من موضع الألم

سأتحدث عن الجسد، إنما عن أي جسد يا تُرى ؟ ما أكثر  الصور والهيئات التي يتمظهر فيها الجسد، ما أقلّها بالمقابل. في الحديث عن الجسد، يكون في واجهة ما ينبغي أخذ العلم به: الجسم، فهو الذي يشكّل صورتنا لمن حولنا، صورة الهوية، وما يجري تصويره في وضعيات شتى. إنه يجسّمنا، بمقدار ما يلوّن في أنظار وانطباعات الآخرين عنا، ونحن من نستلف منه الكثير أو القليل مما يعنينا أمره ليصبح حلقة وصل متعددة الأبعاد بيننا وبين الآخرين. منه، وبه، وإليه، وفيه تكون إقامتنا، توجهاتنا، تنقلاتنا، تغيراتنا، تحولاتنا، تأثير الزمان والمكان فينا وعلينا، وله وفيه الكثير من الإسهام المعرفي أو الثقافي، وفي تلك الصيرورات والسيرورات المتداخلة.

ذلك ما نعلَم به حسياً، وما يكون للحس من تأثير في ردود أفعالنا تجاه بعضناً بعضاً، وليكون الجسد من حيث القيمة متعدياً للجسم دون الانفصال عنه، فاعلاً ومنفعلاً به، وتبعاً لحضوره الذي يعرَّف به ثقافياً، اجتماعياً، سياسياً، دينياً، اقتصادياً، رياضياً، فنياً، تاريخياً، ورمزياً .

إن التوقف عند هذه العلاقة يتطلب المزيد من المرونة في التعرف على تلك المسافة القائمة وهي الفاصلة في الوقت نفسه بين أن نكون جسميين، كأي كائن حي، في امتداده الطبيعي، وهو يتبع لقوانين الطبيعية، من صحة ومرض، ومن خضوع الخلية العضوية لتأثير التبدلات، كما هو شأن مفهوم العمر وتبايناته، حتى نهايته، أي في حالة الموت، وأن نكون جسديين، وما في ذلك من مغايرة كلية لأي كائن حي من حولنا، جرّاء تمتعنا بما هو عقلي ونفسي، وكيف تكون شبكة العلاقات في غاية التنوع وعدم الثبات، تبعاً للشخص نفسه، في واقعه المتنوع والمتعدد الأبعاد.

ولا بد أن الدارس المتمحّص للجسد وهو في ثراء مفهومه، يلاحظ جملة المكونات التي تسهم في تكوينه، وتحيله إلى قواه المختلفة، وهي في عملية تحول وتغير وتجاذب فيما بينها. ليكون في الجسد ما يشده إلى ماض ما، يعنيه نشأةً، وماض أبعد يعنيه انتماء قديماً، وحاضر ما يكون الدال عليه في هيئته، وأكثر من ذلك، لأنه أكثر مما هو معيش فيه، جهة عالمه الداخلي، وآت معين، هو الذي يترتب على مؤثراته المختلفة، وما يكون عصياً على التأطير، إنه أقوى من كونه لحماً.

في وضع كهذا، يكون الحديث مكثفاً، وهو يتناوله في حالات شتى، ومن بينها ما يضفي عليه تلك العلامة الفارقة في الجانب الأكثر توتيراً له: المرض الباعث على الألم، أو  الوجع بالمقابل.

ولتكون المعاناة شديدة الدلالة على هُويته الفعلية موقعاً عضوياً، ورمزياً في المجتمع والثقافة، وما ينشغل به على الصعيد الأدبي والفني، لحظة التعبير عن حقيقة أمره جهة المرض ونوعه.

تُرى، ماالذي يحيل الجسد إلى موقع القارىء والمقروء؟ إنه هو نفسه حين ينفتح على نفسه، وعلى محيطه الخارجي: الطبيعي والاجتماعي. فهو قارىء، وجسده هو موضوعه، وما في هذا النوع من العلاقة من إشكالية كبيرة، انطلاقاً من كون الجسد لا يبقى كما هو في الحالتين: موضوعاً لنفسه، وفاعل قراءة،  وجانب التغيير في الحالة هذه، وتحديداً مع وعي متقدم بالجسد.

أما أن يكون موضوعاً لنفسه: الجسد نفسه قارىء، لجسد هو عينه: المقروء. ثمة متعة انفصال، إنما مكابدة، لأن ليس في مقدور الجسد بوصفه قارئاً، أن يدعم أنه يمتلك مختلف المفاتيح التي تسهم في طرق مجاهيل الجسد، وفتح أبوابها. فما أن يسمي نفسه، حتى يصبح متنصلاً عما حاول التقيد به ضمنياً، وهو أن يكون التفاعل موضوعياً، ولم يراع مدى حقيقة النقطة هذه كذلك.

في هذه المكاشفة ينفتح الجسد على داخله وعلى خارجه، وفي حدود معينة، لأنه أكثر من كونه الماخوذ به عضوياً، أكثر من كونه الجاري إحصاؤه فيه لحماً وعظماً وعضلات، فيكون فيه قول التأويل الذي يحرّره من ماديته، هو المأخوذ به، والمتصرَّف في فنون القول الأدبي والفكري .

ولا بد أن مسرد الألم لذي يعرَف به في وضع معين، هو الذي يلفت النظر، وهو مركَّب، طالما أن الألم عينه مفهوم مركَّب بالعضوي فيه وما ينوّع فيه في التمايز بين شخص وآخر، ولحظة تناوله في الأدب، أو على صعيد الفن التشكيلي، وما يبقي أفق النظر مفتوحاً صوب الأبعد وأن نتحدث عن الألم فهو أكثر حالاتنا وخصوصياتنا التشاركية تمثيلاً لما يشدنا إلى بعضنا بعضاً علاقات وقيماً، وفي رسم مصائرنا الأكثر وصلاً بما هو إنساني، وكوني، وفي المختلف عليه.

الجسد المتألّم، إن جاز التعبير، ومصدر ألمه العضوي وصحبته: النفسي، بين التوصيف الطبي، والتوصيف الأدبي، في الأول للمادي دوره الكبير: تشخيصاً وتحليلاً مخبرياً، وفي الثاني، للنفسي دوره الكبير، وتوصيفاً تصويرياً أو تعبيرياً، انطلاقاً من الشخص ومن يصفه نوعاً وموقعاً .

ولقد تلمست في رواية الكاتب الناقد والشاعر والصحافي والروائي إبراهيم يوسف" جراس إنذار" " 1 "، نموذجاً مطواعاً، في رحابة مكوناته، وتداخلات علاقاته، وسردياته التي تتفرع بمقدار ما تتقدم بحمولتها الأدبية، مركّزة على الوباء، ربما، الأكثر حضورَ أثر، وإثارة نقاشات، وتبادل اتهامات حكوماتية، وداخلية وخارجية بالنسبة للمجتمع الواحد، وتضارب مواقف وأفكار وحدة سجالات على مستوى عالمي، ولكل جهة سمات خاصة تترجم موقعها السياسي، الاجتماعي، العقائدي، والأمني كذلك: كورونا، هو ذا الاسم الباعث على الرهبة، والذي أدخل العالم أجمع في أكثر من وضعية استنفار وتصادمات آراء ومتابعات علنية وسرّية، وعلى أعلى مستوى، فلا يعود الطب كما هو جرّاء وقْعه الكارثي، وتبعاته، والدفع بالنس لأن يجعلوا خارجَهم داخلهم، وتأثير ذلك في العالم ذهنياً ونفسياً.

وللأدب سهمه، بالمقابل، وضمناً، الرواية، التي أودِع فيها ما " خف وزنه وثقل " موضعات، إلى جانب الأساليب المحفّزة على الكتابة، وإثارة فضول المعنيين بما تقدم.

وما أقوم به، ربما يختلف عن مجمل ما كتبته في مؤلفات وخلافها، أي محاولة متابعة جملة من المؤثرات التي اعتمدها اليوسف في إبراز لحمة الرواية العائدة إليه كسارد رئيس، وإن كان الذي يصل بين مجموعة الشخصيات والعوالم، هو وليس هو، كسارد، أي ما يُرى به كاتب سيرة ذاتية كورونية البصمة، وصلاته بعالمه النفسي وأفراد عائلته، والأماكن التي شهدت فيه ترعرعه، وما آل إليه وضعاً، في أوربا، وتلك الاستطالات التخيلية والفكرية والقيمية والذوقية لكل مستجد، ومركَّب الغنى السردي وتباين مشاهده، حيث المرض الخاص، والألم الخاص، والموت الخاص، ثالوث رهبة يحيل إليه روايته وهو داخلها، لتكون الرواية أثر ما كان ومأثرة كتابة لما سيكون !

في رواية " جرس إنذار " كما هو المأثور الدلالي للعنوان، نكون إزاء حالة هجنة لنوعها الأدبي وحداثةً العلاقات وفضاءاتها الجغرافية التي تتسع فتشمل الكوني، ما أن يشار إلى لعبة كورونا" الجائحة الكوكبية " في حدود المشار إليها، وتضيق، لتنحصر على المتخيل والمهموز النفسي، أو في غرفة الكاتب الذي يتولى عملية تلوين السرد ومجاميع علاقاته وأجناس كائناته هنا وهناك، وما يجري التقاطه إعلامياً، وعلمياً، جهة التشريح الطبي، والزج به في عجينة الرواية، لتكون الخميرة ذاتها، وهي الفكرة المركَّبة في مؤثراتها الطبية، التاريخية، السياسية، الجغرافية،والأدبية من خلال صنعة الرواية، فاعلة في تدشين الرواية اسماً ومسمَّى، وما يمكن أن يقال بالتوازي مع كل نقلة قراءة، أو متابعة قراءة، جهة المؤرشَف تاريخياً، على صعيد توأمي: الطب- الأدب، ومن زاوية المرض الخاص، وفي المتن: الألم وآلته في تتبع أو رصد موجعات الجسم، وتجليه جسداً.

من بعض ِ ما يخص الجسد

النظر في المذكور، المدوّن، والمتداول حول الجسد، جهة العراقة والقاعدة المعلوماتية ذات المكونات المتعددة الرموز والدلالات، هو الذي يعزّز خاصيته الاستقطابية، وجدارة تناوله من زوايا شتى. فأنَّى اتجهتَ، أو توقّفت، وكاشفت، تجد بعضاً مما يصلك به، لا بل تجد في ذاتك، وفيما أنت عليه روحاً وجسداً، أو في شمول قوامك العضوي بدنياً، ما يجد صدى له في أصله .

لهذا، كان للغة أن تتحدث عما هو جسدي فيها، وأن يعبّر الأدب عما يمظهره جسداً، وأن يكون للفن حضور جسدي بالمقابل، وأن ينطوي التاريخ نفسه على توضع جسدي عند معاينته.

لهذا، كان هذا التعميق في أصل الاسم وما نطوي عليه من عناصر تمد في مفهومه.

في " معجم الجسد " ما يثير الفضول المعرفي وتعدد أبعاده واشتقاقاته، وصلة الألم به.

حيث نقرأ في المقدمة( الجسد موجود اليوم في كل مكان. إنه يرافق وجودنا وهو مستقبلاً في عداد الملاحظات اللغوية لوجودنا في العالم.ص11.) .

إنه توصيف وتعريف في منتهى الكثافة وأثرية الموقع. وهو ما يتعزز لحظة الحديث عن الألم، وما يخرجنا من ذلك التصور الضيق الذي يموضع الألم في نقطة ما، وما يرفع من سقف وعينا بخاصية الجسد، وتبعاً لأي سيستام بيولوجي يمارس نشاطه، ويتفعل داخلاً وخارجاً، وأي منهج معتمَد من قبله يجري في ظله، وما يخضِع قوى النفس لعملية تغير، وتأثر بمردود الألم عينه:

( الألم دوماً تغير للذات، فيجعل المرء امرءاً آخر ويُدرج الفرد في الانحراف عن حياته السابقة.ص153..ليس الألم حدثاً فيزيولوجياً وحسب، إنه بادىء ذي بدء حدث حياتي. ليس الجسد هو الذي يعاني، إنما الفرد في معنى وقيمة حياته.ألم المرض هو معانقة المعانالة الواقعية...وفي الحقيقة يسبب الألم دوماً صدى في علاقة الإنسان بالعالم. ليس مستقراً في عضو أوفي وظيفة، إنه معنوي أيضاً.ص154..المعاناة هي وظيفة للمعنى الذي يكتسبه الألم، إنها حسب مجموع العنف الذي يقاسي منه المرء.ص 154..ينتزع الألم الإنسان من عاداته القديمة، ويلغي طرق التواصل العادية. كلما كبر الألم، ازداد الصراخ قوة ويعارض تدمير اللغة بالفوضى العضوية. الإحساس بالألم أمر شخصي، خاص، يفلت من أي مقياس، من كل محاولة للإحاطة به ووصفه، لكل رغبة بالإفصاح للآخر عن شدته وطبيعته. تتوارى الكلمات في حالة فقدان وزن الجسد. الألم يخيب اللغة. ,إذا ما أغلق عليه في ظلمة الجسد، فهو محفوظ في التداول السري للفرد..يفتح الألم انفصالاً بين الذات والذات..ص159..لا نرى من الألم إلا الأثر، الارتجاف الخفي للوجه، العينان التعبتان اللتان لم تعودا تحملان النظر، جسد جامد بشكل مدهش، يد متشنجة على غطاء السرير..صراخ الإنسان المتألم لا يطاق أحياناً، حتى بالنسبة لأقربائه، إنه يفصم العلاقة الاجتماعية ويجبر التخلي عن المريض واستبعاد خارد الدائرة الجماعية.ص160..) " 2 "

كما يظهر، الألم هو ما يحفزنا على الإيقاظ زيادة عما اعتدناه، تجاوباً مع ثقْل الألم، وما يبثه من إشارات إلى الداخل وإخضاع قوى النفس لها، وكيفية ضبط العلاقات بالمحيط الخارجي .

لكأن الألم ساعة دقاقة تدفع بنا إلى الحضن الواسع للحياة، حيث لا تعود كما هو مألوفها، أو كما هو البعد المعرفي المأخوذ به هنا وهناك، والإحساس ببنية الخيوط الرفيعة بين الحياة والموت .

تُرى ، ماذا يعني استهلال كهذا:

كفي اليمنى لكم باتت تحكّني !

أربعون يوماً ولم أصافح أحداً

إنه أكبر حدث من نوعه في حياتي ! ص 5

سوى أنه الدال اللافت على ضراوة الحدث،ولفت النظر إلى أن الذي حل فيه واقعاً مخالفاً، من حيث المحتوى لكل ما عداه سابقاً، وتحديداً، على صعيد اللمس. فنحن كائنات لمسية. اللمس شاهد على مدى حضورنا في العالم، ونوعيته، وعلى طبيعتنا النفسية، وما يعتمل داخلنا من مشاعر، ومن أحاسيس، ومن هواجس، وما بيننا والبيئة: الطبيعية والاجتماعية من علاقات. حيث يسهل وضع صنافة كاملة من اللمسيات: من المصافح ضمن مسافة ومساحة معينتين، إلى الاحتضان، إلى العناق، إلى المصافحة العادية، إلى القبلة... وهكذا، إنها وسائل رصد حسية وائتمانية لحياة لها صفة الشراكة، وترفع من شأن البشر، انطلاقاً من سوية علاقات مجتمعية، ولتكون عبارة: عدم المصافحة، شاهدة ألم نفسي، وهو يترجم ما هو عضوي، وهو في حالة حرمان من الآخر، حيث اللمس اجتماعي في مفهومه الأكثر حميمية، لما يمرّره من مؤثرات نفسية قاعية، وكون الألم ترمومتر لقياس النبض الاجتماعي ومدى تأثيره في سوية الجسد وحمولته الثقافية كذلك.

أليس الوارد في الاستهلال إحالة إلى العزلة التي تكون بمثابة موت ما، بمثابة إحداث قطيعة بينه وبين وسطه الاجتماعي الذي كان يتنفس حيواته من جهات شتى ؟

أليس الحديث عن اللمس في السياق هو إبراز خطوط العلاقات التي سُدَّت لأن خللاً خطيراً، والسعي إلى كيفية تجاوز هذا الخلل، كما لو أن غياب المصافحة نذير الموت تحديداً.

وفي اللمس ما يبعث على النشاط، بوجود الآخرين، حيث اليد، مثلاً، أكثر من كونها طرفاً ملصقاً بجانب الجسم، إنها متعددة الوظائف، وذات مهام ورموز تظهر مكانتها الكبرى اجتماعياً هنا.

أليس الوارد في هذا القول، يفضي إلى حقيقة مؤلمة تضيء بنية الاستهلال ذاك:

( أنا سحر العزلة من خلال رعاية طيور بلدي مع العاطفة. هل سبق لي أن كنت طائرًا؟ هل سأكون في حياة أخرى؟ لماذا لا ، لأنني مقتنع بأن الطيور لديها أرواح مثلنا! هناك جاذبية بيني وبينها ، ولديها تعاطف وهو شيء رائع. تجيبني عندما أتصل بها ، تتبعني في الحديقة. وأعتقد أن كل ما تعتقده. وأنا أعزيها في أحزانها وأشفيها في أمراضها. وكل هذا قد يبدو سخيفاً. سوى أنني أعترف أن مشهد منفضة الريش يجعلني حزينًا ، وأنني أحب أسطورة ليدا.) " 3 ".

ليس الحديث عن العزلة توجهاً نحو الداخل، إنما تسمية للخارج، وقد أسدل الستار عليه، وأن الذي يترتب على تلك الحالة، هو الذي يخيف ويشكل إيذاناً بما لا يراد حضوراً ومعايشة .

العزلة تأطير العلاقة بحيث يمنَع من القيام بأي علاقة من شأنه تحفيز النفس على تحرك خارجاً.

وربما ما تلى أو يتلو ذلك، يعمّق أثر العزلة، أو الشعور بالوحدة، لأن هناك حدثاً، كان بمثابة الشارة الكونية الكبرى والكارثية لما يمكن أن يحصل، جهة كورونا، عبر التذكير بنقطة البدء هنا:

( مأساة وينليانغ! " الطبيب الصيني مكتشف فيروس كورونا وضحيته الأولى، وقد هددته السلطات الصينية بعدم التصريح بما اكتشفه، ليموت تالياً بعد تفيرسه، وكتب في موقع الكتروني في " 31 كانون الثاني 2020 ":

"مرحباً للجميع، هذا أنا لي وينليانغ، طبيب العيون في مشفى ووهان المركزي"، ويضع إلى جانب منشوره صورة كلب مطَّ لسانه ليحصل على آلاف التعليقات، ولكي تنتبه الجهات الرسمية التي وبخته وهددته، وتعتذر منه، كي يتحدث عن كيفية إصابته؟ ( بعدها يشير إلي اليوسف، إلى أنني سميته حينها بـ" أول شهداء الصين، من ضحايا المرض ". ص 8 .).

هوذا ما لجأت إلى وصفه به في إهداء كتاب لي حول كورونا:

( إلى لي وين ليانغ، طبيب العيون الصيني الشاب " 34 عاماً "، في مستشفى ووهان المركزي. قبل كل شيء ، أول من كشف علانية عن وباء الكورونا، وكان أول شهيد له في 6 شباط 2020.) " 4 "

هي ذي الحياة التي تمارس حضورها من خلال سلسلة من " الاعتقالات " و" المضايقات " ومن ثم إظهار ما ليس معطى ومعايشاً فيها في حالاتها الاعتيادية، وكأن نكهتها في خلاف المعتاد.

وما أفصح عنه اليوسف، في تلك الاقتطاعات من مجموعته الشعرية " أطلس العزلة " يشكّل الأوج في التعبير عن هذه الصدمة المضاءة والمضيئة، المحزنة والمفرحة في آن.

أعني بذلك  أطلس عزلته، في نهاية كل قسم، مقطع منه،  وفي مناخ كوروني، وما لهذا المناخ من تسويات تخيلية لا تتوقف عند ذائقته وهو يطل من على شرفة سكنه، إنما في التحليق بها.

من ذلك:

 ما كنت لأعلم

أن الهواء عبر الكمامات

ليس أكثر من كربون لا يميت ص9

من ذلك:

ليس ثمة عالم خارج الغرفة

بقايا الأسرة الكبيرة

كلٌّ في غرفته ..ص 53.

من ذلك:

بينما فكرتُ ملياً بأن أسكن كوكباً آخر

بعد أن ضاقت بي الأرض

غدا عنواني الأخير قبراً من الدرجة الأولى !ص112.

وما يرد في سياق " عواصف العزلة . ص 270 "، ومن ذلك تالياً:

مرَّ يوم

مر يومان

ثلاثة أيام

...

أجمعهم

كلٌّ من بيته

في مكالمة مرئية

على السكايب

إنه زمن حرب أخرى

لا مفر منها البتة ..! .ص 275.

هي ذي العزلة التي أمدّت باليوسف بما لم يخطر في ذهنه التخيلي يوماً "هكذا عشتُ أنا بالمقابل، هذه الحالة، والذين بثوا عبر العزلة هذه أفكاراً ونصوصاً مختلفة، أمضيَ عليها في ظل العزلة ". وربط العزلة بما يغايرها: مؤانسة عن بعد، معايشة ضمن مسافات بعيدة. ولولا العزلة، لما كانت مستولداتها الأدبية المحرَّرة باسمه، ومن خلال الامتداد خارجاً، حيث يكون الآخرون في الجهات الأربع عالمياً، وعبر متابعات متنوعة، وكيفية تخريج الداخل، وتدخيل الخارج في عملية تخمير أدبية وكتابية بحثية وانطباعية، شهدتها كتب عدة، أي باعتبار ذلك قلباً للعالم، وللوجه الآخر لكورونا،، واعتماد احتياطيّ قوى مصمتة، في تأكيد الذات الفردية والجماعية معاً. وليحدث في هذا المأهول العزلوي الصامت، ذلك الزواج غير الشرعي بين خاصية العزلة في انغلاق الجسد على داخله، وإدارة ظهره للخارج، وعمومية الاستغراق في وقائع جارية خارجاً، لتكون العزلة في محتواها الفعلي عرّابة اللامنتظر، وتدشين زمن غير مفكَّر فيه، زمن الكتابة المقاومة، كما لو أن كورونا في اللامسمى فيه سمّى في نطاق " العزلة " ما يضيء الروح وينشطها أكثر.

وفي هذا الذي يجري النظر فيه، يبرز الألم شاهد مخاض الجسد المقاوم، وهو يطرح في مثل هذا المناخ المهدد لحياة الناس، كما هو مقرّر، ما يبصّرهم بالحياة في اللامرئي فيها، ولعل اليوسف تبصَّر فيها الكثير مما شكل لديه ذلك الرصيد الهندسي على صعيد الكتابة الماضية به إلى الآتي!

بالطريقة هذه نكون إزاء متحول قيمي في أصل الكلمة/ المفهوم، في المعنى الكامن فيها، وهو أكثر من كونه القابل للتسمية، لأن هناك ما يمسّنا ويتوعدنا بالمقابل، وللكلمة صيرورتها، وتلك السلطة التي تحيل تلك القوى التي نعتبرها خاصَّتَنا، داخل في نطاق صلاحياتها، وما يترتب على عملية التحميل والتصرف بها وفق مبدأ قانوني: حيوي، طبيعي، نحن أنفسنا محكومون بها، وهو ما يعلّمنا وينيرنا بجانب مجهول يؤلمنا لأننا نصطدم بما لا نرغب فيه، والحياة أكبر من ذلك .

في مواجهة كورونا، أين المواجهة

لا يدخر اليوسف  جهداً في استدعاء أي معلومة ذات صلة بكورونا وفي مسارات مختلفة، وعبر صياغات مختلفة كذلك، إلا ويحاول توليف أو تركيب دائرة علاقات مفتوحة من خلالها، وهو من متطلبات مجتمع روايته التي يختفي فيها الجنس والنوع، اللون، والصوت، الموقع الاجتماعي، والثقافة الشخصية، ويكون التنويع المركَّب، لأن التحدي شامل، فالكل محتَوون داخله، ولهذا، فإن الرواية بهذا التحرك المتعدد الجهات تمارس عبر سارده الروائي الرئيس، وهو نفسه متموقع فيه، دون أن يكون تماهياً، فثمة ما يفيض على المتن، كما هو مقروء، أي من الريبورتاج، إلى المكاشفة الإعلامية، إلى المعاينة الطبية جرّاء تقصي حقيقة الدائر في حدود معينة، إلى مقاربة خاصية فعل الوباء وتردد صداه أو  انعكاساته على النفوس والرؤوس.

نقرأ حول ذلك، ما يستوجب النظر " ساعة كورونا !

يقول السارد الشخصي : حالة جد غريبة تعرضت لها، بسبب عدم ذهابي إلى موعدي الجديد في المركز الطبي، لإجراء التحاليل الدورية... الفيروس كائن بات يثبت حضوره اللحظي بيننا. ص11 .

سيرتي مع الكمامات وحدها تصلح لتكون نواة مسرحية !

الكمامات ذاتها صارت في حاجة إلى كمامات !. ص 11 .

وما يمكن قوله جرّاء التفكير في المرض ومناخاته:

حبست أنفاسي لثوان، فحسب. كدت أغثو، أختنق، لا بد أن أفتح الباب الخارجي سريعاً، وأغدو خارج هذا الصندوق المهدَّد بالكورونا، مستخدماً منديلاً ورقياً، لأرميه في سلَّة المهملات القريبة. ص 14 .

في أصل الغرابة المشار إليها، ما يخرج على السيطرة، لأن الجسد المحاصَر والمهدَّد في أي لحظة، ودون ميعاد، وبما هو مجهول، ولا يعرَف كيف، ومن أين يتسلل المرض: الوباء، ولوجود ظواهر دالة على عملية المداهمة وتوقع ظهوره في أي لحظة، وما يجري أداؤه من جهة الشاعرين بالتهديد، ومن أصيبوا به، هو ما يحيلنا إلى موضوعته، وإضاءته بالمقابل:

في كتابي " كورونا كورنر "، أوردت بعضاً مما يخص هذا الاسم، أو نشأته، بصيغته الحوارية:

(ألبرتو: على ذمة أهل اللغة، وهي épidémie، مشتقة من اليونانية epi، ولكنها تعني " المتداولة بين الناس.

يانغ: هناك تعدّ على الحقيقة يا أصدقاء، لا بد أن هناك مقابلاً للوباء في كل لغة !

يتدخل أرنست بقوله:

الوباء مصطلح مستعار من الأوبئة الطبية اللاتينية، أي جرّاء تطوره تاريخياً ، وينبع من جذر الأوبئة اليونانية ("الذي يدور بين الناس، كما ذكر ألبرتو"). وطبياً ، يشير مصطلح "وباء" إلى ظهور مرض أو ظاهرة مرضية تؤثر على الفور على العديد من الأفراد المنتشرين في منطقة واسعة أو أقل ، ويخضع لتأثيرات متطابقة وغير عادية. وعندما يتراجع انتشار الميكروب ، يتم الوصول إلى نهاية الدورة الوبائية.

يعلّق منتظري قائلاً:

يعني أن هناك تاريخاً طويلاً لهذا المسمَّى بالمفردة .

ويعلّق نوبين هنا قائلاً:

كما هو الربط بين اليونانية واللاتينية .

أرنست: وهذا يعني أن ليس من مفردة قائمة بذاتها .

هومي: كما أن ليس من عِرْق قائم بذاته.

يانغ: وهو ما يجب علينا الأخْذ به، أم تراني مخطئاً ؟

أبداً أبداً، أيها الوُوهاني ! يقولها أرنست بمسحة من الدعابة الجلية !

وليطلب نوبين من ألبرتو مجدداً:

والآن، جاء دور " الفيروس "، ماذا يعني " الفيروس "

يرفع ألبرتو صوته، متحمساً :

كما قرأت، يعود أول استخدام لكلمة فيروس إلى القرن السادس عشر. في ذلك الوقت ، أصبح أمبرواز باري ، جرّاح الملك ، مهتمًا بأصل العدوى التي تصيب الجرحى. تعتمد دراسة العدوى هذه على ملاحظة تطور الإصابات وعمليات ما بعد الجراحة. وتصف ظهور وكذلك تطور القيح ويسميه السم. وفي أطروحته حول الطاعون ، يصف الأمراض الفتاكة" بأنها سموم الخبث والسحر واضحة. وفي الواقع ، فإن فكرة السم تعكس هذه صعوبة الأطباء في ذلك الوقت لشرح ظاهرة عدوى الأمراض والالتهابات. يعني ذلك أن الأطباء هنا يترجمون هذا اللغز غير المفهوم من خلال ما يبدو لهم أكثر ما يروق لهم: مثل سم الأفاعي والعقارب.

وكعادته يتدخل أرنست :

طبعاً علينا أن نعلم أن الفيروس virus ، مأخوذ من الفيروس اللاتيني ("عصير، مزاج، سم ، رائحة كريهة ، عدوى") ، ولا بد أن الربط بين السم والعصير، يعود إلى وجوده فيما نأـكل ونشرب، فينال منا، دون علم منا. ).

بين الذي ينسكن به الكاتب عبر سارده الروائي، وملفوظه النفسي بمأثوره الجسمي وما يجري في محيطه، يدفع بنا إلى نظيره الطبي، تاريخاً وتشريح سمات.

ولعل المرض، أو الوباء حين يشدّد الآخر في تهديده وحصاد ضحاياه ويوسّع قاعدة " عمله " يدفع بالذين ينشغلون به تاريخاً ومكاشفة المختلف، وغير المألوف للتعرف عليه واحتوائه، حيث إن أي مرض، عرِف تاريخياً، لم يمح وجوداً، بمقدار ما تمت أرشفته، ووضعت له علامات فارقة، وما من شأنه رسم تلك الخطوط الدفاعية من حمْية أو طريقة معالجة .

نقرأ في هذا المنحى ما يفيد:

 ( الوباء الحالي للفيروس التاجي هو فرصة لتقييم الأمراض السابقة التي تسببت في الآلاف ، بل الملايين من الوفيات في جميع أنحاء العالم ، في تاريخ حضارتنا.

إن الفيروس التاجي ليس الوباء الأول في تاريخ البشرية ، على الإطلاق. إذ تعتبر الأنفلونزا الإسبانية ، التي قتلت ما بين 25 و 100 مليون شخص في نهاية الحرب العالمية الأولى ، "أم جميع الأوبئة". ونعود إلى هذا في المعرض المقابل وكذلك جميع الأوبئة والأوبئة الأخرى التي دمرت الجنس البشري ، من زمن يسوع المسيح إلى اليوم.) " 5 "

نحن هنا إزاء سلسلة طويلة وبحلقات مختلفة في مواقعها وسجلاتها الكشفية نوعاً واختلافاً. وما هو وارد يعين على مقارنة الوارد في الرواية، ونوعية البناء أو مادته في السرد، ومدى شراكة ما هو طبي في الداخل، وتفاعلات مكوناته مع بعضها بعضاً.

وهناك ما يوسّع دائرة مفهوم المرض وتاريخه وموقعنا فيه، ومن خلال تلخيص الفكرة:

( يسهمِ تاريخ الأمراض في دراسة الظواهر المرضية ، حيث يوفر بيانات عن ديناميكياتها وظهورها وانتشارها وعلاقاتها بالبيئة المادية والبشرية. كما سلط الضوء على كيفية وصف الحالات أو الحالات بأنها "أمراض" ، ويتساءل عن عالمية الفئات المرضية التي يستخدمها الطب. مثل الدراسات عبر الثقافات ، يسمح البحث في الكتابات الطبية القديمة بتحديد أشكال متناسقة ومتغيرة من الأمراض ؛ وهذا قد يسمح بدوره بالتمييز بين أن تكون الأمراض قائمة بشكل أساسي على طبيعة بيولوجية أو على طبيعة اجتماعية ثقافية. سنصف دراسات حالة من القرن الثامن عشر في فرنسا لتوضيح فائدة دراسة تاريخ الأمراض والأمراض للطب المعاصر والصحة العامة، والعلاقات المتشابكة بين هذه المكوّنات.

وفي البداية ، هناك تمثيل سردي وغامض للأمراض في الأوقات الصعبة ، تكون النصوص الطبية نصوصاً سردية. خذ مثال الأمراض المعدية. فمن وجهة النظر السردية ، يعتبر الوباء مؤامرة دراماتيكية. والحدث الوبائي ، أزمة ، بعبارة أخرى ، قسم يكشف عن حالة المجتمع الحالي ومؤسساته وثقافته. وبالتالي ، فإن تمثيل الأوبئة يطيع نوعين رئيسين من طرف أرسطو: المأساة (العمل) والملحمة (القصة).)" 6 "

اليوسف يتعقب خيوط المرض بطريقة روائية، وإدخال ما يمكن تفعيل أثره على صعيد بناء الفكرة بأسلوبها الفني روائياً، حيث الموضوع يتطلب مثل هذه الشراكة: الطبية – الأدبية .

بين الداخل والخارج

ليست العزلة هي نقطة الإقامة الوحيدة للكاتب، فثمة مخارج لمتخيله الروائي هي منافذ له ليرى ما يريد أن يراه، وبطريقته، وطرق تسلل إلى مجتمعه، وما ينبني عليه من علاقات محكومة بكثافة حضور الوباء، وما ينبني ذاكراتياً جهة استدعاء الماضي، وما يتم الكشف عنه ناحية جملة النفوس المتأثرة، وقد نصَب الكاتب حولها شباكه، لتكون ما يشبه عينات روايته.

نتحدث عن العزلة كفاعل إبداعي، وهي في أصلها هنا كنقطة خيار حيوية بغية الاستمرار في الحياة من ناحية، وتعبيراً عن جانب النباهة لدى الكاتب، فيما يجب التنبه إليه أيضاً.

من ذلك، ما هو متوقع في مجتمع لا يعرَف بأحادية القيمة أخلاقاً نظرية وعملية:

(ثمة مصابون بفيروس الإيدز يزرقون المارة في بعض البلدان انتقاماً ويلوذون بالفرار ! ص 16 ).

ذلك ما يتعلق بالسماع أو بالرؤية المباشرة، فهو يلتقط ما هو فاعل في بناء روايته وإثراء عالمها.

وحين يمضي إلى الداخل الحميم والمتوتر:

( في الحافلة لا أحد، بسبب الكورونا، حيث ابتسمت السائقة، كما لو أنها استغربت صعوده:انفتح لي الباب الخلفي. صعدت الباص، وبطاقتي التي لم أستخدمها منذ أسابيع بين يدي، قبل أن أعيدها إلى جيبي، بعد أن تفاجأت بأن لا أحد في الباص سواي، وآخر! ما الذي يجري ؟ ثمة هندسة جديدة لمقاعد الباص. ثمة مساحة لا بأس بها تترك بين المقعد والآخر. ص 18 .

توقف الباص في الموقف التالي، ركبت امرأتان، مكمَّمتان، إحداهما تسعل. كانت بيننا مسافة كافية، إلا إنني خفت. ص 19 .

من عادات كورونا:

أعقم مقبض باب الحمام في الحمام في الخارج، قفله الداخلي، كل ما فيه، الصنبور، مقعد الحمام، البانيو، قبل أن أدخله، وبعد أن أخرج !. ص 24 .) .

تلك هي الاحتياطات المطلوبة، والمركَّز عليها من الجهات الطبية ومن يعمل تحت إشرافها.

وما يعمّق الأثر، حيث تتشارك عدة أزمنة وأمكنة تحت وطأة التفكير بالوباء والشعور به:

( أي جبروت يمتلكه كويئنٌّ ميكروسكوبي. بل كويئن غير مرئي، حتى نهابه، بهذا الشكل، المهوّل، المفزع..ص33.

في: جدار الكوابيس:

ليس معقولاً ما أراه! لا بد أنه مجرد كابوس ، فحسب!. الموتى لا يغادرون مقابرهم حاولت أن " أفرك" عيني، ولكن بلا جدوى؟ أحسست بألم كبير في ظهري. ألمٌ في أنفي ألم في يدي..ص 37 .

أرتعش كطائر منتوف في يوم شتوي ماطر أحياناً أشعر أن أحدهم قد أشغل مكيف الهواء الزمهريري بدلاً من "الشوفاج " آه..ص38.

تذكير: عندما كنت طفلاً، وأخرج في أيام الثلج والصقيع والمطر والرياح إلى بيادر القرية لأصطاد العصافير. حدث مرات عديدة، أن تجمَّد بولي بعد دقائق قليلة ..ص40 .

في قرية التنورية شرقي قامشلي سكان قرية كاملة أصيبوا بمرض التهاب الكبد، بسبب استهتار بعض من هؤلاء المعنيين بصحة الأجيال.ص 49 .).

ثمة مرونة ورحابة متخيل وبرقيته في استدعاء فلاشات هي مشاهد مأخوذة من ماضيه الشخصي والذين عرفهم ذات يوم، وما شاهده هناك حيث كان محل إقامته وعلاقاته في مجتمعه، لمنح سرده ملاحة جمالية، رغم إيقاع الصدمة، وهي تثير الكامن، وتفعّل أصل الفكرة .

الكاتب في كتابته أبعد ما يكون عن التأثر السلبي بما يصف ويتخوف منه، فهو الآخر بالنسبة إلى نفسه، وهو السلف برصيده الكتابي المتنوع، للخلف الذي يعنيه مباشرة فيما يأتي به روائياً:

(وكما ترون ، فالزوجان في الأدب والطب هما في الواقع أسْرة ثلاثية ، والتي تنطوي أيضًا على التاريخ. وأهداف المعرفة هي العلاقات المتبادلة بين الأدب والطب. والأدوات هي أدوات التاريخ (الطب) والتحليل الأدبي.) " 7 "

هذه التوأمة التي قيّض لها أن تكون مكلفة بأداء دور، في متنه، تتناسب وفعل الكتابة ومتوخاها .

وما يبقينا يقظين، ما يبقينا أهلاً  لأن نتعايش وعموم مكونات الفكرة، هو أن نتحرر من كل ما يحصرنا داخلنا، حيث الجاري والنافذ إلى الداخل، له منشأ خارج، ويجد ما يشد إلينا، كوننا في البنية مندغمين في نظام طبيعي صارم يستحيل نبذه، وفي المقروء في تاريخه طبيعاً ما يفيدنا:

( إن الأزمة الحالية أبعد ما تكون عن كونها الأولى في تاريخ عالمنا القديم. كان على البشر أن يواجهوا العديد من النوبات الفيروسية ، والعديد من الأمراض التي كان تهديدها لمستقبل البشرية ، في كثير من النواحي ، كبيراً. كيف ووجهت هذه الآفات؟ ما الإجراءات التي اُتخذت؟ ما الاكتشافات التي تمّت؟ كيف أثرت هذه الشرور أحيانًا على تاريخ الحضارات؟ في الفنون والحياة اليومية؟) " 8 "

في قراءة المنوَّه إليه ما يرفع من شأن إرادتنا، ومن تلك المؤهلات النفسية التي نعرَف بها، وما يزيد في وتيرة قواها وتفاعلاتها، ومن قابليتها لأن تمنحنا هدوء أكثر جرّاء تفهّم أكثر للجاري.

هذه الإرادة الواعية، الإرادة التي تتخذ المأساة عنواناً رئيساً لها، لتكون لها الاستطاعة في نسج ما هو منشود، وما هو مرصود أدوات عمل، وعبر تلك العلاقات التي تمنح نسيج النص متانة.

متحصّلات الوباء

من المؤكد أن أي طارىء يدفع بنا، وتبعاً لحمولته الضاغطة ، إلى اعتماد جملة سياسات، هدفها هو كيفية التعامل معه، واستيعابه، كيفية النظرفي أمره وجعله في وضعية المتصرَف، وليس المتصرّف بنا، كما هو الوضع الكارثي الذي عرِف به العالم وبتباين على صعيد ضحاياه.

والحديث عن الطارىء لا يخفي نوعه، جنسه، قواه، مظاهره، تحولاته بالمقابل.

من ذلك ما يترتب على فعل العزلة كرهاً بالمستجد، وحباً بحياة في موازاة الطارىء:

( لا شيء إلا القراءة.

العالم كله يقرأ. ص26 .

مكتبتي هنا في المهجر صغيرة. كانت مكتبتي في الوطن كبيرة فيها آلاف الكتب، كل بلد، كل منفى أقمت فيه أسست فيه مكتبة ضاعت كتبها..ص27

في : فيلم رعب كوني طويل:

مازلت حتى الآن، أفكّر، وأسألني: تُرى أي مصطلح يليق بتوصيف انشغال ، ومعاناة، وتفكك، وتواشج العالم كله، إزاء الفيروس التاجي الذي أنتج مرضه المسمى " كوفيد 19 "..ص31.

جرّاء انتشاره:

الأعياد تأجلت

الأعياد الدينية ألغيت

أعياد الجلوس غدت افتراضية

الأعراس تأجلت...!. ص 32 .

مقطع منأطلس العزلة:

ليس من عالم خارج الغرفة

إلا شبح خفيّ

يصرخ:

ابقوا هكذا في بيوتكم أيها الفرسان. ص 54.

هل سأظل هكذا أسيراً في شقَّة من حوالي مئة متر مربعـ فحسب؟! ..ص55.

نسيت الرياضة بعد كورونا ! ص 58

ماالذي يحدث يا إلهي!

المدارس أغلقت الدوائر الرسمية أغلقت الأماكن العامة أغلقت. الزيارات ممنوعة...)

هي ذي مشاهد ذات أبعاد وصفية، وفي المتن، مشاعر وأحاسيس، ومساءلات، وفتح معابر في المغلق نفسياً، بغية التهوية النفسية، واعتماد استراتيجيات دفاعية وإضاءتها كما في جملة الأمكنة التي جرت تسميتها، وفعل السرد الذي يتراجع ويتقدم، تضيق ساحته وتتسع، تبعاً للمطروح بعائده التخيلي، ومتعة هذا الإجراء على صعيد المقاربة النقدية أصلاً.

اليوسف لا يكتفي بأطلسه الموسوم في النص" أطلس عزلته " فالأطلس مفهوم جغرافي، وهو بنية يذكّر بالممتد أرضياً وما يعرَف به وصفاً للجاري، وما يبقيه شاهداً على إحداثياته كذلك. وهو الذي يفيد قارئه في نقاط استناده، في تتبع ما يجري ذكره أو تسميته جهة معارفه، أصحابه، ممن استمروا في الحياة، وممن كانوا ضحايا هذا الفيروس، وكيفية التواصل معهم...

وذلك ما يمكن تنويره لحظة التذكير ببعض مما يدعم وفورة المعاني في السرد، ويظهر ذلك الجانب الحيوي في الموضوع وتركيبيته على أصعدة مختلفة، كما في هذا المثال:

( خارج الحكايات ، كانت طرق المشي والجلوس والكلام والضحك والنداء في الشارع وتناول الإيماءات والتقاط الأشياء تنقل الذكريات التي تنتقل من جسد إلى آخر من أعماق الريف الفرنسي والأوروبي.

(آني إرنو ، السنوات: 31)

إنها مسألة الإشارة إلى التوصيف الضروري للبعد الجسدي للآخر: دون الذهاب إلى أبعد من ارتداء الملابس المتقاطعة (حيث يتظاهر المرء بأنه آخر) ، يمكن للمرء أن "يزيف" جسده كما يقوم بتزوير صوته ، مشيرًا إلى ذلك لا يوجد شخص آخر يتحدث فحسب ، بل هناك جسدية أخرى يتم تنظيمها وفقًا لمخططات جسدية مشتركة بين الفطرة السليمة ومجتمع لغوي محدد.

سنترك جانباً هذه الأبعاد الأنثروبولوجية والإثنولوجية للإيماءة geste للتركيز على البعد الاجتماعي المعياري الذي يتم التعبير عنه. إن نقل هذه الإيماءات يتعلق بالهوية الجسدية للفرد بقدر ما يتعلق بنقل الممارسات الاجتماعية والثقافية والتمثيلات النموذجية.

المكان الذي يحتله الجسد في آداب السلوك مهم لأنه يتعلق بالدلالة على المكانة الاجتماعية. ) " 9 "

ثمة ثراء مفهومي للجاري وصفه، والجاري توجيه دفة الفكرة ذات النسب الجسدي، وما ينشغل به الجسد، ويتمظهر به في مناسبات أو أوقات، كما الحال هنا. لكأن الاكتشاف الباعث على البهجة أساساً مسمّى ومحمول بفضل المعاناة أو بوجود عرّاب أثري هو المرض وما يعادلة .

إن ما يصفه اليوسف، ما يقتطعه مما يراه هنا وهناك، ويلصقه في لوحة روايته، يضفي حراكاً فنياً، ولا يحصر الفكرة في خانة المؤثر الفعلي في أصل الرواية، ولعلها حيلة الكاتب حين يواجه محنة، أو يعيشها، أو كارثة، تكون الكتابة في وضعية: إما أو، شهادة إثبات أبدية لها.

نعم، نحن نتعلم مما يتهددنا في عقر دارنا، على عتبة بيوتنا، في حقل أعمالنا، في الطريق الذي نسلكه إلى الوظيفة، في الحديقة التي اعتدنا الجلوس فيها، ونتعلم مما نتفاعل معه لأن نفوسنا تتجاوز نطاقها اللحمي في انفتاحها على الخارج بوسائلها المختلفة: تصوراً وتخيلاً .

إن ما يتفوه به عالم أنثروبولوجي يضعنا في مواجهة جملة الحالات الصادمة لنا:

( نحن نواجه العديد من أشكال الكوارث الطبيعية (العواصف والفيضانات ، وما إلى ذلك). هل يمكن أن نقول أن الأوبئة من أصل فيروسي هي كوارث مثل غيرها؟

أكثر ما يذهلني هو الحداثة. يعود موضوع الأوبئة التي يُنظر إليها وإدارتها على أنها كوارث إلى الثمانينيات ، وقت ظهور الإيدز. يأتي هذا بعد الوقت الذي أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية أن الأمراض المعدية تنتمي إلى فترة سابقة من التاريخ: اعتبرت مهنة الطب أن استخدام المضادات الحيوية واللقاحات جعل من الممكن التخلص من التحدي. الأمراض المعدية حديثًا ، وهذا البحث سيكون قادرًا على تكريس نفسه بالكامل للأمراض المزمنة. ومن ثم ، في هذا السياق ، فاجأ وباء الإيدز الجميع.) " 10 "

وما عشناه كورونياً، وتابعناه كورونياً، وتعرضنا لأثره كورونياً داخل في هذا الجانب.

تساؤلات ثقافية طبية النشأة

من الطبيعي أن نقرأ ما يصلنا بالطب، وما يشغلنا به الطب، وما ننسكن باسمه طبياً، وما يشغل الطب ويقلق أهليه، وينعكس علينا هنا وهناك.

في " جرس إنذار " العنوان المأخوذ بصدى المعنى المدوي، ما يقرّبنا مما تخوّفنا منه:

(...

ماالذي فعلته بنا مدينة ووهان الصينية. ص 61 .

قرأت في مجلة علمية صادرة عن مركز دراسات بريطانيه بأن الإسراف في التعقيم يؤدي إلى تشققات في الكف، وفي هذا إضعاف للميكروبات المدافعة عن جسم الإنسان ووسيلة لتسريب الفيروسات الخطيرة إلى داخل الجسم.ص 65.

الحذر واجب الوقاية ضرورية.ص 66 ,

الخطر بات يهددنا. فيروس كورونا يواصل " فتوحاته " أو " استعماره " " بل ما بعد وحشيته "..ص 70 .

العمارة غدت على شكل سمايل كوفيد التاسع عشر وكلما اقتربت من الباب الخارجي تحركت صوبي أطراف هذا الأخطبوط وفتح فاه كي يلتهمني! .ص 76.

أتذكر عندما كنت طفلاً وأنا أسبح في- وادي قرية تل أفندي- الموسمي. المتعرج، والعميق، والجارف، أو في فرع- الري، القادم من الخابور في الحسكة أما نهر الخابور نفسه، فلم أسبح في مياهه لقد كنت أخافه !. ص 79 .

الرعب في بيوتنا

الرعب في ذواتنا. في عيوننا. ص 95.

أسمع أصواتاً في العمار!

إنها هذيانات جارتنا الألبانية!

يجب أن يأخذوها إلى مصح عقلي!

...

تباً للحروب والوباء !

الحروب أوبئة !

والأوبئة حروب! . ص 97 .).

ثمة الكثير في هذه المشاهد/ اللوحات المتلاصقة، والمتداخلة، والفاعلة في كلّيتها في إتمام جانب السرد الذي يدار من قبل كاتب الرواية، في خطوط متعددة الاتجاهات بعلاقاتها المحتلفة. كل الأمكنة مصابة أو تحت الخطر، ولكل مكان علاقات معينة في تشكيلها وتلوينها من خلال المقيمين فيه، كما في أصل العمارة الواردة في النص وتسليط الضوء على ساكنيها بمشاعرهم .

ثمة حديث عن الأجساد المريضة ، الأجساد المعانية ، أو تلك تتولى الإفصاح عن واقعها هنا:

( المعاناة مرجع أساسي لا مفر منها لحالة المرض. حيث يصفها ماساوكا شيكي ، على سبيل المثال ، ويحللها بدقة ، في مظاهرها ودرجاتها. ويميز الجوانب المختلفة: المادية والروحية والمعنوية. يميز إيقاعاتها: دورات ، استراحة ، حالات طارئة مفاجئة أو شدة ، دون نسيان التصعيد المخيف للأيام الأخيرة من أيلول 1902 " 62 ". فبالنسبة له ، لا تستحق المعاناة إجابات خاطئة ، مثل تلك التي اقترحها الدين ، ولكن يمكن أن تكون الموهنة ، من خلال المورفين أو التشتتات والمواساة المختلفة ، هشة دائمًا ، والتي يمكن استنفاد فضائلها.) " 11 "

وما يرفع من سقف الوباء حدة

وهو ما يمنح السرد توتراً وفاعلية تفخيخ للمجتمع، لحظة التذكير بالموت، وما يثير الذاكرة الروائية ويدفع بها إلى هذه الجهة أو تلك، حيث يصبح الوباء المرضي سياسياً وأمنياً كذلك:

الموت في زمن كورونا:

الموت دون مشيعين ومجالس عزاء ألف موت للميت ولذويه. ص101.

في : خط الدفاع الأول:

الوباء سيظل إلى الأبد!

لا أبدَ بعد كورونا ؟

لا مفر لأحد ؟ . ص 105 .

ثمة جرس إنذار من لدن وزارات الصحة في العالم، لا سيما بعد أن اكتشفت بلداناً  تعدُّ ذاتها جد متطورة إلا أن احتياطييها من أجهزة التنفس جد قليل...

بعض البلدان أخفى أرقام الإصابات الحقيقية بين مواطنيه في بداية الأمر، لكنه سرعاان ما راح يعلن عن الأرقام الحقيقية، وقيل " بات بعضها يعلن أرقام الضحايا والمصابين على نحو مضاعف وصار يعدُّ موتى الزكام كضحايا كوروا..ص108 .

شبح الموت يخيّم في كل مكان. ص116 .

علاقات في السياق، ومنها مع آلا الصيدلانية " دكتوراه في الصيدلة "من السويداء،

حاولت المجيء إلى الجزيرة، لدراسة الأمراض المنتشرة فيها:

وكدت أحصل على رخصة من وزارة الصحة، وتم تهديدي من قبل فروع الأمن في قامشلي والحسكة، قالوا لي بصراحة:

أنت أكثر من تربحين في مجال الصيدلة. الحصول على براءة اختراع بهذا الدواء سيكون سبباً في قطع علاقتك بأهم شركات الدواء الوطنية، وأولها شركات القطاع الخاصّ . ص 119 .

حديث أحدهم عما يشعر به ألماً:

أعاني في الأصل، من احتقان في الأنف، والأوكسجين الذي أستنشقه قليل، ولذلك فأنا أستعين ببخاخات أوكسجينية..ص 126 .

إنها المرة الأولى التي أجرّب فيها، أن أعيش أكثر من شعور متناقض، في اللحظة الواحدة لم يحدث لي مرة واحدة، قبل الآن، كما هذا الشعور..ص138 .) .

تلك فضيلة أخرى يتولى الوباء لحظة ظهوره وانتشاره الملموس، في إنبات مثل هذه" المحاسن " ذات المقدرة الفنية، ومؤاساة الأرواح المدافعة عن الحياة، كما هو حق الحياة وحقها فيها .

الألم، بمقدار  شدته صقلٌ لخاصية الروح، رغم أن المتحوَّل إليه يعرَف به الجسد، وما ينطوي الجسم عليه من نوعية تفاعل، أو رد فعل، ومن مردود جهة القوة والضعف.

يذكّر الكاتب بما يعزّز هذا المطروح آنفاً:

( يُكتَب رسم المعنى ونقش الخطابات والهويات والعلامات على الجسد بهدف تكوين هوية أكثر شبهاً بما توفره وراثتنا الطبيعية. تختلف تمثيلات هذه العلامات باختلاف الثقافات.

يكشف جسد الباحث عن تكوين الجسد ككائن لموضوع انعكاسي داخل ثقافة وحدته وصنفته وعرفته مع ذات الذات المستقلة فيما يتعلق بالعالم.) " 12 "

أي حيث يمارس الكاتب كتابة جسده توافقاً مع الذي يبقيه على أهبة استعداد لكل طارىء من نوعه وهو على تماس مباشر بما يخصه كاتب رواية، فاعل أثر في الرواية، شاهد معنى فيها، رحالة أثر ينتمي إلى عالم الرواية، مسمّي أثر يعمّق بنية العنوان في مفهومه الزماني- المكاني .

تداعيات وتفسيرات

من الطبيعي أن يكون التعامل مع وباء عاصف تنويعاً على المشاعر، ومؤتى تشكيلة من ردود الأفعال والآراء لمكاشفة مغزى ظهور الوباء، أكثر من المسمى بمفهومه الطبي:

( لن يصاب المؤمن بالفيروس!

غضب الله على معاشر الصينيين . الصينيون كانوا يأكلون جيف الحشرات والفطائس، وما كورونا إلا نتيجة التقاء فيروس أكلة الخفافيش والأفاعي!

ل. إنها مؤامرة روسية .

بل إنها مؤامرة أمريكية !. ص 142.

لا أتصور أن إجماعاً كونياً قد تركَّز في يوم ما، على التفكير باختراع أو إنجاز ما، كما حصل خلال حقبة حكم الإمبراطور كوفيد التاسع عشر..ص147.

العالم يفترق أول مرة !

العالم يلتقي لأول مرة !

تجمعهم المقبرة

بل تجمعهم الحياة! . ص 155 .) .

عبارات هي مقطوعات ذات ترددات شعرية وامضة ولكنها علامات فارقة روائياً .

وفي ذلك ما يبقي المجتمع البشري، وليس مجتمعاً محدداً مفتوحاً على داخله، وهو يعيش تحدي الوباء، وتلك الإجراءات التي تتم بدافعها الاجتماعي والنفسي .

( في شجاعة الآخرين Courage des autres ، تتحدث عن مرض الخوف. هل نحن مريضون بالخوف اليوم بسبب الفيروس التاجي؟

ليس فقط الفيروس التاجي هو الذي يضر ، إنه الخوف الذي يسببه. في غضون 48 ساعة ، يمكنك الشعور بأنك تتجه نحو الداخل وتثق بالآخرين. ففي ثقافتنا ، نواجه نوعًا من العدوان البصري عندما يرتدي الناس قناعًا. ثم نعتبرهم ضحايا الطاعون.

أليس الخوف من منعكس البقاء الغريزي؟

نعم ، أعتقد أنه في تاريخ التطور كان أكثرهم خوفًا هم الذين نجوا. إنها بالتأكيد غريزة البقاء. لكني أود أن أرى الأشياء أكثر إيجابية قليلاً. وأعتقد أيضًا أننا نواجه جمال قوة التجريد البشري.

ينتشر الفيروس بسرعة كبيرة في العالم ، وخاصة في فرنسا. كيف نكون شجعاناً في وضعنا؟

تصوُّر الخطر يحمينا. لذلك فمن الطبيعي والعقلاني أن تكون في قبضة الخوف. الشجاعة الحقيقية ليست دفعة. إنها تفهم الخوف ، تعانقه.) " 13 "

طبعاً، ما هو مكتوب لم يؤتَ به جرّاء الخوف المشل لقوى النفس، وإنما جرّاء الخوف من أن الذي جرى يُخشى عليه أن ينتهي أمره، أو يمر دون أرشفة معينة، أو تصريف بحثي، كتابي، أو أدبي: روائي هنا، وفي هذا ما يصلنا بمأثرة الخوف مما يجري، وكيفية تخريجه شجاعةً.

ذلك يتمثل في تلك الإجراءات القائمة كخطوط دفاعية عن النفس، والتداعيات المتعلقة بالجاري:

أي جهة استعمالات ضد كورونا، ومن ذلك البصل، حسب قوله:

( انصبوا فخاخاً من بصل في كل زوايا البيت فهي ستلتقط الميكروب وتقتله !

كنت أوزع شرائح البصل في كل مكان من البيت، وتمر زوجتي وابنتي وابني ويرميان ما يعثران عليه منها، في سلة القمامة محكمة الإغلاق. ص 170 .

إجراءات صحية

وتغيير في هندسة المكان إثر انتشار الكورونا:

زجّوا بنا بعد انتشار وباء كورونا في قسم المصابين بفيروس كوفيد أعداد المرضى قليلة لكن ثمة خوفاً أن تتفاقم أعداد المصابين بالفيروس، في الأيام القادمة. ص 188 .

إجراءات صادمة:

من يصل المستشفيات يقتل لئلا ينتشر الوباء.

أجهزة التنفس لا تكفي.

لا أدوية علاجية. ص 193.

حوارات ونقاشات حادة:

قول: أنوفنا لم تشم إلا روائح ظلمنا

لي رأي آخر: كورونا مصيدة وقعت فيها الصين لتلتهي بجراحاتها إلى مئة سنة أمريكية قادمة!. ص 203 .)


وجهة فوبيا المصاعد وتبعاتها

تاريخ علاقتي بمصاعد مدينتي لا يتعدى استخدام اضطراري لمصعد مشفى خاص عندما تهربت من إجراء عملية مرارة قبل أن تفقا في دمشق ... مصاعد فرع فلسطين أيام التحقيقات التي كانت أصعب من ألف سجن... المصعد زنزانة ومنفردة..ص 215 .).

ينفتح الجسد على نفسه، بمقدار ما ينغلق على نفسه هذه. كم دائرة معاينة للجاري للجسد، كم طريقة تعني الجسد لأن يتأثر سلباً، ولأن يتفاعل إيجاباً، ولأن يستقيم في أمر صحته، ويتفعل محيطياً؟

في الذي يقرَا في سردية اليوسف، وهو لا ينفصل عن مجتمعه الرئيس، وما كان يخصه هناك على الصعيد الاجتماعي، الثقافي، الأمني يصل بفكرة الوباء واستفحال خطره، خارج اسمه الفعلي طبعاً. إن كل إخلال بالمجتمع لا يعدو أن يكون وباء .

ذلك ما يمكن معرفته عن البعد الموسوعي للجسد.

(يتمتع الجسد بوضع متناقض: من الواضح أنه موجود دائمًا بالفعل ، وبالتالي ، من خلال التجربة ، غير إشكالي ، فهو أيضًا نوع من الألغاز ، ومصدر للمتعة والألم ، وقبل كل شيء القلق ، الذي يحدث غالبًا اجتماعيًا. فردي ، ومع ذلك فهو يخضع لآليات الرقابة الاجتماعية (الدينية ، الطبية... إلخ). إنه طارئ أو محدد بوساطة شفرة جينية ، فهو يقاوم استثمار المعنى ، بينما يثيره مع ذلك.

تعتبر التأملات في كتابة الجسد ضرورية بشكل خاص اليوم ، في وقت تتطور فيه طرق جديدة لتصور مفاهيم النص والتناص ، والتي تدمج العناصر الفيزيائية والبيولوجية في النص واللغة.) " 14 "

بجسد مصدوم، وجسد متحدّ للصدمة، وجسد مكاشف لها، وجسد مؤرخ لحقيقتها، وفق تصور معين، وجسد يحيل الجاري إلى واقعة تخيلية، ليكون الأمضى في البقاء، يستمر السرد.

ضحايا ومتابعات 

لدينا الكثير من ذلك:

جهة الأوصاف مثلاً:

( من يفرض الحجر الصحي أو العزلة يؤمن خبز الناس. مؤونة الناس. كهرباء الناس. الماء. مصدر الرزق..ص238.

وكذلك:

كانت الدمعة في عيني روهلات!

أنا خائفة يا كاوا !

أنت دون الثلاثين حبيبتي. مقاومتك جد قوية ! ..ص271.

في السياق أمثلة عن الوطن والفاسدين ومن قاموا الظلم " مشعل التمو " وغيره..وما يخص الثورة:

الممولون أفسدوا كل شيء. أعطوهم الفتات. ثم جوعوهم، وأعطوهم ثانية، ليقطعوا عنهم التمويل..ص 292 .

عدم اكتشاف الدواء يثير شكوكي. ص 296.

العالم كله وقف عاجزاً أمام فيروس غير مرئي، أصغر من رأس الدبوس بآلاف المرات. ص 306 .

ببليوغرافيا الرعب:

لم نكن وحدنا من أصبنا بالهلع المضاعف في العمارة، بل إن من أعرفهم من الجيران كانوا هكذا.,ص 312.

الحديث عن تداعيات الحرب في المنطقة، وموقع الكرد فيها وتصورات المتشددين ناحيتهم، ص: 319-320.

لا أحد حصل على اللقاح.

وها نحن في الشهر السادس في روزنامة ما بعد كورونا

لننس تاريخ ما قبل كورونا

هوذاته أدى بنا إلى مستنقع بل مقبرة ما بعد كورونا!..ص 334.

في: تفاصيل الظهور الأخير على الوآتس!

بات عدّاد كورونا يتقهقر إلى ما يقارب الصفر..ص 337.) .

تلك هي رؤية الكاتب، إنما ثمة ما يكاشف الآتي، ما يبقينا في الحياة، وأهل مقاومة. والمكتوب ليس رثاء ما كان، إنما مديح ما سيأتي، ومن داخل الألم، يكون الاحتفاء بجسد طامح إلى الحياة .

وفي الألم الذي يوصف أدبياً، ويصنَّف طبياً، ما يلتقي فيه الوجهان ويضيئانه.

وهناك ما يؤاسي ويحفّز على التمسك بالحياة، ومن خلال الجسد:

"الجسد [...] هو ذكرى علاقتنا بالعالم ، إنه كتاب تاريخنا الحميم. هناك تمزق في كتابي ، عيب في ذاكرتي ، ليس سهوًا ، بل على العكس مثل الأثر الذي خلفه الزلزال. من المسلم به أن السعة المتوسطة ، لأن هناك اضطرابات أكثر عمقًا وقاسية ، لكنها ما زالت تفصل حياتي إلى قسمين ، بين ما قبل وما بعد.

الجسد المريض ، في حد ذاته ، هو اللغة الكاملة لهذه العلاقة الخاصة بالصحة التي هي مرض مزمن. ليست الأزمة الحادة ، التي يتعافى منها المرء إذا لم يمت ، ولكن هذه الرحلة الطويلة الأمد مع نقطة بيولوجية عمياء ستتردد طوال وجود الشخص الذي يؤويها.

و"أن تمرض ..." يشير التعبير إلى السقوط ، أي حركة هبوطية عنيفة ومفاجئة. وبالتالي ، فإن "الإصابة بالمرض" يعني أن تُنزل بوحشية إلى حالة من الدونية فيما يتعلق بالصحة ، أي دولة متفوقة. يحدث أن هذه الحالة "المتفوقة" تعتبر في نفس الوقت "طبيعية": الحة هي "صحة جيدة" ، كما يشير كانغويلهم بشكل مؤذ .

ونحن نعلم أنه في التمثيلات الدينية في الماضي ، كان المرض الخطير أو الأوبئة الرهيبة يُعطى غالبًا كعقاب إلهي ، تكفيرًا عن خطأ. كنتيجة لخطأ - يصعب تحديده أو حتى غير إرادي لأنه كان أصليًا - يمكن أن ينتقل المرض إلى حالة الخطأ في حد ذاته ، سواء كان رمزًا أو حقيقة ملموسة للانحراف عن القاعدة. السقوط مقلق لسببين: في حد ذاته ، كحدث مؤلم ، ودوار عدم التوازن ، وبالطبع في عواقبه. النتيجة الأساسية للوقوع في مرض مزمن هي البقاء هناك ، بمعنى الحفاظ على الذات هناك ، مثل التراجع الدائم.

والعلاج هو حيلة (سلاح؟ أداة؟) تسمح للمنحرف البيولوجي بالعودة مرة أخرى إلى هذا التوازن المفقود ، من خلال عمل مستمر للمراقبة والمتابعة والحساب والتكيف (مستويات السكر في الدم ، جرعات الأنسولين ..إلخ).

وهناك ما يخص الانحراف البيولوجي déviant biologique

فمن المؤكد أن التوازن البيولوجي هو الأفضل ، ولكن تقديم الأفضل كواجب هو إدانة المريض ، الذي يعاني من صعوبات عملية ونفسية على حد سواء ، بالذنب أو تثبيط الدافع أو التمرد ؛ أو الخضوع الأعمى والطائش الذي سرعان ما يصبح غير فعال.

واليوم ، أعلم أنه يمكن للمرء أن يكون سعيدًا ليس على الرغم من مرضه ولكن بفضل مرضه. بفضل ما يكشفه فينا عن موارد غير متوقعة ، من حب الحياة الذي كان مستتراً.) " 15 "

وما يفيد في مثال آخر، ناحية موضوع المعاناة:

( اكتشف Cairn-Pro10 ماذا يحدث عند حدوث الألم أو المرض؟ يبدو أن الشخص يخضع لنوع من "قانون الجاذبية" الذي يمكن التعبير عنه على النحو التالي: في كل مرة يفرض فيها الجسم نفسه ، أو يصبح أثقل ، أو يشغل حيزًا ، يميل الموضوع إلى التلاشي أو الإغماء. يغفل عن نفسه. يخضع لنوع من الالتفاف في الجسم. يلف نفسه فيه. المكان الذي يشغله الجسد بعد ذلك يجعل من الصعب رؤية الموضوع، وهي مبهمة. للمريض نفسه ومن حوله.) " 16 "

يصبح الألم مأثوراً نفسياً، وتكون السعادة مجدداً، في الحالة هذه خميرة الروح التي تجد موقعاً اعتبارياً لها في العيش مع الآخرين وهم في وضعية مكابدة، وهي سعادة تؤمَّم مجتمعياً وكونياً بالمقابل، تكون الترجمة الحية، وهي في معينها الجمعي المقام، لتلك المشاعر التي تشد الناس إلى بعضهم بعضاً، وليس في أن تفرقهم عن بعضهم بعضاً. وللألم ما يثري، وما فيه من معاناة مطلوبة، دون ذلك كيف يشي سر ما، حال المسرود هنا، بما يمنح أفق المقروء عمقاً ؟!

ذلك ما يضيء صفحة تفكيرنا إزاء أصل الفيروس نفسه، وكوننا فيروسيين في مكوّن حيوي لنا، حيث إن تكون الفيروسات ضرورية للتطور على هذا الكوكب:

( يكشف كل تحليل لفيروس جديد عن جينات لم تكن معروفة من قبل. ويبدو أن معظم التنوع الجيني موجود في الفيروسات ؛ سيكونون "الاحتياطي التطوري" للحياة على الأرض.

تهدد الفيروسات وجودنا ومع ذلك بدونها لن تكون الحياة على الأرض موجودة.) " 17 "

هل من خارج للنص؟

اليوسف يغيّر في مسار سرده، لحظة قراءة عنوان كهذا" خارج النص " طبعاً للفت النظر، والأهم من ذلك، لأن معمول السرد أكثر من أن يوصَف به، ويجري تأطيره في عالم اليوم، وما تعيشه كتابة الرواية في مخاض المتحولات الكونية الكبرى من مخاضات وطرق كتابة تعبيراً عن هذا الجاري، عبر ميتات وحيوات، من شأنها إغناء الاسم وإبراز سلالاته في تطويب النص.

فنقرأ طي العنوان الأخير:

( احتفالية النصر في الحرب الكونية الجديدة..

...

والآن، ها نحن ننظر إلى الوراء، نستجلي النظر في أوضاع الكائن الآدمي، في خريطة العالم، قبل مجرّد أسابيع، من نقطة التحول التي شهدناها بعد طول معاناة . ص 343.

في الصفحة الأخيرة

الدروس التي أمليت علينا كناجين، لا بد من أن نعتبرمنها. لا بد أن نتعظ. هذه الدروس هي عدة حرب المواجهة لظلال فلول الحرب الكونية الكبرى، وهي تمر، بل هي ذاتها، وليس سواها، من من أدوات مواجهة أية حرب محتملة لم يخرج أحد من الناجين من الحرب إلا وهو عارف ما عليه أن يقوم به، وما عليه أن يتجنبه. وكأن هذا الميكروب كان في الوقت ذاته أحد عظماء أكاديميي التاريخ..ص346.) .

هل من مصالحة مع الفيروس؟ هل من استمرار مقاومة معه؟ هل من مستجد آخر؟

لأن رواية كتِبت وحملت في الداخل جنيناً فنياً كما تابعنا ذلك في سياق محدد من العنوان، فإنها أفصحت عن أنها تعترف بفضيلة الفيروس، وثقل وزن الفيروس، وما يمكن " جني ثماره " من على شجرته التي لا يستطيع أي كان تسلقها، وكيفية قطف ثمارها.

ثمة الجسد المعذّب، وثمة الألم المرئي في السلوك الحركي والكتابي، وثمة اكتمال عمارة الرواية، وثمة استمرار الكاتب في الحياة، وهو يحمل كتابه الرائي بيمينه وبقوة.

لهذا أعود وأستشهد ببعض مما برعت فيه فرانسواز لو كوري، في:الجسد المتألم: ماذا يحدث للإنسان؟ وما يقيم معنى معمقاً في أرض الرواية أو على تخومها:

( ضع الضعف في نظرنا. ضعفنا ، ضعف أحبائنا ، ومقدمي الرعاية. إنها ليست ثانية ، عرضية ، إنها أصلية. إنها موجودة بالفعل عندما يسير كل شيء على ما يرام. للاقتناع بهذا ، يكفي مراقبة تجربة النوم. يمكن أن يحدث لك أي شيء عندما تُترك للنوم. كما يقول فاليري مرة أخرى ، يمكن للطفل مراقبة هرقل النائم. يتم وضع وجودنا بالكامل تحت علامة الضعف دون أن نلاحظ ذلك. الطفل ضعيف بشكل واضح ، حتى في أفضل الأوقات. نحن بحاجة إلى "حراسة" للبقاء على قيد الحياة. على الأقل أنت بحاجة إلى نظرة خيرة لتشعر أنك موجود. ضعفاء بعضنا بعضاً ، ولكننا "نتأثر" بشكل مختلف بالمرض أو المعاناة ، فنحن في الأساس أوصياء على بعضنا بعضاً. الضعف هو أفقنا ، بقدر ما هو قدرتنا الجميلة. الشيء نفسه بالنسبة للموت. وهذه الثغرة الأمنية نشاركها.) " 18 "

مصادر وإشارات

1-إبراهيم اليوسف: جرس إنذار، رواية، مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، القاهرة، ط1، 2022. وكل الإحالات المرجعية، تخص هذه الطبعة.

2- معجم الجسد: إشراف ميشيلا مارزانو، ترجمة: حبيب نصرالله نصرالله، المؤسسة الجامعية، بيروت،ط1، 2012، م1، وقد أوردت أرقام الصفحات في المتن، من باب الإيجاز .

3-ماري سارة نيوتن الصحف والتذكارات (1855)

4- إبراهيم محمود:كورونا ...كورنر!!! " حوارية زمن طارىء " كتاب الكتروني، موقع أمازون .

-5Coronavirus : retour sur les plus grandes épidémies et pandémies de l'Histoire

الفيروس التاجي: نظرة إلى الوراء والأوبئة الكبرى في التاريخ

-6Les souffrances et les maladies dans l’histoire

جويل كوست: المعاناة والأمراض في التاريخ

-7 Médecine, littérature, histoire

الكسندر فينجر: الطب والأدب والتاريخ

-8Dans le rétro: peste, choléra, ergotisme... ces grandes pandémies qui ont marqué l'Histoire

كيفين ديرو: في المرتجع: الطاعون والكوليرا والأرغوتية ... هذه الأوبئة العظيمة التي ميزت التاريخ

-9 Laurence Rosier: Singer ou de la répétition des mots à l’imitation des corps

لورانس روزير:المغني أو تكرار الكلمات في تقليد الأجساد

-10LES PANDÉMIES SONT LE VISAGE SOMBRE DE LA MONDIALISATION »

فريديريك كيك : "الأوبئة هي الوجه المظلم للعولمة"

-11Corps, maladie, écriture chez trois auteurs japonais du début du XXe siècle : Nakae Chômin, Masaoka Shiki, Natsume Sôseki

إيمانويل لوزراند:الجسد والمرض والكتابة مع ثلاثة مؤلفين يابانيين من أوائل القرن العشرين: ناكاي شومين، وماساوكا شيكي، وناتسومي سوسيكي.

-12Bernard Andrieu:Inscrire son corps dans le texte : comment s’hybrigraphier ?

 برنارد أندريو: اكتب جسدك في النص: كيف تهجن نفسك؟

-13Hugo Boris : “Je crois à la contagion du courage”

هوغو بوريس: " أنا أؤمن بعدوى الشجاعة "

-14Marie-Anne Paveau et Pierre Zoberman:Corpographèses ou comment on/s’écrit le corps

ماري آن بافو وبيير زوبرمان: رسم تخطيطي أو كيفية كتابة الجسد

-15Philippe Barrier:Le corps malade, le corps témoin, Dans Les Cahiers du Centre Georges

فيليب باريير:الجسد المريض ، جسد الشاهد

-16Françoise Le Corre: Le corps souffrant : que devient la personne Dans Laennec 2004/2 (Tome 52)?

فرانسواز لو كوري:الجسد المتألم: ماذا يحدث للإنسان؟

-17Science : Nos amis les virus

العلم: أصدقاؤنا الفيروسات

-18Françoise Le Corre: Le corps souffrant : que devient la personne Dans Laennec 2004/2 (Tome 52)?

فرانسواز لو كوري:الجسد المتألم: ماذا يحدث للإنسان؟




 

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية