زازا الشاب اليافع في أواخر الستينات هرب من وطن كبّله بالحديد والنار، حيث حرّمه من أبسط حقوقه.. من هوية يتنقل بها ويدرس بها. ساعدته ظروف معينة على الانتقال إلى الغرب ثم أصبح بروفسوراً في الموسيقى بعد جهود شاقة.

تجربة البروفسور والموسيقار محمد عزيز زازا أكبر من أن نختصرها في بضعة أسطر في هذه المقدمة، فهي ثرية بالقيم والمعاني والتجارب الإنسانية، وقد تعرّفنا عليه من خلال الحوار الذي أجراه الصحفي عبدالله ميزر لصالح موقع "رامينا" ضمن سلسلة من الحوارات مع المبدعين والمؤثرين.

هذا الحوار الطويل يأخذ القارئ، من دون شك، إلى عالم قامة موسيقية كبيرة صنعت الكثير من الإنجازات ولا تزال.. الحوار مليء بالاكتشافات والدهشة والمتعة والجمال الإنساني والمعرفة الموسيقية، لذلك وجدنا أنه من الأفضل تقسيمه إلى أربعة أجزاء. 

وبين أياديكم الآن الجزء الرابع والأخير من الحوار مع الدكتور محمد عزيز زازا الذي يحدّثنا فيه عن تأثير الأنظمة الديكتاتورية على الفنون والثقافة، كما نتطرق معه إلى بعض من الجوانب الحياتية العامة تقرؤون أجوبتها في التالي:


هل على الفنان والموسيقار الابتعاد عن السياسة، خاصة في الوضع الكردي المجبول بالتسيس؟ كيف يمكن له الاحتفاظ بخصوصيته الفنية والموسيقية..

سؤال مهم جداً. أحد الأصدقاء الموسيقيين من حلبجة اسمه (آزاد صالح) وهو صديقي في فيسبوك، سألني قائلاً:

"دكتور أنت إنسان تعبت على نفسك، وأنت ثروة ثقافية لشعب كردستان في أربعة أجزائها، أنت فنان أصيل. أنا أصغر منك سناً وثقافة، لكن عندي ملاحظة: الفنانون خالدون، وأنا ألاحظ أن اهتماماتك السياسية قد غطت على اختصاصك، أنا أعتبر الفن أقدس من السياسة، وكنت أتمنى أن أستفيد أكثر من تجاربك الفنية أكثر من السياسية". وكان جوابي له هو التالي:

الموسيقى هي اختصاصي الذي أعشقه وأعمل في ميدانه منذ عقود عزيزي آزاد، وأحاول خلال عملي في اختصاصي هذا أن أوصل ما تعلمتُه إلى الأجيال الموسيقية الشابة من الذين يدرسون للحصول على شهادات البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه، أمّا ما سميتَه بالسياسة فأنا لم ولا أدّعي بأنني سياسي، وقد اعتذرتُ عن تلبية دعواتٍ من محطات تلفزيونية (أرضية وفضائية) ومواقع إنترنيتية عندما طلبوا مني أن أتحدث عن الوضع السياسي في كردستان الغربية أوعن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، وكنت أقترحُ على كل من يتصل بي أن يكون موضوع المقابلة معي (سواء كانت المقابلة شخصية معي فقط، أو كندوة تجمعني مع غيري ممن يهتمون بالثقافة والفنون) أن يكون محور الحديث هو عن الفن والثقافة في ظل الأنظمة الديكتاتورية في شرقنا وبلادنا على سبيل المثال، ومن خلال هذا المحور يمكن الحديث حتى في السياسة وتأثيراتها على الفن والثقافة، أو أن يدور محور المقابلة حول وضع الفن والثقافة في ظل الأنظمة الديمقراطية مثلاً. وكانت هذه الفكرة تُعجِبُ أصحاب ومقدمي البرامج الحوارية في هذه المحطات، ووعَدَني أكثر من واحد منهم، مع اعتزازي بهم، بأنهم سيحضِّرون لهكذا لقاء أو ندوة... وهذا ما لم يحصل لحد الآن.

مُعدّو برامج أخرى كانوا يقولون لي بأنني ما دمتُ أكتب في صفحتي الفيسبوكية عن أمور سياسية واجتماعية أيضاً فلماذا أعتذر عن المشاركة في برنامج سياسي؟ كنت دوماً أقول وما أزال: بأنه لا يمكن للموسيقي والمسرحي أو الشاعر أو السينمائي أو الرسام أو النحات ...الخ أن يتجاهل الكتابة عن المتغيرات السياسية والاجتماعية التي لها تأثير مباشر ليس فقط على الفن والثقافة، بل حتى على وجودنا أيضاً.

الفنون والثقافة هي رسالة والتزام أيضاً بالمعنى الواسع والعميق، وليس بالمعنى الدوغمائي، أو الدعائي الفج على الطريقة الستالينية، أو المكارثية، أو العروبية (بطبعتها العفلقية - الصدّامية) أو تأليه الفرد كما هو عليه الحال في بعض أحزابنا الكردية، أو على طريقة دعاة السلفية المقيتة (نواصب كانوا أم روافض) من الذين يرون في الناس إما سنة فقط، ويريدون أن يفرضوها على جميع المسلمين من خلال الدعوة إلى إقامة دولة دينية (لا مدنية)، وإما يرونهم على أنهم شيعة يدعون لولاية الفقيه والمهدي المنتظر فقط، ويريدون بدورهم أن يفرضوها على جميع المسلمين من خلال الدعوة إلى دولة دينية (لا مدنية)... والطرفان يتجاهلان بأن مجتمعات دول الشرق الأوسط تحتضن المسيحي، والإيزيدي، والدرزي، والاسماعيلي، والبهائي، والصابئي، والكاكائي، والعربي، والكردي، والتركماني، والشركسي، والسرياني، والآشوري، والأمازيغي ...الخ.

عندما تقول لي عزيزي آزاد: "دكتور أنت إنسان تعبت على نفسك، وأنت ثروة ثقافية لشعب كردستان في أربعة أجزائها.. الخ". فأنا أشكرك على هذا المديح والتقريظ، وهو مديح يستحقه بالتأكيد الكثير من الفنانين والمثقفين غيري أيضاً في أجزاء كردستان الأربعة، ويُسعدني ما تقوله عني. وسأحاول تغليب المواضيع الموسيقية على السياسية والاجتماعية في صفحتي الفيسبوكية إن استطعتُ، علماً بأن فيسبوك أصلاً أداة للتواصل، عبر الحدود والقارات من أجل تبادل الآراء في شتى المواضيع ما بين فئات ومجموعات وشرائح اجتماعية مختلفة في اختصاصاتها وانتماءاتها القومية والدينية والمذهبية، حيث يستطيع أن يشارك في النقاش من يريد، كما يستطيع ألا يشارك أيضاً إن لم يكن يرغب في ذلك. لكي تتوضح خصوصية فيسبوك كأداة للتواصل الاجتماعي أسوق لك المثال التالي الذي تعرفه بدون شك:

تصور أنك جالس في سهرة أو مقهى، مع مجموعة من الأصدقاء، مِن مِهَنٍ مختلفة، وانتماءاتٍ مختلفة، فهل من المعقول أن يقتصر أحد الحاضرين في حديثه على الموسيقى فقط؟ أو على الكيمياء الحيوية فقط؟ أو على الدين وفتاويه فقط؟

صفحة فيسبوك، كما أراد لها مؤسسوها، هي مجرد صفحة تواصل حرّ ما بين أصدقاء يعرفون بعضهم بعضاً بشكل شخصي حصراً، ثم توسع هذا المفهوم ليشمل أناساً تجمعهم الصداقة في عالم فيسبوك "الافتراضي" حتى ولو أنهم ليسوا أصدقاء في العالم الحقيقي، فنشأت غرف الدردشة الجماعية أيضاً. ومميّزات الفيسبوك تتوسع يوماً بعد الآخر، بحيث أصبح بإمكان أي صديق افتراضي أن ينتقل إلى صفحة أخرى تعود لصديقٍ آخر إذا ما رأى بأن النقاش في هذه الصفحة أو تلك بعيد عن اهتمامه. هذا الانتقال السلس والسريع لا يمكن أن يتوفر في العالم "الحقيقي"، حيث يجتمع بعض الأصدقاء ممن يعرفون بعضهم شخصياً، يومياً أو أسبوعياً، بناء على مواعيد مسبقة، في مقهى الحي أو منزل أحدهم على سبيل المثال.

أما بالنسبة لتخصصي الموسيقي، فمكانه الكليات والمعاهد الموسيقية، وهو التدريس والإشراف المباشر على الطلبة كما تعلم، وهذا لم يتوقف، ولن يتوقف، إضافة إلى نشري لجميع كتبي وأبحاثي ومقالاتي في الإنترنت (مجاناً) كي يستفيد منها كل متخصص ومهتم.

أعود إلى موضوع أثرته أنت على صفحتك ويتعلق بالشأن العام، وبالسياسة، ولا يتعلق بالموسيقى التي تجمعنا أنا وأنت معاً عزيزي آزاد:

هل أستطيع أن أنسى من أطلق النار على مدرستك في حلبجة الشهيدة كما شرحتَ لي على صفحتك؟ أو أن أنسى الذين ذبحوا طفولتك، وقتلوا شبابك، ونهبوا بيتك، وأكتفي بالكتابة عن الموسيقى فقط في صفحتي الفيسبوكية؟؟

كان هذا أغلب ما أجبتُ به على تساؤلات آزاد صالح.


زودتني بصور عن مؤسسة (Yes Kurdistan)..  هل لك أن تحدّثنا عن هذه المؤسسة ونشاطاتها؟

اسم المؤسسة الذي يبدأ بـ (Yes)هو اختصار لـ ((Youth Excellence on Stage الذي يمكن ترجمته كما يلي (شباب متميز على المسرح)، والمؤسسة تعني في النهاية (شباب متميز على المسرح في كُردستان) وهي نشطت في دول كثيرة، ففي لبنان مثلا كان اسمها (Yes Lebanon) وهكذا. هذه المؤسسة تنشر الثقافة والفنون الأمريكية الشبابية المعاصرة بغية تحبيب الشبيبة في العالم بأمريكا بشكل عام، وتبحث عن الأرباح المادية بطبيعة الحال بحيث تُغطي مصاريف استقدام أعضائها، ومؤسسات حكومة الإقليم كوزارة الثقافة وجامعة صلاح الدين، ومؤسسات أخرى، كانت تغطي قسماً كبيراً من هذه المصاريف، كأماكن الإقامة والطعام ووسائل النقل. وكنت حريصاً دوماً على تنبيه طلبتنا وأساتذتنا المشتركين في نشاطاتها على الدوافع الحقيقية لهكذا منظمات، وإن كنتُ لا أمانع في أن يتعرفوا على مجريات الأمور عن وعي تام وليس لمجرد التقليد. قادني هذا الموقف إلى نوع من الصدامات مع المسؤول عن هذه المؤسسة وهو د. جون فيرغسون، وكان لابد من هذا الصدام، إذ كان يجلب معه أحياناً آلات موسيقية تخلت عنها المؤسسات الموسيقية الأمريكية وعفا عليها الزمن ورَكَنَتْها في مستودعاتها كـ (سكراب)، وجلب كُتباً موسيقية لم تكن تفيد أحداً. عند إقامته الحفل الختامي لنشاط مؤسسته في إحدى القاعات الكبيرة والجميلة التابعة لوزارة ثقافة إقليم كُردستان، كانت البهرجة والأضواء وحضور وسائل الإعلام الكُردية لتغطية الحفل، ومبالغات كلمة د. فيرغسون في الحفل، تطغى على كل شيء، فقد كان يقدّم صورة زاهية لواقع لم يحصل.. وهكذا انقطعت علاقتي معه ومع مؤسسته شيئاً فشيئاً. نشاطات هذه المؤسسة تدخل ضمن ما اصطلح على تسميته بـ (القوة الناعمة) للولايات المتحدة في العالم، وبعض الشرح الموجز لهذا المصطلح قد يُفيد القُراء:

(القوة الناعمة:Power Soft) هو مصطلح استخدمه لأول مرة الكاتب الأمريكي (جوزيف ناي) في كتابٍ له بنفس الاسم بقصد تنظير السياسة الخارجية الأمريكية في العالم. ميَّز ناي من جهة بين التأثير غير المباشر للعوامل الثقافية والإيديولوجية ومنظومة القيم في سلوك الآخرين، ومن جهة أخرى وسائل استخدام القوة العسكرية وسياسات أثارت حفيظة الرأي العام العالمي ضد الحروب والحصار الاقتصادي..الخ، وفي كل الأحوال فإن استخدام القوة (الناعمة والصلبة) معاً إنما يهدفان قبل كل شيء إلى السيطرة على موارد العالم. وهكذا فمن منظور (القوة الناعمة) نستطيع أن نفهم دور مؤسسة (Yes Kurdistan) المقصود من نشاطاتها في كل مكان وليس في كُردستان فقط. وإذا كانت الولايات المتحدة تستطيع أن تكون مثالاً في الأدب والسينما والعلوم والمؤسسات الجامعية ووسائل الإعلام الحديثة.. وغيرها، إلا أنها، برأيي الخاص، أبعد ما تكون عن أن تُصبح مثالاً في الموسيقى الجادة على سبيل المثال، فالكثير من الدول الأوروبية سبقتها بأشواط في هذا المجال، أما الجاز، والـ"هيب هوب" والصرعات الموسيقية الجديدة، فإن الولايات المتحدة - والشهادة لله - بارعة في تسويق كل فن تجاري موجه للعامة والبسطاء من الناس. وهكذا فإن التعامل مع هكذا مؤسسات فتحت أعيننا على واقع كان يجب أن نراه جميعنا.

أنت بروفسور في الموسيقى.. عندما تسمعها.. لا شك أنها بطريقة تختلف عن الإنسان العادي.. لمن سمعت كثيراً ولمن تسمع اليوم؟ هل تأثرت بأحد من الموسيقيين الكبار؟

سماعي للموسيقى قد يختلف عن الإنسان العادي، لكنه إجمالاً يشبه الاستماع الهادف لأي متابع دائم الاستماع لها. فالموسيقى تُسمع لذاتها، وقوانينها الداخلية وجمالياتها ليست عصيّة على المتابع غير الموسيقي، وليس من الضروري أن تكون موسيقياً لتسمع الموسيقى كما يجب، بالضبط كمن يستمتع بقراءة الكتب والروايات الممتازة، أو يشاهد السينما والمسرح ويزور المعارض التشكيلية، إذ ليس من الضروري أن يكون المتذوق لهذه الفنون كاتباً أو سينمائياً أو رساماً..وهكذا. سمعتُ كثيراً، ومازلت أسمع، لبيتهوفن وموزارت وبعض أعمال فاغنر من الموسيقى العالمية، وأسمع لمغنين كرد كلاسيكيين مثل كاويس آغا ومحمد عارف جزراوي.. وآخرون، وفيما بعد لـ (شـﭬـان ﭘَروَر: Şivan Perwer) الذي أخذ من الفولكلور الكردي بما يخدم تطلعاته الفكرية والإيديولوجية قبل كل شيء، ولي ملاحظات كثيرة على هذا سبق وأن قلتها له، وكان جوابه: أنا مدفع وليس لدي طلقات، لذا أعتبر الفولكلور مصدري! ولا أنفي هنا موهبته الكبيرة وذكاءه الحاد، فقد قدّم حقيقة أشياء جميلة، ولعب دوراً كبيراً في توعية الجماهير الكردستانية في كل مكان، وعنه قال صدام حسين بما معناه (..هسه راح يغني أبو اللحية على حلبجة وكركوك ويخرب علينا كل شي..)، بل وصل الأمر إلى أن ضبط كردي يقتني كاسيتاً لـشـﭬـان ﭘَروَر في بيته يمكن أن يعرّضه لخطر الإعدام. وأقدم فيما يلي مثالاُ لكيفية تعامل (شـﭬـان) مع الكثير من ألحان الفولكلور الكُردي وكيف يؤلف لها الكلمات:

ترنيمة المهد الكردية (Lorî lorî) المعروفة بلحنها الجميل وكلماتها البديعة، تُغنيها جميع الأمهات الكُرديات لجلب النعاس لأطفالهن. أخذ شـﭬـان ﭘَروَر اللحن ووضع له الكلمات التالية:

Bavê te kuştin, dayik bi gorî..) ) بما معناه: قتلوا أباك وقَبَروا أمك..! الخ.. فهل تناسب هذه الكلمات ترنيمة مهد لطفل على وشك أن ينام؟ وفي النصف الثاني من الأغنية يلجأ إلى تسريع الإيقاع ليشبه نوعاً من إيقاع نشيد ثوري! وهذا مثال كما ذكرتُ عن كيفية تحويل ألحان فولكلورية إلى أناشيد ثورية، وأنا أقف ضد هذا النوع من التعامل على طول الخط، فالأغاني الفولكلورية يجب أن نحافظ عليها كما هي، فهي ذاكرة الشعب، ولا يجوز أن يتم التعامل معها كيفما كان. يجب أن تؤرشف كما فعلنا في معهد التراث الكرُدي، وأن تُقدّم في المهرجانات، وتُدرَّس في المعاهد والمدارس. لتكون في النهاية مصدراً للدراسة الجادة بغية استلهام الفنانين منها لتقديم "الجديد" بإبداع كما فعل الموسيقيون الروس والأرمن والتشيك والفنلديين والهنغاريين، وغيرهم من موسيقيي الشعوب.

أعجبتُ بأعمال بعض المجددين الجدد، كخوشناف تيللو الذي له أعمالاً متميِّزة وروح جديدة. وتعجبني كذلك الإبداعات المستمرة والثرية لـ (كامكاران) و(رستاك - الحلّاج) ومن الملحنين العرب أعجبت جداً بمحمد عبد الوهاب والرحابنة وفيروز. وأعمال كامكاران معروفة لدى غالبية القراء أما (رستاك) فيمكن الإطلاع على النموذج التالي من بين أعمالهم الجميلة:


أثّر بيتهوفن عليّ كثيراً. كنتُ، ومازلتُ، أعتبره مثلاً أعلى على صعيدي الفني والفكري. أما من موسيقيي القرن العشرين، أعجبتني أعمال المجددين التشيك لموسيقاهم القومية كـ (ياناجك، نوفاك، سوك) وعلى رأس هؤلاء (فريدريك سميتانا)، وكذلك أنا معجب بالروسي (إيغور سترافينسكي) مجدد الكلاسيكية الحديثة في القرن العشرين. على أية حال من الصعب حصر عدد الموسيقيين الكبار من الكلاسيكيين والباروك والرومانسيين والمُحدثين الذين أعجبت بأعمالهم.

هل هناك من مشاريع موسيقية أو أعمال قريبة؟

مشاريعي الحالية هي إعداد المزيد من المقطوعات لآلة الغيتار الكلاسيكية، وإعادة طباعة ثانية لكتبي الموسيقية، والاستمرار في متابعة طلبة الدكتوراه والماجستير الذين أُشرف عليهم، وهذا يستنزف وقتاً كبيراً مني في إعداد المصادر الضرورية ودراسة المدونات الموسيقية التي يستندون إليها في رسائلهم، وكذلك عزفي الشخصي بين فترة وأخرى على الآلات التي أجيد العزف عليها حفاظاً على اللياقة اليدوية للعزف على الأقل.


كيف أمضيت وقتك خلال فترة الإغلاق العام بسبب وباء كورونا؟

خلال العامين المنصرمين كنت في أربيل (هولير) للإعداد والتحضير لانطلاق دراسة الدكتوراه، حيث أشرفتُ على انطلاق امتحانات القبول بما ذلك مواد امتحان الترشح للدكتوراه، ثم تصحيحها، وفي النهاية إعداد مفردات ومواد دراسة السنة الأولى التحضيرية للدكتوراه، وعندما رجعتُ إلى كندا درَّستُ الطلبة مادة الهارمونية عبر الإنترنت، ثم بدأت بالإشراف على كتابة رسائلهم. أما الإغلاق فلم يؤثر كثيراً على حياتنا الشخصية كعائلة هنا إذا ما استثنينا إغلاق قاعات الموسيقى والكونسرتات، فالمطاعم أغلقت، لكننا لسنا من رواد المطاعم على أية حال.


هل ترغب في إضافة أية توضيحات أو ملاحظات حول ما تحدثنا عنه الآن وفي الحلقات السابقة وترى ضرورة إضافتها هنا قبل الانتقال لنقاط أخرى؟

شكراً لهذا السؤال. أرغب أن أشير إلى أناس تركوا الأثر الكبير في حياتي، ولم يكونوا موسيقيين:

والدي - عليه الرحمة – الذي كان يقف ضدي عندما أعزف وأهمل الدراسة، كسر لي أكثر من آلة موسيقية، لكنني عندما سافرت إلى الخارج ووصلت إلى اللحظة التي علي أن أختار فيها اختصاصي الدراسي في براغ أرسلتُ له رسالة أقول له فيها بأنه بإمكاني أن أدرس أي فرع أختاره. كانت درجاتي في الشهادة الثانوية (الفرع العلمي) عالية وتسمح لي بدراسة أي اختصاص أريده، فأجابني: ادرس الموسيقى يا ولدي، فأنت تحبها جداً وستُفلح فيها.

هوشنك صبري ابن الشخصية الوطنية المعروفة (عثمان صبري). كان رفيق طفولتي وصباي وشبابي وكهولتي إلى الآن، وقد ساعدني كثيراً خلال أزماتي الشخصية، إذ رافقني إلى بيروت عن طريق التهريب، وفيما بعد عندما وصَلَ إلى برلين الغربية وسمعَ بأنني قد توقفتُ في براغ بعد اعتقالي على الحدود السوفياتية- السلوفاكية في نقطة الحدود المسماة بـ (جوبي –Jopi) بسبب جواز سفري المزور كما أسلفتُ في حلقة سابقة من هذا اللقاء، ثم مرضتُ في براغ ودخلت المستشفى. ساعدني هوشنك مادياً، وأرسل لي الأدوية التي أحتاجها لمعالجة الالتهاب الرئوي الشديد الذي أُصبتُ به، فأنواع الأدوية المتوفرة في براغ آنذاك كانت كلها تصيبني بأنواع متنوعة من الحساسيات الشديدة، وأخبرني الأطباء في النهاية بأن ألمانيا قد صنعت مؤخراً دواءً ينفع لمن يعانون من حالتي المرضية، لكن سعره غال جداً، إلا أن هوشنك أرسل الدواء لي لمدة ستة أشهر حتى شفيتُ.

المرحوم محمد بكر: كان يدرس الهندسة الكهربائية في براغ وتسنَّمَ مناصب حزبية وطلابية كُردية على مستوى أوروبا. محمد بكر وقف إلى جانبي وأمن لي المنحة الدراسية في براغ، إضافة إلى أنه توسط لي حتى دخلت المستشفى، إذ لم أكن قد حصلتُ على الزمالة الدراسية بعد..

الشخصية الوطنية مصطفى رشاد ظاظا، كان صديقاً لوالدي. عندما سمع عزفي على العود، أُعجب به جداً، وسألني: هل هذا العود لك؟ قلت لا. إنه استعارة. سألني: استعارة؟ لماذا؟ قلت إنه معروض للبيع وأبحث لصاحبه عن مشترٍ. وفوراً اشتراه لي.

هناك أشخاص كثيرون قدموا لي المساعدة بطبيعة الحال، ولم أعرف كيف أرد لهم الجميل بعد أن فرَّقنا المكان والزمان. شرحتُ هذا الأمر للشخصية الوطنية (عثمان صبري، وكان بدوره صديقاً عزيزاً لوالدي) فقال لي:

"ساعد أنتَ بدورك غيرك، فستكون وكأنك قد رددت الجميل لمن ساعدك سابقاً".



في الختام.. بعض الأسئلة الخاصة بك كشخص: ماذا تفعل عندما تشعر بالغضب؟

أغضب كأي إنسان آخر. وقد أفـشّ خلقي في أقرب الناس إلي، وهذه ليست بخصلة جيدة مطلقاً.

وعند الحزن؟

أنطوي على نفسي في غرفتي، وفي النهاية فإن استمرار الحزن يدمِّر الإنسان. فالإنسان يسمع ويرى بين فترة وأخرى وفاة شخص عزيز على قلبه من عائلته، أو أحد أعز أصدقائه، ثم يسمع ويُشاهد تشتت أفراد أسرته وأقربائه وأصدقائه وهم يضطرون للرحيل من الوطن إلى كل مكان من هذا العالم الجميل والقبيح معاً بسبب الأنظمة والحروب التي تُدمّر أوطاننا، ومع كل هذا لابد من الاستمرار في الحياة على عِلّاتها، ففيها أشياء جميلة كذلك. وإن كنتُ أكاد أقتنع بمقولة الكاتب تشارلز بوكوفسكي الذي كتب: (البشرية مشروع فاشل منذ البداية).


وعند الفرح؟ أشارك من هم حولي بهذا الفرح.


ما هي أكلاتك المفضلة؟

بسبب تنقلي خلال الأعوام الخمسين الأخيرة في دول وقارات مختلفة، فإن القائمة طويلة! مع ذلك يبقى في ذاكرتي دوماً الطعام اللذيذ الذي كان متاحاً لنا في بلادنا (اللحم بعجين، الكباب والشقف، والأكلة الكردية الشهيرة كُتلك "Kutilk"، الدولمة)، وإذا ما اقترن الطعام اللذيذ مع بيرة مثلجة أو كأسين من الفودكا برفقة أصدقاء أعزاء ضمن مجلس طرب وعزف وغناء.. فهذا هو يوم المُنى.


هل لديك اهتمامات أخرى خارج الإطار الموسيقي؟

المصائب التي تجري في بلادنا تحتلُّ رغماً عني اهتمامي الأول، وتبقى المطالعة تُمثِّل ما يشبه الأمان والإدمان بالنسبة لي، فأنا لا أستطيع النوم إن لم أقرأ 40 دقيقة على الأقل، وأخيراً الرياضة: كالسباحة وقيادة الدراجات والمشي، إضافة إلى بعض التمارين السويدية التي أمارسها حوالي مرتين أو ثلاث مرات أسبوعياً، فمن تجاوز، مثلي، سن الخمسة والسبعين من عمره يحتاج إلى بعض الحركة النشطة قدر الإمكان.

ولك ولموقع رامينا شكري الجزيل على هذا اللقاء.




مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية