يبدو الحديث عن جامعة بحجم ومكانة جامعة أكسفورد البريطانية العريقة رحلة تاريخية وعلمية شائقة، فيها الكثير من التفاصيل والجزئيات التي تتجاوز كونها صرحاً أكاديمياً إلى مركز علمي وثقافي واجتماعي يؤدي دوراً رائداً في صناعة وتقديم أصحاب الكفاءات المهمة.

قيل الكثير في هذا الصرح الأكاديمي العظيم، ويمكننا أن ننقل عن الكاتب الإيرلندي أوسكار وايلد (1900-1854) قوله: "نقطتا التحول الأعظم في حياتي هما: عندما أرسلني والدي إلى أكسفورد، وعندما أرسلني المجتمع إلى السجن". وهي الجامعة ذاتها التي وصفها الروائي الإنجليزي أنتوني ترولوب (1815-1882) بالقول إنها "أخطر مكان يمكن أن ترسل شاباً إليه". 

هي أقدم جامعة في العالم الناطق بالإنجليزية. بدأ التدريس فيها قرابة عام 1096، وأخذ بالتطور بشكل سريع منذ عام 1167؛ عندما منع الملك هنري الثاني ذهاب الطلاب الإنجليز إلى جامعة باريس. بدأ تدريس الطب فيها منذ القرن الثالث عشر. ومنذ بدايتها، كانت جامعة أكسفورد مركزاً للجدل السياسي والديني، وبوتقة تنصهر فيها المبادئ والتيارات لإنتاج  الأفكار.

 ومما يُحسب لهذه الجامعة أنها كانت حاضرةً في الكثير من الاكتشافات التي خلّدها تاريخ العلم والعلماء. وهي في هذا تتخذ منهجاً من الصرامة العلمية والالتزام الفكري، لا تزال مستمرة فيه حتى اليوم، وإن باتت تعيش متغيرات عديدة ومنافسة كبيرة مع جامعات عالمية كبرى. وهي انضمّت عام 1994 إلى مجموعة "راسل" البريطانية للجامعات.  

كما أنها عضو رئيس وفاعل في منظمات علمية دولية ومجموعات أبحاث كبرى حول العالم، منها رابطة الجامعات البحثية الأوروبية LERU. كذلك تحظى باتفاقيات تعاون واسعة تجعلها في مرتبة رائدة على مستوى البحث والابتكار العلمي. وهي تضع في رؤيتها لخطتها الاستراتيجية 2013-2018 المكوّنة من خمس نقاط أساسية ببنود فرعية أهدافاً صريحة تتعلق بتطوير البنية العلمية وتحقيق تقدم في مستوى البحث والتعاون مع مراكز دولية.

في العام الحالي، جاءت أكسفورد في المرتبة السادسة على مؤشر "غارديان" لتصنيف الجامعات العالمية، لكنها حلّت ثانيةً في تصنيف مرموق آخر هو مؤشر "تايمز" للتعليم العالي. 

وتتألف الجامعة من أربعة أقسام رئيسة: العلوم الإنسانية، الرياضيات وعلوم الأحياء والفيزيولوجيا، العلوم الطبية والعلوم الاجتماعية. بدورها، تضم هذه الأقسام أكثر من 50 كلية متنوعة تدرّس فيها جميع أنواع العلوم. يبلغ عدد طلاب جامعة أكسفورد (حتى ديسمبر 2015) 22,602 طالب وطالبة (بواقع 12241 طالب و 10361 طالبة)، مقسّمين حسب الفئات: 11603 طالب وطالبة في مرحلة قبل التخرج، 10499 طالب وطالبة في الدراسات العليا و 500 طالب وطالبة زائرين وفي فئات أخرى. 

وبنسبة مئوية، فإن 41% من طلاب أكسفورد هم أجانب (من 140 دولة تقريباً). فيما يوجد 63% من مجموع الطلاب الخريجين من خارج المملكة المتحدة، و19% في مرحلة ما قبل التخرج. تأتي الولايات المتحدة والصين (مع ضمّ هونغ كونغ ومكاو) وألمانيا في المراتب الثلاث الأولى من حيث عدد الطلاب (1441 – 1047- 837 على التوالي). فيما يبلغ عدد الطلاب العرب 118 من 14 بلد عربي (مصر أولاً بـ 26 تليها السعودية بـ 22).

وبشكل عام، تفتخر أكسفورد بكونها مركزاً أكاديمياً متنوعاً، بما تقدمه من برامج  دولية للطلاب من دول العالم المختلفة، وإن أخذ هذا يثير التساؤلات فيما يتعلق بمعايير القبول في الجامعة، ومدى تأثيره على نوعية التعليم فيها. 

في بيانها الرسمي المتعلق بالميزانية، سجلت أكسفورد في العام الدراسي 2014-2015 مداخيل بلغت 1429.3 مليون جنيه استرليني. وبالنظر إلى الإنفاق البالغ 1238.3 مليون جنيه استرليني (خصّص منه 637.2 مليون جنيه استرليني لكوادر التدريس والموظفين)، فقد حققت فائضاً بلغ 119 مليون جنيهاً. وللعلم، فإن بعض الكليات تتمتع باستقلالية إدارية وتمويلية خاصة بها. 

أسهمت جامعة أوكسفورد في تقديم  52شخص حصلوا على جوائز نوبل. (11 في الكيمياء، 9 في الاقتصاد، 5 في الآداب، 16 في الطب، 5 في السلام و 6 في الفيزياء) وهي في هذا تحل في المرتبة السابعة ضمن تصنيف الجامعات الأكثر ارتباطاً بالحصول على نوبل، إذ إنها تأتي بعد معهد ماساشوستس للتقنية MIT وقبل جامعة ستانفورد في القائمة التي تتصدرها في المراكز الثلاثة الأولى جامعات هارفارد وكولومبيا وكامبردج حسب الترتيب. 

يصعب عدّ جميع الأشخاص المؤثرين الذين مروا في كليات جامعة أكسفورد؛ من كتاب وعلماء واقتصاديين وسياسيين تركوا بصمات على تاريخ العالم والمجتمعات. لكن هاكم بعض أشهر الـ"أكسفورديين" كما يسمّى من ارتبطوا بالدراسة في أوكسفورد: توماس هوبز، بيرسي بيشي شيلي، تي اس إليوت، جون لو كاريه، ستيفن هوكنغ، بيل كلينتون وحتى الممثل الكوميدي روان أتكينسون الشهير بـ مستر بين. 

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).