في جامعة هيريوت -وات في ادنبره، قيل انه ذكر ساخرا " لا يمكن ان يحدث هذا الا في كلية تقنية ".

والان وبوفاة فيليب، يتوجب علينا ان نحافظ على أسلوبه القائم على الفطنة مع سرعة الغضب فربما نجد ان هذا الاسوب مفيد في أزمتنا القادمة. 


- بقلم: راج بيرسود وأدريان فيرهام

 راج بيرسود: طبيبي نفسي ومؤلف كتاب "اللقاح الذهني لكوفيد-19" وأدريان فيرهام: أستاذ في كلية إدارة الأعمال النرويجية ومؤلف 95 كتاباً

المصدر: بروجيكت سنديكيت

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).