ريتشارد ك. شيروين

ان التحديات الأخيرة للمؤسسات والممارسات الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية قد أثارت أسئلة أساسية سياسية وقانونية والتي يجب ان تجد لها جميع الديمقراطيات الليبرالية أجوبة مقنعة.

متى يجب ان يرفض القادة العسكريون إتبّاع الأوامر الرئاسية التي يعتقدون انها غير دستورية؟

متى تتحمل الشرطة مسؤولياتها فيما يتعلق بتأثير العنصرية من حيث نزع الشرعية ؟

لماذا يجب ان يضع الصحفيون الحقيقة فوق مظاهر الحياد ؟ ومتى يجب أن تفقد الكلمات أو الصور التي يتم استخدامها بشكل متعمد في تحدي حقائق يمكن اثباتها، الحماية القانونية؟

إن التحديات التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية تعطينا بعض النصائح .

لقد كان الجنرال مارك مايلي وهو أكبر مسؤول عسكري أمريكي محقا عندما أعتذر بسبب مشاركته في جولة الرئيس دونالد ترامب المتعجرفة عبر ميدان لافايت في العاصمة الأمريكية واشنطن حيث لم يتم استخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لإخلاء المنطقة من المحتجين السلميين فحسب، بل كان من الواضح كذلك ان ترامب كان يستخدم القوات العسكرية كورقة في السياسة المحلية .

وبالمثل فإن هناك أسباب تدعونا لإن نتفق مع رئيس شرطة ديترويت جيمس كريغ وذلك عندما استخدم كلمة "جريمة قتل " لوصف قتل شرطة مينيابولس لجورج فلويد وهو رجل أسود أعزل.

لقد كان يجب على الضابط المتهم وزملائه الثلاثة ان يعرفوا ان الضغط بالركبة على رقبة شخص ما لأكثر من ثماني دقائق هي فترة كافية لإصابة ذلك الشخص بالاختناق وبقدر ما يكون من المنطقي استنتاج وجود النية عند ارتكاب مثل هذا العمل، فإن القتل يبدو تهمة منطقية(على افتراض ان المرء يقبل الفرضية القائلة بإن حياة السود مهمة ).

بعد ذلك بوقت قصير، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا لعضو مجلس الشيوخ الأمريكي توم كوتون وهو حليف قوي لترامب والذي حث ّفيه الحكومة الفيدرالية على إستخدام قانون التمرد لسنة 1807 ونشر القوات المسلحة من اجل قمع الاحتجاجات العامة.

لقد قام مجلس إدارة التحرير في الصحيفة لاحقا برفض هذا التعليق وألقى باللوم بالنسبة لقراره بنشر المقال على عدم التحقق الكافي من الحقائق حول توصيف كوتون الزائف للمحتجين على انهم فوضويين "ومجرمين عدميين".

لا يجب الخلط بين نشر المعلومات الزائفة ودعم "تنوع الأراء". إن أولئك الذين يجادلون بإن حرية الرأي هي الترياق الأفضل في وجه الكلام المغلوط ربما على حق بشرط ان يتضمن ذلك تعبير عن اراء أو أفكار حقيقية.

ان حرية الرأي كشفت عن جهود كوتون لتضليل القراء وطرحت تساؤلات عن حكمة قرار صحيفة نيويورك تايمز بنشر المقال ولكن حرية الرأي هي رد عقيم على كلمات أو صور تهدف فقط الى إثارة العنف أو تعطيل الجهود التي تبذل بحسن نية من اجل التواصل.

ينتشر التضليل السياسي المقنع وغير المصنف والتزييف العميق المرئي والخدع المؤذية عبر فايسبوك وتويتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي كل يوم. يجب ان تكون الديمقراطيات قادرة على الدفاع عن نفسها ضد استخدام الكلمات أو الصور والتي تتعمد زرع بذور الارتباك وانعدام الثقة وذلك حتى تعطل الخطاب العام الهادف.

لقد أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية حكما بإن الحماية التي يوفرها التعديل الأول من الدستور لا تنطبق على الكلام الذي يهدد بعنف وشيك وهذا الحد يجب ان ينطبق على " الكلمات القتالية" أو كلمات التشويش التي تدمّر الشروط الأساسية للتواصل نفسه .

ان جميع تلك التحديات الأخيرة للحكم الديمقراطي لديها قاسم مشترك وهو سوء النية.

ان إصدار أمر تنفيذي ينتهك المبادئ الأساسية للحكم الذاتي يعبّر عن سوء النية كما ان الممارسات العنصرية للشرطة تعبّر كذلك عن سوء النية.

ان التخلي عن واجب الصحافة المستقلة بنقل الحقيقة مهما كانت النتائج يعبّر كذلك عن سوء النية.

إن زرع بذور الإرتباك والإرتياب من خلال نشر المعلومات المضللة بشكل متعمد يعبّر أيضا عن سوء النية كما إن تسييس المؤسسات المستقلة هو أيضا يعبّر عن سوء النية.

ان سوء النية على هذا النطاق يهدد بتعطيل الآليات الدستورية الموجودة لمراقبة أي استحواذ غير مناسب للسلطة ضمن أي جزء من أجزاء الحكومة كما ان سوء النية يهدد بتقويض الميثاق الاجتماعي الأوسع وذلك من خلال تخريب القيم الديمقراطية المشتركة التي تستمد الدولة شرعيتها منها.

عندما يدعو رئيس ما القوات المسلحة لقمع الاحتجاجات فإن الشعب – المصدر الرئيسي لسلطة الدولة-يصبح عدو الدولة وبالمثل فإنه عندما يسيء الرئيس للصحفيين ويهددهم فإن الصحافة الحرة – الوصي الأفضل على جميع حقوقنا حسب وصف جيمس ماديسون –تصبح على حد تعير ترامب " عدو الشعب".

أخيرا، عندما تستخدم السلطة التنفيذية وزارة العدل لمكافآة الحلفاء السياسيين (مثل مستشاري ترامب السابقين مايكل ت فلين وروجر ستون ) والتخلص من الأعداء المفترضين (مثل مدير وكالة التحقيقات الفيدرالية السابق جيمس كومي والمدعي العام الأمريكي جيفري س بيرمان) فإن العدالة المتساوية وحكم القانون تصبح العدو وعندما تصبح الممارسة السياسية بتعيين القضاة الفيدراليين ترفع من شأن الولاء لرئيس السلطة التنفيذية على حساب الولاء للقانون والالتزام بعملية اتخاذ القرار بشكل محايد فإن كامل السلطة القضائية تفقد المصداقية .

كلما طال أمد السماح لهذا الاستقطاب بين الصديق والعدو بالاستمرار كلما زاد عمق ازمة الشرعية وعليه فإن من الضروري ان نضع حدا لسلطة الدولة التي تتم ممارستها بسوء نية ولكن يجب ان لا نكتفي بتحديد إساءة استخدام السلطة بل يتوجب على مدافعي الديمقراطية كذلك ان يتحققوا من ان يتبع أي تجاوز عمل جماعي كبير.

ان الاحتجاجات الشعبية هي اخر خيار للمقاومة الديمقراطية ولقد فهم مؤسسو أمريكا ذلك ولهذا السبب " فإن حق الناس بالتجمع بشكل سلمي ومناشدة الحكومة لإن تنصفهم من المظالم " موجود في أوائل الضمانات في وثيقة الحقوق الأمريكية.

لو لم تستطع أو لم ترغب جمهورية ما في الدفاع عن نفسها ضد هذه الأفعال الوقحة التي تعكس سوء النية فإن ايامها ستصبح معدودة. ان اليقظة الأبدية قد تكون ثمن الحرية ولكن الطغيان يفشل فقط لو كانت هناك مجموعة كافية من المواطنين راغبة في مقاومته وكما فعل الكثيرون خلال الشهر الماضي يتوجب على الأمريكان الاستمرار في استحضار الشجاعة للدفاع عن المؤسسات الديمقراطية وتعزيزها وهي المؤسسات التي تعتمد حريتهم عليها.

ريتشارد ك. شيروين أستاذ القانون ومدير مشروع الإقناع البصري في كلية الحقوق بنيويورك.

project-syndicate.org


مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).