لا يُحب أنْ يناديه أحد بالألقاب، لكن رضوخاً لمحبة جمهوره الذي وصفه بالعظيم، يحبذ مناداته بـ "سفير الأغنية الجزراويّة"، وهذا اللقب الذي منحه الجمهور، هو بمثابة وسام لا يقدر بثمن. يقيم منذ ما يقارب الخمس سنوات في ألمانيا، بعد أن نالت الحرب، ولا تزال من بلده الأم سوريا. هنا نتحدث عن أحد رموز تعدد الثقافات في الجزيرة السوريّة - شمال شرق سوريا - إنه صوت الفلكلور الجزراوي السوري إبراهيم كيفو.

اسمه بالكامل هو إبراهيم قره بيت كيفو، ولد في قرية دوكر بمحافظة الحسكة، في العام 1965م. منذ بداياته كان كيفو مهتمّاً بالموسيقا والغناء، وفي ذلك يقول: "منذ الصغر كان ميلي للغناء والعزف والسّماع للقصص المحكيّة من قبل كبار السن أمثال جدّي والبعض من أصدقاءه".

طفولته وبداياته

كيفو درس المرحلة الابتدائية في قرية دوكر نفسها، وفيها كان دائم المشاركة بالأنشطة الصفّيّة وعلى مستوى مدرسته، وعن هذه اللحظات يقول: "كنت محظوظاً لأن مدرّسي القرية كانوا يشجّعونني دائماً، كذلك كانوا على دراية بقيمة الموسيقا والتأثير الإيجابي للموسيقا في المجتمعات"، ويضيف متابعاً "كنت أتلقى التشجيع المستمر من قبل أهلي المقرّبين وقتئذ، ومنهم المرحوم جدّي والمرحوم والدي والمرحومة والدتي بالإضافة إلى إخوتي، كما عائلتي الثانية وهم أهل قريتي الرائعين".

هذا التشجيع الكبير ومن كل الأطراف عزاه كيفو لأسباب عديدة ذكرها بالقول: "إنّ الموسيقا والغناء في الأساس هما جزءان لا يتجزءان من طقوس العبادة الدينيّة لسكان قريتي – الإيزيديين - وهذا الشيء كان له التأثير الكبير على مسيرتي الفنّيّة، وحينها شعرت بقيمة الموسيقا والغناء، لأنها لامستني، وشعرت عبر الموسيقا بالقرب من الله سبحانه وتعالى".

ظهوره الأول

بعد المرحلة الابتدائية انتقل كيفو إلى مدينة الحسكة، وهناك كان كل نشاطه من خلال النادي الرياضي في حي الناصرة ونادي الثورة الرياضي بالحسكة، وبالتالي كانت انطلاقته وظهوره الأول على خشبة المسرح، مسرح المركز الثقافي في الحسكة العام ١٩٧٩م، بعدها توالت مشاركاته في المهرجانات المحليّة على مستوى المحافظة، وأخرى قُطريّة على مستوى سوريا، فحصل على أول جائزة له بالعزف على آلة البزق في مشاركته بمهرجان مدينة اللاذقية.

بعد الانتهاء من الثانويّة انتقل كيفو إلى مدينة حلب، ليكمل دراسته في مجال الموسيقا، وكان ذلك في العام ١٩٨٣م، وعنها يقول: "اخترت حلب لعدم توفر معاهد عالية لدراسة الموسيقا في سوريا آنذاك سوى المعاهد المتوسطة في حلب والعاصمة دمشق، وكون حلب قريبة اخترت الدراسة فيها".

ويضيف كيفو "سبب اختياري لدراسة الموسيقا كان لصقل موهبتي أكثر من الناحية العلميّة والأكاديميّة، ولأن كل ما كنت أحمله في جعبتي كان مبعثراً وغير منتظم، وخلال دراستي ومعرفتي بأساتذتي، وعلى رأسهم الأستاذ والباحث الكبير نوري إسكندر، عملت على ترتيب كل شيء لدي".

نقطة تحوّل 

نقطة تحول مهمة في حياة كيفو اتسمت بالعمليّة والمليئة بالنشاطات، وكانت أثناء دراسته في مدينة حلب، والأخيرة تعني الكثير في مجال الموسيقا والغناء، فبدأ مشاركاته الفنيّة في الاحتفالات والأمسيات الموسيقيّة على مستوى احترافي وبشكل أكبر، من خلال حفلات على المسارح الجامعيّة ومسارح المراكز الثقافيّة، بالإضافة إلى المشاركة بالكورالات والجوقات التابعة للمعهد، كذلك التابعة لأستاذه نوري إسكندر.

كيفو كان دائماً إلى جانب زملائه في حفلات تخرّجهم من المعهد عبر عزفه وغنائه، وهي كانت من أهم الحفلات بالنسبة لكيفو حسب تعبيره، ويقول في ذلك: "حفلات تخرج الدفعات من المعهد على مدى سنوات دراستي، كانت مهمة، حينها أصبح الجمهور الحلبي الذّواق للموسيقا يعرفني بشكل جيد، وخاصة المهتمين بالشأن الثقافي".

وعلى سبيل المثال يذكر كيفو أنه لا ينسى مشاركاته مع أستاذه القدير وعازف العود الشهير على مستوى العالم محمد قدري دلال، ومشاركاته مع كبار العازفين والموسيقيين في حلب، مثل محمد عاطف خياطة، وغيره الكثير من الموسيقيين والفنانين، والشعراء، والممثلين. "فحلب كانت محطة مهمة جداً بمسيرتي الفنية ولها تأثير كبير جداً" حسب قوله.

عرّابه الفنيّ

يعود كيفو ليتذكر بداياته، ومن كان "عرّابه" فيقول: "بالنسبة لعرّابي الفنّي هو أستاذي ووالدي الروحي الباحث والمؤلف الموسيقي نوري إسكندر، الذي صحّح كل شيء كنت أحمله معي، وأصبحت عضواً في جوقته الموسيقية الغنائية منذ ذلك الوقت، وحتى يومنا هذا".

ويضيف كيفو: "الذي ساهم في أول إطلالة لي على الجمهور، هو مدرسي في المرحلة الإعدادية جميل برو، قدمت حينها أغنيتين من الفلكلور العراقي مع العزف على آلة الساز. كان تفاعل الجمهور كبيراً جداً، وأثّرت تلك الحفلة فيني بشكل كبير، وردود فعل الجمهور الإيجابية، كانت مشجعة بشكل كبير".

مشاركاته المحلية

رصيد كيفو من المشاركات غني جداً، ولم يستطع إحصاءها لنا، حسب قوله، لكن على مستوى سوريا كانت مشاركاته بدورات مهرجانات الأغنية السورية، وحصوله حينها على أهم جائزتين فيها، الأولى جائزة الأورنينا الذهبية عن أفضل أغنية شعبية "مساء الخير" من كلماته وألحانه وأدائه في العام ١٩٩٨م، والثانية جائزة الأورنينا عن أفضل أداء تراثي. كما شارك بدورات مهرجان "مساحات شرقيّة" مغنّياً وعازفاً ومحاضراً إلى جانب أهم الباحثين والموسيقيين على مستوى سوريا والعالم العربي والعالم.

أيضاً من المشاركات الفنية المهمة داخل سوريا، والتي يتذكر كيفو تفاصيلها بالقول: "قدّمت حفلاً مهماً جداً في احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية، وكان ذلك على مسرح كلية الفنون الجميلة، وقدمت في هذا الحفل الفلكلور الجزراوي المنوع بكافة اللغات الحية، العربي بلهجاتها، والكردي، والسرياني، والآشوري، والأرمني، بمرافقة أهم العازفين السوريين، وخريجي المعهد العالي أمثال عازف القانون الجزراوي فراس شارستان، وعازف البزق علي شاكر، وعازف البيانو والموزع ناريك عبجيان، وكان ذلك بحضور جمهور منوّع من سوريا، ومن دول أخرى".

