الشاعر جوان قادو

يسعى الشاعر الكردي جوان قادو إلى التحديث في لغته الشعرية، رافضاً فرض أي شكل من القيود أو الإملاءات على اللغة الكردية وتطورها من قبل المدرسة الكلاسيكية.

يرى أن القصيدة صنيعة الخسارات،, ويجد كتابة الشعر ملاذه وراحته، فيصنع فيه عالماً يليق بالإنسان، ويروضّ فيه كلّ كوابيسه واضطراباته الداخلية، ليصبح رفيقاً لها.

جوان قادو (بالكردية Ciwan Qado) من مواليد مدينة عامودا، سوريا (1980). درس علم النفس في جامعة دمشق. له أربعة دواوين شعرية: "الأفاعي العمياء" (Marên kor) (طبعت سراً في دمشق 2003)، "غنيت في قلبي سراً" (Bi dizî min di dilê xwe de stra) (طبعت سراً في دمشق 2008)، و"عين متأخرة عن النوم" (Çavê ji xewê dereng mayî) (القامشلي 2018، هينار للنشر)، وأخيراً "العصافير أكلت لساني" (Çûkan zimanê min xwar) (2020 القامشلي)، دار آفا للنشر. يعيش في ألمانيا منذ عام 2010.

ضمن سلسلة حوارات موقع "رامينا نيوز" مع المبدعين والأدباء والفنانين والشعراء، حاوره عبدالله ميزر صوتياً باللغة الكردية عبر تطبيق "واتسآب"، وترجم الحوار بينهما فكان التالي:

 - ما هو الشعر؟ ماذا تريد منه وماذا يريد منك؟ ما طبيعة العلاقة بينكما؟

هذا السؤال إشكالي في الحقيقة، لكن الشعر في عمومه، يمنحني الحرية التي أستطيع بها التعبير عن آلامي وغضبي ورفضي إزاء أي شيء. يمكنني عبر الشعر ترك مساحة في داخلي وخلق هامش بيني وبين المجتمع، وأفصح عن موقفي تجاه هذه الفوضى التي نراها في العالم. فالشعر شكل من أشكال العلاج بالنسبة لي. ما أعنيه بالعلاج هو أنه يحقق لي التوازن والسلام في داخلي. عبر الشعر أتحدث مع اضطراباتي الداخلية وأكون رفيقاً لها، أفهمها وأروّضها! الشعر يجعلني أمضي في حياتي على توازٍ مع كافة الاضطرابات والعلل وغيرها. أعتقد أن القصيدة لا تكمن في القضايا الكبرى وفي الغيبيات، بل تظهر فيما يمكن تسميته "الباطن الظاهر"، في البديهيات، والأمور البسيطة. أعتقد أنه عبر تدريب جيد لكافة الحواس، يمكن تمييز هذه الأمور عبر تراكم معرفي وخلق أداة معاينة. هذه الأداة تساعدك على كيفية كتابة قصيدة تستلهمها من أشياء من حولك. أعتقد أن الأقرب إلى هذه التفاصيل هم الأطفال، وكنت أصر على هذه النقطة دوماً، لأن الأطفال بعفويتهم وأذهانهم الصافية، يبدؤون بطرح أسئلة عن الحياة والموت والخوف من المجهول والمخلوقات الوهمية، والقصص الخرافية.. كانت هذه الأسئلة والقصص تشكل تدريباً للعقل الطفولي لدي. منذ تلك المرحلة، ومع تلك الأسئلة، اندفعت إلى الشعر كإجابة على أسئلة الطفولة والحياة، كما أنني أصبحت في قصيدتي أتحدث على ألسنة كائنات وحيوانات وأطفال، وأكتب قصيدتي من منظورهم في أحايين كثيرة.

- ما سبب كثرة الشعراء وقلة الشعر؟

الشعر الحقيقي أصبح قليلاً، وهذا يحمل معنى واحداً وهو أن مجتمع الشعراء يتجه ليصبح قلة. ربما مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وسهولة النشر، توهّم الكثيرون أنهم يكتبون شعراً أو حتى في مجالات كتابية أخرى مثل الرواية، ولهم جمهور يصفق لهم، إلا أن هذه السهولة وهذا الانتشار والإعجاب لا يعني بأي شكل أنه يكتب شعرأً حقيقياً. ليس الأمر بهذه السهولة، وهذا لا يعتبر شعراً في رأيي. فنظم القصيدة ليست أمراً هيناً على الإطلاق. يعتقد الكثيرون أنهم يقدمون شيئاً مميزاً بمجرد امتلاكهم الملكة اللغوية، ولا أرى هذا بذي قيمة، ولا يمكن تسميته شعراً.

- ما عناصر القصيدة الناجحة في رأيك؟

لا يمكن الحكم على القصيدة عموماً بأنها ناجحة أو رابحة، فهي صنيعة الخسارة أساساً. إذا كان لنا أن نستخدم هذا المصطلح، فالقصيدة التي يمكن أن تكون صادقة وتنقل إحساساً جميلاً يلامس روحك هي قصيدة ناجحة! تلك القصيدة التي يكتبها الشاعر بصدق بينه وبين نفس على الأقل، ما أقصده أن ما لا تستطيع قوله للمجتمع، يمكنك أن تصارح نفسك به.. رغم أن الشاعر ليس دائماً صادقاً حتى مع نفسه، إلا أن أقل ما يمكن مطالبة الشاعر به هو أن تكون قصيدته نابضة بعبق الصدق.

- كل شاعر تلميذ لشعراء كبار حتى يكبر ويتحرر من سطوتهم.. من أهم أساتذتك؟ وماذا تعلمت منهم؟

لدي الكثير من الأساتذة، لكن في بدايتي تعلمت من الحيوانات والطبيعة والأشجار والمروج...فهي أكبر أساتذتي في تلك الطبيعة والحياة الغريبة التي عشناها في الطفولة. ثم مثل أي شاعر أو مهتم بالشعر الكردي، تأثرت بالأسماء الكبيرة في الشعر الكلاسيكي مثل الملا جزيري، ملايي باتي، بابا طاهر همدان، أحمدي خاني، فقه طيرا، وقرأت كثيراً لجكر خوين، وإلى حد ما لتيريج، ثم تأثرت بشعراء عالميين عبر قراءتهم باللغة العربية، حتى أن الكثيرين شبّهوا كتاباتي بقصائد رامبو وبودلير، من دون أن أقرأهم في البداية.. لكن بسبب تعليقات بعض الأصدقاء توجهت إلى قراءتهم، ثم دخلت عبر ترجماتهم في علاقة مع الجيل الحديث في الشعر الأمريكي الذي ركز على الاعترافات في القصيدة. هناك كاتب أعشقه هو فرناندو بيسوا أعتبره المرجع والملهم والأستاذ الأكبر لي عبر كل شخصياته التي صنعها مع انفعالاتها المتعددة. فقد علمني أن الفرد منا يعيش في داخله أشخاص عدة، أو الشخص ونقيضه! القصيدة أيضاً فيها من التناقض ما يشبه تناقضاتنا الداخلية! كما أحببت الذوق الشعري لبورخيس، الذي يعد كمتبة متنقلة، فشخصياته وكائناته الخيالية دائماً ما كانت تجذبني بكل تفاصيلها، كما أنني تأثرت إلى حد كبير بالفيسلوف والكاتب الروماني-الفرنسي إميل سيوران في فهم الخيبات والخوف والموت والغموض وكيفية التعامل معها، وكيفية التصالح مع الجراح والآلام الداخلية واليأس.

- كيف أمضيت وقتك خلال الحجر الصحي؟ هل استفدت منه شعرياً؟

لم أفرض على نفسي أي حجر بسبب كورونا، لأن العمل لم يتوقف في ألمانيا، إلا أنني شعرت بمسحات من الجمال في تلك الفترة، فعدد البشر كان أقل من حولي، وهذا كان يبعث بعض البهجة في داخلي، لأنني لا أشعر برغبة كثيرة في الحديث مع الناس صباحاً، أو بعبارة أخرى لا أود سماع الصخب الصباحي ورؤية الوجوه الكثيرة. أحب أن أبدأ صباحي مع الطبيعة والهدوء.. في تلك الفترة وقبلها حتى، شعرت بسرور كبير من أصوات طيور الشحرور الجميلة في ألمانيا. شعرت أن زقزقتها نقية وصافية، لا تشوبها أي نغمات نشاز مثل أصوات السيارات أو البشر. تذكرت عند رؤية طيور الشحرور قصيدة الشاعر الأمريكي ولاس ستيفنز "ثلاثة عشر طريقة للنظر إلى طائر الشحرور". أصوات هذه الطيور كانت رسائل أمل وراحة وبهجة كبيرة في داخلي، وأصبحت الطريقة الرابعة عشرة بالنسبة لي في النظر إليها، وهذه المشاعر نادراً ما كانت تساورني جراء نمط الحياة الرأسمالية وماكينة العمل التي أصبح الإنسان مثل الآلة فيها. ما أحزنني كثيراً أنني فجأة افتقدتها، واعتقدت أن عودة الناس إلى الشوارع هي السبب، لكن عندما قرأت عن الأمر، أدركت أنها أيضاً أصيبت بوباء تسبب في قتل الكثير منها.

- هل تواجهك مشكلة في تأثير الثقافة العربية والآن الألمانية على لغتك الشعرية الكردية؟ أم تعتبر أن في الأمر إغناء لك؟

أشعر أن هناك اتجاه حديث بين الكتّاب والشعراء الكرد، ولا أجده جميلاً، وهو أنهم يجدون أن اللغة التي تحدث بها الآباء والأجداد وفق قواعد معينة هي الوحيدة التي يجب أن نعبّر بها في كتاباتنا اليوم، وهذا برأيي يمنع الإبداع والإثراء. ويفرض تشابهاً في الأنماط الكتابية، والأسوأ أنه عند أي محاولة تحديث في اللغة، أو الكتابة بطريقة مختلفة عنهم، يتهمونك بأخذها من لغة أخرى أو كأنك ارتكبت جرماً أدبياً..! أجد أن هذا التطعيم اللغوي خاصية جمالية، وتوسيع للمعجم اللغوي الكردي، وفيه من الإيجابية أكثر من السلبية كما يدّعون..! وهذا أيضاً يدخل ضمن التأثر بثقافات أخرى، وفي التاريخ الشعري الكثير من هذه التأثرات. أعتقد لحماية اللغة، وتطويرها، علينا أن ندخل في علاقة لغوية وتزاوج مع لغات أخرى، وليس فيها تهديم للنمط اللغوي بتاتاً، بل تقدم وتحسين في اللغة، ولا يمكن للغة أن تحيا وتتطور إلا عبر الأخذ والعطاء. وفي العديد من اللغات العالمية مثل الإنجليزية ولغات المنطقة مثل الفارسية والتركية والعربية أيضاً.. تجد الكثير من الكلمات الدخيلة فيها... وهذا لا يعني أن هذه اللغات أصبحت ضعيفة، بل اتخذت شكلاً أغنى في قاموسها اللغوي.

- ما الذي يحرّك حسك الشعري كثيراً، ويدفعك لكتابة قصيدة؟ الحب، الفراق، الشوق.. ماذا؟

كل شيء.. ليس هناك شيء محدد أو توقيت محدد. فأنا مسكون بالكتابة، أعيش وأنام معها، وهي جزء مني، ويمكنني القول أن الحالة الكتابية يقظة عندي دوماً، ولا تنام، فالذهن منذور للكتابة، ولا تأتي الكتابة دومأً، لكن عندما تأتي أشعر بالحالة، أجد نفسي أكتب قصيدة أو خاطرة، تمنحني الإحساس بالراحة..! حالة الشعراء هنا أشبه بحالة القطط من حيث إحساسها العالي بما حولها حتى وإن كانت نائمة، كما أن القطة عندما تريد قضاء حاجتها، تذهب خلسة وتحفر التراب لتدفن فضلاتها فيها، حتى أنها تشمّها لتتأكد من دفنها. والحالة الشعرية أيضاً بكل ما فيها من الآلام والجراح والطاقة السلبية التي تعصفنا بها الحياة، تجعلنا ننفرد بذواتنا ونحولها إلى قصائد ونتأكد من مدى جاذبيتها وتأثيرها على أنفسنا والآخرين. القصائد الجميلة دومأً تأتي بعد رحلة من العذابات في داخل الشاعر، مع كتابته القصيدة يدفن ما يعاني منه ويتخلص منه.

- بدأت في الآونة الأخيرة تنشر قصائد صوتية لك.. هل تعتقد أن الجمهور الكردي أصبح يستمع للشعر ولا يقرأه؟ هل تجد أن شعرك مقروءاً بصوتك يعبّر عنك أكثر؟

يحزّ في نفسي ملاحظتي أن الناس لم تعد تقرأ حقيقة في هذا الزمن، فقد أصبح الهاتف يحتل كل شيء في حياتنا، أصبح ككتاب، ومكتبة، وتلفزيون، وسينما، ومقراً للقاءات والمحاضرات. في البداية كنت ضد فكرة التسجيل بصوتي، بقيت متمسكاً بفكرتي لسنوات، ولا زلت..! لكنني، مؤخراً، رضخت لرغبة الأصدقاء والمتابعين لشعري، وتأكيدهم على أن الأمور تغيرت في طريقة التعاطي مع الشعر، وأن تسجيل الصوت ينقل الإحساس إلى المستمع ويقرّب القصيدة منهم أكثر..!

التسجيل الصوتي أوصلني إلى متابعين آخرين، وشكل فرصة أكبر لتقديم قصائدي لهم، خاصة أن الوسط الكردي ضعيف في الإعلام الحر، ويعاني من الحزبية والشللية، ولا أجد نفسي تابعاً لأي جهة، وكما أؤمن بحرية قصيدتي. أؤمن بحرية إيصالها إلى الآخرين. هذه التجربة كانت إيجابية. ولقت أصداء رائعة بين الأصدقاء والمتابعين، وأنا الآن بصدد تسجيل قصائد أخرى، ولكن سأحاول إضفاء لمسات حداثية عليها، بعيداً عن نمط الإلقاء التقليدي.

- كيف يؤثر المكان على فلسفتك الشعرية؟ وكيف أثرت عليك تجربة الهجرة؟

في الحقيقة أؤمن بقصيدة للشاعر قسطنطين كفافيس عن المكان. أرى أن المكان يعيش في داخلنا، أينما ذهبنا يكون معنا، وعندما أكتب يكون الوطن في داخلي وفي كل تفصيل في قصيدتي، لكن بصورة شعرية بالطبع. صحيح أن المكان الجديد يلقي بظلاله علينا بثقافته ومجتمعه، مثلما تعلمت وتأثرت بأمور كثيرة في ألمانيا، وأفادتني حقيقة، لكن أعود وأجد نفسي في مسقط رأسي، محاطاً بكل حيثياته وتفاصيله وجغرافيته وشخوصه.

- أول قصيدة كتبتها... وهل كنت راضياً عنها؟ ومتى وجدت نفسك شاعراً؟

عندما كتبت أول قصيدة كنت في الصف التاسع، وكانت تشبه أسلوب الشاعر جكرخوين. وفيما يتعلق بسؤالك عن متى وجدت نفسي شاعراً.. في الحقيقة أجد الإجابة عليه صعبة. لكن عموماً يمكنني القول أنني طرحت نفسي شاعراً مع صدور ديواني الأول. شعرت أنني يمكن أن أصبح شاعراً.

- ما علاقتك مع الشعر الغنائي؟ هل سبق وأن خضت هذه التجربة؟ هل غنى أحد قصائدك؟

بدأت أساساً مع القصيدة الغنائية، ثم بدأت بكتابة أشكال شعرية أخرى. وهناك العديد من القصائد التي أصبحت أغانٍ، ولاتزال هناك طلبات من بعض الفنانين والملحنين لتحويل قصائدي إلى أغان.

- ما الذي يثير غضبك في الحياة؟

ربما معظم الناس يشعر بالغضب إزاء القضايا الكبرى في الحياة مثل الظلم وقمع الحريات وغيرها. لكن بالنسبة لي ربما الجدية المفرطة تشعرني بالإزعاج الشديد. أنا شخص غير جدّي، وقد أصبح جدياً فقط في اللامبالاة. وهناك الكثير من الأشياء الصغيرة التي تشعرك بالغضب في تفاصيل كثيرة يومية من الحياة، مثلاً كثرة النصائح تزعجني. كما أن هناك سلوكيات عامة، مثلاً عندما يفتح باب قطار أو مصعد أو مكان ما ولا تحترم الآخرين بالخروج، يجتاحني غضب كبير. أجده سلوكاً همجياً يعكس ماهية الحياة السيئة.. يعكس الانتهازية والاستغلال وعدم الاكتراث بالآخرين.

- هل من لحظات شعرت فيها أنك تحلق من الفرح.. ما هي؟

هناك العديد من اللحظات الجميلة في الحياة عند كل شخص بالطبع، ولكنها بالنسبة لي معدودة، حتى أن هذه اللحظات ليست لحظات الفرح الكبير، بل شعرت أنها فرح ناقص، لأنه جاء بعد آلام كثيرة، لم أستطع أن أحلق بكل جوانحي من الفرح عندها. لم نعتد الفرح عموماً، فاوجاعنا مهيمنة على كل شيء... يصعب علي أن أتحدث لك عن لحظات طرت فيها من الفرح.. فلا أتذكرها حقاً! كما أن الضحك أيضاً كان يقلل من الصورة النمطية للرجولة في فترة من الفترات، فقد كان الألم والجدية الصارمة من سمات الرجولة الحقيقية. كنت ضد هذا التفكير تماماً. فهذا الشكل من الحياة خلق لدينا نوعاً من الحياء تجاه الكبار وعيون الحيوانات، واللقاءات الاجتماعية.. عبر القصيدة حاولت إزاحة الستار عن هذا الحياء.

- ماذا تفعل عندما تكون حزيناً؟

أفعل شيئاً بسيطاً وهو النوم. فهو سلاحي أمام الأحزان والأوجاع ولحظات الشعور بالقرف من الحياة. ربما اللامبالاة أحياناً أيضاً مفيدة، لكن النوم هو دواء الحزن الفعلي لدي.

- كيف هي علاقتك العاطفية مع الطعام...؟ أي نوع من الطعام تفضل؟ هل لديك وجبة مفضلة؟

علاقتي عميقة مع الطعام، وهو من بين الأشياء التي أعشقها في الحياة إلى جانب أشياء أخرى مثل كرة القدم. أعشق وجباتنا الكردية التقليدية مثل "كتلك" مع صلصة النعناع والبندورة التقليدية، و"كُتايي" أيضاً، والملفوف المحشي. تستهويني هذه الوجبات عموماً.

- عبارة ملهمة تتخذها شعاراً لك.. ؟

ليس لدي شعار ثابت في الحياة، لكن هناك أقوال لكتّاب أتذكرها دوماً، وتعجبني حقاً. منها قولان للشاعر بيسوا، أحدهما قبل وفاته عندما قال "اسقني المزيد من الخمر، فالحياة لاشيء". وهناك قول آخر له هو "عندما تكون هناك ورود، لا يحتاج المرء إلى الله".


قصائد للشاعر جوان قادو بترجمة سوار ملا

لا تُبارحُ


لا تُبارحُ زجاجَ النوافذِ
آثارُ عيونِ القططِ المضيئة
وكذا آثارُ وصمةٍ يخلّفُها يأسُ الخلوةِ الصامتُ النَّهمُ.

لا تُبارحُ زجاجَ النوافذ
قهقهاتُ الجَدَّاتِ،
قهقهاتهنّ التي بهيئةِ مَلْبَنٍ
لا يكاد يكفيه عصيرُ عنبِ جبال أومريان برمتِه.

لا تزولُ قطّ
آثارُ وجوهِنا
بُعيد الإهانات والخوفِ،
بُعيد تناول نبتة الكاردي (1)
النامية أسفلَ البطنِ المدلَّى
لأتانٍ حبلى.

(1) الكاردي: نبتةٌ برية شديدة المرارة؛ يُحكى في المرويات الكلاسيكية الكردية أن من يتناولها يصاب بالبكم.


طفل مصابٌ بالحصبة


طفلٌ مصابٌ بالحصبة
يهرولُ في رأسي
أصيحُ باسمه
لكنه يتغافلُ عنِّي
أُطاردُه
لكنّي لا أدركه
أغفو
فيوقظُني
يلاحقهُ صوتي
فيشيحُ بوجهه عنِّي.
آثارُ قدميه تتجلَّى في صلصالِ خَجَلي،
في كفَّيه سلحفاتان ممدَّدتان على ظهريهما،
عينان كانتا لي، عينان وحشيتان،
كنتُ أبصرُ بهما
رائحةَ موتِ الورودِ أوانَ ألمي
والحريَّةَ السقيمةَ التي تلتهمُ جثثَ عشَّاقِها.


اسمكَ


اسمكَ حيوانٌ جريحٌ
ينتحبُ في كهفِ فمي
فتحلُّ آهاتُه مكانَ صوتيَّ.
عسلٌ قاتمٌ كوثرٌ
ينسابُ من جراحِه.
بشهوتِه
أريدُ أن أسيِّعَ فمي
وألا أفتحهُ قطّ ما دمت حيّاً.
لعظمةِ كَربه يلتهمُ بشراهةٍ
الأسماء والكلمات؛
إنَّه آكلُ كلماتٍ،
بهيمةُ قربانٍ
لا أقوى على نحرِها؛
إنَّه خيال لساني الصَّعب،
شفرتي الناصعةُ المثلومةُ
التي خبّأتُها لسلخِ ما بقي من وداعةٍ.





مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية