بدأت احترافها المهني كمحامية مرموقة في مجال مكافحة الاحتكار وقانون العمل، لتحوز بعد ذلك عدة حقائب وزارية في الحكومة الفرنسية، كالتجارة، والزراعة، والثروة السمكية، إضافة لكونها أول امرأة تشغل منصب وزير المال في دولة من دول مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى. ومن ثم تربعت على رأس هرم صندوق النقد الدولي كأول امرأة أيضاً في هذا المكان الرفيع. هكذا شقّت كريستين لاغارد، القانونية والسياسية الفرنسية، طريقها لتصبح رئيسة للبنك المركزي الأوروبي، وهو دور لطالما هيمن عليه اقتصاديون أكاديميون متخصصون في السابق.

كان نهجها في الإشراف على السياسة النقدية لمنطقة اليورو غير تقليدي واستثنائي بنفس القدر. ففي هذا المنصب، عملت لاغارد على ضمان تنويع صنع السياسات لتكون أكثر شمولاً، حيث وحّدت أصحاب القرار المنقسمين تاريخياً معاً حول القضايا الرئيسية مثل مراجعة استراتيجية البنك المركزي الأوروبي، وإضفاء مزيد من التأثير للبنوك المركزية الوطنية في السياسة. كما أشرفت أيضاً على ارتفاع مستويات الثقة العامة في المؤسسة الناشئة، والتي تبلغ من العمر 24 عاماً فقط، من خلال إشراك المواطنين في محادثات شعر كثيرون سابقاً بالنفور منها.

الحياة المبكرة والتعليم

ولدت لاغارد في الأول من كانون الثاني/يناير عام 1956 في باريس، وبعد أن أتمت تعليمها في المرحلة الثانوية سنة 1973، غادرت إلى مدرسة هولتون آرمز في بيثيسدا، ماريلاند في الولايات المتحدة. وهناك تدربت في الكابيتول الأمريكي كمساعدة للنائب ويليام كوهين. بدأت لاغارد حياتها المهنية كشريك في مكتب باريس للمحاماة «بيكر ماكنزي» في شيكاغو، حيث تخصصت في قضايا العمل ومكافحة الاحتكار وعمليات الدمج والاستحواذ. وبحلول ال 43 من عمرها، تم اختيارها أول رئيسة نسائية للشركة الدولية.

حققت لاغارد، التي تتحدث الفرنسية والإنجليزية والإسبانية بطلاقة، العديد من الإنجازات التي تحمل اسمها، ويُنظر إليها على أنها رائدة النساء في مجال التمويل العالمي وصنع السياسات. وهي حاصلة على إجازة في القانون من جامعة «باريس نانتير» ودرجة الماجستير من معهد العلوم السياسية في «إيكس إن بروفانس».

مساهمات بارزة

أثارت لاغارد إعجاب قادة العالم بحكمتها وقيادتها أثناء ترؤسها وزارة المال في فرنسا خلال الأزمة المالية العالمية، إذ لعبت دوراً رئيسياً آنذاك في تنظيم صندوق الإنقاذ الأوروبي الطارئ للبنوك.

وفي 28 يونيو/حزيران عام 2011، انتخب مجلس إدارة صندوق النقد الدولي لاغارد لتكون المدير العام والرئيس المقبل للصندوق لفترة خمس سنوات. لكنها تخلت عن مسؤولياتها في عام 2019 بعد ترشيحها لمنصب رئيس البنك المركزي الأوروبي خلفاً لماريو دراغي.

واجهت لاغارد تداعيات أزمة الديون في منطقة اليورو، والنزاعات التجارية الدولية من بين أمور أخرى. ووافقت أيضاً عام 2018، أثناء فترة رئاستها صندوق النقد، على خطة إنقاذ بقيمة 56 مليار دولار للأرجنتين، والتي كانت الأكبر في تاريخ الصندوق.

تحت قيادتها، جادل صندوق النقد الدولي أيضاً بأن الأغنياء يجب أن يدفعوا ضرائب أعلى للحد من عدم المساواة، ودافعت مديرته عن إصلاح النظام الضريبي العالمي، محذرة من الآثار الاقتصادية الكلية لعدد قليل من الشركات التي تتمتع بقوة سوقية ضخمة، ومن الخطر الذي يتهدد الاقتصاد العالمي نتيجة ارتفاع مستويات الديون في مختلف البلدان. واقترحت لاغارد إصدار عملات رقمية للبنوك المركزية في المستقبل. وفي عهدها، أصبح صندوق النقد الدولي أكثر التزاماً بقضايا تغير المناخ.

في منصب رئيس البنك المركزي الأوروبي، يُعتقد أن نقاط قوة لاغارد تتمثل في فطنتها السياسية واتصالاتها وقدرتها على بناء توافق في الآراء. ومع ذلك، فإن عدم وجود خلفية اقتصادية أو رأي واضح حول السياسة النقدية يعني أنها ستضطر إلى الاعتماد على التكنوقراط الماليين بقدر معقول.

هل دخلت لاغارد السجن؟

اتُهمت كريستين لاغارد بالإهمال خلال فضيحة اقتصادية تورط فيها رجل الأعمال الفرنسي الثري، برنارد تابي، عندما وافقت على دفع تعويضات بملايين اليورو من الأموال العامة. لكنها لم تدخل السجن وتمت تبرئة تابي في محكمة قانونية فرنسية. لاغارد ليست خبيرة اقتصادية، بل محامية. ومع ذلك، فهي تتمتع بخبرة عميقة في الأمور الاقتصادية بسبب الأدوار التي لعبتها بدءاً من وزارة المالية الفرنسية، مروراً بصندوق النقد الدولي، وانتهاء اليوم بمنصبها الحالي رئيسة للبنك المركزي الأوروبي.

التحدي القادم

الآن، ومع ارتفاع التضخم إلى مستوى قياسي في منطقة اليورو، تواجه لاغارد واحدة من أصعب تحدياتها، وهو تثبيت ارتفاع الأسعار وسط حرب شعواء في الفناء الخلفي للبنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت. وعلى عكس أقرانها في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو اليابان، يجب على لاغارد امتلاك القدرة على توحيد الصف باستمرار بين السياسيين والاقتصاديين من 19 دولة.

المصدر: الخليج

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).