لا شيء يؤرّق فعلاً كما تؤرّق المشاكل المالية. فلا شيء يُشعِر بالحسرة أكثر من أن يذهب الراتب الشهري في مهب الريح، ولا يشعر بالحاجة والعوز مثل من لا يجد في جيبه المال لتغطية احتياجاته أساسية. ولا شيء يستهلك الأعصاب كما تستهلكه الديون وضغوطها. إنّ المشاكل المادّية تجعل المرء قلقاً غير مرتاح البال. ومعظم الناس يظنّون أنّ مصدر هذه المشاكل هو تدني الدخل، وقلّة المال، إلّا أنّ السبب الحقيقي لها هو أمر آخر يطلق عليه سوء إدارة المال والمصروف. إنّ ما يسمى بإدارة المصاريف، أو السيطرة عليها، أمر يمكن تعلّمه، وهو غاية في الأهمّية. إنّه يمكنّك من الحصول على طلباتك واحتياجاتك الحقيقية بناء على البرنامج الذي تضعه أنت، وليس بناء على ظروف الحياة المادية المتقلّبة.

1- سجّل مصروفاتك كلّها

إنّ الخطوة الأولى لإعداد الميزانية الشهرية هي تسجيل كلّ ما يُصرف بكامل الدقّة. والتسجيل في هذه المرحلة لا يتضمن جهداً، أو خطّة للتوفير. كلّ ما عليك هنا أن تضع ورقة في مكان يسهل الوصول إليه وأن تدوِّن، وتطلب من كلّ مَن يقوم بالدفع نيابة عنك أن يدوِّن كلّ المبالغ التي تدفع (كبيرها وصغيرها). وعليك أن تستمر في التدوين لمدّة لا تقل عن ثلاثة أشهر. وفي نهاية كلّ شهر احسب مجموع المصروفات، ولا شكّ في أن مجموع المصروفات في هذه المرحلة سيزيد على واردك الشهري. فأنت لم تبدأ بخطّة التوفير بعد. صنّف بنود المصروفات، وهنا عليك أن تعود لأوراقك التي دوَّنت عليها المصاريف في الأشهر الماضية، وأن تفرز المصروفات وتصنّفها. والتصنيفات ستعود إلى طبيعة حياتك، وحجم أُسرتك، ولا يمكن أن تحصر التصنيفات هنا، ولكن يمكن أن تضرب عليها أمثلة كالتالي: مصروفات طعام، ومصروفات أقساط وفواتير، ومصروفات المواصلات، ومصروفات التعليم، ومصروفات التسلية والترفيه، والمصروفات الطبية الثابتة، والمصروفات الطارئة.

2- أعد ترتيب أولوياتك في الميزانية

إنّ من أهم الخطوات، هي تحديد أولوياتك وتفرزها على أساس أهمّيتها، وبمعنى آخر أن تجيب عن التالي:

* ما الذي أحتاجه فعلاً ولا أستطيع العيش من دونه؟ (الحاجيات)

* ما الذي أريده وأتمناه؟ (رفاهيات)

* ما الذي أحتاجه ولكنّي أستطيع العيش من دونه وأريده وهو ليس برفاهية؟ (ضرورات)

ومن البديهي أنّك، ولأوّل وهلة عند الفرز، ستكون مصروفات التعليم والطعام والمصروفات الطبية، على سبيل المثال، من الضرورات، أمّا مصروفات التسلية والترفيه فمن الرفاهيات.

والآن وبعد أن فرزت بين ما يعتبر من الاحتياجات، وما يعتبر من الرفاهيات، وما يعتبر من الضرورات، احسب مجموع المصروف الشهري فيما يندرج تحت بندي الاحتياجات والضرورات فقط، من دون الرفاهيات.

3- خفّض النفقات

ستدخل الآن مرحلة جديدة في ما يخص الحاجيات والضرورات، ولكن لا تخف لن نحذف شيئاً منها، ولكن المطلوب منك أن تعيد النظر فيها وتتأكد إن كانت تُصرف على الشكل الصحيح. عليك أن تسأل نفسك فيما إذا كان بالإمكان تقليل تكاليف الاحتياجات والضرورات. ستجد أنّ كثيراً من التكاليف المدفوعة في ما يخص الحاجات والضرورات يمكن أن تخفّض وتُختصر. وعلى سبيل المثال، أنت تدفع مبلغاً معيناً للمواصلات في كلّ شهر، وبدلاً من استخدام سيارتك الخاصة للذهاب إلى العمل، يمكنك التفكير باستخدام المواصلات العامة، وإذا كنت أصلاً تركب المواصلات العامّة لم لا تجرّب أن تذهب وتعود مشياً على الأقدام في حال كان مكان العمل قريباً.

إنّ مثال تخفيض النفقات في المواصلات يمكن تطبيقه في أي مجال تصرف فيه كثيراً، وستتمكّن بقليل من التفكير وإعادة النظر أن تخفّض التكاليف إلى نسبة كبيرة فعلاً.

4- ضع خطّة جديدة للمصروف والتزم بها

بعد أنّ تبيّن لك، بعد ترتيب الأولويات وتخفيض النفقات، مقدار التكاليف الذي يحتاجه كلّ بند من الحاجيات والضرورات، احسب مجموعهما في نهاية كلّ شهر، ثمّ اطرحه من مجموع دخلك الشهري، ولابدّ من أن يكون هناك متبقٍ من عملية الطرح. إنّ المتبقي سيكون هو الهامش الذي ستستطيع استعماله في مجال الرفاهيات، ومهما كان المبلغ صغيراً فلابدّ أنّك ستسعد به، لأنّه موجود بين يديك وليس ديّناً.

ولكنّك إن أردت أن تسير على أرض ثابتة، عليك ألا تصرف المبلغ المتبقي كاملاً على الرفاهيات، لأنّ الصحيح هو أن تسمح لنفسك بصرف نسبة منه فقط، ثلثه، أو نصفه، أو ثلثيه بأكثر الأحوال، من أجل أن تبقي مساحة للطوارئ.

وبعد هذه الخطوة، أصبحت جاهزاً لتبدأ بتنفيذ خطّة الإدارة الجديدة، وذلك عن طريق تخصيص ظرف لكلّ بند، يوضع فيه مبلغه المخصص له في بداية كلّ شهر، ويصرف منه خلال الشهر، وتُكتب تفاصيل المصروف على ظهره.

5- ابدأ بالادخار

إنّ من أهم الأهداف التي يجب أن تضعها أمامك دائماً هو ادخار المال. وهي الخطوة التي ستستطيع تطبيقها بمجرد أن تلتزم بمصاريف الحاجيات والضرورات والشيء المحدود من الرفاهيات. إنّ المدّخر من أموالك سيساعدك في الأزمات، وأيضاً في مصاريف الأبناء المستقبلية. قيّم أداءك باستمرار في نهاية كلّ شهر، وبعد كلّ موسم، وأعد حساباتك، وتأكد من ترتيب أولوياتك، واعد تصنيفات المصروف. ولا تُحبَط ولا تنزعج إن كان المصروف لا يزال غير منضبطاً، لذا كن مرناً وأعد الخطوات سابقة الذكر بنظرة جديدة.

المصدر: صحيفة الخليج 

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).