وجه أكثر من 100 ألف مواطن من كينيا نداءات إلى العائلة المالكة البريطانية، مطالبين إياها بالاعتذار وبتقديم تعويضات لهم عن الفظائع "الوحشية" التي تم ارتكابها خلال فترة استعمار المملكة المتحدة لبلادهم.

وكان الجيش البريطاني قد أجبر أبناء شعبي كيبسيغيس وتالاي [جماعتان إثنيتان من نحو 70 مجموعة تعيش في البلاد] على مغادرة أراضيهم في مقاطعة كيريتشو بين عامي 1895 و1963، كي يتمكن مستوطنون بيض من إنشاء مزارع للشاي كانت تدر عليهم أرباحاً طائلة. وبقي أحفادهم منذ ذلك الوقت يناضلون من أجل معالجة تلك الممارسات الخاطئة.

في عام 2021، بعث ستة مقررين خاصين تابعين للأمم المتحدة، برسالة إلى الحكومة البريطانية، يعربون فيها عن قلقهم من فشلها في "بلورة معالجات فاعلة وتقديم تعويضات" لتلك الجماعات.

أما الآن، وفيما تواصل وزارة الخارجية البريطانية رفض عقد اجتماعات للبحث في الموضوع، وجه أعضاء القبيلتين رسالة إلى الأمير ويليام، تمكنت "اندبندنت" من الاطلاع عليها، ناشدوه فيها دعم مساعيهم الهادفة إلى ضمان تحقيق عدالة تعويضية لهم.

وتضمنت الرسالة إشارة إلى "المكانة الخاصة التي تمثلها بوضوح كينيا" للأمير ويليام - الذي كان قد تقدم بطلب يد زوجته كاثرين "دوقة كامبريدج" هناك - كما للعائلة المالكة الأوسع، وقالت الرسالة، "تقدمت بطلب يد زوجتك هناك، وعندما أصبحت جدتك ملكة، كانت في زيارة إلى كينيا التي كانت في ذلك الحين إحدى المستعمرات البريطانية".

وتضيف الرسالة، "بيد أن الصاعق أنه في الوقت نفسه في مقاطعة كيريتشو، وعلى بعد بضع مئات من الكيلو مترات فقط من المكان الذي كانت تقيم فيه الملكة، تم طرد عائلاتنا وأجدادنا بعنف، من الأراضي التي كنا دائماً نعيش فيها".

وتتابع الرسالة الكينية، "لقد ورثنا ألم ماضينا الاستعماري بأشكال عدة، وتفاقم هذا الشعور بسبب الصعوبات الاقتصادية المستمرة لفقدان مثل تلك الأراضي الثمينة لحساب الشركات المتعطشة للربح، لكن هذا أيضاً هو ماضيكم الاستعماري، فحيث ورثنا الألم، ورثتم أنتم الأرباح. وعلى الرغم من معاناتنا الهائلة في ظل الحكم البريطاني، رفضت حكومة المملكة المتحدة الاعتراف بهذه الحقيقة أو مقابلة أي منا، ناهيك بتقديم اعتذار. ولهذا السبب نتوجه إليك بهذه المناشدة الآن".

الرسالة وجهت يوم الأربعاء الماضي إلى الأمير ويليام عبر الممثلين القانونيين للضحايا الكينيين، في وقت كانت فيه المجموعة في لندن تلتقي مع أعضاء من البرلمان والمجتمع المدني، لكن أعضاءها يقولون إن الحكومة امتنعت عن التعاطي معهم، فقد رفضت وزارة الخارجية البريطانية طلبهم عقد اجتماع هذا الأسبوع، ولم تعطهم أي تفاصيل عن إمكان بلورة فرص محتملة لحل المسألة.

ويشرح مضمون الرسالة كيف تم تسليم الأراضي الخصبة لشركات خاصة لإنشاء مزارع الشاي التي ما زالت قائمة حتى اليوم. أما النازحون الكينيون فلم يتم تعويضهم على الإطلاق عن الأراضي التي سرقت منهم في الفترة التي تلت مباشرةً عمليات لإخلاء، بحيث أجبروا بعد ذلك على العيش في حال من الفقر المدقع. وبعد نيل البلاد استقلالها عن بريطانيا في عام 1964، كان الناجون يمنعون باستمرار من الوصول إلى أراضيهم كما في حقهم بالعودة إلى أرض أجدادهم.

في عام 2019، تقدم فريق قانوني يدعم المجموعة، بقيادة محامي المرافعة رودني ديكسون الذي يحمل لقب "كيو سي" QC [مستشار الملكة] والمحامي جويل كيموتاي بوسيك، بشكوى إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار، مطالباً إياه بإجراء تحقيق وبوضع تقرير في شأن الادعاءات بأن الضحايا قد تعرضوا لانتهاكات جسيمة تتعلق بحقوق الإنسان على يد المستوطنين البريطانيين.

وفي أعقاب جلسة استماع استمرت ثلاثة أيام مع ممثلين للمتضررين، وقفت الأمم المتحدة إلى جانب الضحايا، وخلصت إلى استنتاج يقول إن الحكومة البريطانية فشلت في اتخاذ تدابير لإثبات الحقائق، ومعرفة حقيقة الظروف المحيطة بتلك الانتهاكات، لكن لم يحصل أي تعامل مثمر مع الحكومة منذ ذلك الحين.

وجاء في الرسالة التي بعث بها الضحايا إلى الأمير ويليام الملك المقبل لبريطانيا، "إننا لا نرغب في أن يتحول هذا الموضوع إلى نزاع مرير، بل نريد فقط الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت ضدنا. أما بداية تحقيق العدالة فتتمثل في حصول اعتذار، وأن تجرى مناقشة في ما يتعلق بالتعويضات للمتضررين".

وتتابع الرسالة، "في الوقت الذي تستعدون فيه للاحتفال باليوبيل البلاتيني لجدتكم، يتذكر أفراد عائلاتنا من المسنين، الألم الناجم عن انتزاع منازلهم وأراضيهم منهم. نحن في الواقع ليس لدينا الكثير لنحتفل به. من هنا، نطلب منك أن تفعل الشيء الصحيح وأن تدعم سعينا إلى تحقيق العدالة، وذلك من خلال إصدار تصريح علني بالاعتراف بما عانيناه، وكذلك تقديم اعتذار، والترتيب لدفع التعويضات المناسبة".

وتختم الرسالة بالقول، "سيكون من مصلحتنا جميعاً أن نمضي قدماً في هذا المسار نحو مستقبل ذي معنى ومزدهر في الوقت نفسه".

يأتي ذلك بعد أن تلقى زائران ملكيان - الأميران ويليام وإدوارد - مطالبات بتقديم بريطانيا تعويضات عن العبودية، خلال جولاتهما على دول البحر الكاريبي المتعلقة باليوبيل البلاتيني للعرش، بعد أن أعربت مستعمرات بريطانية سابقة عدة عن نيتها إزالة ملكة بريطانيا من رأس دولها. وتشمل هذه البلدان كلاً من جامايكا وبيليز و"أنتيغوا وبربودا" و"سانت كيتس ونيفيس".

وتعليقاً على الموضوع، قال متحدث باسم "وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية"، "في عام 2013، اعترفت حكومة المملكة المتحدة بتعرض الكينيين لسوء معاملة على يد الإدارة الاستعمارية في بلادهم. ونأسف لحدوث تلك الانتهاكات التاريخية، التي شوهت تقدم كينيا نحو الاستقلال".

وأضاف، "إن تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في مختلف أنحاء العالم، يظلان حجر الزاوية في سياستنا الخارجية".

تجدر الإشارة أخيراً إلى أنه جرى الاتصال بقصر كنسينغتون (مقر إقامة الأمير ويليام وزوجته) للتعليق على هذا الموضوع.

المصدر: ذي إنديبندنت 


مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).