مشاركاته العالميّة

مشاركاته خارج سوريا لا تقل أهمية من داخلها، وهي أيضاً مشاركات غنيّة، ولكن أهمها كما يقول كيفو هي: "مشاركتي مع فرقة الباحث المؤلف الموسيقي نوري إسكندر بعمل مسرحي غنائي بمشاركة مسرح هولندا ZT-HOLNDIYA العام ٢٠٠٢م، وإعطائي دور البطولة الغنائية للعمل، وكان العمل على أهم المسارح العالمية، في أمستردام بهولندا، وفي بروكسل ببلجيكا، وفي فيينا بالنمسا، وفي مدن دويسبورغ وكولن بألمانيا".

أيضاً كان مع الموسيقار إسكندر "في أثينا على مسرح آكروبوليس التاريخي، ومسرح مدينة سالونيكي في اليونان، وعدد تقديم العروض لهذا العمل تجاوز الأربعين عرضاً حينها" حسب قوله، والعمل كان باسم "عابدات باخوس" تأليف الكاتب الإغريقي يوروبيدس، ومن إخراج الهولندي الشهير يوهان سيمون، والمخرج الموسيقي بول كوك، وموسيقا العمل كاملة من تأليف الموسيقار نوري إسكندر، وبمشاركة من أهم الممثلين الهولنديين، وحصل كيفو حينها على جائزة من مخرج العمل "بول كوك".

أيضاً يذكر لنا كيفو مشاركاته ومنها، تقديم حفلة في بيت الثقافات الفنية في باريس من التراث السوري المنوع التاريخي أيضاً باللغات الحية، وبالأخص فلكلور الجزيرة السوريّة، بمشاركة آلات موسيقيّة منوعة، منها البزق، الساز، الباغلمة، العود، الجنبش، كان ذلك في العام ٢٠٠٧م. وحينها حصل كيفو على شهادة تقدير من إدارة بيت الثقافات العالمية.

كما قدّم كيفو حفلة في معهد العالم العربي بباريس العام ٢٠٠٨م، وشارك بدورات مهرجان مورغن لاند العالمي في مدينة أوسنابروك الألمانية منذ العام ٢٠٠٩م، ولغاية هذا العام. وشارك أيضاً مع أهم فرقة لموسيقا الجاز في سويسرا، وقدم حينها التراث مع الموسيقا الحديثة العام ٢٠١١م. كما شارك مع جوقة نوري إسكندر بتقديم موسيقا وغناء كنائسي سرياني في مدريد وخيتافي بإسبانيا.

مشاركاته في الخليج 

في الخليج العربي والدول العربيّة شارك كيفو في مهرجان الكرين الدولي العام ٢٠٠٤م بدولة الكويت، كذلك شارك في افتتاحيّة الدوحة عاصمة الثقافة العربية العام ٢٠٠٨، وفي العام ٢٠١٠م قدّم حفلتين في دولة الإمارات العربية إحداها في جامعة العين، والأخرى على مسرح أبو ظبي على شاطئ العاصمة الإماراتيّة. وشارك في العام ٢٠١٣م في مهرجان بيت الدين الدّولي في جمهورية لبنان.

في كردستان العراق شارك بمهرجان ليالي أربيل، بمشاركة مع المؤلف الموسيقي وعازف العود غني ميرزو، وفرقته الموسيقية المختصة بموسيقا الفلامنكو، وكانت من المهرجانات المميزة، شارك فيها مع فنانين من دول عربية وعالميّة، وتواجد حينها أهم العازفين منهم عازف الكلارينيت السوري الشهير كنان عظمة، وعازف الإيقاع اللبناني العالمي روني براك، وعازف البزق المبدع ميفان يونس، وعازف الباغلمة أردال أرزنجان، وعازف الكمنجة كيهان كيلور.

رأي خبير

المؤلف الموسيقي إبراهيم شيخو، والمقيم في ألمانيا قال عن كيفو: "أنّه استطاع ترجمة جغرافيّة الأغاني الشعبية الفلكلورية، من الفلكلور الكردي والسرياني والعربي، للمستمع الأوروبي والغربي. أغانيه لها الطابع الفلكلوري حتى لو لم تكن أغان فلكلوريّة، وهي ذات كلمات بسيطة وألحان سلسة، ويجيد الارتجالية. كيفو ينجح في نقل أغانيه وأسلوبه سواء كان ضمن جوقة موسيقيّة أو في أوركسترا موسيقية أو في حالة "صولو" العزف المنفرد".

أسلوبه، ولماذا البزق؟ 

كيفو يعتبر موسيقاه وغناءه من النوع الفلكلوري، يقدّمه بشكل كلاسيكي من خلال عزفه على الآلة المناسبة لثقافة وفلكلور كل شعب، فمثلاً اللون الكردي يؤديه على آلة البزق والساز، والعربي على آلة العود، أمّا الأرمني فعلى آلة الجنبش، وجميعها آلات وتريّة.

كما يقدّم التراث للشعوب العالميّة من خلال مشاركة فرق الجاز العالميّة، والهدف من ذلك كما يقول كيفو: "لنوضح للعالم ونعرّف الجمهور الغربي على موسيقانا من خلال التزاوج بين موسيقا الشرق والغرب"، وكانت أهم تجربة لكيفو مع باند الـNDR الألمانيّة والموزع العالمي البرفسور فولف كريشيك، ونتج عنها إنتاج وتسجيل سيدي العمل بعنوان "شيريني" "SHERINE".

عن كيفية اختياره لأغانيه يضيف كيفو "أنا أميل جدّاً للفلكلور والتراث، لأنهما المرآة التي تُظهر الوجه الصحيح لثقافات الشعوب بشكله الصادق والصحيح، لكن هذا لا يمنع بأن أقدم أيضاً ما هو حديث، ولكن بكل حذر، ولا يخلو هذا الحديث من عملية الإسقاط على القديم والتراثي، حتى نحقق التواصل ما بين القديم والحديث".

وعن آلة البزق التي ترافقه دائماً يتحدث كيفو قائلاً: "حقيقة أعزف على آلات كثيرة، ويكون ذلك لخدمة أغانيي، ولم أقدّم نفسي كعازف أبداً، أما قرب آلة البزق مني فيعود بشكل أكبر إلى طفولتي، فقد رافقتني هذه الآلة منذ ذلك الوقت، وعاشت معي، ولحّنت عليها أكثر ألحاني، كما وغنيت معها أجمل الأغاني".

إنتاجه الفني وأهم الجوائز

من إنتاجه الخاص هناك ثلاث "سيديات" في سوريا، وثلاث "سيديات" في أوروبا، واحدة من إنتاج بيت الثقافات العالمية بعنوان غناء من الجزيرة السورية إبراهيم كيفو، وهذا الـ "سيدي" حصل على جائزة شارل كروز العالمية، وهناك "سيدي" من إنتاج "مهرجان مورغن لاند" ألمانيا بعنوان "صوت سوريا القديم"، و"سيدي" من إنتاج مؤسسة راديو وتلفزيون NDR بألمانيا بعنوان "شيريني SHERINE".

أما أهم الجوائز التي حازها إبراهيم كيفو خلال مسيرته، وهي جائزة شارل كروز العام ٢٠١٠م عن "سيدي" من إنتاج بيت الثقافات العالمية، وهي من أرفع الجوائز العالمية. وشهادة تقدير من إدارة بيت الثقافات العالمية باريس فرنسا ٢٠٠٧م. وجائزة من مخرج عمل "عابدات باخوس" هولندا ٢٠٠٢م. وجائزتي أورنينا - سوريا، واحدة منها ذهبية بمهرجانات الأغنية السورية بحلب.


مواضيع أخرى ربما تعجبكم

1 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).