الفنان الكردي جوان حاجو، (Ciwan Haco)، تعابير وجهه، ملامحه الكردية البارزة، ابتسامته الحزينة، لا توحي لك بأسلوب موسيقاه الغربية التي ابتكرها وأدخلها في الموسيقا الكرديّة بل وأحدث ثورة فيها، وعلى ما هو معتاد في الفن الكرديْ. جوان ويعني "الجميل" بالكرديّة، وفي مسيرة امتدت لأكثر من أربع عقود من النتاج الفني والغنائي، منح كل جميل بفنّه وموسيقاه وبساطته وتواضعه وروحه الشبابيّة.

يعتبر حاجو نقطة التحول في تاريخ الموسيقا الكرديّة التي كانت شعبيّة وتقليديّة جدّاً، حيث أضاف إليها فيما بعد اللون الغربي المتمثل بموسيقا البوب والروك الأوروبية والأميركية، من خلال دمج موسيقاه الكرديّة الشرقيّة بالأسلوب الغربي وإدخال آلات غربية إليها، فله بَصْمته المميزة عن باقي الفنانين الكرد لما ابتكره من أسلوب ذو فكر غربي وغريب عن التقليد الكردي، حيث كان سابقاً لعصره وتعامل مع موسيقاه بذكاء وإحساس، فكان بمثابة الأساس والركيزة لتطور الموسيقا الكرديّة إلى شكلها الشبابي الحاليْ.

فرار العائلة

ابن مدينة تربسبييه القريبة من مدينة القامشلي -أقصى شمال شرق سوريا- ولد في الـ17 اغسطس عام 1957م، وهو ينتمي إلى عائلة ثريّة لها أملاك وأراضي في مدينة ماردين التركيّة المحاذية للحدود السوريّة. فرّت عائلته إلى تربسبييه بعد قمع ثورة الشيخ سعيد بيران عام 1925م أو ثورة الشيخ سعيد النقشبندية، والتي قامت جنوب شرق تركيا ضد سياسة التتريك والتعسف التي انتهجتها حكومات مصطفى كمال أتاتورك المتعاقبة بحق الأقليات وقتها.

شغف حاجو وحبّه للموسيقا كانت ضد أمنيات والده وأمله فيه، فوالده كان مالك عقارات ووضع كل أمله على التعليم المدرسي لحاجو، الذي كان شغفه وتعلّقه بالموسيقى لا يتفق في البداية مع ما يرسمه والده من مستقبل، ففي ذلك الوقت كانت الموسيقى تقتصر على "الطبقات الدنيا والمهمشة" التي كانت معروفة بأنها من تقدم الموسقى في ذلك الوقت، ورغم معارضة والد حاجو لاهتماماته وحبّه للموسيقى، إلا أنه أوضح ذلك وبجرأة أن الموسيقى هي هدفه في الحياة، وبالفعل في عمر الـ14 سنة قدّم جوان حاجو أولى مؤلفاته الموسيقيّة وعند الـ17 من العمر أحيا أول حفل موسيقي له على مسرح كبيرة وأمام جمهور.

بداية الرحلة

في عام 1979م وبعد تخرجه، جاء حاجو إلى ألمانيا لدراسة علم الموسيقى في جامعة الرور بمدينة بوخوم. هناك تعلّم جوان في سنواته الدراسيّة أصول الموسيقى بشكل أكاديمي، كما ساهمت المحاضرات والحفلات والمهرجانات التي أقيمت في الثمانينات بألمانيا من تطوير وتنمية قدراته الموسيقيّة فيما بعد، حيث كان مصدر إلهام حاجو في تلك الفترة ثلاثة موسيقيين ألمان ومنهم على وجه الخصوص أودو هربست، حيث استمرت علاقته وتعاونه مع هربست لـ10 أعوام، الأمر الذي أثّر على  موسيقاه ولعب دور أساسي في تشكيل أسلوبه الفني.

قبل ذلك كانت موسيقا حاجو متأثرة تأثيراً كبيراً بالموسيقى الشعبيّة الكرديّة التقليديّة، إلاّ أنّ ملك البوب والروك الكردي دمج تلك الموسيقى الشعبية التقليديّة بالبوب الأوروبي والأميركي وموسيقى الروك، بهذا الشكل كان حاجو أول من ابتكر لوناً موسيقياً حديثاً، مختلف تماماً عن الموسيقى الكرديّة الفلكلوريّة، لكنها مرحلة متطورة منها، حيث وصف حاجو أغانيه في وقت سابق لوسائل الإعلام بأنها "الموسيقى الكرديّة الحديثة"، وكانت هذه هي أول ولادة لأسلوب فنّي فريد من نوعه بين أبناء الشعب الكرديْ.

