ماتسوموتو ميتسوتويو 

نجحت تايوان في السيطرة على انتشار فيروس كوفيد-19، لكن استبعادها من الانضمام لمنظمة الصحة العالمية يكشف عن التوتر المتزايد في العلاقات الأمريكية-الصينية والتايوانية-الصينية، بدلاً من السعي إلى تحقيق تعاون أكبر على النطاق الدولي.

عداء أزلي بين تايوان والصين

في مايو/ أيار 2020، انعقدت جمعية الصحة العالمية، وهي المنتدى السنوي المنظّم لمنظمة الصحة العالمية، على خلفية الانتشار العالمي لفيروس كوفيد-19، وقد تصاعد الجدل هذا العام حول مسألة مشاركة تايوان كمراقب. لقد جذبت تايوان انتباه العالم بعد ما حققته من نجاح في احتواء العدوى، ومع ذلك فهي مستبعدة من الانضمام إلى منظمة الصحة العالمية. وقد أعربت العديد من الدول، بما في ذلك اليابان والدول الغربية الكبرى، عن دعمها لمشاركة تايوان في المنظمة، لكن الصين عارضت بشدة وأصرت على مبدأ ”الصين الواحدة“ الذي يزعم أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين. ونتيجة لذلك، تم تأجيل خطط مشاركة تايوان بصفة مراقب مما دفع رئيسة تايوان تساي إنغ ون إلى انتقاد تجدد الفيتو على مشاركة بلدها نتيجة للضغوط التي تتم ممارستها على منظمة الصحة العالمية. تم تأجيل المناقشة حول هذه المسألة حتى الجلسة المقبلة لجمعية الصحة العالمية والمقرر استئنافها في النصف الثاني من عام 2020. توضح هذه النتيجة تأثير التوتر بين الدول وتوازن القوى العالمي على معالجة الانتشار العالمي للأمراض المعدية. ويعتبر تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين بشأن مشاركة تايوان في منظمة الصحة العالمية مثالاً على ذلك. لكن جوهر العداء يكمن بين تايوان والصين، فنفوذ الصين هو الذي منع تايوان من المشاركة. إن النهج التصالحي الذي تبنّته تايوان خلال إدارة ما يينغ جيو من عام 2009 إلى عام 2016 مكّنها من المشاركة في جمعية الصحة العالمية كمراقب تحت اسم ”تايبيه الصينية“، لكن الحزب الديمقراطي التقدمي الذي بدأت زعيمته تساي فترة إدارتها الجديدة في عام 2016 نأى بنفسه عن بر الصين الرئيسي، مما أدى إلى استبعاد تايوان مرة أخرى من منظمة الصحة العالمية منذ عام 2017 وحتى الآن. ازداد العداء بين تايبيه وبكين على خلفية الاستجابة لفيروس كوفيد-19، كما أن قضية مشاركة تايوان في منظمة الصحة العالمية تسلّط الضوء على انعدام الثقة المتزايد بين البلدين.

