أهذا العمل المعنون "تلة يسكنها الاعداء" مجموعة قصصية أم نص طويل مقطع هنا وهناك؟ أيهمّ أن نعرف فعلا، هل  ستتأثر  ذائقتنا "ككقراء" فيما لو كانت قصصاً أو نصوصاً أو نصاً طويلاً مقطعاً؟ بالنسبة لي لا يهمني ذلك بالدرجة التي تهم طائفة من النقاد والقراء المولعين بالتصنيف. لكن يبدو لي أن التساؤل راود الكاتبة بذاتها فأشارت للعمل في العنوان الفرعي ب "نصوص متجاورة" وصنف العمل ب " قص"، وسيبقى جنس العمل غير واضح لدى الكثير من القراء، لكني اتخذت رأيي وانتهيت من هذا الأمر.

تعد فدوى، كاتبة مقالات ونصوص  تعج بالفلسفة والفكر والعبر الصوفية، من أبرز من يكتبون في هذا المجال بالنسبة لي، لديها تفرد وسعة معرفة حول الموضوع الذي تعالجه من أركانه المختلفة الخفية منها والظاهرة، حينما قلبت الصفحة الأولى قلت لنفسي هل سأجد القاصة فدوى أم نسخة معدلة من فدوى الفلسفة، وظل هذا التساؤل معي إلى أن انتهيت من العمل وطوال رحتلي في القراءة كنت أقول دعي القاصة تتغلب على الفلسفة هنا، النصر هنا للقص ابتعدي عن الفلسفة والفكر والعبر، وانتهيت على تشكيل صورة واضحة وهي أن فدوى القاصة تتصارع صراعا له دوي مع فدوى الفلسفة، والنصر كان نسبيا من بين الصفحات، إنما برأيي أن تستطيع الكاتبة، بعد كل هذه التوغل في وديان الفلسفة ووقيعان الفكر وقراءة الكثير الكثير من الأدب العالمي، من كتابة مجموعتها الأولى ولو شابها شيء من الفلسفة والكثير من العبر والتفسيرات المباشرة، فأنه انجاز بلا شك، لذا اظن أنها استطاعت جذب لثام القص بشكل ملفت وتغلبت على نزوعها للفلسلفة والفكر الى حد كبير، أنتهي بالقول بأنها مجموعة قصصة ذات طابع فلسفي مباشر وتضم بين طياتها معجما من الأسماء والاعمال الادبية العالمية، وكل قارئ بحسب ذائقته ومعرفته سيصنف العمل هذا يجد العبر والتفسيرات ايجابية وذاك يجدها تؤثر سلبا في القص، هذا يود ان تكون  الكتابة مفتوحة بدون ألغاز، وتلك لا تحرك خيالها سوى الكتابة الملغزة، أي سنجد طيفا واسعا من الأراء بخصوص هذه المجموعة، وهذا أمر حسن لأي عمل، ويتمناه كل كاتب، فبدون هذا التنوع في أراء القراء لا ينضج العمل ولا يزهر، لا يصبح له اسما مستقلا.

العنوان الرئيسي "تلة يسكنها الأعداء" مشوق وملهم يمكن لعشاق الترميز البحث فيه مطولا ويكفيني القول بأن العنوان جذبني ودفعني لقراءة العمل متحمسا لتسلق التلة ورؤية من يسكنونها لربما كانوا أصدقاء لي واعداء لغيري، أو اعداء لي واصدقاء لغيري، أو وكما اعداء لجميع البشر، وتساءلت هل سأجد فوق التلة مقبرة أو شجرة وحيدة. من هم الأعداء، كان هذا هو التساؤل الأولي الذي راودني.

قبل الخوض في بعض التفاصيل المتعلقة بالمجموعة القصصية، أود التطرق للعنوان الفرعي الذي اختارته الكاتبة بنفسها "نصوص متجاورة"، حسنا القصص متجاورة بالفعل، لا بل متداخلة لحد يجعل المرء يظن ان الطفلة والعجوز شخصيتين دائمتي الحضور،  وما القصص إلا مشاهد مقتطعة من حياة واحدة لكل منها عبرة، لكن لما اختارت الكاتبة عنوانا فرعيا سيتشكل في مخيلة القارئ بعد قراءة بضع قصص متعاقبة؟ ربما خطر لها، أي الكاتبة، أن القارئ سيشكل عن المجموعة صورة أولية سلبية حول الثيمات المتشابهة في بعض القصص والمتقاربة في طريقة المعالجة، فيدخلونها في خانة من يكرر نفسه مرارا وتكرارا، فسبقت تصوراتهم من خلال وضع العنوان الفرعي كما لو أنها تقول لهم: أعلم أنها متجاورة ومتقاربة لذا ابحثوا عن شيء آخر ولا تجادلوني في هذا الشان بهذه الطريقة بل تعمقوا أكثر.

أذا دعونا لا نلهي أنفسنا بالتصنيفات وعد الكلمات أو شرح صياغات الجمل، بل ينبغي أن نغرز أقدامنا وأيادينا في وحل الكلمات كي نتعرف على مخلوقاتها ونتلبسها او تتلبسنا، وسأتجنب تطعيم قراءتي للمجموعة باقتباسات لهذا الكاتب أو ذاك الناقد والمفكر كي لا أزيد التعقيد تعقيدا، ولا نية لي أن أخفي ذوقي وفهمي على حساب اظهار ذوق وفهم الآخرين لنص معين. سأسعى للكتابة بتأني مستعينا بخبرتي الصيدلانية في مزج الأخلاط بتجانس، وعسى أن أنجح  في ذلك لأن النصوص ليست هينة البتة!

سأتناول عدداً من القصص في المجموعة وليست جميعها كي لا أستغرق في كتابة متشعبة، على أي حال ستكون العينة المختارة عينة مثالية عن طبيعة المجموعة، ولن ألجأ الى الحديث العام عن المجموعة ووصفها بصياغات إنشائية عامة قد تصلح لأي عمل، بل سأفرد كل قصة على حدة.

وجود في الزمن الخطأ، يدور هذا النص الذي ابتدأت  المجموعة به، والذي لا ينبغي تصنيفه كقصة كي لا نقلل من قيمته الفنية،  حول سؤال وجودي، ما مر إنسان على الأرض إلا وتساءل به،  من منا لم يشعر أو لا يشعر على الدوام بأنه وجد في الزمن الخاطئ وربما في المكان الخاطئ كذلك، وقد يتطرف البعض ممن استفحلت مآسي الحياة وخيباتها بهم فيصيحون: لما أنا في هذه العائلة، مع هذه الحبيية، مع هذه الزوجة، لما اصدقائي هم هؤلاء، لما أنا في هذا الحي وفي هذا الشارع والمنزل، لما أنا أنا،  ونجد في أنفسنا روح القدس " لكن من يريد الروح". يأخذنا النص بشكل صريح نحو السوداوية واللاجدوى، وأن الزمن سيبقى خاطئا دوما والمكان مخطئا دوما، ولن يجد الإنسان أو يعرف نفسه الحقة عبر الزمن أو المكان، بل عبر الموت الذي يعاملنا جميعا بالتساوي، يلتفت إليك كما التفت الى الملوك والأمراء والجبايرة يعاملك بذات المعاملة، فتصبح أخيرا ذاتا قائمة ومتفردة ولو حين الموت! من ناحية أخرى شعرت أن النص يدعوني الى رسم خارطة لحياتي كي أكثر من التساؤلات حول كل تفصيل لمعرفة مصدره، لأنه يبدو لي أن جل تصرفاتنا وأفكارنا الى جانب تصوراتنا وأحلامنا قد نشأت بسبب وجودنا في مكان خاطئ وفي زمن خاطئ، هي وليدة الخطأ في النهاية، ما نشأنا عليه وما ينشئنا على الدوام نابع من الخطأ، وهو خطأ.. إذا انطلق، انطلق في أي اتجاه تشاء ولن تجد سوى الموت أمامك، فما سواه  زمن خاطئ وأمكنة خاطئة يموج بين طياتهما أناس وتواريخ وعقائد خاطئة.

أما القصة الثانية في المجموعة، نعم قصة وليس نص، فالموت فيه حاضر منذ البداية لكن من خلال قص سلس ومفعم بالحيوية، وينضح بالألم والوجع في ذات الوقت، ماذا سيحدث لأشيائي ان أنا مت ؟ سؤال يتوارد للمرء خصوصا للآباء والأمهات حينما ينظرون لآبنائهم أو حينما ينظر كاتب الى مكتبته ومؤلفاته أو أن ينظر فنان الى الآلة ألموسيقية التي صاحبته طويلا، وغيرها من الأشياء الحميمة.. لكن.. الجواب بسيط، كما هو مطروح في القصة، وليس ينبغي أن نعقد المسألة كثيرا، ستستمر الحياة بدونك وترقص أنت مع الموتى او مع ما تبقت من أجسادهم. وانتبهت إلى مفارقة في هذه القصة، إذ لم تدرك البطلة موتها بينما تتحادث مع العجوزين، ولو كان كان وجه العجوز متآكل حتى بانت عنها العظام، ولو كانت العجوزة تخاطب  طيفا "كانت تراه"، لم تدرك أنها مينة إلا حينما قرأت عبارة كتبت بيد ابنتها " أمي لماذا تركتني"، ماذا نفهم من ذلك ؟ لو قالت أمي مسافرة وسترجع ذات يوم، هل كانت ستدرك موتها أم كانت ستبحث عن درب يفضي الى الحياة مجددا متحالفة مع الشياطين والأبالسة كي يدلوها على المدخل الذي يفضي من الجحيم الى الحياة، لكن الطلفة أيقنت أنها تركتها فعلا ولم يعد بمقدورها لا مسك طرف فستاتها ولا ضم الكف بكفها، وحينها فقط ادرك موتها، ربما العبرة في ذلك، وهذا تأويل لا علاقة له بالقصة، أن وجودنا بالمطلق مرهون بمن يحبوننا ويذكروننا على الدوام وفي اللحظة التي يتوقفون عن ذلك ندرك الموت. وفي القسم الثاني من القصة تلتقي مع قاتلها ويجري بينهما حديث مطول وفي اللحظة التي يتلفظ فيها القاتل بانها كانت آخر ضحاياه تنتهي القصة ولا يبدر عنها أي ردة فعل، لكأنما تقول الكاتبة أن الضحية تعيش في سلام بعد موتها بعكس القاتل، أو أن الضحية تبقى ساذجة وجاهلة حتى بعد الموت، أو أنه لا جدوى من افتعال قضية تتبع للحياة ولا تمت بصلة للموتى، هنا جميعنا موتى وسألج الى حلم ابنتي علها تأتي وتسقيه من حين لآخر لأن عطش ويكاد يموت مرة ثانية من العطش. أنها أسئلة ومسائل بالغة التعقيد مثل غيرها من القضايا الكثيرة التي تدور حولها هذه المجموعة والتي يبدو أن فدوى شغوفة بالبحث عن الاجابات أو فقط بصق الأسئلة بأقوى ما يمكن مثلما كنا نفعل نحن الصغار ونتراهن حول من سيبصق لأبعد مسافة، وكذلك الأسئلة السائرة في ارض هذه القصص تكاد تكون فجة وصارخة وحقيقية مثل بصقة!

أما عن مضمون قصة "زيارة"  فقد ورد مرارا في الأدب والأفلام، حتى أن الكاتبة استعانت بصورة مألوفة كثيرا وهي أن الروح لا تعكس في المرآة أو أن الأرواح تتآلف بعد الموت وتبقى جريمة القاتل تصحبه بعد الموت وغيرها من العبر، واستخدمت الكاتبة عبارات عادة ما تكون دارجة في الأدب الغربي كالعجوز الأحمق والخرف أو الملاك الأبله، هذا لأننا  لا نستخدم هذه العبارات ببالغ البساطة في حياتنا اليومية ولا نواجه بها العجائز خصوصا، جو القصة الغرائبي مألوف بالنسبة لي، وكانت تحتمل، برأيي، مزيدا من الغرائبية والترميز لأن الحديث يدور حول  الحياة الأخرى التي لا يعرف عنها أحد شيئا، لذا يمكن أن نقول فيها ما نشاء ونبتكر ما نشاء.

أما القصة الثالثة فهي قصة بلا منازع،  ولعلها أحب قصة إلى قلبي من بين جميع القصص لأنها تدور حول الكتاب وهوس العيش بين الكتب ولأنني وجدت نفسي اتجول بين المرايا الزجاجية واسمع همسات العالقين في ذلك الفضاء، وعلى ذلك، أظن ان تقييمي لهذه القصة سيكون مشكوك فيه، وسأكون متحيزا بشكل ملحوظ.  استعانتها بالحلم لتفسير ما يجري مع القارئ المموس  بالكتب وعوالمها وشخصياتها هو اختيار ذكي ففي اللحظة التي نحمل فيها كتابا ندلف الحلم وتتوالى الأحلام حتى تتحول شخصيات الكتب وبيئاتها الى اصدقاء لنا وأخوة وأعداء. ارتكبت الكاتبة خطأ من خلال اشارتها المباشرة حول مقدمات حال البطلة،  يا ريتها لم تشر إلى أن ما تعيشه هي بسبب الكتب، كان لا  ينبغي الاشارة الى ذلك في بداية القصة، كي تبقي القارئ يخمن السر وراء ما يحدث مع البطلة، لكن وبغض النظر عن هذا الأمر وعن استعارة الكثير من الشخصيات من الروايات والتي برأيي لم تكن فجة، اذ كانت استخداماتها مدروسة بعناية. إذا هو حلم، كل هذا حلم في النهاية، نحن الممسوسون بالقراءة حياتنا تجري في الحلم أو الحلم هو حياتنا، ونتحول الى مسوخ تجوب عالم الخيال نتحول من شخصية لأخرى نعاني مثلها ونحقق ما تحقق من انجازات، وأيضا ينظر إلينا المجتمع كمسوخ فتزداد عزلتنا ونكتسب  مزيدا من مهارات التحول. مسخ هو كل من يحيا حياة هادئة ومألوفة يصاحبه فيها سنة بعد أخرى ذات الأفكار والتصورات والآراء. يفقد القارئ الممسوس، مع الوقت، مهارة الفصل بين حدود الواقع والحلم، او بين الموت والحياة أو بين الجميل والقبيح، فالأشياء تتحد مع الأفكار والوساوس تمتزج مع الوقائع فيصبح كل شيء ممكن، إذ ذاك نرمي كلمة المستحيل من قواميسنا، كيف لا نرميها وقد غدا ممكنا السير مع فرجيل في الحجيم والاتيان بالمعجزات لحظة قراءتها!  هذا هم القراء المتوحدون الذي يصرفون دهرا في القراءة وفي اللحظة التي يهمون فيها للتعبير عن أنفسهم يجدون العالم كله يقف ضدهم. خلاصة ما فهمته من هذه القصة الغنية بالعبر والدروس، هو أن  عدم منح اجازة للبطلة بغية انهاء مشروعها الكتابي كان أمرا مدروسا وغايته أن  تبقى قارئة دوما، ومن أجل ذلك تواطأ جميع من في الحلم وكل من ذكرتهم من كتب وأبطال الكتب من اجل منع الاجازة عنها ولكي تبقى بصحبتهم على الدوام ويبقوا هم أحياء، فهي من تبقيهم أحياء على الدوام.  يا لها من مؤامرة صالحة! على القارئ ان لا ينزل عن عرشه الذي منه يرى العالم اجمع ويغوص اعمق ما يمكن في اي مكان وزمان يشاء، أما لو جلست على عرش الكتابة، أي تحولت البطلة الى كاتبة، ستصبح أسيرة في  عالمها الخاص وستتحول الكتب الى مصادر بالنسبة لها لتكب المزيد وليس لتعيش وتحيا فقط بها ومعها. سؤال آخر يطفو في هذا النص،  لما نكتب، فما كتب مسبقا يكفي البشرية بضع آلاف قادمة من السنوات كي تمحص فيها شرحا وتعليقا وتفسيرا وفيها بساتين وأنهار من العسل والخمر فيها كل ما يشتهيه المرء، أنها الجنة! إذا ما الغاية من اضافة كاتب آخر الى القائمة في وقت يكثر فيه الكتاب ويقل القراء! اقرأ اقرأ اقرأ

في قصة قصاصات منتهية الصلاحية، وهي قصة أيضا، يبدو الموضوع فيه بسيطا وباهتا للوهلة الأولى لكن الأسئلة المطروحة تمتلك صفة كونية في عالم الكتابة على الأقل! عظيم قول الصبية انه لا يمكنها الكتابة عن الربيع لأن الربيع لا يزور قريتها وتفشل في رسم العلم لأنه ممزق ولا يستقر بسبب الريح، وفي انتظارها الطويل من اجل أن تكتب عما تشعر به وتلمسه وتراه وتسمعه تسافر سفينة العمر التي تمخر بحر العجز، تتحول معها كل مواضيع الحياة الى قصاصات تنتهي الى الحرق مثل الحياة تماما. استوقفني رأي صديقتها ليليان " ليس من ضرورة لوجود الربيع حتى نكتب عنه، ولا لوجود الشتاء، ولا ضرورة لوجود عَلم كامل أو حب كامل لنكتب عنه" والحق  لأن كل هذه الأشياء غائبة أو فقدت معانيها نكتب عنها بهذه الصيغة أو تلك، قصة فيها دروس وأسئلة كبيرة لم يزل الناس يكتبون عنها في الأدب والنقد والفلسلفة، ماذا نكتب، كيف نكتب، لمن نكتب.

البكاءة تلخيص عن الحاضر والمستقبل وماضينا، سنبكي مطولا بسبب ما يحدث وما سيحدث، سنبكي لكل شي وعلى أي شيء، سنبكي العالم أجمعين في كل حين، وفي اللحظة التي ينبغي فيها أن نبكي لن تجد الدموع طريقها الى عيوننا، لقد جفت تماما. قصة مؤلمة بحق تعيد للمرء مشاهدا من ايام طفولته فيسعد قليلا برؤية بائع "شعر البنات" من ثم يراه مقطع الأوصال وقد وضعت اعضاءه في كياس تماثل أكياس شعر البنات الشفافة، نرى أحبائنا وفي اللحظة التي نكاد نعانقهم لا نجد منهم سوى هيكلا عظميا يكسوه قليل من الجلد الممزق، سنرى كل من التقطتهم عدسات عيوننا يوما في أكياس تلقى بالجملة في الهاوية؛ المستقبل.

التداخلات بين القصص كثيرة سواء من حيث الثيمات المتناولة في القصص أو طريقة معالجتها، فالموت حاضر دوما في مكان ما من القصة ويتحول الى بطل ومرشد من حين لآخر، وتكون الطفلة والعجوز حاضرين دوما في معظم القصص، ولا تخلو قصة واحدة من التفسيرات والعبر ذات النفحة الفلسفية، ناهيك عن قاموس يضم قراءات الكاتبة بذاتها، بالمختصر لم أقرأ مجموعة قصصية كهذه من قبل، قرأت مجموعات وروايات بعضها ذكرت في هذه المجموعة وبعضها الآخر لم يذكر ولها مثل هذه الأجواء الغرائبية الناضحة بالسوداوية والموت والأمل الرابط أسفل الهاوية.  توجد ترابطات شيقة تنتظر القراء، ولكي يستنبطوها عليهم أن ينهوا أول قراءة وحين المباشرة بالقراءة التالية سيشعرون بتداخل القصص ببعضها ببعضا وتدب فيها الحياة، حينها وفقط حينها، يمكنكم ابداء آراءكم. تجنبت الحديث عن العديد من النقاط كي أبقي لغيري البحث فيها، وقد أعود إليها لاحقا.

في هذه المجموعة سيلاقي القارئ زخما فلسفيا محمولة فوق موجة القصة، وتستوقفه العبر والتفسيرات الفلسفية لقضايا ومشاعر نعيشها يوميا من حين لآخر، سيرى الكثير من الموت ويستذكر أحباءه وأصدقاءه في القبر أو الغربة، ستتلون نظراته بلون الدم ويتفس بخار الدم، سيعجز عن إتمام هذه القصة وتلك وربما يستسلم من حين لآخر ويعاد الكرة.

هذه السحابة السوداء التي تشكلت منها "تلة تسكنها الأعداء" ولودة بالبروق والمطر كذلك، تنشأ الحياة من جهة وتبيدها من جهة آخرى، سترون ما تشتهون!

قال نابوكوف مرة: الكتاب الذي لا يقرأ مرتين لا يستحق القراءة لمرة واحدة.  هذه المجموعة تستدعي أكثر من قراءة واحدة.


مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).