ولدت إخلاص فرنسيس في عائلة مؤلّفة من خمس أخوات وثلاثة أخوة، كانت أصغر البنات، مدلّلة أبيها ورفيقته، الأب الذي كان يحبّ الفنّ والغناء، والأمّ التي كانت تردّد الشعر عن ظهر قلب، ما دفع بها إلى عشق الموسيقا والفنّ ولاسيما في تلك الأرض التي تحمل في طياتها روح جبران ونايه الخالد، تعرفت إليه في الكتب المدرسية، وتعلّمت منه حبّ الأرض والإنسان والحياة، ورأت في سطوره شغف العشق الروحيّ، وعشقت روحه التي ثارت على التقاليد الظالمة في الحياة.






أحلام خبت تحت نقمة الحرب

ثمّ دارت رحى الحرب، لتسلب حقّ الطفولة وحقّ الشباب وحقّ العلم والحلم. إنها الحرب الأهلية التي جزأت لبنان وشطرته إلى أجزاء مبعثرة، وما زال يعاني منها ومن آثارها، فلا تبدو في الأفق شمعة تبدّد هذا الظلام.

لقطة من قرية إخلاص في لبنان

ترعرعت على أزيز الرصاص وصوت المدافع، وخبت أحلامها تحت نقمة الحرب، عندما أصبح من المتعذّر عليها أن تركض في الوديان والسهول، تطارد الفراشات في الربيع، وتنساب مع السواقي في نيسان، وتغازل القمر من سطوح البيت، وتبني أحلامها على كتف الصنوبر، وترسم صورة فارس أحلامها على صخرة الشعتول، وتشرب العلم من نبعة الضيعة في عمق الوادي، كلّ هذا غرق في سُبات عميق أو في موت سحيق.

طريق في القرية وبيوت متناثرة

تحدّيات جديدة

زوجة، وأم لأربعة شباب، لم تتخلّ عن حلمها، تحدّيات جديدة، منها الانتقال إلى بيروت، حيث المباني الشاهقة التي تسدّ وجه السماء ووجه الحرّية والشمس، وتحديات أخرى جديدة ولاسيما دور الأمّ والزوجة، لكن لم تدعها تقف حائلا في طريق أحلامها التي حملتها معها من خلال أنفاس حروف جبران، ومطران وإيليا أبو ماضي، وسعيد عقل، زغلول الدامور وصوت فيروز وروح العنقاء التي لا تخبو مهما تلاطم الرماد.

 الحياة التي حملتها معها إلى الغربة لم تنسها عشقها الأول، وهو التعبير عن الذات بالكلمات، ولعلّ كل ما فات كان أرضيّة خصبة رمت فيها الظروف والأحوال بذور الشعر والأدب، لتنمو تحت ظروف قاهرة، وتخرج كما من أتون النار، كما المخاض من بوتقة الوجع، تتفتّح براعم الحروف، وكانت البدايات المتواضعة جدّا التي سكبت روحها فيها بكلّ عفويّة وصدق، فالألم يولّد الأمل، بعد سنين طويلة نضجت السنابل وأتى موعد الحصاد.

في الاغتراب

في بلد الاغتراب حيث تحمل أكثر من هويّة لم تنس هويّتها كامرأة، ولم تنس المجتمع الذي طُردت منه، والمجتمع الذي تعيش فيه الآن، حيث إنّ للمرأة دورا كبيرا فيه.

وعلى الرغم من المناداة بالحريات عامة، وحرية المرأة خاصة في الغرب، إلا أنها لمست الجانب الخفيّ الذي تحمله كلّ امرأة في أيّ مجتمع كان، وخاصّة  المجتمعات العربية التي ما زالت تخضع لسلطة الرجل، ورحمته التي بلا رحمة، والقمع من قبل الأهل جميعا، إن هي أرادت أن تعبّر عن مشاعرها وتجاربها وعلاقاتها بكلّ عفويّة وحرّية.

فكان أن بدأت رحلتها في الشعر والكتابة بشكل عام تعبيراً عنها وبلسانها عن كلّ امرأة جرت الرياح بما لا تشتهي سفينتها.

ابنة الحياة

في خاطرة لها بعنوان "بنت الحياة أنا" تلخص فلسفتها قائلة:

خاطرة في قلب الحلم، حبّ الحياة والجمال صومعتي...

فلسفتي بنت الحياة أنا

 أخطاؤك وخطاياك لن تقتلني، الإرادة دائماً حيّة خضراء عندي

 شكيمتي لا تلين، وعقلي يأبى الاستسلام، وقلبي نابض بالحبّ والحياة.

المشاعر لا يمكن لأحد مهما بلغ جبروته أن يقهرها، ويوقف سيلها الهادر

أما الروح فهي طائر حرّ لا يعرف سوى الحرّية، ولا يخضع للقيود

حياة، كلمات، حروف.. أطلقها على ذاتي..

أما من أنا؟ فسؤال تصعب الإجابة عليه.

 أنا فكرة، وكلمة لم تكتمل بعد...

الصوت والصورة بُعدٌ لكياني الإنسانيّ، ولاكتمال الصورة..

الفكرة الحيّة، والحرف الجميل الذي يخترق الروح، والكلمة الحلوة تبقى آثارها إلى أبعد مدى..

لذا أكتفي بأن أكون فكرة وكلمة في كيان امرأة أحبّت الحياة برغم ما فيها من منغّصات وآلام

أنا سليلة الحرب، انتصرت عليها بالحبّ.

الحبّ جوهر الحياة، والإله الذي لا يُغلب.

ولي من الإيمان ما يجعلني مُتيقنة أنّ لي السّماء.

عن الحب والكلمة

 الكاتبة إخلاص فرنسيس تسير في خطوط واضحة في كتابتها، تطوّع المشاعر بالكلمات، وتعرّف الحبّ والكلمة على حد سواء، وتعلن لمن ولماذا تكتب؟ تقول ذلك في خاطرتها " الحبّ والكلمة":

إنّ علاقتي بالحبّ علاقةُ السّمكِ بالماءِ، أحيا وأتحرّكُ بهِ، ودونَهُ الموتُ.

إنّ تلك الكلمةَ هي المايسترو، وهي إلهامُ الحالمينَ، توزّعُ الأدوارَ في الحياةِ العمليةِ اليوميةِ، فيؤدّي كلٌّ منّا دورَهُ بإتقانٍ.

ما أكتبُه ليسَ إلا صرخةً خرجتْ من شغافِ القلبِ، حملتْها روحي في رحلةِ التجوالِ في البحثِ عمّن يتبنّى هذهِ الفكرةَ، أي فكرةَ الحبِّ والحريةِ والسلامِ، وينثرُ بذورَ الإصلاحِ والصلاحِ في هذا الكونِ الغارقِ في الفسادِ، بكلّ ما فيهِ من كراهيةٍ.

إنّ السلاحَ الذي يدفعُ ثمنَهُ الإنسانُ ليدمّرَ أخاهُ الإنسانَ يفوقُ الخيالَ.

أنا ليسَ في يدي إلا سلاحٌ واحدٌ، هو هذا القلم، وهذه اللغة، وهذه القلوبُ التي ما زالتْ تؤمنُ بالحبّ بلسماً وحيداً لعلاجِ الإنسانيةِ.

كتاباتي تشخيصٌ لعللِ مجتمعٍ كاملٍ في مختلفِ بقاعِ الأرضِ، علاجُها سؤالٌ لحوحٌ: هل أنا معافاة عن السعي؟ وأينَ أنا من هذهِ العبثيّةِ حولي؟

لقد نالَ الوجعُ من فراشةِ حلمي، وأحنى الظلمُ والظلامُ بياضَ ورقي، وباتَ أنيني الخبزَ اليوميّ، وأنا أرى ما أرى. جلادٌ ينهش ظهري، ودمعي غزالةٌ تفرُّ من عينيّ، لمن أبوحُ؟ فأسفاري أرهقتْها عينا ملك في الشارعِ، وصرخةُ بريجيت في ساحلِ العاج، وامرأةُ الخمسينَ في المرآةِ، وابنُ السبعينَ في المقاهي.

يجلسُ منتظراً موكبَ الموتِ، وسريرُ العشقِ أشواكٌ في قلبِ الحيوانِ والطيرِ والسهلِ والجبلِ وصقيعِ الغربةِ، يدفئُها حطبُ التهجيرِ، وعازفُ العودِ، وابتسامةُ نازنين. يُبكيني الكلامُ فأوثر الصمتَ كمن يقبضُ على الجمرِ.

ينتفضُ قلمي، وأنتفضُ للحبِّ والإنسانِ، فلن أدعَ سوطُ الجلادِ ينالُ من رسالتي، ستردّد أغوارُ أرواحِكم صدى الكلماتِ، وتخرجُ إلى النارِ سكيبةَ حبقٍ، وأتدفق مثلَ دمعِ الغيابِ نحو السحابِ في خفّة وسفرٍ، على ظهري حقيبةً السفرِ أجمعُ فيها كلّ الوجوهِ، وكلّ الصرخاتِ التي انصهرنا معًا في بوتقةٍ واحدةٍ.

أبحثُ عن الرجلِ الذي يرى وجهي عزفَ نايٍ، وينتشي من تدفّقِ روحي.. عنِ الرجلِ الأخِ، الأبِ، الزوجِ، والصديقِ..

الكتابةُ هي فنُّ الاحتراقِ، وقد قيلَ: "لا بدّ أن يُحرقَ المرءُ نفسَهُ كي يولدَ من جديدٍ."

نتاجها الأدبي في سطور

لها رواية بعنوان "رغبات مهشّمة" صادرة عن شركة "نيو ديجيتال سلوشنز" (New Digital solutions) للنشر في القاهرة، وعن دار غوايات في لبنان، (2019)، ودار يافا في الأردن (2020).

وأيضاً لها مجموعة قصصية مؤلّفة من ٢٨ قصة قصيرة بعنوان "على مرمى قُبلة" صادرة عن دار يافا للنشر في الأردن.

ديوان شعر إلكتروني بعنوان "حين يزهر الورد"، وهو عبارة عن حواريات غزل مع الشاعر السوري معروف عازار (2018).

ولها تحت الطبع: كتاب "العشق المقدّس" يتناول ٢٠ شخصية من الكتاب المقدّس، و ديوان شعر بعنوان "تراتيل البحر".


نالت جوائز تقديريّة تكريماً على إنتاجها الأدبيّ من جمعية الحفاظ على التراث المصري، وجمعية الشبان المسيحيّة في القاهرة، ومؤسسة الأهرام.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).