بيتر سنجر

هل ينبغي لنا أن نقدر حياة جميع البشر على حد السواء؟

ظهر هذا السؤال في صورة حادة عندما تسبب فيروس كورونا في إرباك نظام الرعاية الصحية في إيطاليا. في تصورها لموقف حيث لا يتوفر العدد الكافي من أجهزة مساعدة تنفس لكل المرضى الذين يحتاجون إليها، أعربت مجموعة عمل تابعة للجمعية الإيطالية للتخدير، والتسكين، والإنعاش، والرعاية المركزة على مضض عن دعمها لتقنين الرعاية حسب العمر، مع الأخذ في الاعتبار أيضا الضعف وشدة أي مشاكل صحية أخرى. كان هدف المجموعة يتلخص في دعم أولئك الذين لديهم أكبر فرصة للبقاء ومن المحتمل أن ينعموا بأكبر عدد من سنوات حياتهم المقبلة.

نوقِـشَـت مقترحات التقنين على أساس العمر في العديد من البلدان، وقوبلت غالبا بالمعارضة. في المملكة المتحدة على سبيل المثال، قالت كاثرين فوت، مديرة الأدلة في مركز الشيخوخة المثلى إن مثل هذه المقترحات تُـظـهِـر "تمييزا متهورا وبالغ الخطورة ضد المسنين، حيث كلما تقدم بنا العمر كلما أصبحنا أقل قيمة وأصبح إنقاذ حياتنا أقل أهمية".

الواقع أن القضية أعمق كثيرا من الجائحة الحالية. في عام 2003، كان لزاما على هيئة حماية البيئة الأميركية أن تقرر التكاليف التي ستفرضها على الصناعة من أجل الحد من تلوث الهواء. وكان القيام بذلك ينطوي على وضع حد أعلى لتكلفة إنقاذ الحياة. وقد اقترحت هيئة حماية البيئة وضع الحد الأقصى لقيمة حياة شخص يقل عمره عن السبعين عند مستوى 3.7 مليون دولار، وعند مستوى 2.3 مليون دولار لحياة شخص أكبر سنا من سبعين عاما.

عندما نشرت وسائل الإعلام هذا الاقتراح، وصفته منظمات الدفاع عن كبار السن بأنه "خصم الموت للمسنين" واتهمت الهيئة بعدم الاهتمام بالأميركيين الأكبر سنا. وفي نهاية المطاف، اضطرت هيئة حماية البيئة تحت ضغط الدعاية السلبية إلى سحب هذا الاقتراح من على الطاولة.

لكن هيئة حماية البيئة ليست وحدها في إجراء مثل هذه الحسابات. فعلى مدار السنوات الثلاثين الأخيرة، حددت منظمة الصحة العالمية أولوياتها من خلال تقييم تأثير الأمراض على ما أسمته "العبء العالمي للمرض". تتلخص الفكرة في معرفة أي الأمراض قد تحدث أشد الضرر، واستهداف هذه الأمراض، حيثما كان ذلك ممكنا وفـعّـالا من حيث التكلفة.

في حين أن بعض الأمراض من المرجح أن تقتل الأطفال أكثر من غيرهم، فإن أمراضا أخرى، مثل مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، تفرض أكبر قدر من الخطر على كبار السن، وهناك أمراض أخرى من المحتمل أن تقتل الناس في أي عمر. تستخدم منظمة الصحة العالمية أداة تسمى "سنة العمر المعدلة حسب الإعاقة" لقياس سنوات العمر المفقودة بسبب الوفاة المبكرة وسنوات العمر التي قد يعيشها المرء في حالة صحية أقل من كاملة. وكلما زاد عدد سنوات العمر المعدلة حسب الإعاقة التي قد تفقد نتيجة للمرض، كلما أصبح العبء العالمي المصاحب لها أعظم.

الحق أن أداة سنة العمر المعدلة حسب الإعاقة ليست دقيقة. ذلك أن كيفية التوصل إلى المقايضة الصحيحة بين عدد سنوات الحياة المفقودة والسنوات التي يعيشها المرء في أي من الحالات المحتملة العديدة لما يُـعَـد "صحة أقل من كاملة" تشكل مسألة مثيرة للجدال. لكن الاعتراض على وضع سنوات الحياة المفقودة في الحسبان يبدو منحرفا. لا ينبغي لنا أن ننخدع بالحديث عن "إنقاذ الأرواح". إن ما يفعله العلاج الطبي، إذا نجح، هو إطالة العمر. والنجاح في علاج مرض يقتل الأطفال والشباب البالغين، من المحتمل في حال ثبات العوامل الأخرى أن يؤدي إلى إطالة أكبر للأعمار، مما يحقق بالتالي فائدة أكبر من العلاج الناجح لمرض يقتل الأشخاص في السبعينات والثمانينات والتسعينات من العمر.

إذا كان هذا هو "التمييز ضد المسنين" فهل هو خطأ؟ تحسب مقاييس منظمة الصحة العالمية كل سنوات العمر المعدلة حسب الإعاقة بالتساوي، سواء كانت سنوات عمر معدلة حسب الإعاقة في حياة مراهق صحيح البدن أو سنوات عمر معدلة حسب الإعاقة في حياة شخص صحيح البدن في سن التسعين. إنقاذ حياة المراهق هنا يكون أكثر أهمية ليس لأن المراهق أصغر سنا، بل لأن إنقاذ شخص أصغر سنا من المحتمل أن يعني تمكين الشخص الـمُـنـقَذ من أن يعيش سنوات حياة أطول.

لكي نفهم لماذا قد تكون بعض أشكال التمييز ضد المسنين مبررة، لنتخيل أنك أصبحت للتو والدا لطفل وهناك من يطلب استشارتك بشأن مشكلة ستؤثر على طفلك الحديث الولادة، الذي تكون مصالحه أقرب إلى قلبك بطبيعة الحال. وقد أُخـبِـرت بأن طفلك، عند مرحلة ما من حياته، من المرجح أن يصاب بعدوى فيروس خطير. واحتمالات إصابته بالعدوى هي ذاتها في أي سنة من حياته، وكذا خطر وفاته بالفيروس، ما لم يتناول دواء مصمما له خصيصا.

لكن الباحثين اكتشفوا أن تصميم الدواء يجب أن يختلف باختلاف عمر المريض. فالعقار (أ) فـعّـال في علاج من تقل أعمارهم عن 40 عاما، والعقار (ب) فـعّال في علاج من تزيد أعمارهم على أربعين عاما، لكن عملية الإنتاج مكلفة إلى الحد الذي يجعل الخدمة الصحية الوطنية عاجزة عن تحمل ثمن إنتاج كلا العلاجين. ويتعين عليها أن تختار واحدا منهما. ويمكن أن تصوت على هذا الاختيار.

في ضوء هذا الاختيار، وعلى افتراض أنك تعتقد أن حياة طفلك ستكون ذات قيمة، فمن الواضح أن تصويتك لصالح الدواء (ب) يتعارض مع مصالح طفلك. فهذا من شأنه أن يزيد من خطر وفاة طفلك قبل سن الأربعين. ولتحسين فرصه في الحياة لسنوات أطول، ينبغي لك أن تصوت لصالح الدواء (أ).

كما يوضح هذا المثال، فإن التمييز على أساس السن يختلف تمام الاختلاف عن التمييز على أساس الـعِـرق على سبيل المثال. فكل من هو كبير السن كان ذات يوم شابا بالضرورة. لكن أي شخص أسود البشرة لم يكن أبيض البشرة قَـط. ولن نجد منظورا محايدا لا ينظر إلى الـعِـرق يمكننا من خلاله أن نرى جميعا أنه من مصلحة الجميع إنقاذ حياة ذوي البشرة البيضاء وليس حياة ذوي البشرة السوداء.

لكن مبرر التمييز ضد المسنين محدود؟ فهو لا يمتد إلى أشكال التمييز على أساس العمر التي لا تنقذ الحياة، مثل إعطاء الأفضلية في تشغيل العمالة للشباب عندما يكون بوسع الأشخاص الأكبر سنا أن يقوموا بالوظيفة بذات القدر من الكفاءة أو أفضل.

المصدر: بروجيكت سنديكيت

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).