انزعاج الصين ونفاد صبرها حيال تايوان

في الآونة الأخيرة، وافقت الصين على مشاركة خبراء من تايوان في منتدى منظمة الصحة العالمية بناءً على أوراق اعتمادهم الفردية، لكنها عارضت بقوة حضور تايوان لجمعية الصحة العالمية وبذلت ما في وسعها من جهود دبلوماسية شاقة لمنع ذلك. جوهر شعور الصين بالأزمة يكمن في أي تحرك من شأنه تقويض مبدأ ”الصين الواحدة“ وتريد دائماً التأكيد على هذا باعتباره الخيار الوحيد المقبول للمجتمع الدولي. بالنسبة للصين، التي تتحدى بشكل واضح قواعد النظام العالمي، يجب عليها حماية مبدأ الصين الواحدة كأساس لنفوذها. أضف إلى ذلك شعور الصين بالانزعاج والضجر من الجهود التي تبذلها تايوان لتعزيز مكانتها عالمياً، نظرًا لما ينطوي عليه هذا من احتمال أن يؤدي إلى تقويض مبدأ الصين الواحدة. الحقيقة المزعجة هي أن نجاح تايوان يقوّض فكرة تفوق السياسة الصينية التي تصر الصين على نشرها. في أواخر يناير/ كانون الثاني 2020، تحدث الرئيس الصيني شي جين بينغ مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس خلال زيارته للصين، وشدد شي على أن الصين قد أظهرت بوضوح تفوق ”الاشتراكية ذات الخصائص الصينية“ التي تتبعها في سياساتها لمنع انتشار الفيروس، ومن جانبه، أشاد تيدروس أيضًا بمزايا النظام الصيني. في الوقت نفسه، نجحت تايوان أيضًا في مواجهة الجائحة في ظل نظامها الديمقراطي، حيث لم تلجأ إلى فرض الإغلاق الشامل على المدن لكنها تمكنت من السيطرة على انتشار الفيروس من خلال الكشف عن المعلومات المخصصة، ولهذا السبب حظيت تايوان بالإشادة والدعم من قبل اليابان والديمقراطيات الغربية الرئيسية، لذا فإن وجود تايوان الذي يعزز الحرية الديمقراطية يشكل تهديدًا كبيرًا للصين.

دكتاتورية النظام الصيني

أحد أسباب ازدياد العداء بين تايوان والصين هو النهج الدكتاتوري المتنامي لنظام شي جين بينغ تجاه مبدأ ”الصين الواحدة“. لقد صرّح شي جين بينغ أن ”إجماع عام 1992“، الذي يُنظر إليه على أنه أساس التفاعل بين الجانبين، هو تجسيد لمبدأ الصين الواحدة. فيما يتعلق بما يسمى إجماع 1992، بينما تدعي الصين أن هذا الإجماع كان اتفاقًا يؤكد وجود الصين الواحدة، يصر الحزب القومي الصيني أو KMT الذي كان يقود تايوان في ذلك الوقت، على أن الاتفاقية تسمح لكلا الجانبين بالتعبير عن تفسيرهما الخاص لمبدأ الصين الواحدة. في عهد هو جينتاو، أدركت بكين قيمة هذا التأويل المزدوج وشددت على أهمية الاعتقاد المشترك وتجنب المواجهة حول الاختلاف الأساسي في المصالح، وبالتالي نجحت في تحسين العلاقات مع إدارة ما يينج جيو التايوانية. تبنّت حكومة هو جينتاو نهجا مرناً بالنظر إلى إرادة الشعب التايواني وتجنبت إثارة مبدأ الصين الواحدة مع تايوان بشكل صريح، واعترفت بالمصالح التايوانية، وبالتالي نجحت في كسب تأييد الشعب التايواني في محاولة لخلق ظروف مواتية لإعادة التوحيد في المستقبل. لقد كان حصول تايوان على صفة مراقب في جمعية الصحة العالمية بسبب احترام الصين لرغبة تايوان في المشاركة الدولية، وبالنسبة للشعب التايواني كان الحضور، ولو حتى باعتبار تايوان ”جزءاً من الصين“، بمثابة قفزة كبيرة للدبلوماسية التايوانية. إلا أن المرونة التي تمتعت بها إدارة هو جينتاو اختفت في ظل نظام شي جين بينغ الذي أدى تركيزه المتزايد على التصحيح العقائدي إلى اتخاذ موقف أشد صرامة تجاه تايوان، فتوقفت التفاعلات مع إدارة تساي إنغ ون التي لا تقبل إجماع عام 1992، كما عملت الصين على ممارسة المزيد من الضغوط على تايوان حيث انخرطت مرارا في عمليات عسكرية بغرض التخويف واتخذت خطوات دبلوماسية لتقليص قدرة تايوان على الصعيد الدولي. ولعل أبرز مثال على ذلك هو استبعاد تايوان من منظمة الصحة العالمية. في المقابل، تبنّت حكومة تساي نهجًا تجاه الصين يسعى إلى الحفاظ على الوضع الراهن. فعلى الرغم من أنها لا تقبل إجماع 1992 بشأن الصين الواحدة، إلا أنها لا تسعى إلى استقلال تايوان تجنباً لاستفزاز بكين. لكن نظام شي جين بينغ لديه انعدام ثقة متجذر في إدارة تساي بسبب رفضها لمبدأ الصين الواحدة، معتبراً موقف تايوان في حد ذاته سلوكًا استفزازيًا. أما فيما يتعلق بطلب تايوان المشاركة في منظمة الصحة العالمية وقيامها بالتبرع وتصدير الكمامات إلى مختلف البلدان، تؤكد الصين على أن تايوان تستغل جائحة كورونا من أجل تعزيز أهدافها في الاستقلال، وانتقدت تصرفاتها مرارًا وتكرارًا.

