«الاصطناعيون» والبشر في سوق العمل

يُصر إيلون ماسك على أن الذكاء الاصطناعي سيصل بنا في النهاية إلى نقطة لا حاجة فيها إلى وظيفة بشرية، فهل هناك دلائل على أن هذا التوقع أصبح منطقياً، أو على الأقل ماضٍ في طريقه الصحيح ليتحقق؟ يبدو أن الأرقام تقول ذلك بالفعل، لكنها في المقابل لا تنقل الحكاية الكاملة لمشهد الأعمال.

وبحسب تقرير حديث نشرته «رزيوم بلدر»، استطلع آراء 750 من قادة الأعمال، الذين يستخدمون أو يخططون لاستخدام الذكاء الاصطناعي، ستستبدل شركة واحدة من بين ثلاث الذكاء الاصطناعي بموظفيها، عام 2024. وقال 37% من المشاركين إن التكنولوجيا حلت بالفعل محل العمال البشريين هذا العام. في الوقت نفسه، أعرب 44% عن حدوث موجات تسريح ضخمة للعمال، عام 2024، نتيجة كفاءة الذكاء الاصطناعي.

لكن، على الرغم من هذه التقارير الكئيبة، من وجهة نظر القوى العاملة، يختلف العديد من الخبراء مع منطق ماسك. وتدرك جوليا توثاكر، خبيرة السير الذاتية والاستراتيجية المهنية في «رزيوم بلدر» أن الأرقام الواردة في أبحاثها، قد لا تعكس بدقة مشهد الأعمال الواسع. وقالت: «لا يزال هناك الكثير من المنظمات التقليدية والشركات الصغيرة التي لا تتبنى التكنولوجيا، بالطريقة التي تفعلها بعض الشركات الكبرى». مضيفة أن تسريح العمال أمر واقع، لكن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تمكن قادة الأعمال أيضاً من إعادة هيكلة مؤسساتهم وإعادة تعريف الوظائف التي نقوم بها.

يقدر أليكس هود، كبير مسؤولي المنتجات في شركة «أسانا» لإدارة المشاريع والبرمجيات التعاونية، أن نصف الوقت الذي نقضيه في العمل هو ما أسماه «العمل لمجرد العمل». وهنا يشير هود إلى تحديثات الحالة، والتواصل بين الأقسام، وجميع تفاصيل العمل الأخرى التي لم تعد من جوهر أسباب وجودنا هناك. وقال: «إذا كان من الممكن تقليل ذلك بفضل الذكاء الاصطناعي، فهذا أمرٌ عظيم». لافتاً في المقابل إلى أنه بدون الفروق الدقيقة وراء الأرقام، فإن الإحصائيات التي تحدد وتتنبأ بتسريح العمال بسبب الذكاء الاصطناعي، تعكس الخوف أكثر من الواقع».

أما رائد الأعمال مارك سينديلا، فيرى أنه مع معالجة الذكاء الاصطناعي للعمل القائم على المهام، سيكون لدى البشر الفرصة للارتقاء في سلسلة القيمة. وبالنسبة للاقتصاد بأكمله، سيكونون قادرين على التركيز على دمج أو هيكلة أو تحديد العمل القائم على المهام. وقارن سينديلا هذا التحول بثقافة المكاتب في منتصف القرن، عندما كانت هناك طوابق كاملة ملأى بالطباعين، وهو ما قضت عليه كفاءة معالجات النصوص والتقنيات الحديثة.

اصطناعي أساسه البشر

وبحسب تقرير آخر ل«أسانا» بعنوان«حالة الذكاء الاصطناعي في العمل»، أشار الموظفون بأن 29% من مهام عملهم، يمكن استبدالها بالتقنيات الحديثة للذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فإن الشركة من المؤيدين لما تسميه «الذكاء الاصطناعي المتمحور حول الإنسان»، والذي يسعى إلى تعزيز القدرات البشرية والتعاون، وليس استبدال الأشخاص بشكل مباشر. ويشير التقرير إلى أنه كلما زاد فهم الناس للذكاء الاصطناعي، الذي يركز على الإنسان، زاد اعتقادهم بالتأثيرات الإيجابية لذلك على عملهم.

ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، يمثل موظفو الياقات البيضاء والعمل المكتبي ما بين 19.6% إلى 30.4% من جميع العاملين على مستوى العالم. وقد أعادت أدوات التحليل والتواصل توجيه العمل المعرفي على مر السنين، وينبغي اعتبار الذكاء الاصطناعي التوليدي تطورا آخر في هذه السلسلة الطويلة من التغيير.

ولكن بدءاً من عام 2022، لا يزال 34% من سكان العالم غير قادرين على الوصول إلى الإنترنت، لذا فإن أي حديث عن تأثير الذكاء الاصطناعي على تسريح العمال وإعادة الهيكلة المحتملة للعمل، يجب أن يناقش أيضاً الفجوة الواسعة بين من يملكون التكنولوجيا ومن لا يملكونها.

المسؤولية الشخصية والتطوير

بالنسبة للمهنيين الذين يسعون إلى تجنب التضحية بهم في بيئة عمل مدعومة بالذكاء الاصطناعي، هناك خطوات يجب اتخاذها. ويعتقد سينديلا أنه كونك محترفاً عصرياً من ذوي الياقات البيضاء، يتطلب جانباً من المسؤولية الشخصية. وقال:«جزء من عملك هو الاستمرار في تطوير مهارات جديدة، وإذا تعلمت بعض البرامج قبل خمس سنوات، فهذا لا يكفي، وعليك أن تتعلم تقنيات جديدة اليوم».

ويدرك سينديلا أيضاً أن هناك توقعات من قادة الأعمال، لمساعدة موظفيهم على مواصلة تطوير مهاراتهم، خلال فترة وجودهم في الشركة. وأضاف:«من منطلق مصلحتها الذاتية فقط، فإن الشركات التي تمول تطوير موظفيها، ستكون في وضع أفضل في السوق من تلك التي لا تفعل ذلك».

في غضون ذلك، وعلى الرغم من أن وظائف، مثل البحث وتحليل البيانات، تتماشى مع أتمتة الذكاء الاصطناعي، إلا أن الشركات ستظل بحاجة إلى شخص ما لتحفيز هذه التقنيات وفهم النتائج واتخاذ الإجراءات. وبهذا الصدد قالت جوليا توثاكر:«نصيحتي لأي شخص هي أن يفهم كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤثر في وضعه في مجال عمله حالياً، أو على الأقل أن يكون لديه توقعاً عما يمكن حدوثه في المستقل». وأفضل ما يمكن لأصحاب العمل القيام به اليوم هو منح الموظفين القدرة على فهم التجارب الفردية باستخدام الذكاء الاصطناعي».

على الرغم من حدوث عمليات تسريح للعمال نتيجة للجيل الحالي من الذكاء الاصطناعي، إلا أنه لا توجد دلائل على أن التقدم التكنولوجي هذا سيؤدي إلى بطالة جماعية عالمية. فالقوى العاملة اليوم تتمتع بتاريخ من المرونة، فضلاً عن أن زيادة القدرة التكنولوجية يمكن أن تؤدي إلى عمل بشري أعلى قيمة وأكثر إنتاجية، ومن المرجح أن تتعلم الأجيال القادمة كيفية العمل جنباً إلى جنب مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.

المصدر: صحيفة الخليج 

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).