رغم أنها أنهت دراسة الصحافة، لكن نداء عشق الفن كان أقوى، فتوجهت إلى دراسة الرقص في نيودلهي، حيث شرعت في دراسة القصص والحكايات المخفية وراء أقدم الرقصات في العالم.

تنحدر عائلة الشابة الكردية-التشيكية سلوى (سيلفي فويتكوفا)، من جهة والدها من مدينة عفرين المحتلة.


اكتشفت في فترة الوباء أن الرقص ساعدها على خلق البهجة في زمن قاس يعيش فيه البشر منعزلين. في هذا الحوار الذي أجراه عبدالله ميزر ضمن سلسلة حوارات موقع "رامينا نيوز" مع المبدعين، نتعرّف على سلوى وسر اهتمامها بالرقص، خاصة الرقصة الهندية القديمة (بهاراتاناتيام)، والدلالات التي تحملها هذه الرقصة، وأيضاً الأسباب التي دفعت سلوى لاحترافها، كما نتعرف على جوانب أخرى في شخصيتها وحياتها. هيا بنا إلى الحوار:

  • في البداية حدثينا عن نفسك؟

اسمي سيلفي (سلوى) فويتكوفا (Sylvie Vojtkova). عمري 29 سنة. أعيش في براغ، عاصمة جمهورية التشيك، وأكبر مدنها.. ولدت في براغ، من أب كردي ينحدر من محافظة حلب في سوريا وأم سلوفاكية. مهنتي الأساسية هي الصحافة، لكنني فنانة وراقصة بالفطرة منذ طفولتي. أدرس رقص (بهاراتاناتيام) الكلاسيكي في الهند، وأود أن أصبح راقصة محترفة. كما أنني أدرس (الكاتاك)، وهي رقصة كلاسيكية أخرى من الهند. أنا مجرد فتاة كردية تحمل في روحها أجراساً راقصة ساعية وراء حكايتها الشخصية. أعتقد حقاً أن "إدراك المرء لمصيره هو الالتزام الوحيد له" كما ورد في كتاب باولو كويلو "الخيميائي".

  • ما هي رقصة (بهاراتاناتيام) الهندية؟ أخبرينا قليلاً عنها.

بهاراتاناتيام واحدة من أقدم الرقصات في العالم، وهي تحديداً رقصة كلاسيكية في جنوب الهند. في السابق كان يؤديها فقط المتدينون أو من يطلق عليهم "ديفاداسي" (تعني الذين كرسوا أنفسهم لله) في المعابد. كانوا يخدمون الآلهة ويرقصون بطريقة روحانية. يقال أنه لا أحد يستطيع رؤيتهم، لكن مما لا شك فيه أن هؤلاء كانوا موجودين فيما مضى. توجد معابد في الهند حيث يمكنك مشاهدة تماثيل محفوظة لهؤلاء الراقصين "المقدسين" في مواقع رقص مختلفة. من خلال هذه الرقصة يمكننا رواية قصص عن الآلهة في المقام الأول، لكن في الوقت ذاته عن الحب العميق أيضاً، ليس فقط لله. هذه الرقصة رقصة تتفاعل مع الجسد كله، فالراقصة لا تضع كل طاقتها في الجسد فحسب، بل يجب أن تكون مركزة أيضاً، فهي ترقص بعواطف، وأمزجة مختلفة، حيث تؤدي أدوار عدد من الأشخاص في الوقت نفسه. الراقصة تساعد نفسها عبر الإيماءات اليدوية أو الأصابع وهذه تسمى "مودرا"، حيث تصور القصة، وأخيراً وليس آخراً، ترقص بعينيها. راقصة بهاراتاناتيام أشبه ما تكون براوية تسرد بجسدها القصص القديمة عن الآلهة التي كانت ستُنسى لولاها.

  • كيف اهتممت بهذه الرقصة؟

أنا وأختي الصغرى أفين نرقص منذ طفولتنا. بدأنا الباليه منذ سن الرابعة. ثم ظهرت أشكال أخرى من الرقص مثل رقص الشوارع، والدانسهول، ورقص بوليوود إلخ. ولكن حدث كل هذا عندما أصبحت أختي مهتمة للغاية بالهند والرقصات الهندية. في ذلك الوقت، كانت تدرس الكاتاك، الرقص الكلاسيكي لشمال الهند، وسمعت معها تلك الموسيقى السحرية طوال الوقت. ذات مرة عرضت علي فيديو بوليوود يحتوي على الرقص الكلاسيكي. سألتها ما هو؟ فأجابت: إنه بهاراتاناتيام، على ما أعتقد! من المضحك أن الأمر لم يكن كذلك، لكن حتى تلك اللحظة كنت أعرف أنه كان علي أن أؤديها، وأن أبحث عن معلم لي وابدأ في دراسة شكل الرقص هذا. كانت الرقصة قوية جداً، ووقعت في حبها من النظرة الأولى. لقد ذكرني الرقص بالباليه كثيراً، ولكن على الطريقة الهندية. ثم وجدت معلمتي الحبيبة ومصدر إلهامي راسابيهاري ديفي داسي. إنها أول راقصة تشيكية اجتازت امتحان "أرانجيترام" في الهند، وعرّفت بلدنا برقصة بهاراتاناتيام. أنا محظوظة جدا لوجودها. كما شجعتني راسابيهاري على الذهاب إلى الهند لرؤية معلمتها الهندية جامونا كريشنان، والدراسة في نيودلهي. منذ ذلك الوقت، وأنا أدرس هناك أيضاً، في إطار أكاديمية الرقص في كالانجان تراست. أمارس الفن تحت إشراف الغورو الراحل جامونا كريشنان وابنتها وإلهامي الدائم الغورو راجيني تشاندرشكار.

  • كم من الوقت استغرق إتقانك لهذا النوع من الرقص؟

لا يمكن الجزم حول ذلك. أعتقد أن بهاراتاناتيام شكل من أشكال الرقص الكلاسيكي العميق الذي لا نهاية له، ولا يمكنك القول: أنا أتقنه الآن. لا يتعلق الأمر بتعلم تفاصيل الحركة، بل بدراسة جميع القصص عن الآلهة الهندوسية من الفيدا واللغات الأخرى. ولكن عندما يقول معلمك أنك جاهز للامتحان النهائي، فسوف تنهي كل معارفك الأساسية باستخدام (أرانجيترم)، وهو الاحتفال الذي أصبح فيه راقصة، وأحصل على الشهادة التي تؤكد ذلك. بشكل عام، أعتقد أنه بعد 10 سنوات يمكنك القول: لقد تعلمت بعض الشيء! لكني أعتقد أن الدخول في عالم تلك الرقصة السحرية تحتاج إلى التدريب والتركيز كل يوم. أعتقد أن حياة واحدة لا تكفي لتعلم بهاراتاناتيام.

  • هل ترقصين كمحترفة أم هاوية؟ هل تؤدين رقصات في جمهورية التشيك أو دول أخرى؟

أنا هاوية حتى الآن، لكنني أتدرّب على الرقص كل يوم تقريباً وأشتغل على جسدي وتوازنه وقدرته على التحمل بصورة يومية. لدي درسان إلى ثلاثة دروس في الأسبوع مع معلمتي، وبعد ذلك أكمل التدريب في المنزل أيضاً. أنا في انتظار امتحاني النهائي (أرانجيترام). أرقص بشكل منفرد أو مع معلمتي ناتيا أنجالي ومجموعتها الراقصة عبر جمهورية التشيك. وآمل أن تسنح لي قريباً بعض الفرص لإظهار هذا الفن القديم في بلدان أخرى أيضاً.

  • أنت من عائلة كردية (من جهة الأب) في عفرين. من الذي شجعك على الاستمرار في الرقص من الأسرة.. هل كانت هناك مشكلة لدى أي فرد في الأسرة؟

والدي كردي إيزيدي، ويجب أن أقول أنه في البداية ربما كان لدى والديّ فكرة عن أنني وأختي في يوم من الأيام سوف نصبح طبيبتين أو مهندستين اقتصاديين مثلهما أو محامين. كان لديهما شرط واحد، هو الانتهاء من دراستنا الجامعية ثم فعل أي شيء نريده. لم يدركا في البداية أننا قررنا أن نصبح فنانتين. لكن بعد ذلك، عندما ذهبت إلى الهند، وبدأت في الأداء، وأصبحت جادة جداً بشأن ذلك، فهما جيداً مقصدي ورغبتي الحقيقية في الرقص. لكن الدعم اللامتناهي كان منذ البداية. أنا ممتن جداً على وجود أبوين محبين وداعمين لي. لن أنسى أبداً ما قاله لي والدي دائماً منذ طفولتي: لا تستسلمي على الإطلاق! وكانت أمي تؤمن بقدراتي دائماً.

  • هل تتقنين الرقصات الكردية أو العربية؟

لا أتقن أي من الرقصات الكردية أو العربية، لكني أحب مشاهدة الرقص الشرقي. ويمكنني القول هنا أن الموسيقى الكردية بالنسبة لي هي من أجمل الموسيقات في العالم. أحب شعبنا الكردي، رقصاتنا، أزياءنا... أحب الطاقة التي تأتي من هناك، مثل الفرح والسرور والطاقة النقية. صحيح أنني أؤدي الرقص الكلاسيكي الهندي، لكنني فخورة بكوني كردية وأرغب في إعادة الارتباط بهذا الجزء مني يوماً ما.

  • هل تتكلمين أي من اللغات الهندية؟

أنا أدرس اللغة السنسكريتية، بسبب الرقصة التي أؤديها، فهي جزء مهم منها. وأتحدث القليل من الهندية. لكن كما قلت، بسبب الرقصة، أحتاج إلى معرفة بعض من التيلجو أو لغة التاميل أيضاً.

  • ما هو طموحك من وراء الرقص بشكل عام؟

خلال الوباء أدركت مقدار الفرح الذي يمكنني نشره من خلال مقاطع الفيديو التي كنت أصور فيها رقصي في ذلك الوقت. أعتقد أن طموحي هو نشر الفرح والحيوية والطاقة العلاجية للناس بغية إسعادهم ومشاركة القصص الجميلة عن الآلهة الهندوسية. يقال، إذا فهم الناس القصة التي ترويها الراقصة أثناء الأداء، يمكن أن يكون ذلك بمثابة دواء روحي للمتفرجين. وأنا أحب هذه الفكرة.

  • كلمة أخيرة عن الرقص؟

الرقص هو الأكسجين بالنسبة لي، إنه جزء مني. من خلال الرقص أشعر بالارتباط مع الله والكون، وهو أمر مهم جداً بالنسبة لي.





مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية