يعرض كوشنر تفاصيل عن مقاومة واشنطن الشديدة للتغيير، وإسهاماته في تحقيق نجاحات بارزة على صعيد التجارة والسلام والدبلوماسية، وغيرها. يتألف الكتاب الصادر بالإنجليزية عن دار «برودسايد بوكس» للنشر في 23 أغسطس/ آب 2022، من 59 فصلاً يتناول فيه تفاصيل لحوارات ونقاشات ومشاهدات شخصية خلال فترة عمله في البيض الأبيض، على امتداد 512 صفحة.

 في هذا الكتاب، لا يحاول كوشنر التحدث باسم ترامب، بل يشارك الكثير من تفاعلاته الشخصية غير المكشوفة، في سبيل منح القراء فهماً أعمق لشخصية ترامب، وأسلوب إدارته. ويؤكد أنه يروي قصته الشخصية، ولا يفصّل كل عمل يقوم به الرئيس، أو الإدارة الأمريكية، إذ يوجد منها ما يكفي لملء صفحات مجلدات بأكملها، على حد تعبيره، لكنه يدور في المقام الأول حول الفترة التي أمضاها كمستشار، ويعتبرها من الفترات الحاسمة من حياته، إذ قدمت له الفرصة غير المتوقعة لخدمة بلاده.


 يقول كوشنر في مقدمته: «لم أخطط أبداً لتأليف كتاب، ولم أخطط للعمل على الإطلاق في البيت الأبيض بعد ذلك. ومع اقتراب نهاية فترة عملي في الحكومة، شجعني العديد من الأصدقاء على توثيق ذكرياتي التي لم تمرّ عليها فترة طويلة. فبعد سنوات لي في العمل المتواصل توقفت بشكل مؤقت، لكنها كانت كافية لرسم رؤية بانورامية لكل الذي عشته داخل واحدة من أهم الرئاسات في العالم. وفي الوقت الذي اعتقدت فيه أن هذا الفصل من حياتي بلغ نهايته، أدركت أن خدمتي لن تكتمل حتى أسجّل هذا التاريخ. القصة التالية ليست مذكرات اعتيادية عن البيت الأبيض، لأن تجربتي في واشنطن مختلفة. سيكون صعباً على الكاتب وقد شغل منصباً غير تقليدي كمستشار أول لرئيس متفرّد أن يمضي في رحلة كتابية إذا لم تكن صحيحة».

 إلى البيت الأبيض

  يذكر كوشنر أن دونالد ترامب عندما رشّح نفسه إلى الرئاسة، لم يكن لديه أي نية للمشاركة في حملته الانتخابية. لكن عندما قابل رجالاً ونساء في جميع أنحاء البلاد شعروا بأن ترامب كان يساعدهم على إسماع صوتهم أخيراً، فقد ألهموه للعب دور أكبر، تجاوز ما كان يتوقعه في أي وقت مضى. يقول عن تلك الفترة: «بعد انتخابات عام 2016، تركت أنا وإيفانكا، حياتنا وراءنا في نيويورك وانتقلنا إلى واشنطن مع أطفالنا الثلاثة الصغار. كنا ندرك أننا سنواجه تحديات، لكن لم تكن لدينا أي فكرة عن قوة العاصفة التي تنتظرنا. ربما كان من الأفضل ألا نقدم على هذه الخطوة. لا شيء كان يمكن أن يضعنا في استعداد لمواجهة الشراسة التي لقيناها في واشنطن على صعيد الهجمات والتحقيقات والتقارير الإعلامية الكاذبة والبذيئة، وربما الأسوأ من ذلك كله هو ما شاهدته من طعن في الظهر داخل «الجناح الغربي» نفسه، (يقصد الكاتب بالجناح الغربي المبنى الذي يضم المكتب البيضاوي ومكاتب فريق رئيس الولايات المتحدة). تساءلت في مناسبات عدة عما إذا كنت، أنا، وإيفانكا، قد اتخذنا قراراً خاطئاً بشأن العمل في الحكومة. لكن رغم ذلك، فقد أتيحت لنا هذه الفرصة غير المتوقعة لنخدم بلادنا».

تحقيق إنجازات رغم العراقيل

تتضح لهجة الإنهاك من العمل السياسي في لغة كوشنر، لكنه سعيد بالإنجازات التي عملها، إذ يقول: «كان كل يوم أشبه بسباق ضد زمننا المحدّد في المنصب، وفي بيئة تتسم بأكبر قدر من التوتر والضغط، لكنني تغاضيت عن الصخب الموجود والأمور المشتتة، وبدلاً من ذلك ركزت على النتائج التي من شأنها تحسين الحياة. خلال أربع سنوات، ساعدت في إعادة التفاوض على أكبر صفقة تجارية في التاريخ، وتمرير إصلاح العدالة الجنائية بموافقة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وإطلاق عملية «السرعة القصوى» لتقديم لقاح آمن وفعال لمواجهة فيروس كورونا، خلال وقت قياسي. وبسبب تعقيد المهمة، قمت بتواضع بتنسيق بعض أهم الإنجازات الكبرى في الدبلوماسية على مدار الخمسين عاماً الماضية، وعُرفت فيما بعد باسم الاتفاقيات الإبراهيمية (أو اتفاقات إبراهيم) التي وقعت بموجبها خمس دول ذات أغلبية مسلمة، وهي الإمارات العربية المتحدة، والبحرين وكوسوفو والمغرب والسودان، اتفاقيات سلام مع دولة إسرائيل».

ويضيف في موقع آخر: «كانت الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل أكثر دولتين تقدماً في الشرق الأوسط، من منظور عسكري واقتصادي وتكنولوجي، لكن لم تربطهما علاقات رسمية. كان لاتخاذ هذه الخطوة القدرة على إطلاق العنان لقوى إيجابية لم تشهدها المنطقة منذ عقود وتغيير التاريخ بطرق يصعب فهمها».

 ويوضح كوشنر «كانت الاتفاقيات الإبراهيمية نقطة تحول حقيقية في التاريخ. ومع رعاية هذه الاتفاقيات والاهتمام بها بشكل جيد، ستكون لديها القدرة على إنهاء كامل للصراع العربي-الإسرائيلي القائم منذ تأسيس دولة إسرائيل، أي قبل خمسة وسبعين عاماً. بالتالي سيستطيع مئات الآلاف من العرب الذهاب إلى الأماكن المقدسة في مدينة القدس، وسيعمل المبتكرون والعلماء وقادة الأعمال الإسرائيليون والعرب على إقامة شراكات تخلق فرص عمل وتدعم بناء البنية التحتية وتحسّن حياة الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وحول العالم. ومع تقدمنا باستراتيجيتنا في الشرق الأوسط، لم نتمكن من مناقشة نهجنا بشكل علني، أو حتى الإشارات الإيجابية التي نراها من القادة العرب. كانت مفاوضاتنا تتقدّم على حافة السكين. كان من الممكن أن يؤدي تسريب واحد في غير توقيته إلى دفع التقليديين في المنطقة إلى معارضة القادة العرب الذين تركوا بشجاعة مسافة بينهم وبين الماضي، بهدف تحقيق السلام مع إسرائيل.

 رفض الخبراء في البداية أهدافنا باعتبارها مستحيلة، وكان النقاد يبتهجون بالعراقيل التي تواجهني. رغم ذلك، اتبعت ما اعتقدت أنه أكثر مسار منطقي يمكن السير فيه. منذ أن تركت الحكومة، سألني الناس كثيراً كيف وصلنا إلى تحقيق هذه النجاحات. لقد بذلت قصارى جهدي في هذا الكتاب لتأريخ الأحداث المفاجئة التي جعلت هذه النجاحات ممكنة. طوال فترة رئاسة ترامب، اعتمدت وسائل الإعلام على تسريبات مسؤولين غالباً ما كانت لديهم أجندات شخصية. ورأيت أن هناك سياسات داخلية عالية المخاطر تفشل الصحافة في التقاطها كثيراً. في الحقيقة، الفجوة بين تصوير وسائل الإعلام للأحداث والواقع أكبر بكثير مما كنت أتخيله».

 ويسلط كوشنر الضوء على الإنجازات التي حاول الكثير من السياسيين عرقلتها بكل السبل، قائلاً: «لقد وجدت في النهاية أن الموظفين في البيت الأبيض يمكنهم تمضية وقتهم وهم يحاولون تشكيل التصور العام لدى الشعب، أو يمكنهم تمضيته في إنجاز الأمور. كل إدارة أمريكية تصارع هذا التحدي. يشبه الأمر الساعة الموقوتة التي تدق في خلفية كل قصة من هذا الكتاب. حاول العديد من المؤلفين - بمن فيهم كبار المسؤولين السابقين في الإدارة - تحليل رئاسة ترامب من منظور تقليدي. تفشل معظم هذه الآراء والتحليلات في نقل كيف يفكر ترامب، ولماذا يتصرف بالطريقة التي يتصرف بها، وما كان يحدث حقيقة في المكتب البيضاوي. وغالباً ما كانت الحقيقة مخفية عن الجميع. حقق ترامب، بأسلوبه غير التقليدي، نتائج لم يكن من الممكن تصورها في السابق، وهي: عقد خمس صفقات تجارية كبرى، إجراء تخفيضات ضريبية للأسر العاملة، إلغاء هائل لضوابط تنظيمية، أدنى معدل بطالة في خمسين عاماً، إصلاح العدالة الجنائية، طرح لقاح كورونا في أقل من عام، مواجهة الصين، هزيمة «داعش»، لا حروب جديدة، واتفاقيات سلام في الشرق الأوسط».

 دروس تعلّمها كوشنر

يشير كوشنر إلى أنه خلال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض، تعلّم الكثير من الدروس التي غيرت وجهة نظره تجاه كيفية عمل الحكومة والعالم. الدرس الأول الذي تعلمه هو أنه «من السهل تقديم الوعود، لكن من الصعب تحقيق النتائج. تولى ترامب منصبه من دون جيش مدرّب من البيروقراطيين والمطلعين في واشنطن. واتضح أن إيجاد أشخاص يؤمنون بما يطرحه على قائمة الأجندة، ويعرفون كيفية استخدام أدوات السلطة يمثل تحدياً متواصلاً. ففي كل منعطف، حاولت شخصيات من داخل الحكومة منع الرئيس من الوفاء بوعوده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والانسحاب من الصفقة الإيرانية، وبناء الجدار على الحدود الجنوبية للبلاد، وإعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (المعروفة اختصاراً باسم نافتا)، وغيرها من الإجراءات الشجاعة. التقيت بمئات الأذكياء والمؤهلين والوطنيين الذين عملوا من دون كلل أو ملل من وراء الكواليس لإنجاز الأمور. ومع ذلك، لم يكن يتطلب الأمر سوى حاجز بيروقراطي واحد، أو تعقيدات في الكونغرس، أو سلطة فرد قوي لإيقاف أي شكل من التقدّم. واشنطن مبرمجة على مقاومة التغيير، على الرغم من أن التغيير هو أكثر ما يصبو إليه الناخبون. أتذكر خلال اجتماع جسّد المقاومة التي واجهها ترامب في واشنطن من الجمهوريين والديمقراطيين، إذ جاء أحد المخضرمين في إدارة جورج دبليو بوش، لزيارتي بغية مناقشة السياسة التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وفي الوقت الذي كان يتفق فيه تماماً مع أهدافنا بشأن الصين، اعتقد أن استخدام التعريفات كان خطأ فادحاً. وعندما سألته عن توصياته بشأن ذلك، اقترح إجراء المزيد من الجولات النقاشية».

 ويضيف: «العديد من المطلعين على مصالح أصحاب النفوذ في الولايات المتحدة خبراء في توضيح المشكلات، لكنهم أفضل في إيقاف أي شكل من الحلول. فعند مواجهة المخاطر المحتملة للتغيير، يلعب هؤلاء بأمان خوفاً من أن يؤدي إحداث أي تعطيل للنظام الراهن إلى تعريض حياتهم السياسية للخطر. وهذا يفسر سبب اصطدام بعض أعضاء حكومة ترامب به، ومع أولئك الذين اعتقدوا أن الوقت قد حان للقيام بمخاطر مدروسة، وتأمين المزيد من الفرص للشعب الأمريكي. وعوضاً عن إنفاق طاقة لا نهاية لها في تشخيص المشكلة، ركزت على تحديد الحل الأمثل بوضوح، ثم عملت بشكل عكسي للوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة».

وعن الدرس الثاني الذي تعلمه يقول: إن «خلافاتنا السياسية ليست دائماً مستعصية على الحل كما نعتقد. عادة، تدور لعبة واشنطن حول محاولة الحزب الذي خرج من السلطة منع الحزب الحاكم من تحقيق أولوياته. وفي الوقت الذي وجدت هذا الأمر محبطاً في البداية، تعلمت كيفية الاستمرار والتقدّم مع التركيز على اللعبة الطويلة. وتضمنت جميع الإنجازات العظيمة للإدارة تقريباً جمع أعداء سابقين بهدف تحسين حياة عامة الناس. فبدلاً من الانطلاق في العمل على جانبين مختلفين في أي قضية معينة، سواء من إصلاح العدالة الجنائية إلى اتفاقيات السلام في الشرق الأوسط، حاولت إحضار الجميع إلى الجانب نفسه من الطاولة، بغية الاتفاق على الأهداف المشتركة والبحث عن حلول يخرج فيها الجميع منتصراً.. لم أكن ناجحاً دائماً، لكن من واجب من هم في السلطة محاولة تحقيق ذلك دوماً. لا يمكننا حل المشكلات من خلال التحدث فقط مع أولئك الذين يتفقون معنا».

 ويؤكد كوشنر أنه يقدم مذكراته في البيت الأبيض لكل شخص يتطلع إلى تعزيز الشراكة بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، من خلال توضيح أسباب الفشل الذي يحدث في الأغلب.  يعلق على ذلك: «في النهاية، نمتلك جميعاً قدرة إحداث تغيير في حياة الآخرين، سواء كان ذلك في عائلاتنا، أو مجتمعاتنا، أو دولنا، أو على المستوى الوطني. وفي كل حالة، نتوصل إلى إيجاد الحلول من خلال التعامل والتحاور مع بعضنا بعضاً، وليس من خلال الانتقادات أو الإشارة إلى الفضائل. وإذا حاولنا فهم وجهات نظر الآخرين، وعملنا على إيجاد أرضية مشتركة بيننا وبينهم، يمكننا تجاوز الجمود الحاصل في الماضي، وصياغة طريق جديد يقودنا نحو الأمام. لا توجد مشكلة كبيرة إلى درجة لا يمكن حلها. كما كتب جورج أورويل ذات مرة: من الصعب أن تكون متأكداً من أي شيء باستثناء ما رأيته بأم عينيك».

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).