I: سيرة القراءة

إنّ الفعلَ النقديَّ لم يعد يخضع للانطباعات والحدوس البسيطة وإنما يتهيكلُ في ترسيمةٍ مركبّةٍ من استراتيجياتِ القراءة والمفاهيم الفلسفية وخطط القراءة التأويلية، وهذا الفعل في جملة أبعاده يتجاوز البحثَ عن "العثرات" ــ أو مطاردة "النُّصوص" عبر محرّكات البحث الإلكترونية في مسعى حثيثٍ للتشهير وذلك لتحقيقِ غايةٍ ما ـــ أقول يتجاوز ذلك كونه يتوخّى الكشفَ عن جماليات النص وأسراره في خطوةٍ أولى ثم ينتقل إلى موضعة النّصّ في سياق الثقافة التي أنتجته، فالنُّصوص لا تنبثقُ من عدمٍ، هذا التحرّر للنصّ من عالمه المغلق إلى عالمه المفتوح هو الذي يمنح القارىء ــ النقدي الطاقة والمجال لمضاعفة الفعل التأويلي للعلامة الأدبية في تضاريس قراءته ولاسيما حينما يرتبطُ الأمر بألعاب الخيال الأدبي.

في الصفحات الآتية تفرض عليَّ المناقشة ـــ رداً على مقال الكاتب هوشنك أوسي الموسوم ["بضدّها تتبيّن الأشياء": في النقد التعسّفي الذرائعي (الحلقة 2)] الذي تناول دراستي المخصصة لرواية "مخطوط بطرسبورغ"/ بكثير من التعسّف والتجنّي ـــ أن أفصّل القراءات التي سبقت قراءتي لهذه الرواية، للوقوف على أنّ الفعل النقدي ليس سليلاً للضغينة والمقت وإنما فعلٌ معرفيّ وجماليّ يستهدف فتح الأفق للحوار ولاسيما أن القراءة فهماً وتفسيراً وتأويلاً تتعلّقُ بالعمل الأدبي لتعميق الإدراك للعالم. انطلاقاً من هنا؛ لنستعيد حكاية قراءتي لهذه الرواية المهمة وفق سردية نقدية[1] مغايرة لتلك التي أوردها صاحب المقال:

II: مخطوط بطرسبورغ والقراءات النقدية حسب الترتيب الزمني

مع انتهائي من قراءة "مخطوط بطرسبورغ" لمستُ أنّ الرواية تقدّم عوالمها من خلال سرد ممتع ومرن، إذ يعرضُ السّرد واحدةً من إشكاليات التّاريخ الكردي الذي تحكّمت به الشّفاهية على حساب الكتابية، فذابت مراحل تاريخية كردية طويلة لم يجر تدوينها، ليتخذ الروائيُّ من علاقةٍ بين المؤرخ الكردي البايزيدي والقنصل الروسي ألكسندر جابا محوراً رئيسياً لمعالجة أحداث الرواية في بنية تكتونية محكمة. وبهذه الصُّورة كنتُ أواجه أمامي أربعَ قراءاتٍ نقدية حسب تواريخ انتشارها في الشبكة الإلكترونية عن الرّواية ذاتها، ثلاث منها إيجابية في رؤاها وواحدة سلبية للغاية:

1ــ محمد جبعيتي: "مخطوط بطرسبورع لجان دوست. الأكراد ولعنة الجغرافيا ومحاورها [قصة المخطوط، المخطوط/ الحكاية، الرّواية والتاريخ، خطان سرديان، التجريب وأنسنة الكائنات الجامدة، اللغة والفضاء الجغرافي] / منصة الاستقلال الثقافية 11‏/10‏/2020.

 2ــ أنطوان أبو زيد: جان دوست يستعيد حقبة تاريخية بآلامها وعبَرها: "مخطوط بطرسبورغ" رواية تعيد كتابة التاريخ عبر التخييل السردي، ومحاورها: [قصة المخطوط/ التاريخ الكردي، اللقاء بين الرجلين، مسألة التدوين، سرقة المخطوط، أنسنة الكائنات] / الأحد 6 سبتمبر 2020/  اندبندنت عربية

3ــ هوشنك أوسي: رواية "مخطوط بطرسبورغ" لجان دوست: المتخيّل التاريخي المتعثّر [تصدير النّاشر، فخّ العنوان، العلاقة بين المثقف والسياسي، مشاكل تقنيّة، اقتباس، منطق الأشياء والأحوال(أنسنة)، السّؤال المحيّر] لم تكن منشورة لحظتئذٍ ونُشرت لاحقاً في رامينا نيوز، فبراير، 20، 2022.

4ــ إبراهيم محمود: حدوديات النّص الروائي: جان دوست في روايته" مخطوط بطرسبورغ: سيرة رجلين: [صفة الحدودية، جان دوست: قارئ تاريخ وكاتب روايات تواجه التاريخ الموضوع، حدود اللاحدود، ألسنة مستعارها في جوهرها] / رامينا نيوز،26 ديسمبر. 2021

وقبل الإشارة إلى دراستي ومحاورها لابدّ من الإشارة إلى أن الرواية بموضوعها قد فرضت عوامل مشتركة بين القراءات الأربع: علاقة التاريخ بالسّرد، سيرة البايزيدي (المثقف) وجابا (السياسي)، أنسنة الأشياء، سرقة المخطوطة بأيدي عصابة كردية (وليس شركسية كما ظنّ أنطوان أبو زايد) / السؤال المحير.

وفي واقع الحال تختلف الدراسات الأربع باستراتيجية القراءة وهي تتأرجح بين عرض للرواية مع تأويل مختصر كما في المقالين [1و2] وقراءة مثلبية، طعنية، اتهامية دون التصدي لقضايا الرواية وتأويلها وهي تتمثل في المقال [3] ثم قراءة ثقافيةـ امتدادية شاسعة في (4) إذ تناولت أغلب الموضوعات التي تناولتها المقاربات (1، 2، 3). وإذا تيقنّا بأن الصّلة بين كاتبي (3) و(4) مقطوعة، علاوة على أنّ القراءة رقم (3) لم تُنشر وقتها، لكنّ المنطق لا يستبعد البتة العلاقة في المحاور بين القراءة (3) والسابقتين لها زمنياً (1، 2)، فالاطلاع على الدراسات السابقة من شروط القراءة النقدية التي تفرض حضورها على الباحث، لا مندوحة له عن هذا الأمر، إذ تفتح له أبواب الحوار والتماثل والاختلاف، فالتقاطع التناصي/ التأثيري واقع شئنا أم أبينا فالموضوعات والقضايا متماثلة ومختلفة في الوقت ذاته بين القراءات الثلاثة لكنّ المعالجة المختلفة والمتضادة هي الفيصل حتى وإن تماثلت محاور القراءة، فهل استفاد كاتب (3) من قراءتي (1 و2) أقلّه على مستوى محاور القراءة؟ ةبناء على ما تقدّم وضعت محاور قراءتي:

5ــ خالد حسين: مخطوط بطرسبورغ: التاريخ رماداً: [قوة العنوان، مغزى التصدير وإشكالية كلمة الغلاف، من التاريخ المفقود إلى لعبة المتخيَّل الروائيِّ، تاريخ كردستان الحديث: زمن القيامة، هامش الدراسة: "أسئلة الحوار الافتراضي: (البنية، التقنية "التكرار، الأنسنة"، الأسلوب، والتناص)]. وسيراً على عرفٍ منهجيٍّ أكاديمي منذ عام 2000 تتحدّد استراتيجيتي للعمل السّردي بمقاربة الموازيات النّصية (العنوان، العنوان الداخلي، العناوين الداخلية، التصديرات، كلمة الغلاف، البدايات والنهايات ينظر بخصوص ذلك كتابي "في نظرية العنوان، 2007")، أولاً؛ لتأتي من ثمّ محاور الزمان والمكان والقوى الفاعلة ووجهات النظر المتنوعة للعوامل النَّصيّة على التتابع إثر ذلك؛ لتنتهي القراءة بخاتمة مكثفة.

كان لابدّ من بناءِ هذا السّياق حتى يمكن للقارىء أن يخرجَ بفهمٍ أعمق لألاعيب الكاتب هوشنك أوسي في التعامل مع مادتي عن رواية "مخطوط بطرسبورغ" التي قدّم عنها، كما أشرنا وقبلي، قراءةً من صنافةِ "النقد المثلبي" الذي يَدَعُ النّصّ ويطارد بعض العثرات فارّاً من أسئلة الرواية الجوهرية لغاياتٍ في نفس يعقوب كما يذهب القول.

III: مخطوط بطرسبورغ، القراءة المثلبية، القراءة التأويلية

 بتوزيعه لمقاربته ["مخطوط بطرسبورغ" لجان دوست: المتخيّل التاريخي المتعثّر] على عددٍ من أصدقائه شرعتِ المقاربةُ بحكم المنتشرة، شاء الكاتب ذلك أم أبى؟ وكان الهدفُ من هذا الانتشار الأوليّ هو إيصالها إلى مؤلّف الرّواية ذاته الرّوائي "جان دوست"، حتى يبادر الأخير إلى مفاتحته والتودُّد إليه، ليتقي أمر "الشّذرة المختلسة"...!، أي إنّ الأمر لم يكن يخرج عن لّي العنق وكسر العظم. ومهما كانت غايات الرجل فقد طلبتُ منه السّماح لي باشتباكٍ نقديٍّ مع مقالته أو بعض من الأفكار الواردة فيها بطريقةٍ أكاديمية بحتة، لتطوير الحوار حول الرواية وإدخال قرّاء أُخر إلى فضاء القراءة. لكنه رفض بصورةٍ مطلقةٍ. وكان عليّ الالتزام بالأمر، من حيث عدم الاقتباس من قراءته مطلقاً ولو بحرفٍ واحدٍ أو ذكر اسمه في القراءة.

قسّمتُ مقاربتي إلى متنٍ (حيث عالجتُ قضايا العتبات النَّصية والتاريخ والسَّرد والخاتمة) وهامشٍ لجأتُ فيه إلى تقنية إدراج حوار افتراضيِّ لمعالجة موضوعات بنيوية كثيرة تمسُّ التماسك البنيوي للرّواية وقضايا "التكرار"[2] [والكاتب هوشنك أوسي هو الوحيد من بين النقاد الثلاثة من استقطع جملةَ من الأمثلة التكرارية دون أن يناقشها أو يدرجها في السّياق النّصي، وقد حللتُ ثلاثةً من الأمثلة فحسب من جملة الأمثلة العديدة التي ذكرها الكاتب في قراءته. وفي الوقت الذي اكتفى الكاتب بإيرادها قدّمتُ لها تفسيراً في سياقها النصي إيجاباً أو سلباً]، ثم يأتي موضوع الأنسنة (وهو موضوع تشترك فيه المقاربات الخمسُ مطلقاً ذِكرْاً أو تحليلاً]. أما عن مسألتي التناص والطبقات التكتونية فهما مسألتان جديدتان لم تقترب منهما أيُّ من المقاربات المذكورة أعلاه.

ولابدّ من الإشارة أننا [هوشنك وأنا] تناقشنا في مسألتين طارئتين على هامش قراءته وهما لقب القنصل الروسي البولوني ألكسندر: هل هو [زابا/ أم جابا]؟ وقضية الاختلاف بين [الوعل والأيّل]. وقد وضّحت رأيي في حاشيتين بسيطتين في هامش قراءتي، وأعتقد أنّ وجودهما من عدمهما لا يقدّم ولا يؤخّر من دراستي للرواية. وبناء على ما تقدّم فلا يتجاوز التقاطع بيننا بصورة فعلية أمثلة التكرار الثلاثة (ومكانها الهامش لديّ)، فمن أين أتى الكاتب بنسبة 60 بالمئة من مقالته التي أدرجتها في مادتي التي بلغت 7243كلمة؟ إن الأمر المهم ليس التقاطع في موضوعات التاريح والرّواية/ الأنسنة والتكرار، الكتابة والشفاهية ومصير المخطوط، المثقف والسياسي...إلخ وإنما هو استراتيجية المعالجة والتأويلات المختلفة التي يمكن أن يمنحها القارىء/ الناقد لها. وكما لاحظنا فأغلب الموضوعات تكرّرت لدى القرّاء الخمسة لكن ما هو مختلف ومغاير يكمن في طريقة العرض والاستنطاق والتأويل، ولا يجمع دراستي مع مقال هوشنك جامعٌ على هذا المستوى الاستراتيجي. وبإمكان القارىء الكريم أن يتقصّى مساحة القراءتين كلتيهما عن كثب ليرى الواقع الفعلي[3].

ومن جهةٍ أخرى هل يمكن إدراجيَ محور الموازيات النّصيّة (العنوان، التصدير، كلمة الغلاف، بدايات النص ونهاياته، الهوامش) في دراستي تحت تأثير مقال الكاتب؟ على الكاتب ألا ينسى بأنني أنجزتُ أطروحة دكتوراه في نظرية عتبات النص (مصاحبات النّصّ)، التي طُبعت بعنوان في "نظرية العنوان"، 2007 أي أنّ هذه العناصر غالباً ما أُقاربها ضمن ممارساتي النقدية بصورة متكررة، فهل يعني هذا بأنّ الذين يقاربون موضوعة العناوين قد تأثروا بدراساتي حول الموضوع يا للفكاهة السوداء! ومن قبيل التذكير فإنّ الكاتب قد اطّلع على دراستي السّابقة لرواية جان دوست "ممر آمن" وناقشها معي في هذه الثيمة بعد نشرها، فهل اختلس موضوعة العنوان والتصدير من دراستي؟ كما ومن باب التذكير فقد قدّمتُ دراسةً عن روايته الأولى بعنوان: " وطأة اليقين: من تضاريس الخطاب إلى أسرار العتبات، مجلة الجديد، 1، 6، 2017"[4] تنطلق القراءة من العتبات النصية ذاتها وكذا الحال مع مجموعتيه الشّعريتين "قلائد النار الضالة وبعيني غراب عجوز" وسأفتح قوساً هنا لأذكّره، لعلّ الذكرى تنفعه: [فقد عرضَ عليّ السيد هوشنك أوسي روايته المذكورة "وطأة اليقين"ً وشطبتُ على مساحة نصية منها (قصة مدرجة ضمن الرّواية بمساحة كبيرة ولا دور لها في تطور النص" ووضعتُ لها العنوان الكائن الآن على وجه التحديد. وتكرّر الموضوع ذاته مع مجموعة "بعيني غراب عجوز" تصحيحاً ووضعَ عنوانٍ، هذا فضلاً عن تدقيق الكثير من تراكيبه الشّعرية وتمرير التصحيحات من خلال "الماسنجر" إليه، فكيف الآن سأستغيث بمقاله، الذي يبدو أضعف المقالات التي ذكرتها، وأدرجه في مقالتي وأستحوذ عليه؟].

إنّ القارىءَ النقديَّ الذي لا يعير انتباهاً إلى النّهاية الذكية لرواية " مخطوط بطرسبورغ" ليس بالقارىء النقدي حينما يتجاهل حرق المخطوط بأيدي "قطّاع طرق كرد". فهل ما أشار الكاتب هوشنك أوسي في مقاله، له الفضل في شدّ انتباهي أم الأمر محض افتراء؟ للإجابة دعونا نرتّب التفسيرات المقدّمة لهذه الموضوعة زمنياً لدى الكتّاب الأربعة:

1ـــ محمد جبعيتي (1): [...لينتهي الكاتب إلى استنطاق المخطوط نفسه، الذي اشتغل عليه البايزيدي مدَّةَ عامين؛ يَسْتَجْوِبُهُ حول مصيرِهِ الغامض، لتكونَ المفاجأة أنّه انتهى نهايةً مأساويَّةً، حين ألقَمَهُ قُطّاعُ الطرق للنار، في ليلةٍ شتائيّةٍ قارسة البرودة، هكذا ضاع جهد البايزيدي، وتحوَّلَ مخطوطُهُ إلى رماد]، 20، فبراير، 2020.

2ــ د. أنطوان أبو زيد (2): [غير أن المخطوط المذكور سوف يقيّض له ألا يصير كتاباً منضّداً، لأن القنصل الروسي، في سفره إلى موسكو (الصحيح وقوع عربة البريد في الكمين)، قاصداً مكتبتها وإدارة الكلية العلمية فيها لتسليمها المخطوط، وقع في كمين نصبته له جماعة من الجركس (الصحيح جماعة من الكُرد)، جردته من كل غال وثمين ولم توفر المخطوط، الذي عمد بعض أفرادها الجهلة إلى إحراق أوراقه، واحدة تلو أخرى إذكاء للنيران وتدفئة للأبدان]، 6 سبتمبر 2020.

3ــ هوشنك أوسي (3): [الغريب في الأمر، حتّى على مستوى التخيّل الروائي، أن يختتم جان دوست روايته هذه بتحميل الكرد مسؤوليّة ضياع ذلك المخطوط، وحرقه من قبل قطّاع طرق كرد أميين وجهلة. كان في إمكانه عدم نسب قطّاع الطرق إلى ملّة بعينها، بل إلى الجهل والجريمة وحسب، لكنه نسبهم إلى الكرد. تلك النهاية، على جمالها، خلقت لدي سؤالاً محيّرًا وبسيطًا؛ لماذا؟!] نُشرت لاحقاً 20، فبراير، 2022.

4ــ إبراهيم محمود (4): [وهي النقطة المفصلية التي تسمي ما هو حدودي، حيث يصبح الكرد أنفسهم ضحايا أنفسهم، وحدودهم التي تقاضيهم من خلال هذا المتحصل، كما لو أن الجهل هو الممضي باسمه، وليس العلم، وما ينوب الكرد، جرّاء هذا التمثيل المرعب، وعبر جهل محتفى به، أو مستأنس به، أو مراعى بصيغ شتى، يعيش الكرد موتهم الرمزي] / 26، ديسمبر، 2021. 

للعلم فإنّ قراءتي لبحث الأستاذ إبراهيم محمود قد سبقت قراءتي لمقال الكاتب هوشنك أوسي. وهكذا، فإنّ مصير "المخطوط" وفق قراءتي للأبحاث انطلقت من التفسير البسيط لمصير المخطوط لدى "محمد جبعيتي"، تالياً التفسير الخاطىء لأنطوان أبو زايد (جماعة من الشركس) ثم تأويل إبراهيم محمود الأقرب إلى دراستي، لتكون الخاتمة مع ما كتبه الكاتب هوشنك أوسي عن مصير المخطوط دون الإقدام على أي تفسير، بل انتهى بحيرةٍ متسائلة [خلقت لدي سؤالاً محيّرًا وبسيطًا؛ لماذا؟!]. وهذا ما أعتبره هروبَ القارىء النقدي من مواجهة تفسير "النهاية" النصية وهي الحدث الأخطر في الرواية. إنّ المنطقيَّ في واقعة "مصير المخطوط" هو التقاطع التأويلي ما بين تأويل الأستاذ إبراهيم محمود وتأويلي للنهاية على ما بينهما من اختلاف وليس بيني وبين التفسير البسيط للكاتب لهوشنك أوسي. وهنا يمكن لي الآن تثبيت جزء من تأويلي للنهاية:

5ـــ خالد حسين، نظراً لتفسيري التاريخي الطويل لذلك سأكتفي بهذا المقطع: [كما لو أنّ “المخطوط” لم يُدوَّنْ، كما لو أنّ المؤرّخ لم يقلب الأحداث والعبر على وجوهها ليحفرها حبراً بعدئذٍ في بياض الورق السّمرقندي للأجيال القادمة، كأنَّ لا“تاريخ” البتة قد خطّه البايزيدي! ستطول أصابع الجهلة الورقة الثمانين (وقائع منطقة بهدينان)، ثم الورقة المئة (وقائع منطقة بوطان) ثم ورقات المخطوط المئتين إذ يصل لحظتئذٍ الحريق إلى الورقة الأولى، أول التدوين في المخطوط: [لكل شعبٍ تاريخٌ يبحث في أصل ذلك الشعب ويهتم بالوقائع الجسيمة التي عاشها وتشهد للأمم الأخرى على وجوده. ص187]. لكل شعبٍ سجلٌّ ينقذه من صمت المجهول وإنكاره، يرسم حدود كينونته بين الأمم، يتكلم باسمه، يجعله حاضراً، متواصلاً يدفع التأويلات والاتهامات العمياء عنه، تاريخ/ مخطوط كان من المفترض أن يضيء الزمن الكردي الذي تلا كتاب شرفنامه للمؤرّخ العظيم البدليسي لكنه الآن، إذ تعتمل النيران فيه، ليس أكثر من روث[(تا(ريخ]، بل أقلّ من ذلك، في نظر قاطع طريق، وهو يستلذُّ بحرق المخطوط على آخره جهلاً، ولا يُبقي منه سوى الجلد الأحمر للوعل الوحشي، المعادل الرمزي للوجه الكالح لقاطع الطَّريق، الوعل الذي أودى بسيامند السّليڤي Siyamedê Silîvi قتيلاً وقاطع الطريق الذي أطعم روحَ/ تاريخَ البايزيدي لألسنة النيران، ليدع المستقبل مفتوحاً على رماد التاريخ: إنها القيامة…إنه الحريق! إنه الإصرار على المكوث في الصّوت المتلاشي!4، 1، 2020. والسُّؤال أليس من العار أن يتهمني الكاتب هوشنك أوسي بأنني اعتمدتُ على أفكاره واستحوذت عليها حتّى أفنّد أفكاره وأنقضها لصالح الرواية التي نحرها بمقاله المثلبي!؟].

إنّ الاطلاع على المقاربات السّابقة لأيّ موضوع هو شرطٌ أساسي للقراءة الأكاديمية وهذا ما جرى تماماً مع المقاربات التي نشرها محمد جبعيتي، أنطوان أبو زيد، إبراهيم محمود وكذلك مقاربة هوشنك أوسي التي لم ترتفع عن "نقد المثالب" كما أخبرته وجهاً لوجه. والقراءات الخمس تتقاطع في موضوعات العنونة، والتصدير، والتاريخ، والسّيرة. فالعبرة ليست بالتقاطع في الموضوعات والقضايا، فهذا أمر شائع ولا ينقطع في الدّراسات على مختلف مناحيها [ثمة عشرات الأبحاث التي اتخذت من هذه الموضوعات المشار إليها هدفاً للقراءة والتأويل]، وإنما العبرة والغاية الكبرى حينما يمضي كلُّ باحثٍ بتأويل مختلفٍ ومعالجة مغايرةٍ تفتح الأفق لقراءاتٍ مرتقبة[5] وليس الاشتغال بالطعن والاتهام وترك المسائل السّردية وأسرار العمل دون أجوبة. وفي واقع الحال، وأنا أتجنّب أحكام القيمة عادةً، فإنّ مقال هوشنك أوسي لا يتجاوز ذاك التمرين البسيط من تعلّم النقد وإتقانه، لم يكن يقوده حتى في أحكامه صوب "الرواية المنقودة" سوى آفة الحقد والضغينة ولايومىء المقال بأية موهبة في القراءة النقدية.

 : IV التستُّر على الشّذرة المسروقة في الرّواية 

في سياق مقالته، الحلقة (2) اتّهمني الكاتبُ بأنني أتسّترُ [6]على شذرةٍ مختَلسةٍ وردتْ في رواية "مخطوط بطرسبورغ" للرّوائي جان دوست ولم أشر إليها في قراءتي. وفي واقع الحال لم أفكّر يوماً في مقارباتي النَّقدية أنْ اصطادَ كاتباً ما من خلال وضع مقاطع نصوصه على الشبكة العنكبوتية، وإنما أكتفي بقراءتي البصرية وعليها أبني محاور مقاربتي، وفي حالّ وقعتُ على تقاطعاتٍ تناصيةٍ فإنني أقاربها من مبدأ التماثل والاختلاف مع النَّصِّ المتناصِّ معه، أي ضمن مفاهيم النظرية التناصية التي باتت واضحةً للقراء دون أنْ أوّجه الاتهام إلى الكاتب. وفي واقع الحال قاربتُ قصيدة المرحوم محمود درويش "يطير الحمام" في علاقتها بـ"نشيد الأناشيد" وكذلك أشرت إلى العلاقة التناصية القوية بين "شتاء ريتا" و"يطير الحمام". بمعنى أنّ المحرّك الأساسي لقراءتي هو فهم النَّص ومحاولة الإمساك بأسراره الأدبية والجمالية وليس مطاردة النّص للفتك بالكاتب. إنّ هذه الرؤية الأخيرة للقراءة النقدية ضربٌ من الحقد والضغينة وسوء الطّوية والكراهية والخصومة والبغضاء، وهي قراءة تمتاز بالسّطحية والفجاجة وقلة المعرفة والانطلاق من غريزة العداوة وليس من غزيرة المعرفة والحكمة. ولكن قبل أنْ أقفَ لَدُنْ الشّذرة المعنية بالمناقشة في رواية "مخطوط بطرسبورغ" لجان دوست، يحسنُ بي أن أقف عند الشذرة الواردة "من دون تحديد المصدر" في رواية هوشنك أوسي "حفلة أوهام مفتوحة"، ص137، 2018:

فمن أين أَتى المؤلّف بهذه المعلومات الدقيقة عن سيارة "فورد موستانغ"، سنة الإنتاج وهذا العدد الدّقيق المُنتج منها؟ هل الأمر ضرب من الخيال الرّوائي. إنّ الذي يتهم الآخرين بالسّرقة حيناً والاستحواذ على "أفكاره ونظرياته" حيناً ينبغي أن يكون أميناً في تحديد مصادره. أما المصدر الذي استلَّ منه الروائي هذه المعلومات فهي صفحة "عالم السيارة":

ويمكنني تزويد القارىء بكثيرٍ من هذا النمط المعلوماتي المهبوش من الشبكة العنكبوتية دون توثيق، فمثلاً ألا يحقُّ للقارىء أن يتساءل من أين استقى المؤلّف المعرفة بهذه الكلمات الكورية التي تملأ فضاء الصفحة (37) من الرواية المذكورة، هل هو يريد الإيحاء للقارىء بأنه يتقن الكورية، ألم يكن حريُّ به أن يضع في نهاية الرواية تنويهاً ثانياً إلى المصدر المعتمد للغة الكورية؟:

   

 يمكنني الآن العودة إلى رواية "مخطوط بطرسبورغ"، وتحديداً إلى الشّذرة التي أشار إليها الكاتبُ هوشنك أوسي في الصفحة (68) من أنني تستّرتُ عليها. لاشكّ بأنني أنظر إلى العمل الرّوائي بوصفه شكلاً قابلاً للتشكّل المستمر واستيعاب خطابات بقصد ودون قصدية، فالعمل الروائيُّ يمتصُّ الخطابات على أنواعها ويحوّلها وهو ليس بالعمل العلمي أو النّقدي الذي يفترض على المؤلف أن يحدّد مصادره من خلال التوثيق المباشر. ورواية "مخطوط بطرسبورغ" تنفتح على التناص القصدي كما في ص(14، 53، 83)، بكتابة هذه الشّذرات بالخط المائل أو بالبنط العريض. وهذه شذرات مهمة تؤدّي أثراً ووظيفةً في الخطاب السّردي على عكس الشذرة التي أوردها الروائي جان دوست في الصفحة (68)، التي تنقل لنا بعض الأخبار عن "المتحف "الأسيوي" في بطرسبورغ، أي أنها معلومات تقريرية وليست حاسمة على الصعيد السردي ويمكن حذفها بسهولة دون أن يتأثر المسار السّردي في الفصل بذلك. وللعلم فقد وضع المؤلف فاصلاً وفق الشّكل (***) بينها وبين جسد الفصل [نيفا ــ سانت بطرسبورغ]. ومن ثمّ لم أجدْها مهمةً على صعيد القراءة النقدية. وقد أرجع المؤلِّفُ الأمر، رداً على سؤالي حولها، إلى سهوٍ، نسيان قد ارتكبه. ولابدّ من الإشارة بأنّ منهجي في القراءة يرفض هذا النوع من القراءة الاتهامية. ولولا أنّ الكاتب هوشنك أوسي قد أشار إليها لما اهتممت بها، فما يهمّني في قراءة الرّواية هو الإمساك بالبنى المجردة التي تتأسس عليها أية رواية من حيث البساطة والتعقيد والثراء وكذا البرامج السّردية التي تتحرّك بموجبها القوى الفاعلة في النّصّ، كيف تبتدىء الرّواية وكيف تنتهي، مرونة اللغة السّردية وطاقتها على أخذ القارىء إلى عوالم خيالية موازية...إلخ. علاوة على جماليات العتبات النصية التي تتيح للكتاب أن يحضر إلى العالم وينفتح على القارىء. أما شذرة مُستجلبة من هنا أو هناك تعرّضت للسهو فلا أظن أنها تؤثّر في مسار القراءة المنتجة للنّصّ. إنّ القراءةَ التي قدّمها السَّيد هوشنك أوسي لا تخرج عن كونها قراءة مبيّتة، قراءة يحرّكها الغلُّ والكراهية. لنقرأ ماذا يكتب: [شعرتُ أن هذه الفقرة، مأخوذة من مكان ما. وضعت جملاً منها في محرّك البحث "غوغل" فأحالني إلى كتاب "جهود الاستشراق الروسي في مجال السنّة والسيرة: دراسة ببليوغرافيّة" للدكتور سليمان بن محمد الجارالله/ "بضدّها تتبيّن الأشياء": في النقد التعسّفي الذرائعي (الحلقة 2)]، أليس سوء الطوية[7] هي التي دفعت بالكاتب إلى تشغيل محرّك غوغل لوضع الرّواية في قفص الاتهام؟ ألم يكن بإمكان الكاتب أن يُكمل قراءة النّصّ ويدرس التقاطعات التناصية القصدية الكثيرة في النص ومدى نجاح الروائي في توظيفها من عدمه؟ ألم يكن يجدر بالقارىء النقدي هوشنك أوسي أن يقدّم قراءةً للمكان وجمالياته بدلاً من مطاردة الرواية على محركات البحث الالكترونية؟ ألم يلمس الجهد الكبير الذي بذله الروائيُّ في تجسيد الفجوة في التاريخ الكردي على صعيد الكتابة وكيف نجح في تجسيد البنية التكتونية للرّواية على صعيد السّرد المرن والمتحرك برشاقة؟ ثم ما الوظيفة الرفيعة والعظيمة الذي يتمتع به هذا المقطع التقريري، الوظيفة التي يمكنها أن تشلَّ القراءة مالم تجر الإشارة إليها؟

إنّ النقد المثلبي لايتمثل بأكثر من تمرين بسيط في القراءة، يتوخّى تعطيل "النّص" لأنه عاجزٌ عن تقديم قراءة شاملة، متماسكة للكون النّصي والقوى التي تؤمّه، عاجز عن كشف الأسرار التي تكتنف العمل وتربطه بعوالم الثقافة التي أنتجته والتحويل الذي أجراه على هذه الثقافة واللغة والنوع الأدبي والقضايا الأدبية الأخرى. وفي الخاتمة أتمنى أن يكون هذا المقال هو الأخير حول هذا الموضوع وأن يلتزم صاحب المقال بما قطعه على نفسه من وعدٍ على صفحته الإلكترونية ويكفّ عن إضاعة الوقت والجهد.


[1] ــ سأستغل الحيز هنا لأردّ على بعض ملاحظات الكاتب هوشنك أوسي " في مقالته "بضدّها تتبيّن الأشياء": في النقد التعسّفي الذرائعي (الحلقة 2) / موقع رامينا نيوز] رداً على دراستي الخاصّة برواية مخطوط بطرسبورغ وهي بعنوان: "مخطوط بطرسبورغ: التاريخ رماداً...!"/ موقع مدارات كرد.

ـــ يكتب الكاتب في مقاله (2): [هكذا، منح د. حسين، نفسه التفويض ورخصة استثمار ملاحظاتي وانتقاداتي، دحضًا، نقضًا وتفنيدًا، وقلب العيوب الواردة في الرواية إلى محاسن ومفاتن وخصال مائزة، إلاّ أنه أتى إلى جرم الاختلاس، وقفز من فوقه. وهنا، أصيب فقه التأويل التعسّفي والذرائعي لديه بالعجز والشلل. إذ كيف له أن يبّرر الاختلاس، بنفس المهارة التي قلب فيها عيوب الرواية إلى محاسن ومفاتن عالية الجودة والفنيّة؟!].

التعليق: هنا في هذا المقطع يلجأ السيد هوشنك أوسي يلجأ إلى التعمية على القارىء حتى يظنّ الأخير من أنني المختلس لأفكار الكاتب دون أن يوضّح "جرم الاختلاس" وهكذا يريد إظهاري بتهمة المختلس الذي على سطا على أفكاره واحتازها لنفسه...ياللعار!

ـــــ وفي موقع آخر يكتب أيضاً:

[اللافت والغريب، وغير المتوقّع؛ أنه حين وصفت نقد د. خالد، بـ"التعسّفي والذرائعي"، صارَ يبرزُ في وجهي تلك المقالات والدراسات القديمة، التي كتبها عن نصوصي الشعريّة والرّوائيّة، على أنّ قناعتي هذه مستجّدة، وراءها؛ ما وراءها! أو أن الأمر محضُ خلافٍ شخصيّ، وأن نقد خالد حسين، بالنسبة إلي؛ يتخلّى عن تعسّفه وذرائعيّته، حين يطاول نتاج كاتب هذه الأسطر، شعرًا ورواية. وهذا الانطباع – الموقف، غير دقيق، وغير صحيح. كل ذلك، في مسعى "تتفيه" و"تسفيه" الردّ عليه، حتّى قبل نشري له!

وفي ظنّي أن ذلك الاستنفار في استحضار تلك المقالات والدراسات القديمة، يمكن تفسيره على نحو أنه من صنف "الترهيب" و"الابتزاز" المعنوي، بهدف الحؤول دون مواصلة تسلط [الصواب: تسليط] الضّوء على تلك الخصلة التي باتت تتمظهر في نقد خالد حسين، مع الأسف.].

التعليق: في واقع الحال هذا الكلام محضُ افتراءٍ، فتذكيري له بقراءاتي لكتبه كان من أجل القول: لماذا صمتَ الكاتب عن قراءتي الاحتفائية لروايته الأولى (وطأة اليقين) وديوانيه (قلائد النار الضّالة وبعيني غراب عجوز) على الرّغم من أنّ المعالجة النقدية هي ذاتها وقتذاك والآن؟ لماذا لم يردّ على تلك القراءة كما يردّ بالحدة ذاتها الآن، مع العلم أنّني انتقدتُ محاكاته لأسلوب بركات في (قلائد النار الضّالة) وكشفتُ عن ضعف مريع في الفقرة الثالثة من قراءتي لديوانه (بعيني غراب عجوز)، ضعف مريع يعتري الكثير من تراكيبه الشّعرية فضلاً عن تكرار عبارة بذاتها (تلك التي يدعونها الحياة) كخاتمة لجملةٍ من النصوص الشعرية؟ هل منعته من الرد النقدي؟ أبداً وكنتُ أتمنى أن يوسّع الحوار! والآن أيضاً أرحّبُ بإعادة قراءة مقالاتي عن كتبه ودحضها...!

ـــ وفي فقرة توصيف لابدّ منه يتهم السيد هوشنك أوسي شغلي النقدي بـ"النقد التأويلي التعسفي"، سواء أكان النقد لصالح النص أو ضدّه...وفي واقع الحال فالقراءة النقدية التي أعمل عليها منذ 1996 مروراً بأطروحة الماستر وانتهاءً برسالة الدكتوراه إلى هذه اللحظة فإنني أحاول قدر الإمكان تطوير قراءتي ذات الطابع التفكيكي وليس التأويلي وفق حركة مزدوجة: ملازمة النص ثم تحريك العلامات النصية من فضاء النص إلى فضاء الثقافة...وقد قدمت قراءتي الأخيرة عن ديوان هوشنك "بعيني غراب عجوز" من خلال التوازن النقدي بين الإشادة بنصوصه المقبولة والإشارة إلى نصوصه المتراخية من خلال نقد لساني وعبر الاعتماد على علم اقتصاد النص.

[2] ـــ ألفتُ عناية القارىء الكريم أن سوء الطوية التي تميّز ممارسات هوشنك أوسي فيما عابه على رواية "مخطوط بطرسبورغ" من تكرار بعض الكلمات والجمل تنطوي كتبه على الخاصية ذاتها من التكرار، لنتأمل كلمة "النزول" على سبيل المثال وتحولاتها: وينزل، وينزل وينزل...أنه نزل" في المقطع التالي من روايته الثانية: حفلة أوهام مفتوحة، ص 112، 2018، [وأحبّ التنويه أن بعض الأصدقاء أمّدني بمثالين من الأمثلة المصورة]، فليس من عادتي أن استخدام محركات البحث الإلكتروني في قضايا القراءة:

[3] ـــ وفي واقع الحال، وقبل النّشر والتزاماً مني بمبدأ الكتابة إثباتاً والصَّداقة تأكيداً، أرسلتُ "الدّراسة" إلى الصّديق هوشنك أُوسي لأرى رأيه، لكنني في الواقع لم أتلق شيئاً، وفي اليوم التالي أودعتُ الدراسة في موقع "مدارات كرد"، للنشر. وهكذا سيعاتبني الكاتبُ بعد القراءة على التقاطعاتِ المذكورة، فبيّنتُ له الأمر لكن دون جدوى، ونظراً لوضعه الصّحي اعتذرت له إن كنتُ قد ألحقتْ به دراستي أيّ أذى بسبب ادعاءاته.

[4] ـــ قبيل ليس أكثر من شهرين نشر الكاتب هوشنك أوسي قصيدةً متوسّطةَ الطول في صفحته، فنظرتُ فيها وفق قوانين الاقتصاد النصي/ اللغوي وحذفتُ نسبةً منها وعدّلتُ النصَّ في عددٍ من تراكيبه وأرسلتها له، وكان جوابه التالي: أخذتُ منها ما اقتنعتُ به وتركتُ الباقي!!! وقد تكرّر هذا الأمر سابقاً حينما عاد من فلسطين وقرأ لي قصيدة كانت تعاني من الترهل وأعملتُ فيها آليات الحذف (بالطبع هو ينسى هذه الأمور)، فكيف لي أن أستحوذ على نقد انطباعي لكاتبٍ أو أتأثر بكاتب صححتُ له وحذفتُ من/ وعدّلت على/ نصوصه؟ ألم يكن جديراً بالكاتب هوشنك أوسي أن يضع بحثي أمامه ثمّ يكشف عن المساحات النصية التي تجمعني ببحثه بدلاً من كلّ هذه الترهات الجوفاء والسهلة الإطلاق في الفضاء الأزرق وضياع الوقت؟

[5] ــ سألت صديقنا هوشنك أوسي ورغم كلّ ادعاءاته المشروخة والمشبوهة ما رأيك بالدّراسة؟ فقال حرفياً بعد يوم من قراءته: "إلى حدود عشر سنوات أُخر لن يحظى جان دوست بقراءةٍ مثل هذه...!" وعندما طلبتُ منه أن ينشر مقاله رفض واعترف علناً بأنّ القارىء لن يهتمّ بمقاله بعد أن نشر إبراهيم محمود وخالد حسين بحثيهما. وهذا دليل واعتراف منه بضعف مقاله وتأويله وأن مقاله ليس أكثر من تمرين في الحقد وتجنٍّ يتناءى عن العدالة فيما يخصّ رواية "مخطوط بطرسبورغ" لجان دوست.

[6] ـــ يكتب الكاتب: [تغافل د. حسين، وبل قفز من فوق مثلب وعيب استراتيجي في رواية "مخطوط بطرسبورغ"، وقد وثّقته ضمن مادّتي. إلاّ أنه وظّف أغلب أفكار المادّة النقديّة، بهدف دحضها وتخطئتها، ملتمسًا المبررات والأعذار، وقلب المثالبِ محاسنًا [الصواب: محاسن] ومفاتنا [الصواب: مفاتن]، وامتيازات فنيّة إبداعيّة في الرّواية، وقفز من فوق عيب الاختلاس الذي أوردته في دراستي. وهذا أيضًا له وزنه وتوصيفه في الأعراف والتقاليد النقديّة].

التعليق: في هذا المحور من القراءة [التستُّر على الشّذرة المسروقة في الرّواية] أحاول الإحاطة بشؤون هذه الشذرة بشكل نقدي وفق نظرية التناص وفي الوقت ذاته أستحضر شذرتين من رواية "حفلة أوهام مفتوحة" تثيران أيضاً الشبهات القوية حول مصدريهما.

[7] ـــ في مقاله المشار إليه يجسّدُ الكاتب هوشنك أوسي دور "حمامة السلام" بإتقان غريب!

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية