د. وفاء لطفي *

شهدت الأسابيع الأخيرة توتراً متصاعدًا بين العملاقين الآسيويين في المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين التيبت الصينية، وولاية لاداخ الهندية، وتحديداً في وادي جالوان، المنطقة الجبلية الوعرة ذات الأهمية الاستراتيجية. حيث وقع اشتباك بين الجنود من الجانبين الصيني، والهندي.

يعد هذا الاشتباك هو أول اشتباك يقع فيه ضحايا (20 جندياً هندياً) في المنطقة الحدودية، منذ 45 عاماً على الأقل. وتجدر الإشارة إلى أن الدولتين النويتين سبق أن شهدتا وقوع مواجهات بينهما على الحدود المتنازع عليها.

وقد جاء التوتر الحالي بين البلدين على خلفية أحداث تاريخية أدت تطوراتها إلى الوصول بالوضع إلى شكله الحالي، حيث غلبت على العلاقات بين البلدين النزاعات الحدودية.

وقد أفادت التقارير بأن جنوداً من الجانبين اشتبكوا بالعصي، والهراوات، من دون إطلاق الرصاص، واتهم كل طرف الطرف الآخر بأنه كان من بدأ القتال.

اتهامات متبادلة

وفي أول تعليق رسمي للصين، وجهت إلى الهند اتهاماً بالقيام بالاستفزاز المتعمد مرتين، وقال ليجيان تشاو- المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية- إن قوات هندية عبرت الحدود إلى الأراضي الصينية، وقامت بالهجوم، ما أدى إلى «اشتباكات جسدية خطيرة»، على الجانبين.

وردّت الخارجية الهندية من جانبها بالقول إن الاشتباك نجم عن «محاولة الجانب الصيني إحداث تغيير أحادي في الوضع القائم» على الحدود، فالصين تحتل 38 ألف كم مربع من أراضيها، متهمة الصين بتصعيد التوتر، من خلال إرسال الآلاف من الجنود إلى وادي جالوان التي تقع تحت السيطرة الهندية، وقيام الجنود الصينيين بنصب الخيم والنقاط الأمنية فيها، متجاهلين التحذيرات الهندية لهم.

وتجدر الإشارة إلى أنه طبقاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الجانبين الصيني، والهندي، في 1996 يحظر استخدام الأسلحة والمتفجرات ضمن مسافة كيلومترين من خط المراقبة الفعلي على طول الحدود المتنازع عليها.

جاء الحادث بعد تصاعد التوترات بين الجانبين، فقد شيدت الهند طريقاً جديداً في لاداك، عند خط الحدود، لتعزيز قدرتها على نقل القوات والمعدات بسرعة في حال وقوع صدام عند الحدود.

ووادي جالوان في ولاية لاداخ، وهي منطقة حدودية متنازع عليها في جبال الهيمالايا، كما أنها مكان خط المراقبة الفعلي الأقرب إلى الطريق الجديد الذي شقته الهند على طول المنطقة النائية والخطرة بمحاذاة خط المراقبة الفعلي في لاداخ.

أسباب الصدام

تتعدد الأسباب التي أدت إلى ارتفاع حدة التوتر بين الجانبين، لعل أهمها التنافس الاستراتيجي بينهما، فضلاً عن أن كلا الجانبين يرمي بالمسؤولية على الجانب الآخر.

وكلا الجانبين يقوم ببناء بنى تحتية لمد سكك حديد، وطرق برية، حيث تعد هذه المشاريع بالنسبة للصين مشاريع استراتيجية مهمة لها، لأنها تربط مقاطعة شينجيانج، (سنجان)، مع غربي التيبت. وتحاول الهند اللحاق بالجانب الصيني في هذا الصدد. إذ قامت ببناء عشرات الطرق على امتداد خط الحدود، وتحاول استكمال كل هذه المشاريع قبل عام 2022.

ولدى العملاقين الآسيويين تاريخ حافل بالمواجهة والمطالب الإقليمية المتداخلة على طول أكثر من 3440 كيلومتراً من الحدود التي رسمت لتفصل البلدين، فيما يعرف بخط المراقبة الفعلي.

فقد خاضت الدولتان حرباً في الفترة من (20 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1962م، وحتى 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 1962م)، وكانت الحدود في جبال الهيمالايا المتنازع عليها ذريعة رئيسية للحرب، وكان السبب الرئيسي للحرب هو السيطرة على إقليم أكساي تشي. وانتهت الحرب بانتصار الصين، الأمر الذي عقّد علاقاتهما الدبلوماسية لعقود. ومنذ عام 1962، وقع عدد من المواجهات العنيفة كان أبرزها في عام 1975 عندما أدت مناوشة إلى مقتل أربعة من الجنود الهنود.

وفي عام 1993 وقّع البلدان اتفاقية «حفظ السلام والهدوء» على خطوطهما الحدودية، إلا أن الاتفاقية، وما تبعها، لم تترجم بشكل فعلي على أرض الواقع.

وفي أوائل 2017 اشتبك البلدان في هضبة دوكلام، على طول الحدود الصينية المتنازع عليها، وهي تقاطع ثلاثي على الحدود يفصل بين الهند، وبوتان، والصين.

وفي 2018 انتصرت الصين على الهند في مواجهات دوكلام، والذي تُوِّج بانتقال ولاء بوتان إلى الصين.

وفي 2020 انتقلت المواجهات إلى نيبال في وسط الحدود بأقصى الغرب، وفي مايو/ أيار 2020، تقدمت نيبال باحتجاج رسمي لإنشاء الهند طريقاً في ممر متنازع عليه بالهيمالايا.

تحركات صينية

على جانب آخر، تدعم الصين باكستان ضد الهند في ما يخص أزمة إقليم كشمير المتنازع عليه، وتقف الصين أمام الطموحات الهندية الساعية لإيجاد موطئ قدم داخل مجموعة الموردين النوويين، بإصرارها على دخول باكستان أيضاً، وهو ما ترفضه الهند طبعاً، فضلاً على أن الصين تحاول عرقلة المحاولات الهندية لدخول مجلس الأمن الدولي كعضو دائم، ما يزيد من الوضع الحدودي تعقيداً.

غير أن التوترات كانت تتصاعد على امتداد الحدود في الأسابيع الأخيرة. ففي مايو/ أيار الماضي، تبادل الجنود من الطرفين اللكمات على الحدود في منطقة بحيرة بانجونج، وفي منطقة لاداخ، وفي ولاية سيكيم الشمالية الشرقية الهندية، على بعد مئات الأميال إلى الشرق.

وعلى أثر ذلك، شهد كلا البلدين احتجاجات جماهيرية على الاشتباكات التي وقعت في المنطقة الحدودية المتنازع عليها. وحاول المسؤولون إيجاد حل دبلوماسي لنزع فتيل التوترات، وبدأت المحادثات بين الجانبين على المستوى العسكري. وتجدر الإشارة، إلى أنه منذ العام الماضي، والصين تسعى إلى بسط نفوذها العسكري في المنطقة الحدودية من خلال نشر بطارية صواريخ أرض - جو، تؤوي أربع طائرات مقاتلة، وقد أظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية أعمال بناء ممر للسيارات الصينية، ومحطات إنذار مبكر للتدخل السريع في المنطقة المتنازع عليها بين البلدين.

ومنذ يناير/ كانون الثاني 2020 بدأت الصين في شرق الحدود، بحشد طراز جديد خفيف من الدبابات للمناطق الجبلية على الحدود بين التيبت وسيكيم.

وفي أول مايو/ ايار 2020 حشدت الصين 250 جنديًا على ضفاف بحيرة بانكونك التي تسيطر عليها الهند، وتطالب بها الصين.

وفي 12 مايو/ أيار 2020 دفعت الصين بتشكيلات مروحيات بالقرب من خط السيطرة بغرب الحدود في لاداخ، وفي المقابل دفعت الهند دوريات لسلاح الجو.

مما سبق، يتضح أنه هناك العديد من العقبات التي يتعين على الصين، والهند، تجاوزها، وعلى الرغم من العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية المتنامية بين البلدين، تواجه الهند اختلالاً كبيرا في الميزان التجاري لمصلحة الصين.

* مدرس العلوم السياسية. متخصص في الشأن الآسيوي. (الخليج)

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).