الطنبور الكرديْ

مرحلة جديدة في حياة حاجو الفنيّة كانت حين انتقل بعدها إلى النروج وأقام هناك وأكمل تعليمه الموسيقي، إذ تعاون مع العديد من الموسيقيين ذوي الخبرة الدوليّة، وعلى سبيل المثال، باولو فيناتشيا وشتاين بولهانسن وبوغه فيسلتوف وبنديك هوفسث، ما أعطا لموسيقاه إضافة جديدة وحسّنت من جودتها.

خلال تلك المرحلة المهمة من الاختلاط الموسيقي العالمي مع كبار الموسيقيين لم يتسغنِ حاجو عن آلته الكرديّة التقليديّة "الطنبور"، وتسمّى أيضاً "الساز"، وهي آلة تُصنّف أنها وتريّة، لم يستبدلها بالغيتار الكلاسيكي أو الكهربائي مثلاً، بل بقي يعزف عليها أغانيه ويحاول التنسيق ما بين صوت "الطنبور" الشرقي الحزين وبين الموسيقى الغربيّة الصاخبة، والدمج فيما بين الإثنين، فأجاد تسخير آلته واستخدمها في كثير من أغانيه وهذا ما يلاحظه عشّاقه ومستمعيه في أغانيه، إذ يتميز "الطنبور" من بين الآلات الغربية النفخية والإيقاعيّة والوتريّة منها، كما ترافقه آلة "الطنبور" في كافة حفلاته. 

تركيا الحظر والشهرة

لم يكن بمقدور العديد من الفنانين الكرد المشهورين مثل الفنان القومي الأول شفان برور، وكذلك جوان حاجو من الغناء ودخول تركيا لإحياء الحفلات، وفي عام الـ2004 كانت نقطة تحوّل مهمة في حياة جوان حاجو الفنيّة حين حصل على تصريح بالغناء في تركيا، وفي مدينة باتمان التركيّة -ذات الغالبية الكردية-، وحّد حينها جمهوراً قُدّر بـ 300 ألف من الأتراك والأكراد في حفل فني رائع.

في آخر حفلة في جولته التركيّة حينها عقدها في مدينة اسطنبول تحت شعار "من أجل الحب والسلام" حيث ملأت القاعة بأكملها وحضرها 25 ألف شخص في الوقت الذي كانت القاعة مخصصة فقط لـ 14 ألفاً، حينها ذكرت وسائل إعلام تركيّة عديدة أنه كان أكبر حفل موسيقي "منفرد" في تاريخ المسرح والموسيقى التركيّة.

الشهرة التي لاقاها حاجو في تركيا، أثمرت عن عدد من اللقاءات التلفزيونيّة التركيّة مع فنان كردي، وكانت هذه الخطوة غريبة وجديدة لم تسبق أن حصلت بهذا الاهتمام وهذه الكثافة، ومن بين تلك اللقاءات، اللقاء  الشهير على قناة CNN  التركيّة والتي أجريت معه باللغة الإنكليزيّة.

جوان حاجو يُعتبر علامة مميزة وفارقة في تاريخ الفن الكردي الحديث، بمحبيه وجمهور فنّه، ففي مهرجان الموسيقى بديار بكر أحيا حفلاً فنيّاً إلى جانب الفنان الكردي-التركي المعروف ابراهيم تاتليسس بمناسبة احتفالات نوروز سنة 2005م، حضره ما مجموعه مليون شخص، الرقم الذي لم يصدّقه العالم، ولا وسائل الإعلام الكرديّة والتركيّة وقتها، ليتساءلوا ما السرّ وراء هذه الجماهيريّة؟!

تعاونه مع هوليا

استضافته النجمة التركية الشهيرة هوليا افشار في برنامج تلفزيوني لها بعد حفلة باتمان، وأعلنت بعدها عن قيامها بتسجيل دويتو غنائي باللغة الكرديّة مع المغني الكردي المغترب جوان حاجو، وحسب ما نقلت وكالات الأنباء التركيّة عن هوليا حينها، أنها قطعت وعداً على حاجو بتصوير كليب كردي ثنائي، وقد طلب حاجو منها الالتزام بوعدها، ما أثمر الأمر عن الكليب المشترك على شكل دويتو كل منهم في البلد الذي يعيش فيه ومن ثمّ قاما بتوحيده، وبررت هوليا الخطوة وقتها بأن حاجو لا يستطيع القدوم إلى تركيا بسبب حظر مفروض عليه، الكليب كان باسم (أسمر) أي "السمراء"، لم يكن بلون وأسلوب حاجو الغربي المعهود، كانت أغنية رومانسية هادئة لحنها كردي-تركي.

وكان لحاجو وهوليا تعاوناً آخراً في ألبومه الآخير (2012 Veger) أي العودة، وذلك في أغنية دويتو بالأداء هي (أمّان دلو.. أمان دلو) الذي غنّاها الفنان الكردي الراحل محمد شيخو، ألبوم حاجو "العودة" جاء بعد ست سنوات من القطيعة الغنائية، إذ كان قد أعلن في ألبومه Off 2006 الوقوف عن الاستمرار في الغناء.

الغربة والمعاناة والحبْ

كما ذكرنا في البداية فقد خرج حاجو منذ وقت طويل من مسقط رأسه، وغاب لعقود من الزمن، ورغم معايشته للثقافة والمجتمع الأوروبي، إلا أنّه لم ينسَ أبداً جذوره الكرديّة على العكس من ذلك كما يقول "أن الأحداث في كردستان لا يمكن أن ينساها، وهي تؤثر على حياته بشكل مباشر"، الأمر الذي نراه في أغانيه فهو دائماً ما يعيد وبكل فخر التعبير عن ارتباطه ارتباطاً وثيقاً بالحياة والمعاناة والنضال الشعبي في كردستان (المناطق التي يقطنها الأكراد اليوم وهي موزعة بين أربعة دول تركيا، سوريا، ايران، والعراق)، حيث غنى في إحدى أعماله أن أكثر من 5000 قرية كرديّة دمّرت وأن اللغة الكرديّة حُظرت.

أغاني حاجو تناولت في مواضيعها الغربة بشكل مستمر وهناك ما يبرر ذلك، كما الثورة ونضال الشعوب، وهذا ما بدا واضحاً في عناوين ألبوماته، ومن أشهر الأغاني الثوريّة التي غنّاها (بيلا تشاو) الأغنية الإيطالية الثوريّة الشهيرة، وهي من الفلكلور الإيطالي من إيقاع المقاومة للحزب الإيطالي اللاسلطوي الاشتراكي في الحرب العالمية الثانية، الأغنية التي غُنت بالعديد من لغات العالمْ، عُرفت من قبل حركة المقاومة التي تشكّلت ضد النازيّة.

لون جديد كان لا بد من جوان حاجو أن يضيفه إلى فنه، حين ارتبط بزوجته الآيسلنديّة إيونا، تغيرت أغانيه وخصصها للأشياء الجميلة في الحياة كالحب والفرح، وحول هذا التغيير يرى جوان أنّ الأكراد عليهم أن يتغيّروا بشكل جذري، ففي السابق كنّا -أي الأكراد- نقوم بالإعداد للمعركة، لكن اليوم علينا اللجوء لوسائل أخرى، علينا الاستفادة من الثقافة، علينا أن نقدم الأفلام الجيدة والموسيقى الجيدة والمسرح الجيدْ، وأنْ نظهر بأنه يمكننا أيضاً التحدث عن الحب والجنس، وليس فقط عن السياسة".

"ديلبر" الأخت والجنديّة المجهولة 

لكن أمام هذا الكم الهائل من النجوميّة والإنتاج والإبداع، يأتي السؤال، من أين كانت كلمات أغاني جوان حاجو إذا ما كانت الألحان في أغلبها غربيّة، حاجو غنّى بكلمات العديد من المشاهير الكرد من كتاب وشعراء وروائيين، ومنهم جكرخوين، وقدري جان، كما غنى للروائي والكاتب الكردي المعاصر محمد أوزون الذي عاش في المنفى في السويد من عام 1977 وحتى العام 2005م، ومنها أغنية حملت اسم ألبومه (Destana Egîdekî) عام 1998.

إلا أنّ ما قدّمته (ديلبر)، أخت الفنان جوان حاجو شكّل علامة فارقة في مسيرة الأخير الفنيّة، وهي تكبره في السن، فأشهر أغانيه من كلماتها ومنها أغنية (كول كولامن، يارا درو، دوري دوري..)، لتتجاوز أغانيها الـ 50 أغنية في معظم ما قدّمه حاجو.

لجوان حاجو  ثلاثة أولاد، جميعهم يعيشون في السويد، يتمتع معهم بحياة عائلية وزوجية مستقرة. ويجيد العديد من اللغات الأجنبيّة كالإنجليزية والألمانية والسويديّة والآيسلنديّة إلى جانب الكردية والعربية،  أول ألبوم له كان عام 1970 بعنوان (أمينة.. أمينة).

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).