تنامي انعدام الثقة

في الوقت نفسه، هناك عامل آخر يؤدي إلى تفاقم العداء بين الجانبين، يتمثل في انعدام ثقة الشعب التايواني في الصين. فالرئيس الصيني شي غير قادر على الاستجابة بشكل فعال لمشاعر الشعب التايواني. في الواقع، إن مقاربته لإعادة التوحيد غير مقبولة بالنسبة لتايوان. في خطابه بمناسبة العام الجديد 2019، أعلن شي أنه لن يستبعد احتمال استخدام القوة ضد تايوان، بينما دعاها أيضًا إلى الانخراط في مناقشات تهدف لإيجاد حل لقضية تايوان في إطار ”دولة واحدة ونظامان“. بعد ذلك بوقت قصير، اندلعت التوترات في هونغ كونغ عندما اقترحت حكومته مشروع قانون بِشأن تسليم السكان المحليين إلى البر الرئيسي كتعديل لقانون المجرمين الهاربين. أثارت الحالة البائسة في هونغ كونغ، في ظل سياسة ”دولة واحدة ونظامان“، شكوكًا لدى الجمهور التايواني بشأن مستقبلهم، وزادت من انعدام ثقتهم وحذرهم تجاه الصين. نتيجةً لكل هذا، عبّر الشعب التايواني عن إرادته بوضوح في يناير/ كانون الثاني 2020 في الانتخابات الرئاسية في تايوان، حين منح تساي فوزًا ساحقًا لتستمر في تنفيذ برنامجها الذي يهدف إلى حماية السيادة والديمقراطية التايوانية. بدأ انتشار فيروس كوفيد-19 وسط الأصداء المستمرة لنتيجة هذه الانتخابات. لكن حتى مع تفشي الجائحة، لم تخفف الصين من ضغطها على تايوان وحافظت على موقفها المتشدد من مبدأ الصين الواحدة خلال استجابتها لتداعيات الفيروس، ففور إعلان الإغلاق الشامل في مدينة ووهان، حاولت تايوان إرسال رحلة طيران مستأجرة لإجلاء مواطنيها من المدينة، إلا أن الصين أصرت على استخدام طائرة تابعة لخطوط شرق الصين الجوية لتجنب خلق انطباع عن رحلة ووهان إلى تايبيه وكأنها خدمة دولية. وحتى بعد ذلك، واصلت بكين اتخاذ مواقف غير متعاونة على نحو غير منطقي تجاه تايوان، مما أثر تأثيراً سلبياً عميقاً على مشاعر الشعب التايواني تجاه بر الصين الرئيسي. كانت تايوان بالفعل مرتابةً بشدة من ناحية الصين، حيث تنظر إليها باعتبارها مصدرًا للمخاطر لا سيما بعد التجربة المريرة لوباء سارس عام 2003، حيث يُعتقد أن معاناة تايوان مع السارس تفاقمت بسبب تأخر الصين في تقديم المعلومات، بل وكانت هناك شكوك في أن حكومة البر الرئيسي قد أخفت الحقائق عمداً وقد كان هذا أحد الأسباب وراء استجابة تايوان السريعة لفيروس كورونا الجديد. لسوء الحظ، لم يتمكن البلدان من خلق فرصة لتخفيف التوترات بينهما والتركيز على مواجهة الجائحة. على العكس، فقد أدى انعدام الثقة المصحوب بعداء متزايد بين تايوان والصين إلى تضخيم الشكوك المتبادلة بينهما، كما أن الوضع الحالي للعلاقات بين البلدين يلقي بظلال ثقيلة على قضية مشاركة تايوان في منظمة الصحة العالمية.

اختبار حقيقي للتعاون الدولي

لا شك أن تعامل تايوان البارع مع الجائحة قد جذب انتباه العالم وسلّط الضوء على سخافة الوضع الحالي، أي استبعاد تايوان من الانضمام إلى منظمة الصحة العالمية. لم يعد من الممكن تحقيق تطلعات الشعب التايواني إلى الانضمام لمنظمة الصحة العالمية في إطار المشاركة باعتبار تايوان ”جزءاً من الصين“. في الوقت نفسه، من الصعب أن نتوقع من الصين أن تخفف من نهجها الصارم تجاه تايوان. في مواجهة مع الصين حول ما إذا كان ينبغي السماح لتايوان بالانضمام إلى منظمة الصحة العالمية، قامت الولايات المتحدة بإخطار الأمم المتحدة رسميًا بعزمها الانسحاب من الهيئة الصحية بعد أن انتقدتها بشدة لمحاباتها للصين. تلقي هذه القضايا المعقدة بظلالها على آفاق التعاون الدولي من أجل مواجهة تداعيات الجائحة. لقد أظهر انتشار فيروس كوفيد-19 للمجتمع العالمي فداحة تأثير انتشار العدوى على الاقتصاد والصناعة والأمن والعديد من المجالات الأخرى. لا يمكننا ترك فراغ جغرافي في حربنا ضد هذه الجائحة العالمية، بل إن المجتمع الدولي في أمس الحاجة إلى الاتحاد من أجل تنفيذ مبادرات قائمة على أساس عالمي. إن تايوان مجهزة بالخبرة والمعرفة من واقع نجاحها في احتواء العدوى، لذا فليس هناك مبرر لرفض مشاركتها في منظمة الصحة العالمية حيث إن تجربة تايوان ومعلوماتها وخبراتها ذات قيمة هائلة للعالم بأسره. في ظل الإطار الحالي لمنظمة الصحة العالمية الذي يسمح بانضمام الدول ذات السيادة فقط، فإن مشاركة تايوان في المنظمة العالمية كمراقب هي الطريقة الأكثر واقعية لتقاسم خبرتها ومعرفتها. ينبغي أن تتعاون اليابان مع الدول الغربية لتقديم دعم مستمر لتايوان حتى تتمكن من الانضمام كمراقب في منظمة الصحة العالمية، كما يجب أن تمارس نفوذها لإقناع الدول الأعضاء المنوط بها تقرير هذا الأمر بضرورة الموافقة على انضمام تايوان. علاوة على ذلك، لإصلاح منظمة الصحة العالمية وتعزيز استعدادها لمواجهة الأوبئة في المستقبل، يجب أن يكون هناك نقاش جدي حول إطار عمل منظّم جديد يشمل تايوان من منظور طويل المدى. تعد مشاركة تايوان في منظمة الصحة العالمية بمثابة اختبار أساسي للتعاون الدولي في التعامل مع الأمراض المعدية. ولا شك أن مشاركتها في جمعية الصحة العالمية كمراقب هي الخطوة الأولى المهمة نحو تحقيق ذلك.
نبذة عن الكاتب: أستاذ في جامعة كيوتو النسائية، متخصص في السياسة المقارنة والسياسة التايوانية الحديثة والعلاقات بين الصين وتايوان إلى جانب مجالات أخرى. ولد عام 1969 وتخرج من جامعة طوكيو للدراسات الأجنبية، ثم حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كوبي. عمل أستاذًا مشاركًا في جامعة ناغاساكي للدراسات الأجنبية وأستاذًا بجامعة تينري قبل أن يتولى منصبه الحالي في عام 2015.
(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة العنوان: تساي إنغ ون رئيسة تايوان تلوّح لقوات احتياط الجيش التايواني في 29 يونيو/ حزيران 2020. رويترز/أفلو) المصدر: نيبون العربية  

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).