ثمة علامة فارقة بين من يدعو إلى السلام والمحبة وبين من يدعو إلى القتل والخراب.


ربما كان الأكراد من أكثر شعوب المنطقة الرافعين لشعارات السلام والديمقراطية، الداعين إلى التعايش السلمي مع المجتمعات المتعايشة معهم، عملا بالحديث “لا ضرر ولا ضرار”. وبينما هم متضررون أكثر من أي شعب آخر من انعدام السلام وانتشار الكراهية، كانوا دائما من المبادرين في طرح مشاريع السلام في المنطقة، حتى وهم في أوج ثوراتهم التحررية ضد الأنظمة القمعية المتعاقبة على الحكم في بغداد، يتمسكون بهذه الشعارات ويطالبون بتطبيقها على أرض الواقع، وكثيرا ما طرحوا مبادرات سياسية لإحلال السلام وإنهاء النزاعات المسلحة في العراق.

 دخلوا في مشروع اتفاقية سلام مع عبدالكريم قاسم عام 1958 ومع عبدالسلام عارف عام 1964، ووقعوا اتفاقية الحكم الذاتي في الحادي عشر من مارس 1970، وازدهرت المنطقة وانتعشت لفترة أربع سنوات، كما وقعوا اتفاقا أوليا مع صدام حسين عام 1991، يقضي بعدم المواجهة كون العراق يمر بمرحلة متأزمة خطرة.

وكانت الحكومات العراقية دائما هي الجهة المبادرة لخرق الاتفاقيات وفك الارتباط بها من جانب واحد. يكفي أن حركات التحرر الكردية منذ اندلاع ثورتها عام 1961 لم تستهدف جنديا عراقيا ولا هاجمت مؤسسة أمنية خارج حدود إقليم كردستان، كان ميدان المعركة دائما الجبال وليس المدن العراقية.

ورغم تطويق الإقليم وفرض حصار شامل على الشعب الكردي من قبل الأحزاب الشيعية الحاكمة منذ 2014 وقطع الميزانية عنه وقصفه بالدرونات والصواريخ، ظل يمد يده للسلام ويطرح مبادرات سياسية لإخراج البلد من أزماته، ووضع حد للعلاقة المتدهورة بين طرفي النزاع الشيعي “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران الخاسر في الانتخابات المبكرة التي جرت في العاشر من أكتوبر عام 2021، و”التيار الصدري” الطرف الفائز بزعامة مقتدى الصدر، الذي ينادي بتشكيل حكومة أغلبية وطنية بعيدا عن الإملاءات الخارجية.

وبعد أن يئست جميع القوى السياسية من تقريب وجهات نظر الطرفين، ومن ضمنها قائد فيلق القدس الإيراني وراعي الميليشيات والفصائل العراقية حينها إسماعيل قاآني، قام رئيس حزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الفائز في الانتخابات والمتحالف مع مقتدى الصدر لتشكيل الحكومة المقبلة بطرح مبادرة سلام لإنهاء الأزمة السياسية، واقترح بارزاني في مبادرته أن يقوم  نيجيرفان بارزاني ومحمد الحلبوسي بزيارة  الصدر والتشاور حول كيفية مواصلة العملية السياسية وإزالة العقبات والمشاكل.


ولكن، لماذا اختير نيجيرفان للقيام بهذه المهمة؟

رئيس الإقليم معروف لدى الأوساط السياسية الداخلية والخارجية بأنه رجل سلام، يتمتع بقبول من معظم الفرق السياسية الشيعية والسنية، وكذلك من الاتحاد الوطني الكردستاني الحزب المنافس لحزبه، الديمقراطي الكردستاني. ولديه محاولات في مجال الوساطة بين الدول الإقليمية، فقد قام بالتوسط بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، وبين تركيا وفرنسا بنجاح. كما أنه يتمتع بعلاقات وصداقات طيبة مع رؤساء الدول الأوروبية، ومنهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واستطاع توظيف هذه العلاقات لرفع الحظر الجوي الذي فرضه رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي على الإقليم عام 2017 كإجراء عقابي على تنظيم عملية الاستفتاء على الاستقلال.

ثمة علامة فارقة بين من يدعو إلى السلام والمحبة وبين من يدعو إلى القتل والخراب، ونلاحظ هذه العلامة من خلال تغريدتين نشرتا في وقت واحد حول الاعتداءات الإرهابية التي طالت دولة الإمارات العربية المتحدة من قبل المجاميع الإرهابية الحوثية؛ التغريدة الأولى نشرت من قبل نيجيرفان منددة بالعملية الآثمة “ندين الهجوم الإرهابي الذي استهدف مواقع مدنية في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.. تعازينا الصادقة لأهالي الضحايا وتمنياتنا بالشفاء العاجل للجرحى..”، والتغريدة الثانية لأمين عام “كتائب سيد الشهداء”، أبوآلاء الولائي، الذي بارك للإرهابيين “عمليتهم البطولية التي مرغت أنوف الطغاة وكشفت وهن بيت عنكبوتهم يوما بعد يوم”.


فهل تتوج جهود نيجيرفان بالنجاح ويتم الاتفاق بين الفرقاء السياسيين على رئيسي الحكومة والجمهورية الجديدة؟



مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).