أكثر من 9 سنوات مضت على انطلاق الانتفاضة السورية، ولا يزال البعض يعيش في ذاك الزمن وكأننا نحيا في لحظة ثابتة جامدة من التاريخ.. هل نحن اليوم نفس الأشخاص؟ هل سوريا هي ذاتها وهل الشعب وواقعه منفصل عن المتغيرات التي حدثت؟
أخبرني أحد الأصدقاء أنّ العديد من الشبان والشابات الذين شاركوا في الاحتجاجات الأخيرة ضد النظام في السويداء لا تتجاوز أعمارهم منتصف العشرينات، وهذا يعني أنّ معظمهم، قبل 10 سنوات، لم يكن عمره أكثر من 15 عاماً.

هؤلاء يستحقون واقعاً ومستقبلاً أفضل، لا شك أنهم جديرون به، حالهم كحال أقرانهم في سوريا، بل وفي العالم أجمع. من يستطيع أن يُنكر ويقلل من عظمة حراكهم ومشروعية مطالبهم؟. هل قَدرُ شباب بلدنا أن يمضوا حياتهم في بلاد الاغتراب والهجرة هرباً من الفقر وانعدام الفرص في بلدهم؟ إلى متى ستبقى الأمهات تبكين كل يوم مرارة فراق فلذات أكبادهنّ، بينما أبناء المسؤولين الفاسدين يعيشون حياةً باذخة على حساب حقوق الفقراء؟

لكن، وكعادة البعض في اغتيال كل شيء جميل، بدأ إطلاق السهام نحو تلك الأصوات الشابة التي تنشد الحياة الكريمة والعدالة في وطنها.. "التعميم هو فكر العاجز الذي لا يرى أبعد من أنفه" كما تقول السيدة أميرة أبو الحسن.. لماذا لا يتعلم الكثيرون من الأخطاء ولماذا الإصرار على بث الكراهية والفرقة في وقت تبدو أمس الحاجة فيه إلى الوحدة والمحبة، ألا نحب وطننا ونريد له الكرامة والعدالة والعيش الكريم.. هتف المتظاهرون "هات إيدك يا سندي"، وهذه دعوة من شقيق سوري يحب لشقيقه السوري، أي سوري، ما يحب لنفسه، فمن يُلبي هذه الدعوة غير المحب لأهله ووطنه؟.

صناعة الأعداء


السوريون يهوون صناعة الأعداء، في العائلة والعمل والنشاط السياسي وأي عمل جماعي.. منذ 10 سنوات والظاهرة نفسها تتكرر، اغتيال معنوي لأي شخصية ناجحة، في أي مجال كانت.. التشكيك بالنجاحات والإنجازات الفردية وأحياناً كثيرة التقليل من شأنها والسخرية منها.. خلق الخصوم من اللاشيء، على ما يبدو، سِمة شائعة جداً في مجتمعنا.. السوريون ناجحون في العمل الفردي، لكنهم ليسوا كذلك في العمل الجماعي، وهذا ليس حُكماً مطلقاً بطبيعة الحال. لكن لماذا يحدث ذلك وما الهدف؟ هل هو الشعور بالإخفاق والعجز؟ أم ماذا بالضبط!

نايف العاقل و"الهتافات الحضارية"


العميد نايف العاقل يحظى بسمعة جيدة بشكل عام في السويداء، وله في كل بيت معزة واحترام كبيرين. مؤخراً ظهر بيان باسم العاقل يطالب الحكومة بإصلاحات ومحاربة الفاسدين. لكن لم نعرف بالضبط ما هي "الشعارات الحضارية" التي طلب من الحراك الالتزام بها؟. لعلّ من المنصف أن نسأل ما دامت بعض العبارات والإشارات أزعجته خلال الاحتجاجات الأخيرة. ما الدور الذي قام به نايف العاقل عندما كانت أجهزة الأمن تعتقل النشطاء المدنيين وتقمعهم؟ هل يعلم سيادة العميد أنّ عشرات الشبان من السويداء قُتلوا تحت التعذيب في معتقلات الحكومة.

السويداء 24


حظيت الاحتجاجات الأخيرة في السويداء بتغظية إعلامية مميزة وشاملة، محلياً وعربياً وحتى عالمياً، وهذا يعود لجهود الكثير من نشطاء الداخل، وكذلك لصحفيين عاملين في مؤسسات في الخارج، لكن، الحق يقال، قدمت منصّة "السويداء 24" تغطية متوازنة وموضوعية جديرة بالاحترام والتقدير.. أعتقد أنّ هذه المنصة، على غرار "عنب بلدي" من أنجح التجارب التي أفرزتها السنوات الـ10 الأخيرة، على صعيد الإعلام المحلي المستقل.

لماذا "الساروت"؟


انتقد الكاتب رامي نصرالله بعض الشعارات في الاحتجاجات الأخيرة مثل "الهتاف للساروت"، وكذلك رفع "علم الثورة"، وحجّته أن الساروت انضم إلى جماعات متطرفة، وأنّ العلم يمثّل جماعات مسلحة ارتكبت جرائم. لا شكّ أنّ النقد جانب حيوي وصحي، وهو حق لرامي كما لغيره. يا صديقي.. الساروت يشبه "الثورة" بسلميتها وتسليحها وتطرفها وجمالها وقبحها وانتصارتها وانكساراتها وآمالها وخيباتها.. الساروت ابن العشرين في بداية الثورة ضحية ضياع البوصلة تارةً وثباتها تارةً أخرى، ليس هو المسؤول عما حدث، لكنك ككاتب ومثقف مسؤول عما تنشر. أنت حر في أن تحب أو لا، لكن أليس الأجدى بعد 10 سنوات أن نُفرّق بين أن نقبل الشيء وأن نفهم أسبابه، بين أن نرفض الشي ونعي حيثياته؟. أدعوك لقراءة الدراسة التي كتبها ياسين الحاج صالح بعنوان "الساروت: مسارة ثورة في مسار ثائر".

من يعول على مشايخ العقل؟


تدور أقاويل عن عزم "مشايخ العقل" إصدار بيان إدانة للاحتجاجات، وإذا ما حدث فهو غير مستغرب أو مفاجئ، ألم يصدروا "حرماً" على الشيخ الراحل وحيد البلعوس في الوقت الذي كان فيه وفيق ناصر يعيث فساداً وتخريباً في المحافظة؟. بل حتى أن بعضهم منح وفيق ناصر تفويضاً لفعل ما يشاء في المحافظة (وهذا موثق في الفيديو)، ثم أقاموا جنازة لسمير القنطار بينما لم يقوموا حتى بزيارة واحدة إلى أهالي المعتقلين الذي قُتلوا في سجون "الحكومة".. ولم يُعرف لهم موقف واحد صريح ضد ممارسات الأجهزة الأمنية.. فمتى نرى موقفاً يليق بالمكانة الروحية التي يشغلها مشايخ العقل بين أبناء الطائفة؟

المصدر: من صفحة الكاتب على فيسبوك


مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).