شيار آغري موزع وموسيقار وفنان كردي ينحدر من مدينة عامودا شمال شرق سوريا، اهتم بالموسيقى في الخامسة من عمره. سيطرت عليه ميوله الفنية لدرجة ترك دراسته، فأبدع في العزف على آلة "الباغلمة"، بالإضافة إلى التوزيع الموسيقي، فكان له فضل في شق نخبة من الفنانين الكرد طريقهم نحو النجومية.

سافر بعد نشوب الحرب السورية إلى إقليم كردستان وبعدها إلى تركيا؛ ليستقر به المقام أخيراً في ألمانيا، لينشئ هناك استوديو خاص به للتوزيع الموسيقي.

لتسليط الضوء أكثر على مسيرته الفنية الممتدة على أكثر من ثلاثة عقود، حاوره الصحفي مسعود محمد ضمن سلسلة حوارات "رامينا" مع المبدعين والمؤثرين، فكان التالي:


بداية حبذا لو تحدثنا عن بداياتك الفنية؟

تركت المدرسة في سن مبكر لانضم إلى فرقة "سرخبون" وليشرف على تعليمي العم "أبو أيريش" وعزفت أثناء تواجدي في الفرقة على آلة الأورغ، لكنني لم أكن أشعر بالراحة مع صوتها المصطنع، لذلك قررت الانتقال إلى فرقة "آغري"، التي اشترطت أن أعزف على الباغلمة آلتي المفضلة التي أبدع واتقن فيها أكثر من أية آلة أخرى، وجودي في فرقة آغري اعتبرها البداية الحقيقية لانطلاقي نحو عالم الموسيقى والفن.

وبعدها بفترة وجيزة بالإضافة إلى وجودي ضمن فرقة "آغري" عملت في استوديو "ديلما" في عامودا لصاحبها الشيخ منتصر القادري، وبدأت في التوزيع الموسيقي، كما حاولت إدخال بصمات في التوزيع الموسيقي عبر التخلص من الروتين الموسيقي القديم، فأضفت الباغلمة والرتم الحديث والغيتار والناي، لأخلص المستمع من الصوت الموسيقي التقليدي المقتصر على البزق والدربكة فقط في تلك الفترة.


كيف تقيم تجربتك في حلب بين عامي 1994 و1997؟

كانت تجربة قاسية، لكنها مفيدة بالنسبة لي في نفس الوقت، فالأستوديو الذي كنت أعمل فيه كان يقع في قبو في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب لصاحبهما أبو دليل وأبو إدريس، وأعتبر فترة وجودي في حلب بالفترة الذهبية على مستوى الشخصي، تعلمت منها تحمل المتاعب والصبر لأحقق هدفي.

سجلت ودمجت في تلك الفترة العديد من الآلات مع بعضها البعض -داخل الاستوديو الذي كان يفوح منه رائحة الرطوبة القاتلة- للكثير من الفنانين في عموم سوريا وأوروبا وتركيا، في وقت كانت الأنترنت ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الذي نشاهد اليوم معدومة.

وأثناء وجودي في حلب ما بين عامي 1994 و1997 استطعت أن أثبت نفسي كموزع موسيقي بارع ومساعدتي للكثير من الفانين الجدد في الحصول على الشهرة التي كانت حلماً لهم، بالإضافة إلى مشاركاتي في العديد من الحفلات والمناسبات سواء التي كانت في سوريا أو لبنان، فقد شاركت مع الفنان شفان برور في حفل أحياه في العاصمة اللبنانية بيروت 1997.


لماذا قررت العودة إلى القامشلي رغم أنك أثبتت نجاحك في التوزيع الموسيقي في حلب؟

السنوات التي أمضيتها في حلب كانت كافية لأحصل على خبرة كبيرة وتجربة من التحدي والصراع مع النفس، وتعلمت من خلالها كيفية التعامل مع التوزيع الموسيقي، وجميع الأعمال الفنية الجيدة والمتوسطة والضعيفة، لذلك قررت العودة إلى مدينة القامشلي لأضع أمام عيني هدفاً واحداً وهو وضع حد بين الفن الأصيل والفن التجاري.

دخلت في صراع مع المهيمنين على الفن من قبل الشركات المافيوية الموسيقية التي كانت تحتكر السوق في ذلك الوقت.


ما هي أول أغنية غناها شيار ؟ وكم يبلغ رصيدك من الألبومات الموسيقية والغنائية حتى الآن؟

أول أغنية سجلتها هي أغنية "دوستو" عام 1997 وهي من كلمات الشاعر درويش ملا نواف وألحاني وتوزيعي الموسيقي.


ولدي سبعة ألبومات خمسة منها غنائية واثنان منها موسيقية، بالإضافة إلى أنني أجهز لألبوم ثامن قمت بالأعداد له منذ عام 2005، لكنه لم يكتمل بعد لأني أحاول أن أعدل وأضيف إليه كل شيء جديد أكتشفه، بالإضافة إلى بعض الأمور التي تتعلق بالناحية الاقتصادية.

وأثناء تواجدي هنا في ألمانيا أطلقت في صيف عام 2021 أغنيتين جديدتين، حاولت من خلالها المزج بين الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الراب، فالجمهور منقسم كما هو معروف بين الجيل الكلاسيكي والجديد، لذلك من الضروري أن يكون هناك مزج للحفاظ على الإرث الموسيقي الكلاسيكي.

الأغنية الأولى حاولت أن أغنيها بطريقة ناقدة وساخرة وبروح فلسفية حملت عنوان "Hatin Çûn"، التي تعني "جاؤوا ورحلوا"، سلطت الضوء فيها على رحلة المهاجرين واللاجئين السوريين إلى القارة العجوز "أوروبا".

أما الثانية فهي غزلية رومانسية بعنوان "Ber Pencerê" وتعني "بجانب النافذة"، والأغنيتان أظهرت فيها نوعاً من الموسيقى الكلاسيكية القديمة وخصوصاً الباغلمة، وهما من ألحاني وكلماتي وتوزيع الموسيقي أيضاً.


هل تعتقد أن طريقة العزف على الباغلمة تختلف بين الموسيقيين الكرد وغيرهم؟

طبعاً هناك اختلاف في طريقة العزف على الباغلمة بين الموسيقيين الكرد، وتختلف من عازف إلى عازف آخر، كما هي اختلاف اللغات واللهجات التي تختلف من منطقة إلى أخرى.

فمثلاً لا تستطيع أن تقيم الباغلمة بالكرد أو غير الكرد لأن لها خصوصية وصوتها الخاص، ويعتمد بعض الفنانين في العزف عليها على خفة الأصابع تاركاً وراءه ميزة الفخامة والحنية التي تتميز بها آلة الباغلمة، فيما يركز البعض الآخر على الجانب الرومانسي في العزف على الباغلمة.


ما هو المقام المفضل لديك؟ ولماذا؟

بشكل عام وأساسي تلعب المقامات دوراً مهماً في نجاح الأغنية، فلكل شعر مقام معين كما يختلف من أغنية لأخرى، فمثلاً قبل البدء في تلحين الشعر نستمع إلى صوت الفنان ونرى ما هي أنسب المقامات لصوته.

وعموماً استخدم جميع المقامات في أغنياتي، لكن يبقى المفضل لدي هو مقام البيات حيث أجد قوتي فيها أكثر من المقامات الأخرى.


هل تريد أن تبرز كفنان أو كعازف أو كموزع موسيقي في المستقبل؟

إنه حقاً سؤال معقد لم أفكر فيه من قبل، لأنني دائماً كنت وما زلت أفكر في نجاح أي عمل أقوم به، ولا يهمني الظهور في شيء ما على حساب شيء آخر، والدليل على ذلك هناك بعض الأغاني في ألبوماتي من تأليفي، لكنني اعتمدت على أصوات أشخاص آخرين، فالفنّ فنّ وعندما أجد فراغاً في أيّة جهة أتدخل في الوقت والمكان المناسبين لأجل النجاح بعيداً عن الظهور لأجل الشهرة.


ما هي أكثر أغنية تعجبك من أغانيك، ولماذا؟

"حكمتا خودي" هي من أكثر الأغاني التي تعجبني لأن كلماتها من شعر الشاعر المخضرم "أحمد خاني"، فعلى الرغم من أن فنانين آخرين لحنوها وغنوها، إلا أن كثيرين لم يتقنوها، والسبب أن اللحن لم يكن مطابقاً لمستوى الشعر.

والسبب الذي دفعني إلى إعادة تلحينها من جديد هو صورة الشاعر أحمد خاني أثناء عملي في الاستوديو بمدينة حلب، فبعد ساعات من العمل وفي فترة الاستراحة وفي لحظات الهدوء والترويح عن النفس كنت أنظر إلى صورة خاني، وأعزف اللحن في رأسي وأدونه، فكما هو معروف أن الإلهام واللحن الجميل يأتي بشكل مفاجئ من غير تفكير، أنه شكل من الاستمتاع في لحظة ما.


هل تؤثر الحياة الاجتماعية في الفنان الكُّردي برأيك؟

لا شك أن تأثيرها كبير للغاية، فالعوائق الاقتصادية وضغوط العمل يمكن أن تؤثر على أي فنان، فالحياة الاجتماعية لها دور كبير في حياة الإنسان، خصوصاً أن الفنان صاحب إحساس مرهف، فعلى سبيل المثال عندما أكون سعيداً أبدع أكثر في عزفي وأرى الفن أجمل وفي كل الأحوال أريد أن أقدم للجمهور كل ما هو جميل.

أثناء تواجدك في إقليم كردستان العراق، كيف كان تقييمك للفن من الناحية الفنية؟ 

بالتأكيد كانت تجربة قيمة، وأفتخر بفترة وجودي في كردستان، وذلك لوجود معظم الآلات هناك التي لم تكن متوفرة في سوريا وفي مناطقنا بالتحديد، وحاولت خلال تلك التجربة إيصال الأغنية الكردية إلى جميع أنحاء العالم وأن تكون الأغنية الكردية جزءاً من العالم، فالقوة الكردية الناعمة من ضرورات التقدم على المستوى العالمي، وكان لا بد من العمل على تطويرها واحتضانها.


ما الأسباب التي دفعتك إلى التفكير بالهجرة إلى ألمانيا؟ وما الصعوبات التي واجهتك في طريق السفر؟

السفر إلى ألمانيا كان حلماً يراودني منذ الصغر، لأن أوروبا تمتلك إمكانيات تكنولوجية كبيرة في مجال الفن والموسيقى، ويفتح المجال أكثر أمام أي فنان ليبرز إبداعاته الفنية والموسيقية، وفي وقت تفتقر منطقتنا إلى هذه الإمكانيات والتي كانت تعتمد بشكل أساسي على النمط القديم من الموسيقى الدربكة والبزق.

فأثناء تواجدي في كردستان فتحت القارة الأوروبية في عام 2015 أبوابها أمام اللاجئين السوريين، فانتهزت الفرصة لأسافر إلى تركيا وعبرها إلى ألمانيا، وتعرضنا حينها لأكاذيب السماسرة ومهربي البشر، عبر وصفهم الطريق بين تركيا وألمانيا بالمفروش بالورود والحرير، لكن الواقع كان مختلفاً تماماً فالغابات الكثيفة والطقس البارد لم يرحم الغرباء، بالإضافة إلى أن المهربين سلبوا كل ما نملك من نقود.

لكن الشيء الأصعب الذي صدمني كثيراً هو بعض الأصدقاء الذين أغلقوا هواتفهم كي لا أتمكن من الاتصال بهم والتواصل معهم، لكن في المقابل كان هناك أصدقاء أصحاب مواقف ونخوة وقلوب رقيقة ساعدوني في اجتياز محنة السفر.


 بمن تأثرت في أغانيك ونمطك الموسيقي؟

تأثرت بكل شيء جميل في الحياة، بأصوات الأشجار والماء والرياح وبفلكلور العديد من الدول. تأثرت بصوت شاكرو والغيتار وبالخيانة البشرية. تأثرت بجوّ الجزيرة الذي تم تصحيره، وبالأوكسجين الذي نتنفسه، كما تأثرت بزيت الزيتون من النخب الأول في عفرين وطبيعتها الخلابة، والرجولة الكوبانية.

تأثرت بالبوب الزنجي وبرقصات السامبا لدى أبطال الكرة البرازيليين، كما للمخرج والروائي حليم حسو تأثيره فيّ، كما أثّر فيّ العنصرية والتمييز ضد البشر، تأثرت بجفاف الأنهار وقلع الأشجار وغبار الخماسين...يمكنني أن أقول إن التأثير يومي، وليس مصدره واحد فقط.



كيف ترى النقد وهل يتقبل شيار النقد بشكل عام؟

النقد نوعان نقد بناء ونقد كيدي، فالأول هو من المقربين مني عبر تقديم النصيحة وعدم الانزلاق في الجزيئات الموسيقية، لكي أحافظ على إصالة الفن والموسيقى.

أما الكيدي فاعتبره نقد يعتمد على أسلوب التهجم على الفنانين والموسيقيين والتركيز على الأخطاء البسيطة، مثل المتل يلي بقول "يعمل من الحبة قبة"، وهو لا يعتبر نقداً بقدر ما هو إبراز للأنفس الضعيفة.


بكلمات مختصرة، هل يمكن أن تقيّم بعض الفنانين الكرد الجدد؟

في الحقيقة أنا لا أقيمهم، وذلك لأنهم لم يقيموني على الإطلاق، وأظن بعضهم لا يعرفني والبعض الآخر يُنكر وجودي، وإذا ذكر اسمي في مقابلة ما ربما يتحدّثون في شيء آخر. فبعض الفنانين والموسيقيين كان لدي الفضل في شهرتهم، لكنهم ينكرون ذلك، والبعض الأخر فشل فألقى باللائمة علي في فشله، لذلك لا أستطيع أن أقيم أحد.


هل من كلمة أخيرة تودّ قولها؟

أحب أن أقول وهذه هي أمنيتي في الحقيقة، أن تقترب الكوادر الفنية الكردية العاملة في المجال الموسيقي والفني، وأن تصبح يداً واحدة، كما أرجو من الأوساط الشعبية المهتمة بالفن دعم الفن الأصيل وعدم السير وراء المصالح المادية.

ولست ضد التطور الفني والموسيقي، لكن في المقابل لا أحب لأي أحد السرقة والاقتباس من الخارج، فهناك عدة طرق لتطوير الموسيقى بدون اقتباس، وهذا لا يعني أن امتنع عن استخدام الموسيقية الحديثة، لكن نصيحتي هي مزجها مع الموسيقى التقليدية بطريقة لا تشوه الأنماط الموسيقية والفن بشكل عام.

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).