أولاً: حين يعنون ردّه بـ"القراءة المضادّة"، فهذا اعترافٌ بأن دراسته كانت دراسة مضادّة لدراستي. مضادّة وليست مختلفة. مضادّة سعت وحاولت تفنيد وتخطئة الملاحظات والانتقادات التي طويت عليها دراستي. يعني المقصد كان التضاد، المناقضة، التفنيد، التخطئة، ولو بطريقة تأويليّة تعسّفيّة. واعترافه، في منشوره هذا، سيّد الأدلّة، وبما لا يقبل اللبس والتأويل، لجهة فعل التعمّد، لجهة تحويل دراستي إلى محفل للأخطاء والأفكار والملاحظات الخاطئة، وحصيلة القراءة الخاطئة. وهنا، الغاية في نفسه، كانت خفيّة، وبانت وظهرت للعلن، اعترافاً، بأن ما كتبته كان قراءة، وما كتبه هو: قراءة مضادّة، وليس مختلفة، تقف بالضدّ، على النقيض منّي ومن دراستي! هل بقي بعد ذلك، برهان آخر، أنا مطالب به للتأكيد على وجود نقد تأويلي تعسّفي وذرائعي، يتمظهر في مسلك د. خالد حسين؟!

ثانياً: يقول في منشوره: "في هذه الدراسة أدناه قدّمتُ قراءةً لرواية "مخطوط بطرسبورغ" للصّديق الرّوائي جان دوست، وقسّمتُ هذه الدراسة إلى متنٍ أعالج فيه قضايا القوى الفاعلة والعنوان والتصدير والبداية والخاتمة (وهي موضوعات معتادة في قراءاتي) وبعض الأسئلة الاستراتيجية من مثيل: لماذا أنهى الروائيُّ حياة المخطوط بأيدي عصابةٍ من الكرد أنفسهم وغيرها؟"

طالما أنها مواضيع معتادة في دراساتك ومباحثك النقديّة؟ لماذا إذن، لجأت إلى دراستي، وتنطّعت لتقديم قراءة "مضادّة" بذلت فيها قصارى جهدك للتخطئة والتفنيد؟! مع وجود الطلب والترجّي بأن تبعد قراءتك عن قراءتي؟ وأصلاً السؤال حيال جعل الكرد عصابة مسؤولة عن إحراق التاريخ الكردي، هو السؤال المطروح في دراستي؟ وعليه، من المؤسف القول: أنك لم تلتزم بأخلاقيّات الصداقة التي أملت عليك الالتزام بوعدك، لجهة أن تكون قراءتك مختلفة عن قراءتي، لا أن تكون "مضادّة" ومناهضة لها، لغاية في نفس "يعقوب"ــكَ!

ثالثاً: يقول حسين: أما في الهامش فقد اختلقتُ حواراً افتراضياً مع قارىء افتراضي للاقتراب من بنياتِ الرواية وقضايا أخرى تطرّق إليها الكاتب هوشنك أوسي عبر مقال مثلبيٍّ لا عمل له إلا اصطياد عثرات وتكرارات دون تفسير وظائف هذه الثيمات وموقعها في الرواية بنيةً ودلالةً، وكذلك قضية التشخيص المهمة في الرواية. وهي قضايا على الناقد ألا يهرب منها، بل يواجهها. وهذا ما جرى بتقديم بتفسير مضاد في قراءتي لعدد من الأمثلة التي حسم الكاتب الأمر فيها وعدّها من عيوب الرواية لغايةٍ في نفس يعقوب!".

لا أنا يعقوب، ولا جان دوست يوسف، ولا أنت الذئب المتّهم! وهذه الغاية التي تفصح عنها هنا، يبدو أنك كنت تواريها، أثناء نقاشاتنا حول الرواية! ذهنيّة المؤامرة والتواطؤ في النظر إلى دراستي، يبدو أنها أسّ اشتغالك على "قراءة مضادّة" مناهضة. طبعاً، كان في إمكاني الردّ بالتفصيل، عن كل التأويل التعسّفي للمثالب والعيوب التي كانت تطفح بها الرواية. وقد أتيت على ذكر جزء منها. لنفترض أنني أشرت إلى العيوب فقط، (وهذا غير صحيح، بل أشرت إلى الأمور الإيجابيّة أيضاً). وأمّا أنت، فقد التمست لتلك العيوب والمثالب؛ الأعذارَ، وألبستها لبوساً قشيباً، لجهة الفنيّة والدلالات الفائضة عن الحدّ! ولعمري أن المُشير إلى الخطأ، ليس كمن يبرّرهُ يؤوّله على هواه، ويفرش له سجّادة الذرائع! وإن كان هنالك إدانة، فلن تطاول الأوّل، بل الثاني. فهناك، تتلاقى الغايات التي في نفس "يعقوب" وغيره، وتتعاقد وتتضافر وتتعاضد.

تحويل ملاحظاتي وانتقاداتي "المثلبيّة" إلى حوار (افتراضي) وضمن الهامش، (والهامش هنا، يكاد أن يكون متناً، لطوله: حوار كامل في الهامش!؟ في أيّ عُرف ومبدأ بحثي ونقدي، يمكن أن يكون الهامش الواحد عدّة صفحات؟!) تحويل تلك الانتقادات والملاحظات الموثّقة، من متن دراستي إلى هامش دراستك، لا يعفيك من تبعات مثلب الاستثمار غير المرخّص له، والمرحّب به، والمنهي عنه، استباقاً. يعني، ذلك القارئ الذي تصدّره ها هنا، على أنه افتراضي مختلق، كان قارئاً حقيقيّاً، هو صديقك السابق؛ هوشنك أوسي، أيّها الناقد العزيز. والأخير، بحكم الصداقة والثقة، نهاك عن الاقتراب من دراسته، لا من قريب ولا من بعيد، لا بشكل افتراضي زائف، ولا حقيقي دامغ. لكن الحصيلة والنتيجة كانت، هذا السجال الذي لابدّ منه، ولا محيد عنه، لئلا تكون الحقائق، رهن اشتغالات النقد التعسّفي الذرائعي، وتحويراته.

رابعاً: يقول حسين: "وأحبُّ أن أنّوه أنني اقترحتُ على الصَّديق هوشنك أوسي أن أدخل مع مقاله [الذي كان قد وزّعه على أكثر من صديقٍ، أي بات في حكم المنتشر بهدف إيصاله إلى جان دوست والقبض عليه متلبساً بخصوص مقطعٍ من الرواية "عدة أسطر" ظلّ من غير توثيقٍ]، أقول في حوار لكنه رفض. ولذلك التزمتُ ولم أشر إلى دراسته أو اسمه بصورة مباشرة لكنّ أجوبة الأسئلة الافتراضية في الهامش تتقاطع معه على نحو مضاد، أكرّر على نحو مضاد وتفنيدي تحليلاً وتأويلاً".

أيضاً الاعتراف هنا، سيّد الأدلّة. إرسال المقال إلى عدّة أشخاص من الأصدقاء المقرّبين، لا يجعل المادّة في حكم المنشورة؟! أيّ فقه تأويلي تعسّفي هذا، يفتي به د. خالد حسين؟! هذا يعني، طبقاً لفقهه؛ إن مخطوط أيّة رواية، أرسلها صاحبها لمجموعة من أصدقائه، بهدف استمزاج الرأي، يجعل المخطوط في حكم المنشورة، ويمكن أن يشتغل عليها أي ناقد؟! إرسال مخطوط دراستي، لبعض الأصدقاء، ولن أذكر أسماءهم، كان مشفوعاً ومقروناً بعدم النشر. الوحيد الذي لم يلتزم بذلك هو الدكتور خالد حسين. وقدّم اعتذاراً لي عن ذلك، حين أبديت له سخطي واعتراضي على سلوكه هذا، وأنه آلمني، وأصاب صداقتنا في مكروه ومذموم، ضعضع من الثقة فيها.

يمكن للقارئ والناقد والباحث الحصيف العودة إلى دراستي، وإلى دراسة خالد حسين، لقياس مستوى استثمار الدراسة الثانيّة للأولى. وأصلاً حسين نفسه يقول: إن قراءته كانت مضادة مناهضة وتفنيديّة، يعني أنه ترافع دفاعاً عمّا رأيته مثلباً وعيباً أدبيّاً وتقنيّاً في الرواية.

أيضاً أحيل الأمر إلى النقّاد والناقدات، والأدباء والأديبات، لبيان الرأي؛ هل سلوك خالد حسين، كان مباحاً، معقولاً، في ميزان النقد والبحث العلمي، وأخلاقيّاته؟!

كان في إمكاني إرسال الدراسة إلى جان دوست، ولا أمتلك أيّ حرج في ذلك. لكنني أعرفه، وأعرف مدى تقبّله المتدنّي للنقد، وكيف تطاول عليّ مرّة على صفحة صديق آخر، وجدد تطاوله عليّ، تعليقاً على منشور خالد حسين، موضوع هذا المنشور. جان دوست له مواقف أخرى معي، ليس مقامها، الحديث عنها، هنا. وأصلاً المشكلة ليست في صاحب "مخطوط بطرسبورغ" أبداً، حتّى مع اقترافه تلك المثالب والأخطاء، ضمنها؛ جرم الاختلاس من كتابٍ بحثي. بل المشكلة مع هذا الطاقة المريعة التي لا تطاق ولا تحتمل مع النقد التأويلي التعسّفي الذرائعي، المستعدّ دوماً للدفاع عن الخطأ والتغطية عليه، عبر تخطئة مضادة، وقراءة مضادة، وتفنيد مضاد، لما هو خطأ صراح، بائن، وفاضح، وصريح، وساطع سطوع الشمس في ربعة النهار. مشكلتي لا ولم تكن مع جان دوست، بل ما هي مع نقد مع هذا الصنف والوزن والمقام، الذي لا أريد أبداً، أن يكون د. خالد حسين، من المنظّرين له، والمعبّرين عنه.

خامساً: ويقول حسين أيضاً: "وفي الوقت الذي رأى الكاتب هوشنك أوسي في هذه الأمثلة عيوباً من دون تفسير لجأتُ إلى قراءتها ضمن السّياق النّصي فوجدتُ نقد المثالب هو الذي يحرّك قراءة الكاتب هوشنك أوسي ليس إلا!!" أكثر ما أعجبني في هذه الفقرة – الاقتباس، علامتي التعجّب التي اختتم بهما رأيه المضاد المناهض. حسين يمنح نفسه الحقّ بألاَّ أرى العيب عيباً، أو ألاَّ أعتبر المثلب الذي يشوب الرواية؛ أحدَ عيوبها ومثالبها، ويرفض أن أطالب الروائي بتوخّي الحذر والحيطة مستقبلاً، حيال كمّ الأخطاء والعيوب الفنيّة والتقنيّة التي تسرح وتمرح في نصّه الروائي. وفي الوقت عينه، يمنح نفسه التفويض والترخيص لمناهضة وجهة نظري ورأيي وذائقتي ووعي وخلاصات قراءتي. لكأنّه يقول للروائي جان دوست: لا تنصتْ إلى هذا الصنف من النقد، فهي ترهّات الحقد والكيد والحسد. أبقَ على ما أنت عليه. واصلْ اقتراف هذه المثالب والمشاكل التقنيّة والفنيّة. بل أكثرْ منها. فهي أبرز جماليّات نصّك. والناس تحسدك على عيوبك التي هي محاسن نصّك المائز الفريد، الذي ليس كمثله شيء.

والسؤال هنا: أيّ منّا يخدم جان دوست، والقارئ والرواية؟ أنا أم الباحث والناقد د. خالد حسين؟!

سادساً: يقول حسين: "وفي قراءة مرتقبة سأذكر كل الأحداث والملابسات التي رافقت الكتابة حول رواية "مخطوط بطرسبوغ"،[ ولاسيما ما يسميه بتستُّري على المقطع النصي الذي ظلّ دون توثيق في الرواية،] في مقالته الجديد(ح2). وفي واقع الحال فإنّ ما فاجأ الصديق هوشنك أوسي هو قوة القراءة ــ المضادة لقراءته للرواية ومن هنا حدّة الغضب والإرهاب الذي يمارسه من أيّام عديدة".

فعلاً، وفي واقع الحال؛ فاجأتني "قوّة" القراءة المضادّة. بنفس القدر الذي أتفاجأ بك الآن، وبمدحك ذاتك، وقوّة قراءتك المضادة! أمّا كان أجدى بك؛ ترك ذلك المدح للقرّاء، والنقّاد؟ فهنيئاً لك بتلك القوّة في قراءاتكِ المضادّة، وهذا النقد التعسّفي التأويلي الذرائعي (المضاد). تلك القوّة "النقديّة" المضادّة، أغضبتني، وجعلتني أمارس "إرهاباً" على ناقد حصيف وأمين، لم يلتزم بوعدٍ قطعه لصديقه، واستثمر جهده، لسبك قراءة مضادة له ولقراءته! هكذا، يمكن القول: إن الناقد الذي يجيز ويفتي كل تلك المثالب والأخطاء، ويقلبها محاسن، ويجيز أو يحاول التماس عذر مخفف لجرم اختلاس "بضعة أسطر"، لن يتوانى عن الإفتاء النقدي الذرائعي التعسّفي لنفسه أيَضاً اقتراف جرمَ استثمار جهد صديقه، حتّى لو كان عدّة صفحات. لا أكثر ولا أقل.

وأخيرًا: أمّا تعليق جان دوست، الذي هو أيضاً سند اعترف بوجود الأخطاء في روايته. ويصف جرم الاختلاس والسطو على جهد باحث آخر، سواء أكان سطراً، أو عدّة أسطر، بالقول: "لا تخلو رواية من هنات وأخطاء قد يكون السهو وراءها أو الجهل أو ما إلى ذلك"... ذلك التعليق، بقضّه وقضيضه، من البؤس والركاكة والهشاشة، وقلّة الحيلة والحجّة، ما لا يستحقّ الردّ.

************

Khaled Husain

13 س ·

توضيح: القراءة والقراءة المضادة!

في هذه الدراسة أدناه قدّمتُ قراءةً لرواية "مخطوط بطرسبورغ" للصّديق الرّوائي جان دوست، وقسّمتُ هذه الدراسة إلى متنٍ أعالج فيه قضايا القوى الفاعلة والعنوان والتصدير والبداية والخاتمة(وهي موضوعات معتادة في قراءاتي) وبعض الأسئلة الاستراتيجية من مثيل: لماذا أنهى الروائيُّ حياة المخطوط بأيدي عصابةٍ من الكرد أنفسهم وغيرها؟

أما في الهامش فقد اختلقتُ حواراً افتراضياً مع قارىء افتراضي للاقتراب من بنياتِ الرواية وقضايا أخرى تطرّق إليها الكاتب هوشنك أوسي عبر مقال مثلبيٍّ لا عمل له إلا اصطياد عثرات وتكرارات دون تفسير وظائف هذه الثيمات وموقعها في الرواية بنيةً ودلالةً وكذلك قضية التشخيص المهمة في الرواية. وهي قضايا على الناقد ألا يهرب منها، بل يواجهها. وهذا ما جرى بتقديم بتفسير مضاد في قراءتي لعدد من الأمثلة التي حسم الكاتب الأمر فيها وعدّها من عيوب الرواية لغايةٍ في نفس يعقوب!

وأحبُّ أن أنّوه أنني اقترحتُ على الصَّديق هوشنك أوسي أن أدخل مع مقاله [الذي كان قد وزّعه على أكثر من صديقٍ، أي بات في حكم المنتشر بهدف إيصاله إلى جان دوست والقبض عليه متلبساً بخصوص مقطعٍ من الرواية "عدة أسطر" ظلّ من غير توثيقٍ]، أقول في حوار لكنه رفض. ولذلك التزمتُ ولم أشر إلى دراسته أو اسمه بصورة مباشرة لكنّ أجوبة الأسئلة الافتراضية في الهامش تتقاطع معه على نحو مضاد، أكرّر على نحو مضاد وتفنيدي تحليلاً وتأويلاً.

وفي الوقت الذي رأي الكاتب هوشنك أوسي في هذه الأمثلة عيوباً من دون تفسير لجأتُ إلى قراءتها ضمن السّياق النّصي فوجدتُ نقد المثالب هو الذي يحرّك قراءة الكاتب هوشنك أوسي ليس إلا!! وفي قراءة مرتقبة سأذكر كل الأحداث والملابسات التي رافقت الكتابة حول رواية "مخطوط بطرسبوغ"،[ ولاسيما ما يسميه بتستُّري على المقطع النصي الذي ظلّ دون توثيق في الرواية،] في مقالته الجديد(ح2). وفي واقع الحال فإنّ ما فاجأ الصديق هوشنك أوسي هو قوة القراءة ــ المضادة لقراءته للرواية ومن هنا حدّة الغضب والإرهاب الذي يمارسه من أيّام عديدة


Jan Dost

لا تخلو رواية من هنات وأخطاء قد يكون السهو وراءها أو الجهل أو ما إلى ذلك. إلا أن المقاصد من وراء نقد تلك الهنات تختلف، فثمة ناقد يريد الخير لصاحب النص ويفيده إذ يطلعه على عيوب نصه وهو في أسوأ الأحوال حيادي لا يهمه سوى النص الذي يتناوله، وثمة ناقم على صاحب النص لا يريد من النص سوى أن يعج بالأخطاء ويحمل مجهره أو شباك صيده للبحث عن الأسماك الضالة واصطيادها. وشتان ما بين ناقد وناقم. ليس مجرد اختلاف في حرف. قراءتك لروايتي أعلت من شأن الرواية المكتوبة بتعب غير قليل.


مواضيع أخرى ربما تعجبكم

1 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).