استهلال
لم أضع في الاعتبار أنني سأُثنّي الرّدَّ على الكاتب هوشنك أوسي؛ فقد تعاملتُ مع ردّه الكتابي على مقالي التعقيبي بما يخصُّ مقاله الأساسي حول الشّاعر والرّوائي "سليم بركات" من موقع الاكتفاء وأنّ القارىء يمكنه الآن أنْ يقرأ ما نُشِرَ حول الموضوع ومن ثمّ يحدّدُ الرؤيةَ عن أدب بركات، سواء انحاز إلى آراء صديقنا هوشنك أوسي أم آرائي أو بنى رؤيته على نحو خاصّ ومفارق. بيد أنّ مشهد احتداد الكاتب وانفعاله كانا من الغرابة بمكانٍ إذ بدا أنّ مقاله التعقيبي، على ما فيه من لـَيٍّ لعنق الوقائع[1]، لم يكن بما يكفي على ما يظهر، فإذا به ينشرُ في مساء ذاك اليوم ذاته فيديو مسجّلاً بعنوان "في ماذا الشّاعر والروائي الكردي سليم بركات أفضل من بقية الكتاب والكاتبات الكرد السوريين؟". لم يحدثْ لي في الواقع على صعيد الكتابة النقدية أن اتكأتُ على هكذا معيارٍ في التفضييل، هذا المعيار الفاسد المطروح في العنوان أعلاه، فالنّصُّ وحده ببنياته وطرائق تشكيل العالم وابتكاره وكذا لغته الفائقة وقوة الخيال فيه وطاقته في الانزياح عن الكتابة السائدة هي التي تمثّل، وتبعاً للنوع الأدبي، معياري في تفضيل عمل على آخر بعيداً عن أية معيارية لا تخدم الواقعين الأدبي والنقدي. وبذلك فقوة الكتابة والأسلوب الغريب والخيال والبنى المبتكرة شعراً وسرداً ومقالةً لدى بركات هي التي تمنح أعماله الأفضلية وليس أيّة معايير خارج ــ نصية وبشهادةِ كبار أدباء العربية المعاصرين (ينظر مجلة القصيدة، ع (1)، خريف، نيقوسيا 1999)، ومن ثمّ فالعنوان أعلاه هو من قبيل إثارة الزوابع واستغلال المرئيّ للفت الانتباه وأشغال المشهد الأزرق باللغو وليس أبعد من ذلك.
والمرئيَّ في حقيقته يكشفُ عن هشاشة المنطق لدى صاحبه وضعف الحجاج وسقم الخطاب الذي ناءَ تحت وطأةِ تمركز بدائيٍّ حول الذات نادراً ما يصطدم به المرء في الزمن الرّاهن ولاسيما مَنْ يعش في زمن الفضاءات الديمقراطية وأثر فلسفات الاختلاف التي قوّضت وتقوّض من تمركز"الذات" حول نفسها، الذات التي تنزع نحو وهم العظمة إذ تستمد نسغها من الأيديولوجيا الشمولية. والأمر ليس بغريبٍ على الكاتب فقد نما وكَبُرَ في ظلال هذه الأيديولوجيا التي لا تعرف سوى الإقصاء. وإذا كان قد أعلن يوماً أنه غادر سياجات هذه الأيديولوجيا، محاولاً التبرؤ منها ما استطاع إلى ذلك من سبل الكتابة والصُّورة؛ فإنه في الواقع لايزال يخضع إلى منطقها وضغوطها في الرؤية ويتنكبها ممارسةً وكتابةً.
صناعة العداوة
صناعة العدواة تنتمي إلى أشغال الأيديولوجيّ وشؤونه على وجه الضبط، إنها صناعته المفضّلة في توزيع البشر إلى فسطاطين: أعداء وأصدقاء، ثم القيام وتبعاً للغايات، مهما كانت ضئيلة أو كبيرة، بتحريك "الأصدقاء" إلى خانة "الأعداء" و"الأعداء" إلى خانة "الأصدقاء"، إنها اللعبة المثيرة التي تشغل ذهن الغائص في مياه الأيديولوجيا، وهذا شأن صديقنا هوشنك أوسي يتقن تماماً هذه الصناعة. يتحدّث في الفيديو المشار إليه آنفاً أن مشكلته الأساسية هي مع "نقاد سليم بركات"، وبالطبع يتمثّل هؤلاء النقاد بالناقد المعروف صبحي حديدي وكاتب هذه السُّطور، مع الإشارة إلى أنّ قائمتي كتابات كلينا تخلو من أيّ كتابٍ مخصّص لأدبِ بركات، فجلّ ما كتبه صبحي حديدي (وهو أستاذ قدير في النقد الأدبي ــ الثقافي والترجمة وصديق قديم لبركات)[2] لا يتجاوز ثلاثة أبحاث في حدود معرفتي (علاوة على بضع مقالات صحفية كذلك)، وهذا لا يقلّل من الجهد الكبير للأستاذ الحديدي في الاقتراب الثري من عوالم بركات. كما أنني بدوري لم أقدّم سوى بحثين(فصلين) رئيسيين فحسبُ في كتابيّ (نظرية العنوان، 2007، وشؤون العلامات، 2008) وما خلا ذلك لا يتجاوز ثلاث مقالاتٍ صُحفية. وفي العرف النقدي ربما لا يجوز نعتنا بـ "نقاد" في أدب بركات، حتى لو أشار بركات نفسه إلى الأستاذ حديدي بوصفه ناقده الأول؟ فالناقدُ الذي يخصُّ أدبَ كاتبٍ ما بأطروحةٍ، أو رسالةٍ أكاديمية، أو كتابٍ، أو أكثر ويتناول القسم الأعظم من أعماله يعدّ ناقداً مختصاً بأدبه فحسب[3]، وكلانا لم يقدّم ذلك بعدُ. أي في الحقيقة لا ينطبق على كلينا هذا المفهوم الذي استخدمه الكاتب، ولنفترض أنه ينطبق، لكنني لا أُدرك، مع ذلك وعلى وجه الدّقة، لماذا يدفع الكاتبُ باسم الناقد الكبير صبحي حديدي إلى مشهد هذه المساجلة التي تخصُّنا نحن الاثنين؟ في الحقيقة لا ينبو الأمر عن صناعة العداوة ذاتها، (إنها مشكلتي مع نقاد بركات، هكذا يصرخُ الكاتبُ...)، وهكذا بدأ صديقنا هوشنك أوسي حديثه بمنطقٍ هشّ أقرب إلى الهُذاء [وهذا مافاجئني به ولم أكن أتوقّع ذلك مطلقاً] في مرئيّه، ليضعنا في خانة الأعداء حتّى يسوّغ أمر المرئيّ ذاته.، لكن القادم كان أكثر مفاجأةً!
المفاضلة الرّثة
يتدفقُ المرئيُّ بهُذاء العظمةِ (وهنا كانت المفاجأة التي تجلبُ القشعريرةَ)، فكيف للمرء أن يلجأ إلى المفاضلة بينه وبين الآخرين والشُّعور بالتفوق عليهم أدباً ووطنيةً ووموقفاً إنسانياً تعاطفياً مع الضحايا في مكان ما، حتى ولو كان هو الأفضل واقعاً في هذه الحقول الإنسانية، كيف يسمح لنفسه أن يقول (أنا أفضل من .... أنا أفضل من بركات...!) فالادّعاء عندئذ لا يخرج عن ضفة ضروب المغالاة والهرف والهَذي واللغو. فإلى ماذا يشير تذكير الضحية بالوقوف مع مشكلتها الإنسانية/ الوجودية؟! إنَّ الوقوف مع الفلسطينيين، أو الكرد، أو الأمازيغ، أو أي شعب آخر "مُسْتَبعد من حصته في الوجود" هو واجبٌ، وهو مسؤوليةٌ وهو لبُّ حاسّة التعاطف الإنساني وليس بمنةٍ، بل من العار والشنّار تذكير الناس بذلك، لأنَّ الإشادة بذلك يقع على عاتق الآخر أو المتعاطف معه إن أراد. بيد أنّ الكاتب هوشنك أوسي لايني مندفعاً بقوة الانفعال الزائد عن الحدّ نتيجة الردّ على مقاله الأول، يتحدّث عن أفضاله الإنسانية من خلال ذكره بما يخصُّ الفلسطينيين في ثلاثٍ من رواياته وأشعاره وهو ينسى في غمرة الرد على "نقاد بركات المزعومين" أن بركات خدم القضية الفلسطينية ستّ عشرة سنة متطوعاً في منظمة التحرير الفلسطينية وأميناً لتحرير مجلة الكرمل الشَّهيرة التي كان الشَّاعر الكبير محمود درويش رئيس تحرير لها، هذا عدا كتاباته (كنيسة المحارب"يوميات"، عن خليل الوزير"الكرمل"، عن محمود درويش الذي يمثّل ضمير فلسطين ولاسيما قصيدته الهائلة عنه في الثمانينات"الكرمل"،...إلخ). ينتقل الكاتبُ في احتدامةِ غضبٍ أُخرى إلى أفضاله على "الكرد" ممارسةً سياسيةً وصحافةً وأدباً، فهل من المنطق أن يُذكّرُ المرءُ الشعبَ الذي ينتمي إليه بأفضاله ومآثره العظيمة عليه أم يدع الأمر للتاريخ والمؤرّخين لكي يسجّلوا ذلك من عدمه؟ في واقع الأمر لم يقدّم بركات شيئاً في هذا الجانب سوى أنه نقشَ كينونة الكرد بخيال أخاذ وأتاح للقراء أنْ يلمسوا لأول مرةٍ عوالم هذه الكينونة وأسرارها وشؤونها وأحلامها وأحزانها وأتراحها وانكساراتها وحقيقتها، لم يفعل بركات سوى أنّ أودع تاريخ هذه الكينونة في خزائن الفن السّردي ــ الشّعري، بصمتٍ وبعيداً عن إثارة الضجيج والزوابع: [فقهاء الظلام، الريش، معسكرات الأبد، أنقاض الأزل الثاني، الأختام والسديم، دلشاد، هياج الأوز، سبايا سنجار، ماذا عن السيدة اليهودية راحيل؟...إلخ]، أما قصيدة "مهاباد" فسأدع الصديق هوشنك أوسي يعيد قراءتها بهدوء..!!
لا شك بأن المرءَ يشعر بالحزن وهو يستمع إلى الكاتب وهو يفضّل ذاته في شأن مواقفه على صعيد التعاطف الإنساني. لكنَّ الأفضلية تعني ضمناً وعلناً على صعيد الإبداع كذلك...! بيد أنّه من الخطأ الحديث عن المضاهاةِ، بل إنَّ القيام بذلك سيُدخل خطابي ذاته إلى باب اللغو، لذلك سأشير إلى أمرٍ مهمٍ هنا مفاده أنني قرأتُ جملةً من أعمال الشاعر والروائي هوشنك أُوسي، وعلى وجه التحديد: [قلائد النار الضّالة في مديح القرابين، 2016، كمائن قاطع طريق، 2018، لا أزل إلا صمتك، 2020، بعيني غراب عجوز،2020، وطأة يقين؛ محنة السُّؤال وشهوة الخيال، دار سؤال، 2017 حفلة أوهام ... مفتوحة، دار سؤال، 2018]، وهي في مجملها لا تتجاوز المستوى الفني المقبول ضمن إطار الكتابة الإبداعية السّائدة (أي تلك التي نلفيها في المشهد الثقافي راهناً)، وهي لا تنزاح عنها اختلافاً مائزاً ومن ثمّ لا تنتمي إلى النّصيّات العالية مطلقاً حتى في أفضل النّصوص التي أنجزها، مقارنةً مع كتابته، والتي أشرتُ إليها في قراءتي الأخيرة لمجموعته "بعيني غراب عجوز"، وبذلك فالمضاهاة وليست المفاضلة ــ فهذه ليست واردة بالقياس إلى إنتاج الكاتب الفعلي بالنظر إلى النصوص المشار إليها ــ تغدو باطلة أصلاً وفصلاً.
لكن في حمأةِ الانفعال وسورتِهِ لا ينسى العقلُ الأيديولوجيُّ قانونه الأساسيُّ، أي اللجوء إلى صناعة العداوة والصَّداقة والاصطفاف في الوقت ذاته، فينجرُّ إلى خطأ أشنع، إذ ذهبَ الخطابُ بالسّيد هوشنك أوسي إلى تفضيلٍ باطلٍ آخر؛ فجعل من أصدقاء كتّاب (جان دوست، هيثم حسين، مروان علي ومها حسن ثم أضاف خالد خليفة ونزار آغري) يتفوقون في أدبهم على بركات إبداعاً...! لكنّ بعضاً منهم هؤلاء الأصدقاء الكتّاب، رفض هذه المغالطة جملةً وتفصيلاً من حيث إنّ المفاضلة في هذه الجهة غير واقعية وغير صحيحة فلا مجايلة تجمعهم مع سليم بركات، ورفض أن يضع نفسه في هذا التصنيف. كما أن "البعض الآخر" لم يهتم بالأمر مطلقاً. ومن جهةٍ أُخرى فثمة جيلٌ كاملٌ من الكتّاب الكرد (في سوريا) تغذّى أدبياً على نصوص بركات، قبل أن يشرع في الكتابة، وصديقنا هوشنك نفسه قد خضع إلى تأثير بركات السَّاحق في نصوصه الشِّعرية ولاسيما " قلائد النار الضّالة، والقسم الأول من "لا أزل إلا صمتك". إنّ الكاتبَ الحقّ، الكاتب المبدع يكتب منذوراً بنداءِ الاختلاف والتغاير بعيداً عن ترهات المفاضلة، فالمعيار ليس في ذلك وإنما في مساحات الاختلاف الجديدة التي يبتكرها والرؤية الكونية المغايرة التي يقدُّمها في أعماله ناهيك عن قوّة الأسلوب الذي يكتب به، تاركاً أمر التقييس والمفاضلة للقراء فحسب.
قلق التأثر كَرّة أخرى
إنّ الفهم الخاطىء للكاتب هوشنك أوسي لنظرية "قلق التأثر"، ورفضه القاطع للاطّلاع على النظرية حتى من باب الاستئناس، هو الذي أوقعه في حمأةِ هذا الانفعال، إذ ساءه أنْ أصفَ محاولته النّقدية في الإحاطة بأدب بركات في المقال الأول بمحاولة الاغتيال الفاشلة، فالأمر بالنسبة لي لم يكن يتجاوز الاستعمال المجازي للضعف النقدي الذي وسم المقال والأحكام المتسرّعة التي خرج بها الكاتبُ، مع العلم أن هارولد بلوم يستخدمُ مجازاتٍ أقسى في توصيف الصّراع بين الكاتب اللاحق والسّابق: "ووفقاً لبلوم، لا يمثّل التأثيرُ الأدبيُّ تفاعلاً حميداً للحاضر مع الماضي، بل يمثّل النضال الأوديبي للشعراء المتأخرين كي يغزوا أسلافهم أو "يغتصبوهم". فـ"القادمون بعدُ، يسعون عبر فعل إساءة القراءة" ــ وهي إساءةُ قراءةٍ دفاعية تخفّفُ من غلواء سابقيهم إلى توفير مساحةٍ لإبداعاتهم الخاصة."[4] والطّريف في الأمر أنني وظّفت النظرية ذاتها في قراءة مجموعة الكاتب العربية الأولى لكنه لحظتئذٍ ــ وبدلاً من الانفعال وافتعال العداوة كما نرى الآن، اتجه بسعي حثيثٍ للتحرّر من تأثير بركات الذي ظهرت بوادره بوضوح في مجموعته الأخيرة "بعيني غرابٍ عجوز"...!
التوصيف "المتعسِّف" للنقد التأويلي
تكرّرت عبارة "النقد التأويلي الذرائعي المتعسف" كتابةً وإراءةً لدى الكاتب، في توصيفٍ لجهدي المتواضع في القراءة النقدية. وفي واقع الحال فالقراءة النقدية تستغرق زمناً طويلاً للتأسيس إذ شرعت تشكّلاً بالنسبة لي في المرحلة الأكاديمية الأولى فلاحقاً اعتماداً على علوم اللغة قديماً وحديثاً وعلوم الدلالة والسيميائيات والبلاغة ومناهج النقد واستراتيجياته ولاتزال تتغذّى من القراءة المستمرة مراجعةً وإعادةَ نظر قدر الإمكان، أي أنّها لم تتأسّس ولم تُمارس في ضروب من الهوى والرّغبة والابتسار والكتابة المباشرة للطعن في النّصوص وأصحابها لغاياتٍ ما حيث "نقد المثالب" الذي ينسى النص وعوالمه فرحاً باصطياد خطأ ما، فإزاحة أثر المؤلّفين وحضورهم في القراءة شرطٌ للقراءة التي أقوم بها، كما أنّ التأويل له قوانينه التي تتحدّد بالنّصّ وسياقاته وارتباطاته وحركة العلامات ضمن سياق الثَّقاقة التي أنتجت النّصَّ، أي أنَّ قراءتي محايثة(ملازمة) ومرهونة بجملةٍ من القيود لا يمكن لها أن تتجاوزها وتبقى ضمن إطار ما يرسمه لها النصُّ من خرائط الحركة التأويلية، ولذلك فإن توصيفَ الكاتب لها بـ"التعسّف" أو "الذرائعي" هو من باب التوصيف المتعسّف ذاته الذي يبحث عن التماثل والتطابق والاصطفاف معه، التفكير الملتذ بخصال الأيديولوجيا.
لم تكن الغاية من مقالي الأول "فضيلة اللغة الجائرة: عن شؤون الكتابة لدى سليم بركات/رامينا نيوز" سوى التفاعل مع مقال الكاتب عن أدبِ بركات وفتح آفاق الحوار مع الأفكار الواردة فيه، بل توسيعه لاستدراج نقّاد آخرين إلى المناقشة فأدب بركات من وجهة نظري يستحق المناقشة والسجال المنتج، أي أنه لم يكن طعناً في الظهر بخلاف ما ترى توصيفاتُ الكاتب في مقالي السجاليّ، وهي توصيفات تحمل الكثيرَ من الدمغة السّياسيّة كما يظهر من ردود الكاتب!
وأخيراً وفيما يتعلّق بدراستي الخاصّة برواية الرّوائي جان دوست "مخطوط بطرسبورغ: الرماد تاريخاً/ مدارات كرد" والتفاعل النقدي ــ المضاد في الهامش منها [من خلال الحوار الافتراضي] مع قضايا متنوعة ومنها قضايا وردت في مقالة صديقنا هوشنك أوسي حول الرّواية ذاتها وما شاب ذلك من ملابسات تخصُّ المقالة ستكون موضوعاً واسع النّطاق وبالتّفصيل في [الهامش 2] المرتقب وبعد أنْ ينشرَ الكاتبُ مقاله بصورةٍ رسميةٍ وقد نشره توّاً!
[1] ـــ على سبيل ذلك حديث الكاتب عن "اللغة الكردية"، فمقالي يتحدّث عن غياب الوضع القانوني للغة الكردية في سوريا، إذ ليس ثمة وثيقة تُثبت أن اللغة الكردية جرى الاعتراف بها من لَدُن الحكومات السُّورية قاطبة منذ تأسيس سوريا الحديثة وحتّى بداية الأزمة السورية الخانقة، أي أنّ الكرد لم يتعلموا بلغتهم كلغة علم وأدب بشكل اعتياديّ. وإذا كان ثمة تغاضٍ عن وضع اللغة الكردية في فترة الاستعمار الفرنسي وحتى فترة الخمسينيات (سليم ولد1951ـــ) فإن الوضع القانوني للغة الكردية مع مجيء سلطة البعث تعسّر أكثر واختنق (وهي الفترة التي درس سليم بركات في ظلها المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية (فترة التكوين اللغوي) حتى بداية السبعينات، لينتسب إلى جامعة دمشق، إذ مُنعت اللغات الوطنية قاطبة ماعدا العربية التي أصبحت اللغة الوحيدة والمهيمنة، لغة السّلطة والمؤسسات والعلم، لتغدو الكردية لغة التواصل الشفاهي فحسب وانقطعت عن سبل النّماء والتطور. أما القول بأنّ شعراء مثل (جكرخوين[1903ــ 1984] وقدري جان[1916ـــ 1972] وتيريز[1923ــ 2002]) تعلموا الكردية وكان على سليم أن يجاريهم فهذا من ضرب الفكاهة وقتئذٍ، فهؤلاء يتقدمون سليم زمنياً وكانوا على إتقان بالكردية باكراً إبان فترة الانتداب الفرنسي، فحين كانوا يمارسون الكردية كتابةً وتعلماً وتعليماً لم يكن سليم قد انزلق إلى العالم بعدُ...علاوة على غياب ذلك الاختناق والقيود حاصرت الكردية إبان استيلاء "البعث" مقاليد السّلطة في سوريا حيث حُرمت أجيال كاملة من كرد سوريا من تعلم لغتها وممارستها نطقاً وكتابةً وأدباً في المؤسسات الخاصة بذلك إلا بمبادرة فردية وفي الخفاء فلم تكن ثمة حتّى مدرسة ابتدائية واحدة في عموم سوريا قاطبة. أما بخصوص الأمثلة التطبيقية في مقالي عن أدب سليم بركات فقد أوردت نموذجين من المسار البياني لتطور العناوين لدي بركات شعراً وسرداً ثم حللتُ ثلاثة مقاطع نصية من السيرتان (1980)، كبد ميلاؤس(1997) والثلوج أكثر خداعاً(2021) فلماذا لم يلتفت إليها الكاتب في رده بل أنكر وجودها...!! وهذه الأمثلة كافية في مقالٍ سجاليّ...علاوة عن أنني قدّمتُ قراءات تطبيقية في كتابي "نظرية العنوان، 2007، وشؤون العلامات، 2008".
أما عن ترجمة أعمال بركات إلى اللغات الأخرى فيمكن تقديم القائمة التالية وهي ليست بكاملةٍ، ولكنها تدلّ على نشاطٍ لا بأس به في هذا المجال (والشكر الجزيل للشاعر محمد عفيف الحسيني والروائي خليل جابو على إمدادي بهذا الجانب المهم):
أولاً: الأعمال المترجمة:
ـ تُرجمت لسليم بركات سبعة كتب للسويدية، من ضمنها مختارات شعرية باسم الثعلب بمشاركة محمد عفيف الحسني مع المترجم السويدي جوناثان مورين.
ـ البولونية كتاب واحد بتوقيع هاتف الجنابي.
ــ الفرنسية ثلاثة كتب (فقهاء الظلام، كهوف هودراهوداهوس، مجموعة سوريا)
ــ العبرية كتاب واحد.
ــ الكردية وباللهجتين مجموعة كثيرة من كتبه، ومن ضمنها مختارات شعرية.
ـــ الانكليزية مختارات شعرية بتوقيع صبحي حديدي.
ــ التركية كتاب الأقراباذين.
ــ الإسبانية كتاب واحد (رواية الريش)
ــ الألمانية (السيرتان) بتوقيع السويسرية بورغي روس.
ــ كتاب مترجم لليابانية.
نقطة أولى (...) أن سليم نشر لإبراهيم حسو، لقمان ديركي، إبراهيم اليوسف، طه خليل، ومحمد عفيف الحسيني، ومختارات لشيركو بيكه س.
ونقطة ثانية أن سليم بركات لم يكتب مقدماتٍ لكاميران حرسان الأصح وللشاعرة آخين ولات، والشاعرة مها بكر، والمجلد الشعري: مختارات مترجمة للعربية لشيركو بيكه.
ثانياً: الجوائز:
حصل على الجوائزة الآتية: جائزة توخولسكي عام 2000، جائزة المنتدى الثقافي اللبناني في باريس عام 2002، جائزة بيره ميرد في كردستان عام 2005، جائزة الشاعرة السويدية "كارين بوي" عام 2007، جائزة أركانا الدولية المغربية للشعر، قبل 3 سنوات، واشترطت اللجنة حضوره، لكنه رفض، فحجبوها عنه، الجائزة الفرنسية باسم الشاعر ماكس جاكوب حصل عليها قبل أربع سنوات. وأخيراً العام الماضي كان أحد المرشحين لجائزة لنوبل...(محمد عفيف الحسيني مشكوراً).
[2] ـــ من الأبحاث التي اطلعت عليها للناقد صبحي حديدي بصورة دقيقة: سليم بركات: فتنة المعجم وإسار الدلالة، مقدمة المجلد الأول من الأعمال الشّعرية لسليم بركات، بيروت: المؤسسة العربية لتوزيع المطبوعات، ط1، 2007. و"سليم بركات في نهايات العقد الثالث من تجربته الشعرية: الكردي ــ البازيار الذي شدّ العربية من تلابيبها، مجلة القصيدة، ع (1)، بيروت، خريف 1999. و"مقاربة لسردية بركات في كتابه (الرواية والتاريخ: الأرشيف ومجازات السرد، الأهلية للنشر والتوزيع ــ 2019)". وفي قائمة أعمال الناقد صبحي حديدي لا نقع على أي عنوان يخصُّ أعمال بركات بصورة مستقلة ولمن يودّ التدقيق، يُنظر الرّابط:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D8%A8%D8%AD%D9%8A_%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D9%8A
[3] ــ وفي الواقع؛ فالمكتبة النقدية العربية تقدّم أسماء أخرى مختصّة بأدب بركات بصورةٍ جذريةٍ على صعيدي السّرد والشّعر (شعيب حليفي [شعرية الرواية الفانتاستيكية، 2009] ومحمد بوعزة [هيرمينوطيقا المحكي (النسق والكاوس في العالم الروائي لسليم بركات، 2014]، حسين سيتو [التشفير العلامي في النص السردي: روايتا دلشاد وإسماعيل الذبيح نموذجاً، 2018]، سامية السلّوم [الصورة الشعرية عند سليم بركات من خلال ديوانه طيش الياقوت، أطروحة دبلوم، 2001]، سنابل الفار[سليم بركات شاعرًا: قراءة في ضوء الأسلوبية التكوينية، أطروحة ماستر، 2013] ، محمد صادق إبراهيم [التغريب في شعر سليم بركات، أطروحة دكتوراه، 2015]، ولاء أبي زيد [الصُّورة الشعرية في الخطاب الشعري لدى سليم بركات: مقاربة أسلوبية، أطروحة ماستر، 2019]، ومؤخراً شاهو سعيد[ سردية العبث الكردي: قلق الهوية والإنوجاد في روايات سليم بركات...إلخ؟ هذه الكتب والأطاريح المشار إليها في هذا الهامش تؤكّد قوة أدب بركات وشدة حضوره في المشهد الثقافي العربي/ الكردي...والإمكانيات غير الاعتيادية التي يتيحها لعملية التأويل...
[4] ـــ يُنْظَر باول إندو: قلق التأثر ج (3) مفاهيم، ص22 ــ 24 ضمن كتاب موسوعة النظرية الأدبية المعاصرة، ترجمة: حسن البنا عز الدين، القاهرة: المركز القومي للترجمة، ط 1، 2017.
0 تعليقات