يزخر التراث الثقافي العربي والإسلامي بالكثير من الكتب التي تطرقت إلى موضوع الحب، وقد حظيت باهتمام عدد كبير من الأدباء والمفكرين في الغرب فيما مضى، كما ألقت بتأثيرها على الثقافة الأوروبية، إلا أن هذا الجانب الروحي أصبح في حالة مغيبة عن المشهد الثقافي الكبير اليوم.

من هذه النقطة، يتناول الدكتور مشهد العلاف في كتابه "روسينانت.. الحبّ السّامي" موضوع الحوار بين الثقافات والشعوب من خلال الأدب ومشاعر الحب السامية. يروي الكتاب قصة حب كبيرة ظلت طي الكتمان لفترة طويلة، قصة حب أَلَّفَتْ بين أوروبا وأدبائِها ومفكرِيها من جهة وبين آداب العرب من جهة ثانية، وامتدت منذ عصر الأندلس وحتى القرن التاسع عشر، و تجلت في تأثُّر الأوروبيين البالغ بالأدب العربي واللغة العربية وأخلاق العرب بما في ذلك احترامهم للمرأة.

يمنح هذا الكتاب الواقع في 200 صفحة، ثقافة أدبية موسوعية بحيث يعرّفه على أعمال المشاهير في موضوع الحب وأشجانه من أمثال الروائي الإسباني سرفانتس وروايته المشهورة "دون كيخوته"، والروائي الفرنسي ستندال وكتابه "عن الحبّ"، مروراً برجال دين مسيحيين مثل الراهب كابللانوس وكتابه "فن الحبّ"، والقسيس خوان رويز الذي استلهم كتابه "الحب المحمود" من كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي، ووصولاً إلى شعراء التروبادور.

كما ويلقي الكتاب، الصادر عن عن دار أقلام عربية للنشر والتوزيع في 2020، الضوء على الاهتمام البالغ الذي كان يبديه رجال الدين الغربيين للغة العربية، وتشجيعهم على ترجمة القرآن الكريم الذي أصبح الكتاب الأكثر مبيعاً في الغرب في القرون الوسطى. ويضم الكتاب قصصاً قصيرة مشوقة عن الحب مثل قصة إبن سرّاج والفاتنة شربفة مع الفارس المسيحي، وقصة حب المعتمد بن عبّاد في إشبيلية.

يقول العلاف في تقديمه للكتاب: "هدفي في هذا العمل أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن هناك حواراً حضارياً على مستوى اللغة العربية نفسها، والتعرف على القرآن الكریم، والأدب العربي، والمشاعر الإنسانية، والتعرف على احترام الثقافة العربية الإسلامية للمرأة، والتفنن في التغزل بها، وأجواء مشاعر الحب والغرام، حيث تركت الحضارة العربية الإسلامية، وخصوصاً حضارة أهل الأندلس، في إسبانيا، أثراً كبيراً على أوروبا حتى منتصف القرن التاسع عشر".

ويشير العلاف إلى أن الحضارة العربية الإسلامية كانت حضارة موسوعية عميقة في جذورها، وإنسانية في طابعها، ولها من الشجاعة ما يمنحها قوة الاعتراف بفضل الحضارات الأخرى السابقة عليها.

أما خاتمة الكتاب، فهي محاولة المؤلف الإجابة عن السؤال الخالد في حياة البشر ألا وهو: "ما الحبّ؟" ومن جملة ما يقوله: "لا أميل إلى قول أفلاطون في أصل الحب، ولا إلى نظرية ابن حزم، ولا إلى نظرية ستندال، ولا إلى غيرهم، لأننا إذا قدمنا تعليلا للحب فإننا سنقوم بتحويله من موضوع شاعري يتبدى لنا جميلا في حجب الغموض إلى موضوع علمي بحت فاقد البهجته وجاذبيته، ولهذا تجد مثلا أن إرجاع الحب إلى أسباب فسيولوجية يؤدي إلى قتل الحب، لأن الحب أكثر من هذا وأعقد منه بكثير".

ويضيف: "أعتقد أننا البشر لن نتمكن في يوم ما من معرفة حقيقة لماذا نحب؟ ولم كان هذا الشخص بالذات محبوباً لدينا بهذا القدر من التعلق والجنون؟ وكيف يحرك فينا الحب هذا القدر غير الإرادي من التأمل الكريستالي والتوحد مع من نحب، وكأن أرواحنا في هيام دائم في فيض من نور، وكأننا نساق إلى السعادة بقدر محتوم".

يجدر الذكر أن الدكتور مشهد العلاف حاصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة العلم والميتافيزيقا من الولايات المتحدة الأمريكية. درّس في جامعة واشنطن وجامعات أخرى في أمريكا. حصل على زمالة بحث من جامعة كيمبردج في المملكة المتحدة، ونشر كتباً وأبحاثاً باللغتين العربية والإنكليزية. ويحاضر حالياً في الجامعة الأمريكية برأس الخيمة، الإمارات العربية المتحدة.

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).