في مطلع يونيو 2019، سحب العمال طائرة ستراتولونش الضخمة من حظيرتها في ميناء موجاف الجوي والفضائي في صحراء كاليفورنيا، وذلك لإعطاء نظرة عميقة عما يمكن أن يكون عليه مستقبل توصيل الأقمار الصناعية والسفر إلى الفضاء.

طائرة ستراتولونش ضخمة بما في الكلمة من معنى. فمسافة جناحيها تصل إلى 117 م، وتقف 15 متراً مرتفعة عن الأرض، مع 28 عجلة للدعم، ويبلغ طولها 73 متراً. ولوضع ذلك في السياق، يبلغ طول طائرة A380-800 72.72 م ومسافة جناحيها 79.75 م، ومع ذلك فهي تقف مرتفعة عن الأرض مسافة 24 متراً. ولكن مقارنة طائرة ستراتولونش الجديدة مع الطائرات التقليدية ليس من العدل بمكان، فهي مصممة لغرض مختلف تماماً.

تأسست شركة "ستراتولونش سيستمز كوربوراتيون" على يد المؤسس المشارك ومؤسس شركة مايكروسوفت، بول ألين، في عام 2011. وتهدف إلى أن تكون منصة إطلاق هوائية لجعل الوصول إلى الفضاء "أكثر ملاءمة وموثوقية وروتينية". ومع ذلك، وفق ما تنصه رؤية الشركة، لديها طموحات أكثر جرأة من مجرد نقل الركاب من مدينة إلى أخرى. تقول الشركة: "نحن نعتقد أن تطبيع الوصول إلى المدار الأرضي المنخفض لديه القدرة على إعادة تعريف حياتنا من خلال خلق المزيد من الفرص للمنظمات التجارية والخيرية والحكومية لجمع البيانات الغنية والقابلة للتنفيذ ودفع التقدم في العلوم والبحوث والتكنولوجيا الفضائية".

وخارج دوره كمشارك في تأسيس واحدة من شركات التكنولوجيا الأكثر شهرة في العالم، ألين نفسه ليس غريباً عن مشاريع النطاق أو في الواقع تلك التي خارج الأرض تماماً. وهو معروف جيداً بأنه صاحب أحد أكبر اليخوت الفاخرة في العالم، (الأخطبوط إم126)، وكممول لمشروع "سبيس ون شيب"، أول مركبة فضائية خاصة تحمل مدنياً إلى الفضاء دون المداري ويعود في عام 2004. رؤيته لطائرة "ستراتولونش" هو الذهاب حتى أكثر من مسألة توفير إمكانية الوصول إلى المدار الأرضي المنخفض على نمط المطار في خطوة يعتقد أنها ستفتح إمكانات علمية وتكنولوجية. ويقول أنه "كما هو الحال مع الملايين من الآخرين، كنت مسروراً بفكرة استكشاف الفضاء، ومنذ ذلك الحين"، مشيراً إلى إنجاز رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين الذي كان أول إنسان يتمكن من الطيران إلى الفضاء الخارجي والدوران حول الأرض، مضيفاً "ولكني لم أتخيل أبداً أنه بعد مرور أكثر من 50 عاماً، سيظل الوصول إلى المدار الأرضي المنخفض مكلفاً ومعقداً وصعباً. وأنا مصمم على تغيير هذا للمساعدة في تعظيم إمكانات الفضاء لتحسين الحياة هنا على الأرض".

وللقيام بذلك، يقوم ألين ببناء أكبر طائرة على الإطلاق مع هيكل فريد ثنائي المركب مصمم لحمل حمولات بين هيكلي الطائرة بدعم من ستة محركات (بوينغ 747) من صناعة شركة "برات آند ويتني". وإذا أثبتت خططه نجاحها، فإن طائرة ستراتولونش سوف تكون قادرة على توصيل الأقمار الصناعية وغيرها من حمولة تبلغ أكثر من 500 ألف باوند، عبر مدارات ودرجات متعددة في مهمة واحدة مع مجموعة تشغيلية من 2000 ميل بحري.

من الأمور الحاسمة في التصميم هو إعادة استخدامها بالمقارنة مع الصواريخ التقليدية، والتي يتم التخلص منها أو تصبح غير صالحة للاستعمال بعد الإطلاق كما يحدث مع مؤسسة "سبيس إكس". كما أن هناك ميزة رئيسة أخرى وهي أن ستراتولونش ستكون قادرة على الإقلاع من مدرج يسمح لها بتجنب المخاطر بما في ذلك سوء الأحوال الجوية، وحركة المرور جواً، والنشاط البحري المكثف.

ما هي المزايا التي يقدمها هذا النهج الجوي من الإطلاق؟ يجيب ألين أنه أولاً، مع عمليات تشبه الطائرات، فإن منصة الإطلاق القابلة لإعادة الاستخدام لدينا سوف تقلل إلى حد كبير من أوقات الانتظار الطويلة التقليدية بين بناء الأقمار الصناعية وفرصة لإطلاقها في الفضاء". وثانياً، لأنه تم تصميم ستراتولونش لتسير في دائرة نصف قطرها يصل إلى 1000 ميل بحري، ويمكن أن تنطلق من مدارج مختلفة، وسوف توفر للعلماء والشركات وأصحاب المشاريع الفضائية مرونة أكبر بكثير، مثل القدرة على التهرب من مشاكل الطقس المحلية التي غالباً ما تفرض حالات تأخير في وقت غير مناسب بشأن إطلاق الصواريخ العمودية التقليدية.

ويضيف: "ثالثاً، مع تقليل أوقات الانتظار، وزيادة المرونة والمزيد من البعثات سنوياً، سنتمكن من خفض التكاليف وزيادة الفرص لوضع الأقمار الصناعية الصغيرة في المدار الأرضي المنخفض. وعندما يكون الوصول إلى الفضاء روتينياً، سوف يتسارع الابتكار بطرق تتجاوز ما يمكننا تخيله حالياً".

ويشير كشف النقاب عن ستراتولونش في يونيو لإجراء اختبارات الوقود، إلى الانتهاء من مرحلة البناء الأولي للطائرة والانتقال إلى مرحلة اختبار الطيران. كما أنه يمهد الطريق للانطلاق الأول في وقت ما من هذا العام وأول اختبار إطلاق الصواريخ، المتوقع في عام 2019. وإذا كان كل شيء يمضي وفق خطة الشركة فإنها تأمل في أن تعمل بكامل طاقتها بحلول نهاية العقد، على الرغم من أن ألين نفسه يعترف أنه من المرجح أن يكون هناك تحديات في المستقبل.

ويقول ألين أنه "كما هو الحال دائماً، لا يزال للفضاء حدود لا ترحم، والسماء العلوية بالتأكيد تقدم عقبات وانتكاسات يجب التغلب عليها"، مضيفاً: "ولكن التحديات الصعبة تتطلب نهجاً جديداً، وأنا متفائل بأن ستراتولونش سوف تخرج بفوائد تحويلية - ليس فقط للعلماء وأصحاب المشاريع الفضائية، بل بالنسبة لنا جميعاً".

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).