قبل لحظات من ذلك، أعلن آخر رئيس سوفييتي ميخائيل جورباتشوف استقالته في خطاب إلى الأمة بثّ على التلفزيون، معلناً طي صفحة من 74 سنة من التاريخ السوفييتي.في مذكراته، انتقد بمرارة جورباتشوف (90 عاماً) فشله في منع انهيار الاتحاد السوفييتي، الحدث الذي أخلّ بتوازن القوى في العالم، وبذر بذور حالة الحرب المستمرة اليوم بين روسيا وجارتها أوكرانيا. قال جورباتشوف: «مازلت آسف على فشلي الذريع في توجيه السفينة التي كنت أقودها إلى المياه الهادئة، فشلت في إنجاز إصلاح البلد».

هل كان من الممكن تجنب الانهيار

مازال الخبراء السياسيون يتجادلون إلى اليوم ما إذا كان جورباتشوف يستطيع أن يحافظ على منصبه، وينقذ اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية. ويقول البعض إن جورباتشوف الذي تولى السلطة في 1985 كان من الممكن أن يمنع انهيار الاتحاد السوفييتي إذا كان قد تحرك بسرعة أكبر وأكثر تصميماً وحسماً لتحديث الاقتصاد المريض الذي تديره الدولة، بينما يحكم القبضة القوية للنظام السياسي.قال ديمتري ترينين، مدير مزكز كارنيجي-موسكو: «كان انهيار الاتحاد السوفييتي واحدة من لحظات التاريخ التي لا يمكن تصور وقوعها إلا حين تحدث. مهما كانت فرص الاتحاد السوفييتي في البقاء فلم يكن من المتصور أبداً أن يحدث سقوطه حين انهياره».

ازمات اقتصادية ونعرة انفصالية

مع حلول 1991 جعلت الأزمات الاقتصادية العميقة والمطالب الانفصالية في جمهوريات سوفييتية انهيار الاتحاد الشيوعي أكيداً. أما الانقلاب العسكري الفاشل في أغسطس/آب 1991 بقيادة الحرس الشيوعي القديم، فقد كان عنصرَ تحفيزٍ إضافياً جرف بشكل صارخ سلطة جورباتشوف، وشجع المزيد من الجمهوريات السوفييتية على المطالبة بالاستقلال.حاول جورباتشوف بيأس التفاوض حول «معاهدة اتحاد» جديدة بين الجمهوريات للمحافظة على اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، وواجه مقاومة من خصمه الرئيسي بوريس يلتسين زعيم الاتحاد الروسي، المتطلع إلى دخول الكرملين، وتلقى الدعم من الجمهوريات السوفييتية الأخرى المنفتحة على الاستقلال.

إعلان الوفاة

في الثامن من ديسمبر 1991 أعلن قادة روسيا وروسيا البيضاء (بيلاروسيا)، وأوكرانيا الذين التقوا في منتجع للصيد وفاة اتحاد الجمهوريات السوفييتية، وأعلنوا عن قيام كومنولث الجمهوريات المستقلة.بعد أسبوعين من ذلك، انضمت ثماني جمهوريات سوفييتية إلى التحالف الجديد، ما ترك أمام جورباتشوف خيارين: إما الاستقالة أو محاولة تجنب انهيار البلد بالقوة.

وأشار جورباتشوف في مذكراته، إلى أنه رأى أن أي محاولة لإعادة النظام باعتقال رؤساء قادة الجمهوريات السوفييتية يمكن أن تتسبب في حمام دم بسبب انقسام الولاءات في الجيش وقوى الأمن والمخابرات. وقال: «لو أني حاولت الاستعانة بأقسام من القوات المسلحة، فإن ذلك حتماً كان سيشعل نزاعاً سياسياً حاداً ممزوجاً بالدم، ويتسبب في عواقب سلبية بعيدة الأمد». وشدد بالقول: «لم أستطع أن أفعل ذلك. وإلا لكنت لست أنا».

قال ترينبن من مركز كارينجي-موسكو: «لو لجأ جورباتشوف إلى القوة لكان قد أطلق حمام دم ليس في روسيا فقط، بل في كل الجمهوريات السوفييتية، ولتحول الزعيم إلى طاغية، وهو ما لايتفق مع شخصيته ومبادئه، فقد أقسم منذ أن تولى المنصب ألا يستخدم القوة لعلاج المشكلات».

إصرار ولامبالاة

عندما أعلن قادة روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا موت الاتحاد السوفييتي لم يأبهوا بمصير الجيش السوفييتي القوي المؤلف من 4 ملايين عسكري والترسانة النووية السوفييتية.بعد انهيار الاتحاد السوفييتي استغرق الأمر جهداً دبلوماسياً قادته الولايات المتحدة؛ لإقناع أوكرانيا وبيلاروسيا وكازاخستان بتسليم الأسلحة النووية في أراضيها إلى الاتحاد الروسي، باعتباره الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي، ولم تنجز المهمة الشاقة إلا بعد خمس سنوات في 1996.

كارثة جيوسياسية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يحكم الاتحاد الروسي منذ عشرين عاماً سبق أن قال إن انهيار الاتحاد السوفييتي كان أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين. وقال في وثائقي بث هذا الشهر: «فقدنا بانهيار الاتحاد السوفييتي 40 في المئة من الأراضي والقدرات الإنتاجية والسكان. أصبحنا بلداً مختلفاً. ما بني في قرابة 100 عام انهار في لحظة».وفي رد على سؤال من شبكة «بي بي سي» حول التاريخ السياسي الروسي، لفت بوتين، خلال مؤتمره الصحفي السنوي الخميس، إلى أن الانتصار على روسيا مستحيل وغير ممكن إلا من الداخل. وقال في معرض إجابته: «قبل كل شيء، بما أنك تتحدث عن التاريخ، أريد أن أذكّر بما قاله خصومنا على مدى قرون: روسيا يستحيل الانتصار عليها.. يمكن فقط تحطيمها من الداخل».من الداخل

وأشار إلى أن «هذا الأمر أنجز بنجاح حين حطموا الاتحاد السوفييتي من الداخل. واشار الى الذين خدموا مصالح أخرى أجنبية لا صلة لها بمصالح الشعب الروسي والشعوب الأخرى في الاتحاد السوفييتي».

المصدر: الخليج

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية